ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى المجلد 1

اشارة

نام كتاب: ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مؤلف: 1430 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 10

ناشر: گنج عرفان

تاريخ نشر: 1427 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 65- 7958- 964

الجزء الاول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 4

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا

وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 5

مقدمة من المؤلف

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مقدمة من المؤلّف

[فى أهميت العلم]

و بعد فغير خاف على كل من له قليل إلمام برسالة الاسلام و تعاليمه و مناهج و مقاصده و الطلع على تعاليمه القيمة شرف العلم و اهميته و العلماء و المتعلّمين في هذا الدين الحنيف و أنّ دعوته قامت على العلم و رفع ألويته على مكافحة الجهل و إماتته، حتّى أنّه لو كنّا نحن و بيان مشخّصات الدين الاسلامى الحنيف و ما يمتاز به عن غيره من الأديان و المسالك، نرى انّ الترغيب على طلب العلم و تفضيل العلماء على سائر الطبقات و تخصيصهم بخصائص عظيمة في الدنيا و الآخرة، كان من اهمّ الامور الّتي كانت مورد نظر صادع الاسلام.

فمن راجع القرآن الكريم و الأخبار الصادرة عن الرسول العظيم و الائمة الطاهرين «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين»:

رأى أنّ العلم هو الغاية القصوى و المقصد الا على في الاسلام:

فانظر الى قوله تعالى:

أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ آنٰاءَ اللَّيْلِ سٰاجِداً وَ قٰائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 8

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ «1».

و قوله تعالى:

وَ مِنَ النّٰاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعٰامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ كَذٰلِكَ إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ «2».

بل خلق اللّه السماء و الأرض للعلم كما قال سبحانه و تعالى:

اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً «3».

و قال عزّ من قائل:

إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ «4».

و قوله

تعالى شأنه:

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ «5».

و اما الروايات فكثيرة نذكر بعضها تيمّنا:

1- «منها» مما عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبيه ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

______________________________

(1) سورة الزمر، الآية 9.

(2) سورة الفاطر، الآية 28.

(3) سورة الطلاق، الآية 12.

(4) سورة الفاطر، الآية 28.

(5) سورة الزمر، الآية 9.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 9

«طلب العلم فريضة على كل مسلم الا انّ اللّه يحبّ بغاة العلم» «1».

2- و «منها» عن مفضّل بن عمر قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عليكم بالتفقّه في دين اللّه و لا تكونوا اعرابا، فانه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة و لم يزكّ له عملا» «2».

3- و «منها» ما عن أبان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

«لوددت أن اصحابى ضربت رءوسهم بالسياط حتّى يتفقهوا» «3».

منها ما عن معاوية بن عمّار قال:

«قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: رجل راوية لحديثكم يبثّ ذلك في الناس و يشدّده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعلّ عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية ايّهما أفضل؟

قال: الراوية لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» «4».

فالمراجع بالقرآن الكريم و الأخبار الصادرة عن الرسول العظيم و العترة الطاهرة «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم» و من يكون تمسكه بالثقلين يصل الى غير ذلك مما يدل على شدة الاهتمام بالعلم و عظم موقعيته و علوّ درجة حملته و طلابه و مراتب فضلهم و امتيازهم على غيرهم و لا يسعه المقام.

بل الغرض التنبيه الاجمالى على ما هو مشهود لكل

من له ادنى بصيرة بشئون الاسلام و تعاليمه القيمة في الجهات العامة و الخاصة المبتلى بها للناس لا صلاح امر

______________________________

(1) الرواية 1 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(2) الرواية 7 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(3) الرواية 8 من الجزء 1 من الباب 1 من ابواب فرض العلم و وجوب طلبه من اصول الكافى.

(4) الرواية 9 من الجزء 1 من الباب 2 من ابواب فضل العلم من اصول الكافى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 10

دينهم و دنياهم و آخرتهم.

جامعية نظر الاسلام

انّ تحريض الاسلام و حثه و ترغيبه على طلب العلم عام، يشمل جميع العلوم النافعة المفيدة المحتاج إليها في أمر المعاش و المعاد و الدنيا و الآخرة فكما يرغّب في العلوم المعنوية يرغّب في العلوم الماديّة مما يصلح به معاشهم و معادهم، و لا في العكس فانّه ليس يرغّب فحسب، بل يحذّر عما يفسد أمرهما و يختل به نظاماتهم الإنسانية و يرديهم الى السقوط و التسفل و الزوال.

فالاسلام يرى العلم سلّما لكل كمال و ثمنا لكل غال دنيويا و اخرويا، يرقى به الانسان الى أعلى المراتب و الدرجات و نورا يستضاء به و يرى الجهل ظلمة و موتا لا ظلمة اظلم منه و لا موت مثله و قيمة كل امرئ ما يحسنه.

فالعلم هو الفوز و الحياة الحقيقية و مرقاة الكمال فالعلم أو «ما يسمّى علما» الّذي لم تكن له هذه الخصيصة بحيث لا ينتفع به الانسان لا في دينه و لا في دنياه، بل تضيق به دنياه و يخسر به آخرته و

يفسد دينه، ليس يرغّب الاسلام إليه، فحسب بل يبغضه اشد البغض، و ليس بعلم حقيقة.

كما ترى في عصرنا هذا من ضنك العيش و كثرة الابتلاء و المخاصمات و المنازعات و سفك الدماء و هتك الاعراض و التعدى و تجاسر بعض على بعض، و سلب الحريّة و تسلط أيادى الاستعباد و الاستثمار و ذلك ليس إلّا نتيجة ترك العمل بالعلم و رفض المناهج الاسلامية، و الأخذ ببعض المناهج الكافرة و الاشتغال بتعليمها و تعلّمها.

و ليس العجب من الذين أشاعوا أمثال هذه الامور و سمّوها علما لدواع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 11

باطلة و اغراض هائلة و التسلط على البشرية جمعاء خصوصا على الممالك الاسلامية و تمتّعهم بكلّ ما في أيديهم ممّا انعم اللّه عليهم من المواهب اسباب الخير و السعادة.

بل العجب كل العجب من الذين جعلوا انفسهم عبيدا لهم بالاختيار طوعا و رغبة، و بخاصة المسلمين الذين كانت بايديهم مفاتيح كل علم و كل ما هو سبب للرقى و الكمال، و كان الحرىّ بهم أن يجمعوا غيرهم تحت لوائهم، فالاسف- كل الأسف- أن المطاع صار مطيعا و الاحرار اصبحوا عبيدا.

و كانوا أغنياء من جميع الجهات، من جهة العلم و القدرة و الاستيلاء بحيث «خاب كل جبار عنيد» من خوفهم، و نشروا العلم في أقطار العالم.

و مع الاسف الشديد انهم اصبحوا فقراء يبسطون أيديهم الى كل جانب، فهم بين المتمسك بالغرب و المتمسك بالشرق، و هم تبع لسياسات الحكومات الفاسدة و مناهجها، لا استقلال لهم في جانب من الجوانب.

هذا جزاء من ترك السبيل الاعظم و الصراط الاقوم و هو الاسلام و علومه و معارفه و مناهجه في كل ناحية من نواحى الحياة.

فبالنتيجة ان

المفسدين، استعانوا بالعلم على هدم العلم فزادوا في جهلهم و ضلّوا و اضلّوا عن سواء السبيل:

و على كل حال الى هنا عرفت ان هدفنا بيان ميزان اهمية العلم و موقعيّته ماديّا و معنويّا، و ما هو منظور الاسلام في الجملة.

العلوم الاسلامية

لا يخفى أن العلوم الاسلامية على كثرة شعبها و فنونها:

قسم منها يتكفل كمال الانسان و يعيّن مناهجه الاعتقاديّة و الفكريّة في معرفة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 12

اللّه تعالى و صفاته الكماليّة و النبّوّة و الامامة و المعاد مما يستقيم و يصحّ به ما لا بدّ للانسان من الاعتقاد به، و بعبارة اخرى غايته تكميل القوى النظرية و هو المسمى بعلم الاصول.

و قسم منها علم يضمن معرفة ما به سعادة الانسان، في ناحية العمل و تكميل القوى العملية في النواحي المختلفة و هو المسمّى بعلم الفروع.

و حيث أن الاسلام كما عرفة اللّه تعالى في قرآنه الذي نزله على نبيه الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهداية الانام، فقال جلّ جلاله:

إِنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً «1».

يهدى الى الطريق الاقوم في كل ما يتعلق بالقوى العلميّة و العمليّة و الدين و الدنيا و يدعو الى التوحيد الخالص و الخضوع و التسليم لحكم للّه وحده و حكومته.

فلو وصل المجتمع الى درجة لا حاكم فيه الا اللّه و احكامه و لا نظام له الا النظام إلهى فاز بسعادة النشأتين و خير الدارين لان الحكم له «أمر أن لا تعبدوا الا اياه له الدين الخالص» فلا تخرجوا من سلطان احكام اللّه تعالى و لا تدخلوا في سلطان احكام غيره و النظامات التى

ليست من الاسلام بشي ء.

موقعيّة علم الفقه و شرافته

لا ريب في شرافة علم الفقه و موقعيّته و اهميّته و هو العلم بالفروع بعد العلم بالاصول لانه هو العلم الذي به قوام الدين و الدنيا و نظام المعاش و المعاد.

______________________________

(1) سورة الأسراء، الآية 9.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 13

و به يعرف ما هي الوظيفة و المسئولية في كل ما يفعل و يترك من الأمور.

و به يعرف الانسان ما هو مكلّف به أمام خالقه و ربّه و ما انعم عليه المنعم الحقيقي من النّعم الظاهرة و الباطنة و أمام اوليائه و عباده، بل جميع مخلوقاته في ارضه و سمائه.

و به يعرف الحلال من الحرام و نظم اللّه تعالى في الحياة الفرديّة و الاجتماعيّة و السياسية منها و الاقتصادية و العمرانية و ربطه بالمجتمع و ربط المجتمع به.

فما من ناحية من نواحى الحياة الإنسانية إلا و علم الفقه يتكفّل بيان نظامها.

فيصحّ أن يقال: ان نظام الدين و الدنيا قائم به، لان هذا العلم بأشعته الوسيعة و جامعيّة اطرافه ضامن لقضاء جميع الحوائج البشريّة عبر القرون و مدى الايام الى يوم القيام، فلم يوجد و لن يوجد قانون أتم و أكمل و أوسع و أشمل من القانون الاسلامى المدوّن في كتب الفقه و خصوصا الفقه الجعفري و هو مما يعترف به كل منصف مراجع للقوانين المتداولة المنتسبة الى دين من الاديان السالفة أو موضوعة بالفكر البشرى.

و هذا الاسلام ينادى باعلى صوته هاتوا ايها الناس و خذوا من خزائن علوم الاسلام و اغترفوا من بحار معارفه.

فعندى دواء كل داء و شفاء كل سقم و جهل و بلاء و سبيل فوزكم و فلا حكم و صلاح دنياكم و عقباكم الى اين

تذهبون لا تذهبوا الى الشرق و لا الى الغرب، و لا تقلّدوا الكفّار و اليهود و النّصارى، و لا تتّبعوا اهواءهم، و لا تسلكوا مسالك الالحاد و الضلال و مناهج جبابرة الأرض، و لا تكونوا عبيدا لهم، و لا تطيعوا امر المسرفين الذين ملحدون في آيات اللّه و يجلسون على كرسىّ التشريع و جعل الاحكام و سن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 14

القوانين كونوا عبيد اللّه احرارا.

ميزة تمتاز بها الاسلام عن ساير الاديان

ان تعاليم الاسلام ليست مقصورة على الجهات الدنيويّة و الماديّة، أو على الجهات العباديّة و الروحيّة كسائر الاديان من اليهوديّة و النصرانيّة عند اليهود و المسيحيين المنعزلة عما يحتاج إليه الانسان في شئونه المختلفة، بل امتاز الدين الاسلامى الحنيف باشتماله على جميع حاجات البشر.

و هو كما أتى بتعاليم قيّمة في الجهات الروحيّة من المعارف و العبادات و الاخلاق كذلك عرض على البشر انظمة اجتماعية و فرديّة سياسيّة و اقتصاديّة و غيرها، فلم يدع ناحية من نواحى الحياة الإنسانيّة إلا و قد جاء فيها بأرقى التعاليم و أكمل الارشادات، فاذا قيست تعاليمه و انظمته بسائر الانظمة قديمها و حديثها لفاقتها و كانت اعلى نظام في العالم:

فالاسلام فلسفة خاصة و حكومة و سياسة خاصّة و اقتصاد و نظم خاص و له في كل ميدان مجال و مناهج خاصّة و علم الفقه يتضمن ذلك كله و لذا يحتاج إليه العابد في عبادته و القاضى في قضائه و ولاة الامور في ولايتهم و حكومتهم و التجار في تجارتهم و الصنّاع في صنعتهم و الجندى و الطبيب و الزوج و الزوجة و الوالد و الولد و المتعلم و المعلم و الامير و الوزير و ارباب الحرف و المعاملات في

حرفهم و معاملاتهم.

حيث أنّ لكلّها احكاما من الواجب و الحرام و المستحب و المكروه و المباح و علم الفقه متكفّل لبيانها و فهم حالها و ناهيك عن عظم منزلته أيضا انّ علوما كثيرة مع علوّ قدرها و سموّ مرتبتها و مطلوبيتها بنفسها، تكون من مقدّماته كعلم التفسير و الاصول و الحديث و الرجال و الدّراية و المنطق و العلوم العربيّة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 15

و ممّا ذكر اجمالا من عظم مرتبة هذا العلم و دخله في سعادة الدارين، تعرف صحّة ما يقال إن فائدته، الفوز بالجنان فمن يجعل اعماله على طبق ما يقتضيه الفقه فاز بالجنان و نال رضى الرحمن.

و لما عرفت من علوّ قدرة و خصوصا للترغيب و التحريص من صادع الشرع و اولياء الدين بالنسبة إليه و دخله في النظامات البشرية:

شمّرت عن ساعد الجد لتعلّم هذا العلم و تعليمه و نشره جماعة كثيرة من رجالات الدين و العلم و أصحاب النبي و الائمة «صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين» و من بعدهم من العلماء العظام و الفقهاء الكرام الى عصرنا هذا منذ طلوع فجر الاسلام و بزوغ نوره فبذلوا جهدهم و اتعبوا نفوسهم الزكية في الاجتهاد و استفراغ الوسع لتحصيل لاحكام تغربوا عن الاوطان و هاجروا الاهل و الاولاد ليتفقهوا في الدين لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون «1»، فصاروا مصابيح الظلال و اعلاما بين الانام.

امتياز الشيعة

اشارة

من تتبّع سير علم الفقه منذ ظهور النبوة المحمديّة و عصر الصحابة و التابعين الى زماننا هذا بنظرة منصفة يجد أنه اخذ في البسط و التوسع بكثرة نظر العلماء فيه و تدبّرهم في نصوص الكتاب و السنّة في الوقائع التي

وقعت مورد ابتلاء الامة على مرور الاعصار و الازمنة و الرغبة الى هذا العلم كسائر العلوم الاسلامية.

و قد تقدّم في ذلك الشيعة الاثنا عشرية على سائر الفرق و المذاهب، و لهم في ذلك آثار و مآثر و خدمات خاصة لا ينساها تاريخ الفقه الاسلامى.

______________________________

(1) سوره التوبة، الآية 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 16

و حازوا هذا التقدم و البراعة في الفقه لجهات نذكر بعضها.

الجهة الاولى

أنّهم اخذوا بوصية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم المرويّة عنه في الخبر المتواتر المعروف، الذي اخرجه جماعة كثيرة: من الحفّاظ و اصحاب الصحاح و السن و المسانيد و الجوامع بل التراجم و التاريخ و اللغة و التفسير من الفريقين بمتون يقرب بعضها من بعض و يفسّر بعضها البعض.

إنّى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي، ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا ابدا و انهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

فتمسّكوا بالكتاب و العترة و رجعوا إليهم في كل باب من ابواب العلوم لاسلاميّة، و تفسير القرآن و السنة النبويّة، و الاحكام الشرعية، و احتجّوا بأقوال ائمة العترة و استندوا إليهم في امورهم كلّها.

و أما غيرهم ممن سمّوا أنفسهم أهل السّنة، تركوا الرجوع الى العترة، و رجعوا الى من لا يجوز الاحتجاج بأقواله و أفعاله شرعا، بل بينوا أمرهم على ردّ قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ترك السّنة و إلغاء حجّيتها، و مؤاخذة من يرويها، و كان شعارهم الباطل الّذي يخدع به العوام «حسبنا كتاب اللّه» فضّلوا و اضلّوا و تأخروا.

و كان أوّل من نطق بهذا الشعار و تفوه بهذه المقالة قبال طلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

الدواة و القرطاس ليكتب لأمّته ما لا يضلّوا بعده عمر بن الخطّاب ردّا على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و قال حسبنا كتاب اللّه و لم يكن قاصدا به الّا ردّ كتاب اللّه، و لو كان صادقا في كلامه و لم يرد الباطل فلم خالف نصّ كتاب اللّه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 17

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1».

و لم يطع الرسول و خالف أمره فهو قتل الكتاب بسيف الكتاب و نبذه وراء ظهره و في الحقيقة فتح باب الردّ على الكتاب و اهل البيت الذين جعلهم النّبي بأمر اللّه تعالى تالى الكتاب.

و العجب كل العجب من الحاضرين و غيرهم من المسلمين كيف لم ينكره احد منهم و لم يردّوا عليه، و الحال أنّه لو اخذوه بما قاله لم تجر هو و لا غيره على تغيير الاحكام و وضع البدع و جعل الحلال و الحرام في قبال حكم اللّه تعالى الذي ليس لاحد من الانام تغييره و التّصرف فيه و ما صنعوا بعلى عليه السّلام و بفاطمة عليها السّلام بضعة النّبي الأمين و ما عملوا في الاسلام و ما أقعوا فيه المسلمين لانّ ما ينزل على المسلمين من النوائب و يصيبهم من المصائب و ما آل إليه أمرهم من الذّلّ و الانحطاط ليس إلّا نتيجة هذا التهتك و نظائره من السقيفة و غيرها.

و انّما نطق بذلك هذا الرّجل لعلمه بأن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يريد تأكيد أمر ولاية عليّ عليه السّلام الّتي نصّ عليها في مواقف متعدّدة سيّما في غدير خم.

فمنعه عن مثل هذه الوصيّة الّتي

كانت أمانا للامّة من الضّلال بهذا الشعار الّذي افتتن به جمع من الحاضرين.

و بعد ذلك هو و صاحبه أبو بكر اصرّا على ان لا ينقل أحد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حديثا:

بل أحرق ابو بكر ما كان بيده من الاحاديث:

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 59.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 18

و على كل حال تركوا العترة مع كونها احد الثقلين و باب علم النّبي الّذي صرّح به في غير مورد و قد اخرجوه بطرق عديدة عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«انا مدية العلم و عليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب».

و العترة عليّ عليه السّلام باب العلم و اولاده المعصومين الذين ورثوا علم النّبي و الوصى و لا يقولون الّا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما صرّح به ابو عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام فيما يروى عنه «1».

و أمّا الشيعة فقد تمسكت بالقرآن و العترة فلا يستندون في ما يقولون في الفقه و سائر العلوم الشرعية الّا الى القرآن الكريم و العترة الطاهرة.

الجهة الثانية

لأن الشيعة حيث تمسّكت بالثقلين استكفت الكتاب و السنة و هى نصوص العترة و احاديثهم في الفقه، فما من واقعة و حادثة إلا و هم يستنبطون حكمها من القرآن الكريم و النصوص و الاحاديث المعتبرة و لا يجوّزون الاستناد و الرجوع لهم و لا يحتاجون الى ما استند إليه اهل السنة من القياس و الاستحسان، لغناهم بما في ايديهم من بيان القرآن و النصوص الجليّة.

______________________________

(1) رواية 14 من باب رواية الكتب و الحديث و فضل الكتابة و التمسّك بالكتب من ابواب فضل العلم من الكافي جلد 1 يروى

الكليني رحمه اللّه باسناده عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غيره قالوا سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول حديثى حديث ابي و حديث ابي حديث جدى و حديث جدى حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليهم السّلام و حديث أمير المؤمنين حديث (رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و حديث رسول اللّه (قول اللّه عزّ و جلّ)

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 19

و أما اهل السنة بحيث أن ما في ايديهم من السنة مع غض النظر عما في بعضها من ضعف السند حتى بحسب مبانيهم ليست كثيرة وافية بجميع الاحكام و القرآن حيث لا يمكن منه استفادة جميع الاحكام، و لم يرجعوا في تفسيره و بيان خصوصه و عمومه و مطلقه و مقيّده و كذا في السنة النبويّة لم يرجعوا في الخصوصيات المشتملة عليها إلى اهل البيت عليهم السّلام و لذلك لم يهتدوا الى المراد منها، و لم يدركوا مقاصدها فتشبثوا بالقياسات الواهية الباردة و الاستحسانات السخيفة، و السنة كما قال ابو عبد اللّه عليه السّلام إذا قيست محق الدين «1».

و أنّ أوّل من قاس ابليس، كما في روايات رويت عن اهل البيت المعصومين عليهم السّلام «2» فمن اخذ بالقياس تبع ابليس لعنه اللّه.

ففسّروا القرآن و تأولوا بآرائهم، مع انه كما في الخبر خطابا لبعضهم (و ما ورثك اللّه من كتابه حرفا) «3» ما رزقوا من كتاب اللّه حرفا و انما يعرف القرآن من خوطب به.

بل تركوا بعض نصوص القرآن الكريم و نبذوه وراء ظهورهم تبعا لمن كان مبدعا في دين اللّه و

قال على خلاف ما انزله اللّه تعالى و ما بيّنه رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم «متعتان كانتا محلّلتان في عهد رسول اللّه و أنا احرّمهما» مع أن الحكم ليس إلّا للّه.

فمن عطف النظر الى ما مسّت الحاجة إليه في الفقه في أى جهة من الجهات و لا

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 4، الباب 7 من ابواب المقدّمات عن ابان بن تغلب عن ابو عبد اللّه عليه السّلام قال انّ السنّة لا تقاس الا ترى ان المرأة تقضى صومها و لا تقضى صلاتها يا ابان ان السنة إذا قيست محق الدين).

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 284، ح 37، باب 7.

(3) جامع احاديث الشيعة، ج 1، ص 289، ح 46، باب 7.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 20

بدية فهم احكامها، ثم نظر الى ما في ايدى أهل السنة من المدارك في الفقه و الحلال و الحرام رأى ضعف طريقتهم، و انه ليس عندهم ما يرتفع به حوائج المجتمع البشرى في مقام بيان حكم الموضوعات المبتلى بها خصوصا في عصرنا الذي تستجد فيه الوقائع المستحدثة في كل ناحية من النواحي:

هذا صحيح البخارى الذي هو من اهم كتبهم في الحديث و اعظم مآخذهم في الفقه لو أخرجنا منه الاحاديث المذكورة فيه غير المربوطة بالاحكام لم يبق إلا احاديث قليلة لا يغنى لاقل قليل من الاحكام فكيف بتمامها.

ثمّ ينظر الى جوامع احاديث الشيعة فيرى انهم اغنياء في كل باب من ابواب الفقه، و من حيث تعيين حكم كل موضوع من الموضوعات حتى أرش الخدش.

و لهذا لا يسأل فقيه من فقهاء الشيعة عن حكم فرع من الفروع إلا و بين

حكمه و استند في فتواه الى النصوص و هذه ميزة اختصوا بها دون غيرهم.

و يظهر لمن راجع فقههم استنادهم في فتاويهم الى النص إما من الكتاب او من السنة النبويّة او روايات اهل البيت. الائمة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

و اما أهل السنة فيستندون في فتواهم غالبا الى القياس و الاستحسان.

الجهة الثالثة فتح باب الاجتهاد عند الشيعة

و هو أنه يمكن و يجوز لكل فقيه عالم استفراغ الوسع بنفسه لتحصيل الحجة على الاحكام على الكيفيّة المعهودة في محله، و لهذا ترى أن هذه الفرقة الناجية في طول القرون الماضية على الاسلام يجتهدون كمال الجهد فى فهم الاحكام المبتلى بها في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 21

الموضوعات و الحوادث الواقعة، و كل مجتهد من مجتهدى الشيعة يجتهد بنفسه لفهم الحكم الشرعى من النص و لا يقلّد مجتهد مجتهدا آخر.

بخلاف اهل السّنة فان باب الاجتهاد منسدّ عندهم في الحقيقة، لانّهم يتبعون ائمّتهم الاربعة، فهم اما مالكىّ او شافعىّ. او حنفىّ او حنبلىّ.

بمعنى انّهم المرجع في فقههم و حجّة لهم و من بعدهم يتّبعون آرائهم لا يحق لاحد سواهم التفقه او الاجتهاد و ليت شعرى من خصّ الاربع بهذه الخصيصة؟

و منع غيرهم عنها ففي الحقيقة اهل السنة ليسوا تابعين للقرآن و السنة كما يدّعون، بل هم تبعة هؤلاء الاربعة و كل فرقة من فرقهم تنسب إلى واحد منهم.

و مع هذا الجمود يصبحون حيارى فيما لا أثر له عن هؤلاء الأربعة و فيما بقي من آثارهم.

مضافا الى أنهم لا يصلون غالبا الى ما هو الواقع من الاحكام الصادرة عن اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في القرآن و السنة، لعدم تمسكهم بما يجب التمسّك

به كما عرفت و لهذا ترى أنهم في عصرنا بعد ما رأوا شناعة هذا التقليد لانهم مع الجمود باقتفاء اثر هؤلاء الاربعة لم يقدروا على اقناع تابعيهم لجئوا الى رفع اليد عن هذه الطريقة، و عدل بعضهم عن هذه الرّواية، و هذا اقوى شاهد على فساد اصل الطريقة.

و الحاصل أن هذا الامتياز و هو فتح الاستنباط و الاجتهاد عند الشيعة جعلهم في فسحة من حيث استنباط الاحكام و فهمها من النصوص و مداركها و سدّ حاجة من لم يكن مجتهدا من المسلمين و بيان الحلال و الحرام عن مبانيها الصحيحة على طبق ما يستنبطونه من الكتاب الكريم و السنة و الاحاديث الموثوق بها الصادرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 22

عن النبي و الائمة «صلوات اللّه و سلامه و عليهم».

خدمة الشيعة و علمائهم

اعلم أن الشيعة في كل عصر من العصور الاسلاميّة من الاول الى الآن أقدم فرقة بين الفرق الاسلامية و اسبقها في تأسيس فنون العلوم و ضبطها و حفظها لا سيّما العلوم الاسلامية تأليفا و تدوينا، و هذا امر يظهر لكل باحث منصف في تاريخ العلوم الاسلامية و غيرها مما برز المسلمون فيه.

و علماء الشيعة و كتّابهم و رواة أحاديثهم اهتموا بالعلوم الاسلامية غاية الاهتمام، فحفظوا ما صدر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و عترته المعصومين عليهم السّلام و جمعوا الاحاديث و الروايات الماثورة عنهم، في العلوم المختلفة حيث كان اهل السّنة، غافلين عن ذلك او متغافلين بل كانوا مانعين عنه و ساقتهم السياسة الى خلافه، لانّ زعماء هم المنحرفين عن مسير الحق و الغاصبين للخلافة و شئون اهل البيت لمّا رأوا ان الاحاديث الصّادرة عن رسول اللّه لو

اجتمعت و حفظت عند حفاظ الحديث لظهر الحق و حقّانية اهل البيت عليه السّلام و يظهر فساد مسالكهم و ظلمهم اهل البيت و غصبهم حقهم و مخالفتهم لما نصّ عليه اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و بالنّتيجة لا بدّ و أن ينزلوا عن العرش الذي صعدوه و عن المقام الذي بالباطل اخذوه و يردوا كل ما غصبوه حرّموا حفظ الحديث و آثاره و جمعه و نشره حتى يحولوا في باطلهم و يمحوا أثر الدين و ما جاء به الرسول الامين صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و قد تحمّلت الشيعة في حفظ هذا المشروع العظيم انواع البلاء ما يفوق حد التصور، من الشّتم و الضّرب و السّجن و نفى البلد و القتل و الحرمان عن ابسط الحقوق:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 23

و لم يصرفهم كلّ ذلك عن القيام بما يجب عليهم لما أدركوا من الوظيفة و المسئولية امام اللّه تعالى و دينه:

و على رغم أنف الذين يحبّون الاندراس و الانطماس و يريدون اطفاء نور الدين و محو اسم الرسول و قرآنه و شريعته كما قال ابو سفيان الملعون و المشعب إليه اعنى معاوية عليه الهاوية و همّوا باخراج الرسول و عود الناس بالجاهلية، و كل ذلك فعلوا باسم الدين و القرآن و هما بريئان منهم.

و قد دافع بحمد اللّه حماة الدّين و ناصروه من الشيعة عن العلم و الحق حتى حفظوا الآثار بسعيهم و أوضحوا الطريق بجهدهم و بسطوا بساطه و جمعوا موائده فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر حتى أن اللّه تعالى حفظ دينه القويم بيدهم

من كيد الحاسدين و المعاندين و مردة الشياطين، و نحن بحمد اللّه على هذه الموائد متمتعين و نقول الحمد للّه ربّ العالمين و نشكر السلف الصالح على ما اورثه من العلم و الشرف للخلف.

فكم من تأليف و تصنيف في فنون العلوم الاسلامية و غيرها ألّفوه و صنّفوه و قد وصل إلينا يدا بيد و إن ضاع كثير منه لاجل ما بيّنا في تصاريف الدهور و بايدى الظلمة و الامراء و السلاطين الخونة و الخلفاء الغاصبين و الخائنين المتسللين في صفوف اهل العلم الموظفين من قبل الحكومات الجابرة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم و شروا يوسف الدين بالثمن البخس فما لهم في الآخرة من نصيب.

توفيق الشيعة بحفظ الآثار مع شدة ابتلائهم

و على كل حال إن الشيعة رغم شدة ابتلائها و خصوصا حملة العلم منهم حيث كانوا مضطهدين محفوفين بانواع البلاء بذلوا وسعهم لحفظ اساس الشريعة و دين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 24

سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلم و العلوم و المعارف الاسلاميّة و الحلال و الحرام الخارج عن بيت صادع الاسلام من البيت الذي اذن اللّه ان يرفع و يذكر فيه اسمه و من باب علمه و هو على عليه السّلام.

فحرّسوا بجهدهم فقه آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و في اثر هذه المجاهدات ألّفوا و صنّفوا تاليفات ثمينة و تصنيفات قيمة ممتعة لم يمض عليهم يوم إلا وهم في الرقى الى المدارج الشامخة في العلوم و بلوغ اقصى مناهجه.

فجعلوا تبعتهم بركة هذه المجاهدات غنى من كل غنى من ميدان العلم و العمل و سائر الجهات.

«وضع الفقه و ضبطه و حفظه على ايدى اصحاب الائمة عليهم السّلام من العصر الاول

الى زمان الغيبة الكبرى».

بعد ما عرفت أن الشيعة هم الذين اخذوا الدين بحقيقته، و اتبعوا امر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم من التمسّك بالثقلين «كتاب اللّه و عترته» فاخذوا العلوم عن مأخذه و شربوا الماء العذب من مشربه. لانهم اخذوا معالم دينهم، بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، عن باب علمه أمير المؤمنين عليه السّلام، الّذي عنده علم كلّ شي ء، من القرآن و غيره كما قال اللّه تعالى في كتابه الكريم:

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ «1».

و لهذا انتشر عنه عليه السّلام و عن اصحابه و تلامذته من العلوم ما لا حصر له و لا

______________________________

(1) سورة الرعد، الآية 43- للروايات الواردة من الفريقين على ان المراد من الذي عنده علم الكتاب هو على عليه السّلام و لا ينحصر علمه بعلم القرآن بل عنده كل العلوم كما يظهر في الأخبار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 25

حدّ فانظر الى مؤسّسى العلوم الاسلاميّة و غيرها و فنونها و مؤلفيها و حامليها لترى أن جميعها ليس إلا قبسا من انوار علومه عليه السّلام و قطرة من بحار فضائله كابن عبّاس حبر الامة و غيره و هكذا عن ولديه الحسن و الحسين سيّدى شباب اهل الجنة و زين العابدين و من بعدهم من الائمة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

فمن المؤسف جدّا أن ابتلى هؤلاء الاربعة من الائمة بما ابتلوا به من معاداة المعاندين و كيد الحاسدين و بغى الظالمين الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و احلّوا قومهم دار البوار الغاصبين لحقوقهم و مشرّديهم و قاتليهم.

منعهم

عن بيان علومهم و نشر معارفهم الماخوذة عن مشكاة الوحى و مدينه العلم و منعوا الناس عن الاستضاءة بأنوار علومهم و المعارف التي كانت عندهم.

و لهذا لم يبرز و لم يظهر منهم ما يبغى ظهوره الا الاقل من القليل و النزر اليسير و انت مع ما ترى من صدور انواع المعارف و العلوم و انحاء الفضائل في الجهات المختلفة مما يجب معرفته و علمه من معرفة اللّه تعالى و صفاته و خصوصا بيان قدرته فى عجايب مخلوقاته و مما يحتاج الناس إليه في امورهم من السياسات و الآداب و الاخلاق و الحلال و الحرام، و علم المنايا و البلايا في المواضع المختلفة كما يظهر لمن راجع خطب أمير المؤمنين عليه السّلام و ادعيته و كتبه و كلماته و كذا في ما صدر عن الحسن و الحسين و زين العابدين عليهم السّلام في المقامات المختلفة و قد ملأ اقطار الأرض من علومهم و يباهى بها عالم الإنسانية و صارت مورد الاعجاب المؤالف و المخالف.

و مع هذا ليس ما ظهر و برز في جنب بحار علومهم الا قطرة لان عندهم العلم بما كان و ما يكون و ما هو كائن.

حتّى انتهى الامر الى زمان باقر علومهم و صادقهم عليهما السّلام فهذان الامامان لفسحة حاصلة من اوان افول دولة بنى امية الجائرة الكافرة و ابتداء حكومة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 26

بنى العباس الحكومة الخائنة الغاصبة، انتهزا الفرصة و قاما حقّ القيام و اظهرا العلوم و المعارف الالهية و اجتمع حولهما الآلاف من التلامذة من الفقهاء و الحكماء و المحدّثين و الجهابذة في شتى العلوم و فنونه فراجع كتب الآثار و التاريخ و الفهارس

و الرجال حتى يظهر لك أنهما عليهما السّلام بلغا منتهى الغاية في تربية رجال العلم الذين يفتخر بهم الاسلام و المسلمون فاقتبسوا من نور علمهما و نشروه في اقطار العالم بحيث أن العلماء الى الآن يعيشون فيما بسط من علومهم و يستضيئون بانوارها في كل فن و باب فقلّ ما يوجد موضوع من الموضوعات و مسئلة من المسائل اصولية كانت او فرعية الاوفيه رواية او روايات صدرت عن الباقر او الصادق او كليهما عليهما السّلام.

فيصحّ ان يقال كما اعترف به بعض العلماء من اهل السّنة أنّ المسلمين عائلتهما.

ثم ان من بعدهما من الائمة «صلوات اللّه و سلامه عليهم» أيضا بسطوا بساط العلم و نشروا المعارف المودّعة عندهم و أدّوا رسالتهم العلمية و تخرج على ايديهم و مدرسهم الكبيرة رجالات العلم.

خصوصا الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السّلام لبعض الامكانات الحاصلة له بحسب الظاهر، فهو لعلمه و معارفه اظهر الحق و ارغم انوف المبدعين و الشاكين و الزنادقة و الملاحدة و الكفرة ببيانه و حججه القاصرة، و انتهز الفرصة الواقعة له في قليل من الزمان و ان كان مبتلى ببلايا كثيرة من ناحية جابر زمانه و اعوانه و اياديه و هكذا كان الامر الى زمان الامام الثاني عشر و الحجة المنتظر روحي و ارواح العالمين له الفداء.

فان ما بقى من الائمة بعد الرضا الى الامام الغائب عليهم السّلام مع ما فيهم من شدة المحن و المصائب و عدم بسط ايديهم تكفّلوا أيتام آل محمد و سقوهم بما يمكن لهم من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 27

كاس علومهم و كانت الشيعة يستفيدون منهم مع الضيق الشديد و التّعب و المحنة و البلاء

الواقع عليهم من المخالفين عن الصراط المستقيم.

الى ان ولي الأمر صاحب الآمر و حجة اللّه محمد بن الحسن العسكرى ارواحنا فداه، و هو عليه السّلام و ان غاب عن الابصار غيبتين الصغرى و الكبرى لمصالح لا يعلمها إلا اللّه و هو غائب بحكم اللّه تعالى حتى يأمره بان يظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا و لم يتشرف بحضوره الّا بعض الخواص من نوّابه و غيرهم و لكن مع ذلك كله اظهر من علومه و معارفه التي أودعها اللّه عنده كثيرا كما يرى في بعض التوقيعات الصادرة من ناحيته المقدسة و غيرها مضافا الى ما ظهر منه من المعجزات و خوارق العادات.

وضع الفقه من الغيبة الى الآن

لمّا أراد اللّه تعالى غيبة الإمام الثاني عشر «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف» لمصالح قد ذكر بعضها في الكتب المعدّة لذلك:

فنصب روحى فداه في الغيبة الصغرى وكلاء و سفراء و نوّاب خاصّين أشهرهم و أعرفهم الاربعة المشهورة رضوان اللّه تعالى عليهم و هم عثمان بن سعيد و محمد بن عثمان و الحسين بن روح و على بن محمد السمري.

و في الغيبة الكبرى أو كل الأمر الى نوّابه العامين و هم العلماء و الفقهاء و حاملو علومهم و رواة احاديثهم من الصائنين لانفسهم و الحافظين لدينهم فاوجب العوام، أن يرجعوا في الحوادث الواقعة إليهم و يتبعونهم و يقلدونهم و يأخذوا عنهم معالم دينهم و طريق سلوكهم في كل أمر من الأمور كي يصلح باطاعتهم امر دينهم و دنياهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 28

و بعد ايكال هذا الأمر الخطير إليهم و هو امر الولاية من قبل ولى اللّه الاعظم و احساسهم المسئوليّة العظيمة و هي

حفظ حوزة الاسلام و خصوصا الشيعة في كل جانب من الجوانب و كل ناحية من النواحي:

قام بحمد اللّه علماؤنا الربانيّون بأداء الوظيفة و حفظ الاحكام و الحدود الاسلامية احسن قيام، فبذلوا جهدهم و سعوا سعيهم و استفرغوا وسعهم لاداء التكليف المحوّل إليهم من قبله عليه السلام بما امر اللّه تعالى به.

و الانصاف أنهم في طى القرون و الاعصار منذ الغيبة إلى زماننا هذا أدركوا ما أمّلوا و بلغوا مما رجوا و إن تحمّلوا المشاق و المتاعب و المهالك، لانهم لم يكونوا في عصر من العصور فارغ البال عن كيد المخالفين و سلطة الظالمين فجزاهم اللّه احسن الجزاء:

و ترى بحمد اللّه تعالى ان شدة مجاهداتهم و كثرة تاليفاتهم و وفور تصنيفاتهم في العلوم المختلفة الاسلامية و مناظراتهم و مباحثاتهم و محاضراتهم صار سببا لبقاء الدين و اعلاء كلمته و ظهور معالمه و رد شبهات المعاندين و توضيح منهج الحق و سبيله و ابطال الغىّ و الضلالة و اشاعة العلوم الاسلامية من اصوله و فروعه:

حتّى يصحّ أن يقال انه لم يبق شي ء من العلوم الا علّموه و فتحوا بابه و دوّنوه و أشاعوه و بلغوا مبلغه:

فكم من علوم أسّسوها و كم من المسائل العلميّة ابتكروها و كم من مطالب مشكلة حلّوها و كم من مجملات بيّنوها و كم من ابواب من العلوم فتحوها و كم من متفرقات في العلوم المختلفة جمعوها و كم من متشتّتات نظّموها و كم من ملتقيات التقطوها و كم من مباحث نقّحوها:

و هذه خزائن علومهم في كتبهم و تأليفاتهم و نحن ببركتها في غنى في كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 29

موضوع و في كل حين فلا تدقّوا ابواب

الباطل فبحمد اللّه كل ما تطلبون عندنا و في أيدينا:

فهؤلاء شيوخ علماء الشيعة حاملو علوم اهل البيت و رواة احاديثهم من بدء الغيبة من الاعلام و الفقهاء الكرام العظام كالصدوقين و الكلينى و المفيد و السيدين و شيخ الطائفة و غيرهم قدّس اللّه اسرارهم:

ترى انّهم مع ما كانوا عليه من المحن و البلاياء من قبل المعاندين و مردة الشياطين و التعصبات الباطلة و عدم وجود حريّة للشيعة و لا سيما لعلماء هذه الطائفة:

حيث أنّ القدرة و السلطة و الحكومة بايدى مخالفيهم و مع هذا و ذاك أحيوا ميراث النبوّة و آثار الولاية حتى ظهر الاسلام بصورته الجميلة و حقيقته الحسنة باصولها و فروعها و خصوصا امر الولاية و بظهور صورة الاسلام الواقعية بيّنوا ما أبدعه المبدعون في الدين و ردّوا شبهات المخالفين من الملاحدة و المشركين و الفرق الباطلة التى نسبوا انفسهم الى الاسلام و ما عندهم من الاسلام شي ء و كل ذلك كان بلا تشكّل تامّ و اجتماع رسمى بنظام و حولهم طالبوا علومهم يأخذون عنهم معالم الدين حتّى.

أو صلوا يدا بيد هذه العلوم و الآثار من السابقين الى اللاحقين و الحمد للّه رب العالمين.

تمركز الروحانية في الشيعة

و لما بلغ أمر الرئاسة العلمية و زعامة الشيعة الى يد شيخ الطائفة الشيخ الاعظم محمد بن الحسن بن علي الطوسي قدّس اللّه روحه اقام مدة اثنتى عشرة سنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 30

في بغداد و كان مشتغلا بالتأليف و التدريس و حوله رجال من العلماء حتى قيل ان فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة و من العامة ما لا يحصى و له كرسى الكلام يستضيئون بانوار معارفه و

يرتشفون من بحار علومه.

ثمّ انتقل الى النّجف الاشرف الى جوار سيّدنا و مولانا أمير المؤمنين «صلوات اللّه و سلامه عليه» و ذلك لفتنة حدثت في بغداد و احرقت كتبه و كرسى درسه «و القصة معروفة» فلما اقام في المشهد المقدس العلوىّ الغروىّ مدفن وصى الرّسول.

و خليفته «صلوات اللّه و سلامه عليهما و آلهما» أسّس بجهده السامى و همته العالية الحوزة العلمية في هذا الحرم الشريف عند قبر باب علم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم معتكفا في ذلك المكان الشريف مستمدّا من انوار علمه مستشيرا من معارفه:

و بقى تأسيسه إلى زماننا هذا و قد مضى أكثر من عشرة قرون و هذا البلد الطيب مركز العلوم الدينية في شتى فنونه و قد تخرّج عن هذه المدرسة أعلام اجلاء في طول هذه العصور و الازمنة من المجتهدين و الفقهاء و المفسّرين و المتكلمين و الاصوليّين و الرجاليّين و الحكماء و الادباء ما لا يحصى عددهم راجع الكتب المعدّة لذكر هؤلاء من التاريخ و الرجال حتى يظهر لك عظمة هذه المركز العلمى و هذه المدرسة و خرّيجيها:

فمن زمن الشيخ رحمه اللّه الى هذا الزمان كانت مدينه النّجف الأشرف ملجأ لروّاد العلم و موطنا لمعارف الاسلاميّة و كانت الشيعة متوجهة إليه من اقطار العالم لانّ هذه المدينة مدفن امامهم أمير المؤمنين «صلوات اللّه و سلامه عليه» و مركز للعلماء الذين كانوا مرجعا لهم بحكم العقل و النقل في امورهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 31

النازلة المنكرة الواردة على الحوزة العلمية في النجف

و الاسف كلّ الأسف على ما نزل في هذا الا و ان على هذه الحوزة و مراجعها بل على عموم الشيعة في العراق من تهاجم بعض المعاندين عليها و

قد شتت شملهم و خرّب أساسهم فتفرّق اكثر العلماء و الفضلاء و الطلاب و غيرهم من جوار مولانا أمير المؤمنين و ساير الائمة المعصومين المدفونين بالعراق «صلوات اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين» و بالاضطرار ارتحلوا عن موطنهم العلمى الاول و هم بحمد اللّه و ان نزلوا في وطنهم العلمى الثاني قم المشرفة حرم الائمة عليهم السلام مكرمين أعظم تكريم من قبل المراجع و العلماء و الطّلاب و ساير الطّبقات و تمكنوا فيه مستريحين:

لكن لا يرفع بذلك التأسف و الالم الشديد الواقع و الجريحة الواردة لا تندمل:

و لا يخفى أن ما وقع من النّازلة كغيرها من النّوازل الواردة على الاسلام و المسلمين و لا سيّما على الشيعة و بالاخص على العلماء لم يكن الا لما عليه المسلمون من القصور، بل التقصير في الأخذ بالدين القويم و الصّراط المستقيم و التمسّك بما يجب التمسّك به:

فهم بين غافل عما يجرى عليه و على مجتمعه من معانديه في الشرق و الغرب:

و بين آخذ بالدّنيا و ان خسر في دينه فشروه بثمن بخس:

فاعداؤنا منتبهون يقظون قائمون ثابتون على باطلهم. يحفظون منافعهم و يدافعون عن حدودهم، يعتدون على حقوقنا و حدودنا و يكيدون لنا حتّى استعبدونا و قبضوا على مقدّراتنا بايديهم و نحن نيام غافلون تركنا ما كان علينا من المسئوليّة في قبال اللّه تعالى و دينه و نبيّه و كتابه و عترته لا ندافع عن حريم الدّين و لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 32

نحافظ على حدوده و لا نبالى بما يقع علينا و على مجتمعنا من مكائدهم و سياساتهم الشيطانية و لو وجد فينا بعض العالمين بتكاليفه مستيقظا متوجّها الى الجهات

فهو في الاقليّة لا يسمع نداؤه و لو سمع لما استجيب له:

فالاعداء مسئولون مؤاخذون عند اللّه بعداوتهم و نحن مسئولون عنده بمداهنتنا:

و على كلّ حال ذهب من يد الخلف ما تكره السّلف، فالى اللّه المشتكى و عليه المعوّل في الشدّة و الرخاء.

تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة

و مما أنعم اللّه تعالى على الامّة الاسلامية و خصوصا على الشيعة و بالاخص على طالبى العلم و خدمة الدّين و المنتسبين الى حزب ولى اللّه الاعظم روحى فداه في غيبته تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة و حرم اهل البيت عليهم السّلام بيد علم الاعلام و كهف الانام و حجة الاسلام و آية اللّه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى رحمه اللّه فانّه لخلوص نيّته و حسن عقيدته و نبوغ علمه ساعده التوفيق بمنّ اللّه تعالى- فهاجر الى بلدة قم و معه جمع من العلماء و الفضلاء من تلامذته فاصبحت قم بجهده مركزا آخر للحوزة العلميّة فبلدة قم و إن كانت قبل ذلك خصوصا في عهد بعض الائمّة عليهم السّلام و كذا في الغيبة الكبرى مركز الجمع من فحول الفقهاء و رواة الحديث و مورد نظر اهل البيت «صلوات اللّه عليهم» الّذين احيوا آثار النبوّة و ميراث الامامة في جوار سيّدتنا فاطمة بنت موسى بن جعفر «صلوات اللّه عليها و على آبائها المعصومين» و كان عش آل محمّد «صلوات اللّه و سلامه عليه و على آله» و نشروا العلم و يتوجّه الناس إليها من الاقطار:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 33

و كذلك بلاد اخرى من ايران كالمشهد المقدس و طهران عاصمة ايران و في طليعتها اصفهان كانت مركز العلم و العلماء و الفقهاء و الجهابذة في كل فن

من الفنون و كلّ علم من العلوم من اوائل زمن الصفويّة إلى أوائل القرن الرابع عشر، حتى نقل أنّه كان في زمان آية اللّه آقا نجفي رحمة اللّه عليه عدد الطّلاب أربعة عشرة الف او أكثر يسكنون في المدارس و المنازل في اصفهان و فيهم علماء حكماء فقهاء و رواة الحديث، مشهورون و في تلك البلدة مدارس كثيرة، بعضها موجود الى الآن و بعضها و لعل أكثرها خرب او خربها ايادى الظلمة و المعاندين:

و آل امر هذه الحوزة الى الزوال و في عصرنا و ان كانت من الحوزات العلمية و فيها علماء اتقياء و طلّاب صلحاء إلا أنّه ليس لها الجلالة السابقة.

أسأل اللّه أ يعيد إلينا، كل ما ذهب عن ايدينا من العزة و الجلال إنشاء اللّه تعالى.

فالحوزة العلميّة أسّست في قم في زمن آل امر أكثر الحوزات العلميّة الى الزوال و لم تبق على حالته السابقة، لعلل ليس مقام ذكرها و علل سقوطها، أو نزولها غير خفيّة على من يعلم، ما ورد على المسلمين في اقطار الارض من الجبابرة و اهل البغى و العناد و على كل حال أسّس المعظم له المرحوم أساس العلم و جمع بهمّته العاليّة نفوس ذكيّة، من طلاب العلم و الفضيلة تخرج على يده و من مدرسته العلماء الكبار و الفقهاء العظام مع ما عليه من الشّدة و البلاء، فصبر على كلّ ذلك و ادّى ما رأى انه وظيفته بقدر وسعه فعلى اللّه اجره ثم بعد ارتحاله من الدنيا و فوزه بالرفيق الاعلى قام بحفظ هذه الحوزة و تربية الطلاب و المشتغلين جماعة من فحول العلماء و في طليعتهم آيات اللّه العظام السيد محمد الحجة و السيد محمد تقى الخوانساري

و السيد صدر الدين الصّدر العاملى قدس اللّه اسرارهم و جزاهم اللّه خير الجزاء:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 34

انهم شمّروا عن سواعدهم لبقاء هذه الحوزة في زمن عنود محفوف بانواع الفتن و البلاء و قد وقعت الشيعة عموما و العلماء خصوصا في امتحان عجيب و قد رأينا من النوائب و البلايا ما لا يمكن شرحها و الحمد للّه الّذي اذهب عنّ الحزن ان ربنا لغفور شكور.

تجديد الحوزة بل تأسيسها

[فى حياة السيد البروجردي]

لمّا اراد اللّه تعالى تأيد دينه و نصرة الحق و عزّ المسلمين عامّة و الشيعة خاصة و حفظ الحوزات العلميّة عموما و حوزة قم خصوصا و بسط العلوم و المعارف الاسلامية من هذه الحوزة وسعتها علما و عملا تدريسا و تدرسا تأليفا و تصنيفا و تبليغا و بالنتيجة اراد تعظيم جامعة الشيعة و تبجيلها و اخراجها عن الانزواء الواقع فيه من كيد المعاندين طول العصور المظلمة، بيد من جعله ذخيرة لهذا الزمان بطلا من ابطال العلم بل شمس سمائه وارث علم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة الاطهار، عالم معارف القرآن و الاخبار فخر الشيعة و محيى الشريعة حجة السلام و المسلمين آية اللّه العظمى سيّدنا الاستاد الحاج آقا حسين الطباطبائى البروجردي رحمه اللّه و أسكنه بحبوحات جنّته:

و كان رحمه اللّه جامع المعقول و المنقول و حاوى الفروع و الاصول استاذا في جميع العلوم الاسلاميّة من التفسير و الفلسفة و الكلام و الفقه و الحديث و الرجال و الدراية و اصول الفقه و العلوم الادبيّة مجتهدا في كلها بصيرا ناقدا عارفا على المدارك و مباني الاستنباط و فهم الاحكام عند الخاصة و عند العامّة و ما هو الحكم في اصولهم و

فروعهم بل هو ابصر منهم بما هو مقبول عندهم من فتاويهم و انظارهم و بطلان طريقتهم حتى على مذهبهم فلهذا لجأ إليه اكابر علماء العامة كالخاصة و كانوا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 35

يعظّمونه و يكبّرونه و يخضعون أمامه و قبال علومه وسعة اطلاعه و بصيرته:

و الحاصل أنه رجل علمىّ دينىّ قليل النظير بين القدماء من اصحابنا فضلا عن المتأخرين «رضوان اللّه عليهم اجمعين»، فهو نزل بقم بعد إلحاح و اصرار من أكثر الطبقات و خصوصا من علماء البلدان طهران عاصمة ايران و غيره.

و لمّا احسّ زعماء الحوزة العلميّة شدّة الاحتياج من جوانب مختلفة الى زعامة هذه الشخصيّة العظيمة مع موقعية الخطيرة و انّه هو الذي يتمكن من جمع الشمل و لمّ الشعث و حفظ جامعة الشيعة و دفع كيد المفسدين و بغى الظالمين عن حريم الاسلام و المسلمين، فاستدعوا من حضرته التشرف بقم و الاقامة بها، فاستجاب دعوتهم و نزل بقم و شرع في التدريس و الافاضة و تربية الطلاب و تهذيبهم و تشويقهم و بسط العلوم الاسلامية بالتدريس و التأليف و اخراج آثار الماضين من الخبايا و تجديدها و احيائها بالطبع و النشر و حفظها من الانطماس و الاندراس و لو لا اهتمام جنابه بحفظ كتب الاخبار و متون الفقه و التأليفات الباقية من اعاظم القدماء و بيان عظمها و ارائة موقعيتها لم يكن اليوم ذكر من هذه الآثار:

بل كانت تعامل معاملة بعض المكتوبات و المخطوطات غير المفيدة من جعلها محل أدوية العطّارين و ظرفا لا متعة الكسبة و التجّار و لو اشترى لا يشترى الّا بثمن بخس فله حق عظيم على العلم و العلماء:

و هو قدس سره لم

يكتف بذلك فقط بل شرع باصلاح امور الشيعة بل المسلمين في جوانب مختلفة فاستقام بجهده كل معوج و اندمل بيده كل جرح و بالغ في حفظ كيان الدين حتى نشر لواء الاسلام من الشرق الى الغرب فاصبحنا و قد علا ذكرنا و ذكر ديننا و سماحة روحانيتنا في اقصى نقاط العالم في آسيا و آفريقا و الاروبا و امريكا و هيّأ اسباب التبليغ و الترويج فوق مقدوره و جاهد في اللّه حق جهاده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 36

و اعلى كلمة الاسلام و عرّف الشيعة كما كانت و عرّف معارفهم و لو علومهم و شخصيتهم، حتّى صار جهده سببا لا كبار الشيعة و الاعتناء بها و باهلها و بآرائها:

فبلغ الأمر الى ما بلغ من الفتوى المعروفة الصادرة من الشيخ شلتوت رئيس جامع الازهر و خضوع هذا الشيخ و ساير علماء الفرق الاسلامية قبال علمه و عبقريته:

فصار سببا لدخول آراء الشيعة و افكارها و كتبها و علومها في جامعات اهل السنة حتى في المملكة السعوديّة مع ما هم عليه من الجمود و التعصب:

و اما تأثيره في غير الجامعات الاسلامية و بعبارة اخرى تأثيره العالمى.

فمضافا الى نفوذه و علو صيته في اقطار العالم صار موجبا لمعرفتهم به و بشخصيته:

«و قد ظهر بعض هذه الموقعية العظيمة حين رحلته رحمه اللّه فقد إذاعت المصيبة بوفاته و اظهار التأسف بارتحاله جميع إذا عات العالم و الجرائد و البرقيات الواصلة و أقدم على تشكيل المجالس و غيرها حتى من قبل بعض الدول المخاصمة لجميع الاديان و لم يكن هذا الّا لشخصيته العالمية»:

و قد هم بتوسعة التبليغات الدينية في خارج ايران بل في خارج الممالك الاسلامية، في أقطار

العالم ليعرف الاسلام باهله و قد وفق لما اراد و أوفد الوكلاء الى النقاط المختلفة و أسّس بعض المساجد و الابنية الدينيّة حتى في الاروبا و قد تشرفت بدين الاسلام جماعة ببركته.

و قد جادل الفرق الباطلة بالتى هي احسن و جعل سيفهم في غمده و ارغم انوف المبدعين و الضالّين و خرّب بنيانهم فلم يقدروا معه على اشاعة باطلهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 37

و تبليغاتهم المضرّة فهو المرابط الذي حفظ حدود الاسلام و ثغوره عن دسيسة المخالفين.

فلذلك وفق لشدة اخلاصه و علمه و عقله و درايته و تقواه بخدمة الاسلام و المسلمين خصوصا الفرقة الناجية الشيعة الاثنى عشرية بما لا يوفّق به الا القليل من العلماء.

حتى قبض اللّه روحه و راح الى رضوانه و جنانه رحمة اللّه تعالى عليه و حشره مع أجداده و آبائه المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين».

و ما بيّنا له من الفضائل و الكمال هو نبذة من خصائله الحميدة و شخصيته البارزة ذكرناها بالاجمال.

و اما بعد ارتحاله

لمّا ارتحل جنابه رحمه اللّه و ان بلغ الأمر ما بلغ و لا يكون موقع ذكره و ما وصل بنا بعد هدم هذا الركن القويم فبسطت الايادى المغلولة في حياته و غلّت الايادى المبسوطة في زمانه و وقع على الجامعة الروحانية خاصّة و الشيعة عامّة من الخسران في صروف الزمان ما لا يطيقه الشرح و البيان. نشكر اللّه تعالى بانه حفظ دينه و حفظ هذه الحوزة بيد جمع من كبار العلماء و مجاهداتهم حتى قامت الحوزة بوظائفها و العلماء و الطلاب مشتغلون قائمون بحفظ كيان الدين و رجم المعاندين و الحمد للّه رب العالمين.

و يجاهدون حسب مقدورهم في احياء العلوم الاسلامية

وفقه الامام الصادق عليه السّلام الكفيل لسعادة الدّارين و الفوز و الفلاح في النشأتين، مشتغلين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 38

بالتدريس و التصنيف و التأليف و بذل العلم و نشره. نرجوا من اللّه عزّ شانه ابقاء الحوزات العلميّة الدينيّة كلها و ان يصونها خصوصا النجف الأشرف و قم المشرّفة من الفتن و الدواهى الى ظهور مولانا و ملاذنا و صاحبنا الحجة الثاني عشر «عجل اللّه تعالى فرجه» و روحى فداه إن شاء اللّه:

و انا العبد على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة الشيخ محمد جواد غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المؤمنين المؤمنات.

و قد فرغت من كتابة هذه المقدمة في اليوم الجمعة شهر جمادى الثانية سنة 1397 من الهجرة النبوية على هاجرها افضل الصلاة و السلام و التحية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 39

[مقدمة الكتاب]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه على آلائه و الشكر على نعمائه و الصلاة و السلام على خاتم انبيائه محمّد افضل اصفيائه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لا سيّما على بقية اللّه و خاتم خلفائه و اللّعن على اعدائهم من الآن الى يوم لقائه.

و بعد يقول اقل خدمة اهل العلم و المفتقر الى رحمة ربّه على الصافي الگلپايگاني ابن العلامة المجاهد الشيخ محمّد جواد رحمه اللّه.

لمّا صارت المجاهدات و القيام على ضدّ الحكمة الجابرة في ايران من ناحية المراجع و العلماء العظام و غيرهم موجبا لإيجاد التضييقات و التعرضات من قبل عمّال هذه الحكومة على جمع من المسلمين و لا سيّما على العلماء و الطلّاب و صاروا موردا الانواع العقوبات و البليّات و الشدائد:

آل الامر الى تسويقى من قم المشرّفة في اليوم الثامن

و العشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة 1390 القمريّة الى مشكين شهر من نواحى آذربايجان و وصلت جبرا في البلد المذكور في السلخ من الشهر المذكور و أقمت بالجبر و القهر فيه تحت المراقبة الشديدة من قبل الشرطة و الأمن العام و كنت في بعض الايام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 40

المحاصرة الكاملة بحيث يمنعون العلماء و ساير الناس من الملاقات معى:

و انالا أبالي بما يجرى عليّ من المتاعب و التضييقات من ناحيتهم الخبيثة لان كل ذلك كان في سبيل اللّه عزّ سلطانه و تحصيل قربه و لاجل الاسلام و هوّن عليّ لانّه بعين اللّه و رضاه رضانا و أرجوا من فضله ان يتقبّله عنّا بقبول حسن و نصبر و نتوكّل عليه و نرجوا أن يجعلنى من اعوان دينه و انصاره و بعد نزولى في مشكين شهر و الاقامة فيه اجبارا عزمت على ان اشرح جزء التقليد من العروة الوثقى و هي الكتاب الّذي الّفه الفقيه المتبحّر آية اللّه العظمى السّيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى رحمه اللّه و قد شرحت بعض اجزائه الآخر في قم، في بحوثنا الفقهية و كان محور البحث هذا الكتاب النفيس و سمّيته ب «ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى» فإذا بعون اللّه تعالى نشرع في المقصود و نقول قال المؤلف رحمة اللّه تعالى عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 41

فصل: فى التقليد

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 43

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به نستعين

[مسئلة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته أن يكون]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلّدا او محتاطا.

(1)

أقول: اعلم أنّ الكلام في المسألة يقع في أربعة موارد:

الأوّل: في الحاكم بالوجوب.

الثّاني: فيمن يجب عليه الأخذ باحدى الأمور الثلاثة.

الثالث: في متعلّق الوجوب و مورده.

الرابع: فيما هو الواجب على المكلّف في المقام من الأمور الثلاثة المذكورة على سبيل منع الخلوّ و وجهه.

امّا الكلام، في المورد الاوّل فنقول بعونه تعالى، انّ حقيقة الأمر تظهر بعد التّنبيه على مقدّمات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 44

الأول: أنّ كلّ من يعتقد بالاسلام و يؤمن به، يعلم ان الاسلام، ليس مجرّد الاعتقاد، أو مجرّد القول باللّسان، أو كلاهما فقط، بل هو مشتمل على مجموع الاعتقاد و القول و العمل، لانّ الاسلام، نظام الحياة الإنسانيّة بجميع شئونها، فهو حاو، لكلّ، ما يحتاج إليه الانسان، في مشيه و أعماله و ما ترك الاسلام شيئا في ناحية، من نواحى الانسان، إلّا و قد هداه إلى ما ينبغى، أن يهديه و هو الصراط المستقيم، فلا تجد واقعة من الوقائع، إلّا و هي محكومة فعلا، أو تركا بإحدى الاحكام الخمسة «الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الكراهة و الاباحة».

الثّانية: أنّ ذلك، يوجب العلم الاجمالى بوجود إلزامات، متوجّهة الى الانسان، وجوبية أو تحريميّة، الواردة في القرآن العظيم و السّنة النّبوية، الواردة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الرّوايات المرويّة، عن الأئمّة عليهم السلام.

الثالثة: أنّ المكلّف، يعلم بمقتضى العلم الاجمالى المذكور، أنّه لو ترك التعرّض، لكلّ أطراف، هذا العلم الاجمالى، يقع في الضّرر المقطوع به، و

لو ترك التعرّض، لبعض أطرافه، يقع في الضّرر المحتمل، و يجب بحكم العقل، دفع الضّرر المحتمل، فضلا عن المقطوع.

إذا عرفت ما ذكرنا من المقدّمات، يظهر لك، ان العقل يحكم بالوجوب التّخييرى، بأن يفرغ المكلّف ذمّته، بالاجتهاد، لفهم الاحكام، أو التقليد، أو الاحتياط.

و كما أنّ العقل يحكم بهذا الوجوب بالملاك المذكور، كذلك يحكم به، بملاك وجوب شكر المنعم، و شكر المنعم يحصل باطاعته و هي لا تحصل إلّا بالتّوصل، باحدى الأمور الثلاثة المتقدّمة، فيدور أمر المكلّف في مقام الاطاعة و دفع الضّرر المحتمل، بل المقطوع، كما بيّنا، بين أن يستفرغ وسعه في تحصيل الحجّة على هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 45

التّكاليف و الالزامات و هو عبارة عن تحصيل الاحكام بالاجتهاد، لانّ الاجتهاد عبارة عن استفراغ الوسع، لتحصيل الحجّة و بين التّقليد و بين الاحتياط و امّا الوجوب الشّرعى، فيأتى الكلام فيه إنشاء اللّه.

امّا الكلام، في المورد الثّاني و هو الكلام فيمن يجب عليه إحدى الأمور الثلاثة:

فاعلم أنّ موردها المكلّف، كما صرّح به المؤلّف، هو الّذي يكون قابلا، لتوجّه التّكليف به، و قد ذكر شرائطه في محلّه.

امّا الكلام في المورد الثالث و هو مورد الوجوب و متعلّقه:

فمورده العبادات و المعاملات و العاديّات من غير الضّروريّات، و المؤلف رحمه اللّه و ان اقتصر بذكر الأولى و الثانية فقط، لكنّه لا وجه للاقتصار بهما، لوجود الملاك و هو حكم العقل بكلا وجهيه في العاديّات من غير الضّروريّات أيضا:

و علّة ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه من اقتصاره بالعبادات و المعاملات و عدم ذكر العاديّات، شمول تقسيمه، للعاديّات، لانّ المعاملات تشمل العاديات أيضا، لانّ التقسيم بالقسمين، العبادات و المعاملات، تقسيم صحيح و ليس لهما و في

قبالهما قسم ثالث، يكون هو العاديّات، فكان قسيمهما، بل من الواضح، انّ العبادات، ما تكون محقّقة الّا بقصد القرية و المعاملات ما لا تحتاج إلى قصد القربة و بناء عليه تكون العاديات، داخلة في التقسيم و ليست قسيمة لهما فلا إشكال في كلام المؤلّف رحمه اللّه:

و الشّاهد على ذلك، أنّه قال في مسئلة (6) الّتي تأتى بعد ذلك، في الضروريات، لا حاجة إلى التقليد، كوجوب الصّلاة و الصوم و نحوهما و كذا في اليقينيات، إذا حصل له اليقين و في غيرهما يجب التقليد، إذا لم يكن مجتهدا و إذا لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 46

يمكن الاحتياط و إن أمكن تخيّر بينه و بين التقليد، لانّ مفاد كلامه، عدم وجوب التقليد في الضروريات و اليقينيّات و وجوبه في غيرهما و تكون العاديّات من جملة الغير فهذا الكلام شايد على كون العاديّات، قسما من المعاملات، بالمعنى الاعمّ و لو لم يكن كذلك، كان اللّازم عليه استثناءها، مثل الضروريات و اليقينيّات.

فقوله رحمه اللّه في المسألة الاولى، بوجوب التقليد في العبادات و المعاملات مغن، عن ذكر العاديّات، فلا حاجة إلى ما عن بعض الاعاظم العصر مد ظلّه فيما علّق في تعليقته على العروة في المسألة الأولى منها، بعد كلمة، المعاملات، بل و عاديّاته أيضا.

امّا الكلام: في المورد الرّابع، و هو التّكلم فيما يجب على المكلّف، فأعلم أنّه يجب عليه بالوجوب التخييرى، الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، لانّ العقل، كما يحكم بوجوب امتثال الاحكام المعلومة إجمالا، كذلك يحكم بوجوب تحصيل الحجّة عليها و بعد ايجابه ذلك، يدور أمر المكلّف بين الأمور الثّلاثة، على سبيل منع الخلوّ، لدوران أمره كما أشرنا، بين الاجتهاد و هو استفراغ

الوسع، لتحصيل الحجّة «1» و بين التقليد و هو الرجوع إلى من هو عارف و عالم بهذه الالزامات من واجباتها و محرّماتها و غيرهما و بين الاحتياط و هو أن يسلك سبيلا يعلم معه إجمالا، حفظ الواقع، في فعله أو تركه على كلّ حال، و ان لم يعرف ما هو الواقع تفصيلا من بين المحتملات.

فتلخّص ممّا ذكرنا ما هو المراد من أنّه يجب على المكلّف، أن يكون في عباداته و معاملاته و منها العاديّات من غير الضروريات، إمّا مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا، بالوجوب التّخييرى و لا يجوز الاكتفاء بغيرها:

امّا وجه الاكتفاء باحد الأمور الثلاثة، فلانّه بعد ما عرفت من العلم الاجمالى

______________________________

(1) و تعريف الاجتهاد، بأنّه عبارة، عن استفراغ الوسع، لتحصيل الظّن بالاحكام، غير صحيح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 47

و لزوم الخروج عمّا في عهدته بمقتضاه فعلا أو تركا، فلا بدّ له بحكم العقل من سلوك احدى الأمور الثلاثة المتقدّمة، كما عرفت، و نشير إلى وجهه، فانّ المكلّف، بعد العلم الاجمالى المذكور، إمّا يحصّل الاحكام المعلومة بالاجمال اجتهادا بنفسه و يصير مجتهدا، فسلك سبيل الاجتهاد و يكتفى به قطعا لامتثاله العلم الاجمالى باجتهاده:

و امّا أن يجعل مشيه على نحو يعلم معه بحفظ الواقع و مطلوبات المولى.

«و يأتى الكلام فيه و في مورده و وجهه «في المسألة 29» و اما ان لا يكون مجتهدا و لا يمكن له الاحتياط او لا يكون بنائه على العمل به فيجب عليه التقليد في غير الضروريات و اليقينيات، فانه لا يجب التقليد فيهما «و يأتى الكلام فيه و في وجهه في المسألة 6.

***

[مسئلة 2: الاقوى جواز العمل بالاحتياط]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الاقوى جواز العمل بالاحتياط، مجتهدا كان او لا،

لكن يجب ان يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد او بالتقليد.

(1)

أقول: يقع الكلام في الموردين: الاول في جواز العمل بالاحتياط و الثاني في شرطه امّا

الكلام في المورد الاوّل [جواز العمل بالاحتياط]

؛ فوجه جواز الاحتياط و كفاية الاكتفاء به، هو أنّ المطلوب بحكم العقل، ليس الّا حفظ واقعيّات المولى الكريم، من اوامره و نواهيه و مع الاخذ بجانب الاحتياط يمكن المكلف من حفظ مطلوباته و ترك مبغوضاته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 48

الواقعية، الصّادرة من قبله، فيكتفى بالاحتياط بحكم العقل.

و في قبال ذلك، قد يقال بعدم جوازه مطلقا او في بعض الموارد مثل ما يكون موجبا للتكرار في العبادة، بل نسب الى المشهور بل ادّعى الاجماع، على بطلان عمل تارك طريقى التقليد و الاجتهاد.

و حيث ان ما تمسّك به على عدم جوازه، مقتضى بعضه، لو تمّ عدم الجواز مطلقا و بعضه في بعض الصّور، نذكر ما يمكن، ان يكون وجها، لعدم الجواز مطلقا او في بعض الصّور:

و نذكر بعد ذكر الوجوه ان مقتضى اىّ وجه من الوجوه بعد فرض تماميّته هو عدم الجواز مطلقا او في بعض الصور إن شاء اللّه.

الوجه الاوّل: دعوى الاجماع، على عدم جواز الامتثال بالاحتياط و الاطاعة الاجماليّة:

و فيه منع تحقّق اجماع تعبّدى على ذلك و بهذا الوجه يستدل على عدم جواز الاحتياط مطلقا و قد ظهر فساده.

الوجه الثاني: أنّ وجوب تعلّم الاحكام، يقتضي عدم جواز الاحتياط، لانّه لو امكن الاحتياط و الامتثال الاجمالى، لا وجه لوجوب تعلّم الاحكام و هذا أيضا لو تمّ يدلّ على عدم جوازه مطلقا.

و فيه انّ الاوامر الواردة في تعلّم الاحكام، تكون ارشاديّا، كى لا يقع العبد، بسبب تركه التعلّم، في ترك مطلوب المولى و الابتلاء بمبغوضه، كما

يظهر من الحديث الشريف: و هو ما رواه مسعدة بن زياد، قال سمعت جعفر بن محمد عليه السّلام و قد سئل عن قوله تعالى فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فقال إنّ اللّه تعالى يقول، للعبد يوم القيامة، عبدى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 49

كنت عالما؟ فان قال نعم، قال له فهلا عملت بما علمت و ان قال كنت جاهلا، قال فهلا تعلّمت، حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1».

فيكون من التعلم و الامر به الارشاد إليه كى لا يقع المكلّف في ابتلاء مخالفة الواقع و ترك مطلوبات المولى و لا اشكال في انه بالعمل بالاحتياط يتمكّن من حفظ الواقع مسلّما، اذ معنى الاحتياط فعل شي ء او اشياء او ترك شي ء او اشياء بنحو يحفظ به المحتمل في البين.

الوجه الثالث: دعوى كون الاحتياط، موجبا لفوت قصد الامر، لانّ من يحتاط، يأتى بالفعل بداعى احتمال الأمر، لا الامر اليقيني.

و فيه انه في مورد الاحتياط، يكون الدّاعى، على اتيان المحتملات، هو نفس الامر، اى الامر المتيقّن لا احتمال الامر، غاية الامر تختلف، نحوة الامتثال، ففي ما يكون متعلّق الامر، مبيّنا على التفصيل يحصل امتثاله، باتيان المتعلق المبيّن الممتاز عن غيره و اما فيما لا يكون مبيّنا، بل يحتمل في الطرفين او الاطراف، يأتي هذه الاطراف، بداعى الامر أيضا، من باب أنّ امتثال الامر في هذا الفرض، يكون باتيان الطرفين او الاطراف:

و اعلم أنّ هذا الوجه، لو تمّ يقتضي عدم جواز الاحتياط، فيما يحتاج الامتثال الاجمالى و العمل بالاحتياط في العبادة الى التكرار:

و الّا لو كان المأمور به توصّليا فلا ضير في الاحتياط في مقام الامتثال، لعدم

______________________________

(1) رواه في تفسير البرهان الجزء الاول ص 560 من

الطبع الحديث عن أمالي الشيخ رحمه اللّه قال حدّثنا محمد بن محمد يعنى المفيد قال اخبرنى ابو القاسم جعفر بن محمد قال حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى عن ابيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد عليه السّلام الحديث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 50

اعتبار قصد القربة و داعى الأمر فيه و كذا لو كان عباديّا و لا يحتاج في الامتثال بالاحتياط الى التكرار، مثل ما لا يدرى ان السورة واجب في الصلاة أم لا؟ و لا يحتمل حرمتها فيها، فانّه يأتى بالصلاة مع السورة احتياطا و يقصد في اتيان الصلاة الأمر و يأتى بها بداعى الأمر.

ان قلت، كيف يمكن اتيان الصلاة مع السورة، بداعى الأمر، مع عدم علمه بوجوب السورة فيها، فكيف بالصّلاة مع السورة بداعى الأمر، لعدم معلوميّة، تعلق الأمر بالسّورة حتى يأتي بداعيه.

قلت، ما يحتاج في العبادة هو قصد الأمر و هو اتيان الطبيعة، المتعلّقة للأمر، بداعى الأمر و هي في المثال طبيعة الصلاة و لا يضرّ في ذلك، اشتمال مصداق الطبيعة بما لا يعلم دخله فيها و عدمها كما يكون الامر في اشتمال الصلاة ببعض المستحبات، فكما لا يضرّ بقصد الأمر بالصلاة اتيانها، مع بعض المستحبات، كذلك لا يضرّ بعض ما لا يدرى، اعتباره في طبيعتها و السر في ذلك، ما قلنا في الصحيح و الاعم، من انّ طبيعة الصلاة مقولتها، من المقولات المشكّكة، تصدق على الناقص و الكامل، ففى كلّ من مصاديقها الكاملة او الناقصة، تكون الطبيعة موجودة و يأتى بها بداعى امرها.

الرابع: انّ المعتبر في العبادة، الجزم في النيّة و هو لا يمكن مع الاحتياط و هذا

الوجه لو تم يدل على عدم جواز الاحتياط في العبادات في مقام امتثالها.

و فيه انّ الاقوى عدم اعتبار الجزم في النيّة، إذ لا يحكم العقل في مقام الاطاعة، الّا كون الفعل وقوعه، بداعى اطاعة امر المولى و هو حاصل في الاحتياط، كيف و انّ المجتهد قد يحتاط و يأمر في كثير من المسائل به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 51

الخامس: انّ الاحتياط مناف مع قصد الوجه و التميز و هذا الوجه لو تمّ يجرى في العبادات فقط.

و فيه انه لا دليل على اعتبارهما، لا عقلا و لا شرعا، كما بيّناه في الاصول، مضافا الى عدم كون الاحتياط، منافيا مع قصد الوجه، إذا المحتاط يأتى بجميع المحتملات، بقصد الوجوب المتعلق واقعا، باحد من المحتملات.

نعم لو اعتبر التمييز في العبادة، اى تميز المأمور به عن غيره، فلا يمكن قصد التميز مع الاحتياط و لكن لا دليل على اعتباره.

السّادس: دعوى كون الاحتياط، فيما يوجب التكرار لعبا و عبثا بأمر المولى و هذا الوجه لو تمّ يجرى في خصوص العبادات، فيما يوجب التكرار و اما فيما لا يوجب التكرار و إن كان عبادة، فلا اشكال كما انه لما يجرى في التوصليّات، لانّ المطلوب فيها، ليس الّا وقوعها في الخارج كيف ما اتّفق.

و فيه أنّ اللّعب و العبث يكون، فيما لا يكون صدور الفعل بداعى عقلائى و اما إذا كان بداعى العقلائى و هو امتثال امر المولى فليس لعبا و عبثا.

مضافا الى ما قيل من انّ اللعب و العبث، مضرّ في نفس اطاعة المولى، لا في كيفيّته فتامل.

فتلخّص انّ الاحتياط جائز، حتى في العبادات و حتّى فيما يوجب التكرار كما يأتى في المسألة 4.

المورد الثاني: في شرط الاحتياط،

فنقول يشترط ان

يكون البانى للاحتياط، عارفا بجوازه من اجتهاد، او تقليد، كما يأتي في المسألة 5:

و كذلك كونه عارفا، بكيفيّة الاحتياط بالاجتهاد او التقليد، لانّ العقل يجوّز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 52

الاحتياط، في صورة تحقّق الشرطين، إذ مع عدمهما، لا يأمن من العقوبة، فلا يحكم العقل بالاكتفاء به.

***

[مسئلة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل، كما إذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعا بعدم حرمته و قد يكون في التّرك، كما إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعا بعدم وجوبه و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار كما إذا لم يعلم انّ وظيفته القصر او التمام.

(1)

أقول: الاحتياط المذكور في كلامه، اما ان يكون في فعل شي ء او في تركه و في الاوّل منهما، امّا يحصل الاحتياط بلا تكرار و اما ان لا يحصل الّا مع التكرار، فالصّور ثلاثة.

الاولى: كون الاحتياط في الفعل بلا تكرار، مثل ما إذا احتمل وجوب الخمس في الهبة و يعلم بعدم حرمته، فيحصل الاحتياط، باداء خمسها.

الثانية: ان يكون الاحتياط في الفعل مع التكرار، مثلا لا يدرى، انّ تكليفه القصر او الاتمام، فيجمع بين الاتمام و القصر، فيحصل المطلوب الواقعى بالاحتياط بالجمع.

فقول المؤلّف رحمه اللّه في هذا الفرض «و قد يكون في الجمع بين امرين مع التكرار» حيث يحصل بالجمع التكرار كذلك يحصل التكرار بالجمع فمع قوله «قد يكون في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 53

الجمع بين امرين» لا حاجة الى قوله «مع التكرار» كما انه مع قوله قد يكون بالتكرار، لا حاجة الى قوله «في الجمع بين امرين» لان كلا منهما مغن عن الآخر.

الثالثة: ما يكون الاحتياط بالترك، بلا

تكرار، مثل ما لا يدرى حرمة شرب التتن و عدمه و يعلم عدم وجوب شربه، فيحصل الاحتياط بترك شربه.

***

[مسئلة 4: الاقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الاقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار و امكن الاجتهاد او التقليد.

(1)

أقول: قد مضى في المسألة الثانية ما صار موجبا، لتوهم عدم جواز الاحتياط فيما يوجب التكرار، من انّ لازم الاحتياط، عدم إمكان قصد الامر و الوجه و التميز و كونه لعبا و عبثا بأمر المولى:

و كل ما ذكر وجها، لعدم جواز الاحتياط مطلقا فقد عرفت جوابه، فالاقوى جواز الاحتياط، حتى فيما استلزم التكرار في العبادة.

ثمّ انه لا فرق في جواز الاحتياط، بين التمكّن من الاجتهاد و التقليد و عدم التمكّن منهما، لانه قد بيّنا في مبحث العلم الاجمالى في الاصول، جواز الاكتفاء بالموافقة الاجماليّة و الامتثال بالاحتياط مطلقا، حتّى مع التمكّن من الموافقة التفصيلية علما او ظنا فراجع.

نعم كما مر لا بدّ ان يكون مريد الاحتياط، عارفا بجوازه و بكيفيّته اجتهادا او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 54

تقليدا و يأتى في المسألة الآتية أيضا إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 5: في مسئلة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلّدا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في مسئلة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلّدا لان المسألة خلافية.

(1)

أقول: ما افاده من لزوم كون الشخص، في مسئلة جواز الاحتياط مجتهدا او مقلدا كلام تمام، لا لانّ المسألة خلافيّة، بل للزوم وجود مصحّح في نظره، للاخذ بالاحتياط و لو كان هذا حكم عقله، فلو كانت المسألة وفاقيّة و لم تكن من الضروريّات و اليقينيّات، كان اللازم أيضا، كونه في هذه المسألة مجتهدا او مقلّدا، نعم هو بمجرّد توجهه، بأنّه مع الاحتياط، يدرك الواقع و يحفظ ما هو وظيفته واقعا و حكم العقل، بكفايته، يكون مجتهدا في المسألة و يكتفى به مجوّزا للاخذ و سلوك الاحتياط.

كما أن الآخذ بالتقليد، محتاج الى وجود

حجّة و مصحّح لعمله و هو ليس الّا ما قلنا في وجه الاكتفاء بالتقليد و له أن يرجع في مسئلة جواز الاحتياط إليه.

***

[مسئلة 6: في الضروريات لا حاجة الى التقليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: في الضروريات لا حاجة الى التقليد، كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما و كذا في اليقينيّات، إذا حصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 55

له اليقين و في غيرهما، يجب التقليد، ان لم يكن مجتهدا، إذا لم يمكن الاحتياط و ان امكن تخيّر بينه و بين التقليد.

(1)

أقول: بعد كون وجه رجوع الجاهل الى العالم، لكشف ما هو الواقع بنظره و لو ظاهرا فمع العلم و اليقين بالواقع بنفسه كما في اليقينيّات او لكونه ضروريّا كما في الضّروريات، لا معنى لرجوعه الى العالم، بل هو من قبيل رجوع العالم بالعالم، فهذا القسم خارج عن موضوع رجوع الجاهل الى العالم، هذا في الضروريّات و اليقينيّات.

و اما في غيرهما، فالمكلّف لو لم يكن مجتهدا، فامّا لا يتمكّن من الاحتياط، فيتعيّن عليه التقليد، لانّه بعد تعذّر بعض الافراد من الواجب التخييرى يتعيّن الاخذ بالفرد الممكن.

و اما ان يكون متمكّنا من الاحتياط، كما يتمكّن من التقليد، فيكون مخيّرا بينهما، لجواز الاكتفاء بكل واحد منهما و عدم جواز رفع اليد، عن كلاهما معا.

***

[مسئلة 7: عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط باطل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط باطل.

(2)

أقول اطلاق كلامه رحمه اللّه و ان كان يقتضي كون نظره الشريف، الى بطلان عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط في جميع الصّور، صورة كون عمله مخالفا لفتوى المجتهد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 56

و صورة موافقته لفتواه و صورة كونه جاهلا مقصرا و صورة كونه جاهلا قاصرا، لكن يأتي منه في المسألة 16 التفصيل و الحكم بصحّة عمله في بعض الصّور و على كل حال يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: في جواز عمل من لا يكون مجتهدا،

بدون كون عمله مستندا الى تقليد مجتهد و لا على طبق الاحتياط و عدمه عقلا.

فقد عرفت انه لا دليل على الاكتفاء بغير هذه الثلاثة اعنى الاجتهاد و التقليد و الاحتياط لا عقلا و لا شرعا، بل يحكم العقل بعدم الجواز، لعدم الأمن عن العقوبة في العمل بغير هذه الثلاثة:

و معنى عدم الجواز عدم حكم العقل بكون العمل الغير المستند بهذه الثلاثة مؤمّنا عن العقوبة:

مضافا الى امكان كون العمل، في بعض الصّور تشريعا، مثل ما إذا قصد القربة، بفعل لا يدرى كونه مقرّبا و لم يكن في الواقع مقرّبا.

الجهة الثانية: في بطلان عمل العامى بلا تقليد و لا احتياط

مع فرض عدم انطباق عمله مع فتوى المجتهد الذي لا بد من ان يرجع إليه «و يأتي إن شاء اللّه في المسألة 16 بعد ذلك بان المراد من المجتهد اللازم موافقة عمله مع فتواه هل هو المجتهد الواجب اتباعه حين العمل او المجتهد الذي لا بد من اتباعه بعد العمل او كليهما» فالحق بطلان عمله و معنى البطلان ليس البطلان المصطلح بمعنى حكم العقل او الشرع ببطلانه، بل معنى البطلان هنا، هو حكم العقل، بعدم جواز الاكتفاء بهذا العمل، لان العبد مع فرض كون عمله، ليس مؤمّنا عن العقوبة يصح بنظر العقل عقابه لو لم يصادف عمله مع الواقع و لا يكون معذورا في مخالفة الواقع، لاحتمال عدم مطابقة عمله معه و لا فرق في ذلك بين الجاهل القاصر و المقصّر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 57

الجهة الثالثة: في بطلان عمل العامى المذكور و عدمه

مع فرض انطباق عمله مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه.

اعلم انّ الكلام في الصحّة و البطلان، يكون فيما كان العمل عباديّا و الّا لو كان توصّليا و صادف الواقع، يكون مجزيا بلا اشكال، مثل ما غسل المتنجّس بالبول مرّتين و صار مطابقا مع فتوى المجتهد لا اشكال في حصول الطهارة، لانّ المطلوب في التوصليّات، ليس الّا حصول المطلوب كيفما اتفق:

انّما الكلام فيما يكون العمل عباديّا و اتى به و صادف مطابقا مع فتوى المجتهد، اللازم مطابقة عمله مع فتواه.

فنقول: انّ للمسألة صورتين:

الصّورة الاولى: ما كان عمله، مطابقا مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه مع فرض كون جهله عن قصور و تمشّى منه، قصد القربة، لاجل قصوره و تخيّله بان العمل مقرّب، فلا مجال للاشكال في صحّة عبادته و لا مجال لبعض

الاشكالات، الّتي نتعرض لها في الصورة الثانية، في هذا الفرض.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان جهله عن تقصير و اتى بعمل عبادىّ و صادف مطابقا مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله مع فتواه، فهل يصحّ عمله أو لا اعلم ان الجاهل المقصّر، تارة، يكون غافلا حين العمل و تمشّى منه قصد القربة و تارة يكون ملتفتا و لا يكون غافلا حين العمل:

امّا فيما كان غافلا حين العمل و تمشّى منه

قصد القربة، فهو يكون ممّن كان ملتفتا الى وجود احكام و لكن تهاون و لم يتعلّم الاحكام، حتّى غفل حين العمل، فهل يصحّ عمله في الفرض المذكور أولا.

ما يمكن أن يقال، اشكالا على الصحة نذكر إن شاء اللّه في الفرض الثاني نذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 58

انّ بعض الاشكالات، لو فرض وروده لا يجرى في هذا الفرض:

فبناء عليه نقول في هذا الفرض، أنّ الفعل الصّادر منه، مع قصد القربة و فرض مطابقته، مع فتوى المجتهد الواجب، موافقة عمله مع فتواه، يكون صحيحا، لانّ الفعل، قابل لانّ يتقرب به على الفرض و قد صدر مع قصد القربة، فما يكون معتبرا في حصول الاطاعة و الامتثال في العبادة، من اعتبار كون الفعل، بداعى التقرب و قابليّة الفعل، لان يتقرّب به، موجود فيه، فهو متّصف بحسن الفعلى و الفاعلى، فيصح عمله و يكون مجزيا بحكم العقل، لانطباق الماتى به مع المأمور به.

و اما فيما كان جهله عن تقصير و صدر عنه عملا عباديّا و لم يكن غافلا حين العمل، عن وجود الاحكام و عن ترك التعلّم و مع ذلك اقدم على اتيان العمل، فله صورتان:

صورة يقصد القربة بعمله و صورة يأتي به رجاء.

امّا في

الصورة التي قصد القربة و صادف انطباق عمله، مع فتوى المجتهد المعتبر، مطابقة عمله معه، فما يقال في وجه عدم صحّة عمله و يظهر من كلام الشيخ الانصارى امران:

الأمر الاوّل: عدم تأتّى قصد القربة عن مثله، لان من يكون شاكا في كون الفعل الكذائى، مقربا للمولى و عدمه كيف يتقرّب به و يقصد به القرب بالمولى، لانّ عبادة المولى أيضا، مثل التعظيم و التكريم عن غيره، فمن يريد تعظيم شخص، لا بدّ له ان يعرف أوّلا، ان العمل الكذائى، تعظيمه ثمّ يقدم بالعمل لتعظيمه:

و أما ان كان شاكا في كونه تعظيما له او توهينا له، كيف يقدم على العمل بداعى تعظيمه؟

أقول بل لا يمكن له الاقدام بهذا العمل المشكوك كونه مقرّبا، بقصد الرّجاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 59

و احتمال المطلوبية أيضا، مع فرض احتمال كونه مبغوض المولى، لانّ العقل الحاكم بحسن الاطاعة الاحتماليّة، يحكم بحسنه، فيما يحتمل مطلوبيته و لا يحتمل مبغوضيّته، فعلى هذا لا يمكن مع الالتفات، قصد الرجاء، فضلا عن قصد التقرّب، نعم فيما كان غافلا حين العمل، كما ذكرنا سابقا، نقول بصحّة عمله في مفروض الكلام، لانّه لأجل غفلته، صدر عنه الفعل بقصد التقرّب و على الفرض كان مقرّبا و موافقا مع فتوى المجتهد، المعتبر مطابقته مع فتواه و لهذا نقول في صورة الغفلة، عن وجود الاحكام و عن التعلم بصحة العبادة، كما اختاره المؤلف رحمه اللّه على ما في المسألة السّادسة عشر، و عدم الصحّة في هذا الفرض.

الأمر الثاني: انّ من يقصد الاقتصار على فعل واحد، لا يدرى انّه المأمور به الواقعى او غيره، ليس قاصدا لامتثال الأمر الواقعي، على كل تقدير مثلا من لا يدرى

ان الواجب عليه يوم الجمعة، صلاة الظهر او صلاة الجمعة و يقتصر على واحدة منهما فقط، لا يكون قاصدا لامتثال الأمر الواقعى على كل تقدير، بل هو قاصد لامتثال الأمر الواقعى، ان كان ما يفعل هو المأمور به الواقعى فقط و لو كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعى على كل تقدير، كان لازمه اتيان كل من الظهر و الجمعة و هذا الإشكال ان كان يرجع الى عدم الجزم في النية، لكن يمكن ان يدفع، بأنه لا يعتبر الجزم فى النية و ان الاقتصار في مقام الامتثال، ببعض المحتملات، لا يدلّ على عدم كون الداعى، على اتيان بعض المحتملات، هو الأمر المولى، لامكان كون عدم الداعى، الى اتيان بعض الاحتملات، مع وجود الداعى الى اتيان بعضها الاخر، هو المشقة او عدم داعوية الأمر عنده، بحيث يصير محرّكه على اتيان جميع المحتملات و لكن مع ذلك لا ينافي ترك بعض المحتملات، مع كون داعيه الى اتيان بعضها الآخر، هو الإرادة المولويّة و امر المولى.

أقول ما ذكر جوابا عن الأمر الثاني، إن كان الغرض، امكان قصد التقرب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 60

من العبد، في هذا الفرض، فغير تمام، لانّه بعد عدم علمه بمقربيّة العمل، كيف يمكن ان يتقرب به، و ان كان الغرض، امكان اتيان العمل في الفرض، رجاء مع فرض علمه بعدم حرمته، فيمكن القول، بصحّة عمله، مع فرض مطابقته لفتوى المجتهد اللازم، موافقته مع فتواه و من هنا يظهر، انّه ليس الاشكال من ناحية عدم الجزم بالنيّة، بل من جهة عدم امكان قصد الامر و هو الإشكال الاول و لذا قلنا بالصحة في صورة اتيانه رجاء.

فتلخّص من كلّ ذلك انه لا يصح

عمل الجاهل، المقصر الملتفت، إذا قصد القربة بعمله و لو صادف مطابقته مع فتوى المجتهد، اللازم مطابقة عمله مع فتواه، بل كما قلت مع الالتفات لا يتمشى منه قصد القربة.

و امّا في الصّورة التي يأتي بالعمل رجاء مع التفاتة و كون جهله عن تقصير:

فتارة كما يحتمل وجوب الفعل و يأتى به، كذلك يحتمل حرمته، ففي هذه الصّورة لا يصحّ العمل، لانّ مورد الصّحة، فيما يأتي برجاء المطلوبيّة، هو ما لا يحتمل حرمته و الّا لا يحكم العقل، بحسن الاطاعة الاحتمالية:

و تارة أنّ ما يحتمل مطلوبيّته، لا يحتمل حرمته و مبغوضيّته و يأتي به رجاء ففي هذه الصورة، لو صادف العمل موافقا مع فتوى المجتهد، المتبع فتواه عليه، يصحّ العمل و لا يجرى ما تقدم من الإشكال، في الصورة السابقة:

هذا تمام الكلام في اصل المسألة و قد عرفت صورها و ان في بعضها، يتصف عمل الجاهل بالصّحة و في بعضها لا يتصف بالصّحة.

ثمّ انّ هنا كلاما تعرض المؤلّف رحمه اللّه في ذيل المسألة السادسة عشر من مسائل التقليد و هو انه بعد فرض صحة عمل الجاهل، قاصرا او مقصّرا في بعض الصّور، إذا صادف موافقا مع فتوى المجتهد، فهل الميزان مطابقة عمله مع فتوى، من يجب تقليده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 61

حال العمل او الميزان مطابقته مع فتوى المجتهد الذي، يجب اتباعه بعد العمل او الميزان مطابقته مع فتوى كل منهما و هذا يفرض فيما كان المجتهد الذي يجب تقليده بعد العمل، غير المجتهد الذي كان واجب التقليد، حين العمل مع اختلاف فتواهما، مثل ما إذا مات المجتهد المقلد، حال العمل و رجع الى المجتهد الحىّ بعد العمل و الثّمرة بين

الاحتمالات واضحة:

لانه على الاوّل، يكون مجرد موافقة عمله مع فتوى المجتهد حال العمل، كاف في صحّة العمل:

و على الثاني، مجرد موافقته، مع فتوى المجتهد بعد العمل، كاف في صحّة العمل:

و على الثالث لا بدّ من موافقة عمله مع كل منهما و الّا لا يصحّ عمله.

إذا عرفت ذلك نقول، قال المؤلّف رحمه اللّه في المسألة السادسة عشر «و اما الجاهل القاصر او المقصّر، الّذي كان غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة، فان كان مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلّده، بعد ذلك كان صحيحا و الاحوط مع ذلك، مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل».

أقول و الاقوى وجوب مطابقة عمله، مع فتوى من يقلّده فعلا و بعد العمل كما اختاره المؤلف رحمه اللّه لانّه هو الطريق له فعلا و يجب متابعته و كفاية ذلك، لا المجتهد الذي قلّده سابقا حين العمل.

***

[مسئلة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل، بقول مجتهد معيّن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل، بقول مجتهد معيّن و ان لم يعمل بعد بل و لو لم يأخذ فتواه، فإذا اخذ رسالته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 62

و التزم بما فيها، كفى في تحقيق التقليد.

(1)

أقول: قد عرّف التقليد، بتعاريف لا حاجة إلى ذكرها و لا الى التكلم في ارجاع بعضها الى بعضها الآخر، بل العمدة بيان ما هو التقليد.

فأقول بعونه تعالى، بعد ما قلنا، من انّه من يريد العمل بواقعيات المولى الجليل، امّا ان يسلك سبيل الاستنباط و يحصّل الواقعيّات بنفسه، باستفراغ وسعه، فهو يفعل و يترك باجتهاد نفسه و يكون مشيه على طبق اجتهاده و استنباطه من الأدلّة.

و امّا من يسلك سبيل الاحتياط، بعد علمه بجوازه و كيفيّته عن اجتهاد أو تقليد، فيجعل مشيه و

عمله على نحو، يدرك به الواقع لا محالة، ففي كل من الصورتين ليس معنى كونه عاملا في مقام حفظ الواقعيات بالاجتهاد او بالاحتياط، الّا كون عمله على طبق اجتهاده، او كون عمله موافقا للاحتياط.

و امّا ان يكون مقلّدا و هو على ما عرفت في وجه الاكتفاء به، امّا يكون من باب حكم العقل فقط، او حكم العقل و الشرع، على فرض ورود الدليل من الشرع، على كفايته، كالعقل و ليس معنى كونه مقلدا، الّا كونه في عمله متابعا لرأي المجتهد و فتواه، فهو حيث يكون جاهلا و لا يدرى، كيف يعمل و يطيع اللّه تعالى، يقلّد المجتهد، اعنى يجعل عمله على طبق فتواه و هذا هو التقليد، فكما انّك إذا قلت لولدك، تقلّد في مشيك عن فلان، ليس معنى تقليده في مشيه، الّا كون هذا الفعل، اى مشيه الخارجى على طبق مشى الفلاني، فاذا مشى على طبقه، يقال انه قلّده في مشيه، فهكذا في التقليد فيما نحن فيه، لا يكون معنى محصّلا له، الّا جعل العمل على طبق نظر المقلّد «بالفتح».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 63

و الحاصل انّه بعد التّأمل ما يأتي بالنظر في المراد من التقليد، هو انّ التقليد نفس العمل، كما هو مختار سيدنا الاعظم و مجدد المذهب فقيد الاسلام ايت اللّه الحاج آغا حسين البروجردي الطباطبائى المعظّم رحمه اللّه.

امّا كون التقليد نفس الالتزام بالعمل و لو لم يعمل بعد بل و لو لم يأخذ فتواه كما اختاره المؤلف رحمه اللّه فهو بمعزل عن الصواب و مثله فى البطلان جعل التقليد عبارة عن الالتزام مع العمل او العمل اعتمادا على فتوى المجتهد، بحيث يكون الاعتماد دخيلا فيه او الاستناد

الى فتوى المجتهد، لما عرفت من انّ حقيقته ليس الّا نفس العمل و من التزم بالعمل و لم يعمل بعد، يقال انّه التزم بان يقلّد الفلانى لا انّه قلّد الفلانى و لو التزم و عمل فما هو التقليد نفس العمل و لا دخل للالتزام في صدق التقليد، كما انه كون العمل اعتمادا على فتوى المجتهد أو استنادا بفتواه الّذي، هو في الحقيقة عبارة اخرى، عن الالتزام و العمل، بحيث كان الاعتماد أو الاستناد جزء للتقليد فغير صحيح، فعلى كلّ حال، الحق هو أنّ التقليد نفس العمل.

و امّا ما حكى عن صاحب الفصول رحمه اللّه من انّه ان كان التقليد نفس العمل، يرد اشكالان، من باب التزامه بان التقليد نفس الالتزام، فاورد على من يقول انه نفس العمل اشكالين:

الاوّل: انّ العمل مسبوق بالعلم، فلا يكون سابقا عليه و غرضه رحمه اللّه انّه لا بدّ أوّلا في مقام التقليد، العلم بفتوى المجتهد و الالتزام به، ثم جعل العمل على وفق هذا العلم و الالتزام، فلا يمكن ان يكون التقليد نفس العمل، بل هو يتحقق بعد التقليد.

و فيه انّ ما قاله من لزوم العلم بفتوى المجتهد قبل العمل صحيح، لكن يكون الكلام في انّ العلم بفتوى المجتهد، حقيقة التقليد او الالتزام بفتواه التقليد او تكون حقيقة التقليد نفس العمل و قد عرفت انه نفس العمل، و العلم يكون مقدمة للعمل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 64

فمن تعلّم فتوى المجتهد و لم يعمل به بعد، لا يقال بانه قلد المجتهد و لو التزم بان يجعل عمله بعد ذلك على طبق ما تعلّمه من فتواه، بل يقال بانه تعلّم فتواه و التزم بان يقلّده في عمله.

الثّاني: انه

ان كان التقليد نفس العمل، يلزم الدور، بيانه أنّ العمل العبادي، يحتاج سقوط امره الى قصد القربة و قصد القربة يحتاج الى العلم بكون العمل عبادة و بناء على كون التقليد نفس العمل، يتوقف العلم بكونه عبادة عل العمل، لانّ العمل هو التقليد، فالعمل يتوقف على العلم و الحال ان العلم بكونه عبادة، يتوقف على العمل و هذا دور.

و بعبارة اخرى، بناء على كون التقليد نفس العمل، فما لم يعمل، لا يتمكن من قصد التقرّب، لانّه بالعمل يصير مقلّدا و يصحّ له قصد التقرب و لا يمكن له العمل الّا بقصد التقرّب، لانّ العمل العبادى، محتاج الى قصد التقرّب، فالعمل متوقف على العلم و العلم على الفرض، متوقف على العمل.

و فيه انّه بعد فرض كون التقليد نفس العمل، يكون معناه، ان المقلّد يصير مقلّدا بالعمل و لا ينافي ذلك، ان انطباق العمل على وفق فتوى المجتهد، يكون موقوفا على العلم بفتواه، فهو إذا صار في مقام اتيان الصلاة مثلا و هي عبادة، فمتى لم يصلّ على طبق فتوى المفتى، لا يقال بأنه قلّد المجتهد في الصلاة، بل إذا صلّى يقال انه قلّده في صلاته، لانه جعل عمله الصلاتي على طبق فتواه و هذا لا ينافي مع لزوم العلم بفتوى المجتهد قبل اتيان الصلاة حتى يعمل على طبق فتواه فالعمل يتوقف على العلم بفتوى المجتهد و انّ الصلاة عبادة، لا يسقط امرها الّا بقصد القربة و ليس هذا العلم موقوفا على العمل، حتى يصير دورا و ان كانت حقيقة التقليد لا تحصل الّا بالعمل و هو في المثال تحصل باتيان الصلاة، هذا كله في حقيقة التقليد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 65

و هل

يجب تقليد شخص معيّن، بمعنى وجوب تطبيق العمل على فتوى مجتهد خاصّ، أو لا يجب ذلك.

اعلم انّ المجتهد تارة يكون منحصرا في شخص واحد فالمقلد، يأخذ عنه الفتوى و يعمل على طبقه و هو معين عنده.

و تارة يكون متعددا و في هذا الفرض، مرة يكون المجتهدان او أكثر متفقين في الفتوى.

و اخرى مختلفين في الفتوى، امّا فيما كانا مختلفين في الفتوى فبناء على التخيير بينهما عقلا و عدم تساقطهما عن الحجية كما يأتى إن شاء اللّه و ان لم نقل بالتخيير الشرعى، فلا بدّ من تعين واحد منهما، لانّهما ان كانا متساويين في العلم فكلهما طريقان و ان كان احدهما اعلم من الآخر، بناء على تعين تقليده في صورة اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، فلا بدّ أيضا من تعيينه، لانه على الفرض، يكون الاختلاف بين الطريقين او أكثر، لا بدّ من انطباق عمله على واحد من الطريقين، فلا بدّ من تعيينه و العلم بفتواه و تقليده، اى جعل عمله على طبق فتواه.

و امّا فيما كانا متفقين في الفتوى، سواء كان أعلم بينهما او كانا متساويين في العلم، لا يجب تعيين خصوص احدهما و لا يجب تقليد خصوص الاعلم من بينهما، لعلمه باتفاق فتواهما، بل مجرد علمه بفتواهما و انطباق عمله على ذلك، كفى في صدق التقليد، فيمكن له انطباق عمله على كل منهما، فيقال انّه قلدهما، كما انّه يمكن له تعيين شخص خاص منهما، بحيث يشير إليه، كما انّه له تعيين واحد خارجى منهما و لو لم يشربه لا الفرد المردد، لانّه بكل من الانحاء الثلاثة يتحقّق التقليد، لانطباق عمله مع فتوى المجتهد.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 66

[مسئلة 9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة

9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت و لا يجوز تقليد الميّت ابتداء.

(1)

. أقول: يقع الكلام في مقامين:

المقام الاوّل: في جواز البقاء على تقليد الميّت و عدمه.

المقام الثاني: في جواز تقليد الميّت ابتداء و عدمه.

اما الكلام في المقام الاوّل، [جواز البقاء على تقليد الميّت]
اشارة

فنقول هل يجوز البقاء على تقليد الميّت مطلقا، أولا يجوز مطلقا او التفصيل بين ما عمل في زمان حياة المجتهد بفتواه، فيجوز البقاء و بين ما لم يعمل لا يجوز او التفصيل بين ما تعلّم من فتواه فيجوز البقاء فيه و لو لم يعمل به بعد و بين ما لم يتعلّم في زمان حياته، فلا يجوز، كلّ محتمل، بل ذهب إلى كلّ، بعض من الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

اعلم انّه على ما عرفت في المسألة الاولى انّ الدّليل على وجوب التقليد و جواز الاكتفاء به إن كان حكم العقل بوجوب رجوع الجاهل الى العالم و كونه طريقا الى احكام المولى نقول بأنّه تارة يكون فتوى المتهجّد الميّت موافقا مع فتوى المجتهد الحىّ و تارة يكون مخالفا.

امّا فيما كانا موافقين في الفتوى، فلا ينبغى الأشكال في كون كل منهما طريقا و لا فرق في نظر العقل في حجّية رأى كل منهما و لا يفرّق العقل، بين الحىّ و الميت، في جواز الرجوع او لزومه، الّا أن يدّعى قيام اجماع او دليل آخر، على عدم جواز البقاء، حتى في صورة توافق فتوى الحىّ مع الميت و لم أجد دليلا و لا اجماعا عليه.

و ما استدلّ به من الآيات او الأخبار على جواز التقليد أو وجوبه على تقدير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 67

دلالتهما و فرض كونهما في مقام حكم تأسيسى، لا يستفاد منهما جاز البقاء.

نعم بناء على دلالة

التوقيع الشريف كما قلنا، ربّما يقال انّه يدلّ على جواز البقاء، لانّ مقتضاه كون المجتهد، حجّة من قبل الحجّة و لا فرق بين حياته و مماته.

و لكن بعد كون الارجاع فيه الى من يرجع إليه في الحوادث، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون النظر الى من يمكن الارجاع إليه في الحوادث الواقعة، فشموله لصورة البقاء غير معلوم.

و اما فيما كان مخالفين في الفتوى، له فرضان:

الفرض الاوّل: تساوى الميت و الحى في العلم و غيره،

ممّا يمكن ان يكون سببا للترجيح كالاورعيّة.

الفرض الثّاني: فرض عدم تساويهما في العلم، بان يكون احدهما اعلم من الآخر، امّا الكلام في هذا الفرض، فيأتى في ذيل البحث إن شاء اللّه.

و اما الفرض الاوّل فيتصوّر اختلافهما على نحوين:

الاوّل: ما يمكن الاخذ باحوط القولين، مثل ما يقول أحدهما، بوجوب التسبيحة مرة في الركوع و عدم وجوب الازيد و يقول الآخر، بوجوبها ثلاث مرّات، فيمكن الجمع بين الفتويين، باتيان ثلاث مرّت.

الثاني: ما لا يمكن الجمع بينهما، مثل ما يقول أحدهما بوجوب صلاة الجمعة و الآخر بحرمتها.

و أعلم أن مورد الكلام فى صورة اختلاف، فتواهما، من حيث سقوطهما عن الحجية و عدمه في هذا القسم فنقول: بأنّه تارة، يقال في صورة اختلاف المجتهدين في الفتوى، بسقوطهما عن الحجية جميعا، كالخبرين المتعارضين على قول.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 68

و تارة لا نقول بسقوطهما عن الحجية، بل يكون المقلّد، مخيرا بين الأخذ بايّهما شاء، فان قلنا بالاوّل، يلزم أن يقال بعدم جواز تقليد كل من المجتهدين، مع اختلافهما في الفتوى، و نلتزم بأنّ مورد التقليد، ليس الّا فيما كان المجتهد واحدا، او فيما كان المجتهدان، او أكثر متّحدين، من حيث الفتوى، فلازمه عدم جواز تقليد الحىّ و الميت كليهما، الّا مع

الالتزام بعدم جواز تقليد الميّت، باجماع او بغيره، فينحصر الطريق إلى المجتهد الحىّ، فيجوز تقليده، لعدم وجود طريق معارض له، في صورة عدم جواز البقاء.

لكن نقول: بانّه و لو لم نقل بالتخيير الشرعى، في مورد تعارضهما في الفتوى، الّا انّه نقول بالتّخيير بينهما عقلا، و هذا لوجهين.

الوجه الاوّل: لزوم كون حكم العقل، برجوع الجاهل الى العالم، او كونه من الفطريات منحصرا، بما كان العالم واحدا، و مع تعدّده لا بدّ ان يكونا متحدى الفتوى، و هو غير تمام، كما ترى في ساير الموارد الّتي لا بدّ من رجوع الجاهل الى العالم، فمن كان له مريض، راجع الى طبيبين، فقال احدها، لا بدّ من أن يشرب المريض الشربة الفلانية، بالكيفية الكذائية و الّا يموت، و قال الآخر لو كان يشرب هذه الشربة يموت، فهل يحكم العقل بطرح قول كلّ منهما، او يحكم بالتخيير بينهما، نعم لو تمكّن من الاحتياط، يحكم العقل بالاحتياط، و هكذا في غيره من موارد رجوع الجاهل الى العالم، و هذا شاهد على عدم كون حكم العقل على تساقطهما عن الحجيّة.

ان قلت كيف تقول في تعارض الخبرين بسقوطهما عن الحجية، بناء على الطريقية بمقتضى القاعدة، مع قطع النظر عما تقتضيه الاخبار.

قلت مضافا الى كون المسألة خلافيّة في تعارض الخبرين، بأنّه ان قلنا بسقوط الخبرين المتعارضين عن الحجية، و لم نقل بالتخيير الشرعى، و لا العقلى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 69

يمكن للمجتهد الاحتياط، او الرّجوع إلى الاصل، و في موردنا لا يمكن ذلك، لما يأتي إن شاء اللّه في الوجه الثّاني.

الوجه الثّاني: لو سلّم سقوط كلّ من الطريقين المتعارضين عن الحجية، في صورة التعارض، بنظر العقل، لكن حكم العقل، مختص

بما يمكن للشّخص، المشى على طبق سبيل آخر، يوصله الى الواقع، او كان حجّة و عذرا بنظره من الاحتياط، او الأخذ ببعض الاصول، كما يمكن ذلك في الخبرين المتعارضين.

و امّا فيما لا يتمكن من ذلك، فالعقل الّذي يرى، من جانب وجوب حفظ الزامات المولى و عدم جوازه ترك التعرض لها، و جعل نفسه كالبهائم

في هذا الحال، و يرى من جانب عدم امكان حفظ هذه الالزامات بنحو آخر، من الاحتياط او اجراء الاصل، لانّ حجيتهما، تكون فرع جواز الاكتفاء باحدهما، او كليهما باجتهاد او تقليد، و على الفرض في صورة الاختلاف، لا يمكن الاحتياط:

مع انّ تعيّن الاحتياط، في هذا الحال يكون خلاف السيرة المتشرعة، بلا اشكال، حتّى في مورد فرض امكان الاحتياط، بل ادّعى الاجماع على خلافه، من بطلان عمل تارك طريقى التقليد و الاجتهاد، فكيف يتعيّن عليه الاحتياط، مع عدم كونه مجتهدا على الفرض، فيحكم العقل في هذا الحال، بلزوم الأخذ بفتوى احد المجتهدين المخالفين في الفتوى.

فثبت انّ الحق اختيار الشق الثاني، و هو جواز التقليد و الاكتفاء به، بحكم العقل حتّى مع تعارض فتوى المجتهدين، مع فرض تساويهما في العلم، و يأتى الكلام في صوره اعلميّة احدهما، على الآخر.

إذا عرفت ذلك، نعطف عنان الكلام الى ما نحن فيه، و هو جواز البقاء على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 70

تقليد الميّت و عدمه، فنقول بعونه تعالى:

يجوز البقاء على تقليد الميّت، في صورة مساواته في العلم مع الحىّ، سواء كان فتوى الميت، موافقا مع فتوى الحىّ، او مخالفا، و مورده في خصوص المسائل الّتي، عمل بها، حال حياة المجتهد الميّت، لانّه بعد كون التقليد، نفس العمل، فالبقاء لا يصدق الّا مع

العمل، و هذا كان مختارنا:

و في غير ما عمل فى زمان حياته، يكون من التقليد الابتدائى، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

و هل يجب البقاء في صورة تساوى المجتهد الميّت، علما مع الحىّ في المسائل الّتي عمل بها المقلّد حال حياته، او لا يجب ذلك، بل كما يجوز له البقاء يجوز له العدول الى الحىّ؟

قد يقال بوجوب البقاء، فيما كان الاختلاف بين الميت و الحىّ، موجبا للعلم التفصيلى، بمخافة العمل مع الواقع، و لو كان في بعض الوقائع، مثل ما إذا أفتى الميّت بوجوب صلاة الجمعة تعيينا، و الحىّ بوجوب الظهر تعيينا، فلو عدل المقلّد عن الميّت الى الحىّ و يقلّده و يعمل على طبق فتواه، بعد ما قلّد الميّت، حال حياته مدّة و عمل بفتواه، فهو يقطع تفصيلا، بترك واقع المولى في بعض الايام، لانّ الواقع، امّا الظهر و امّا الجمعة، و هو على الفرض، ترك الظهر مدّة، و الجمعة مدّة اخرى، ففي مشل هذه الصورة، يجب البقاء على تقليد الميّت، حتّى فيما كان مساويا في العلم مع الحىّ، نعم فيما كان فتوى الميت عدم وجوب شي ء و فتوى الحىّ وجوب ذاك الشي ء، لا يحصل العلم التفصيلى، او الاجمالى على ترك واقع المولى، لو عدل عن الميت الى الحىّ، او فيما كان الميّت يحتاط بفعل شي ء، و لا يحتاط الحىّ او بالعكس.

و يمكن دفع هذا الإشكال نقضا مرة وحلا اخرى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 71

امّا نقضا بأنّه و ان كان يحصل العلم، في بعض الصور، كما في المثال، لكن ليس هذا المحذور، منحصرا بالمقام، بل يتفق تارة، في تبدّل راى مجتهد واحد، فانّه بعد تبدّل رأيه، لا بدّ من

اتباع رأيه الثّاني، ان كان في مقام تقليده، و قد يتفق العلم بمخافة الواقع، كما لو كان فتواه الاوّل وجوب الظهر معيّنا، ثم تبدّل رايه الى وجوب صلاة الجمعة معيّنا، فكلّما تقول في صورة تبدّل راى مجتهد واحد، من اجزاء أعماله المنطبقة مع رايه الاوّل، او عدم الاجزاء، نقول نحن في صورة اختلاف فتوى المجتهد الميّت مع الحىّ.

و امّا حلا أمّا أوّلا: فلما ادّعى من الاجماع على الاجزاء، و عدم وجوب الاعادة و القضاء بالنسبة الى الاعمال السابقة، المنطبقة على الرّأي السابق، او بعض الوجوه الاخر اقيم على الاجزاء، او التمسّك على عدم وجوب الاعادة ببعض القواعد، مثل حديث لا تعاد، في خصوص الصلاة، بناء على شموله للمورد، و عدم انحصار مورده بالنّسيان، و يأتى تمام الكلام فيه إن شاء اللّه في طى المسألة 43.

و ان كان لقائل ان يقول، بانّ وجه الاجزاء في مورد تبدّل رأى المجتهد، إن كان الاجماع، يمكن عدم تحققه في

المورد الّذي نحن فيه، فلا بدّ من التمسّك بالوجوه الآخر الذي اقيمت على الاجزاء، أو ان يقال في صورة اختلاف، فتوى المجتهد الميت مع الحىّ، امّا بلزوم الأخذ بأحوط القولين، فيما يمكن الاحتياط، او وجوب البقاء على تقليد الميّت، كى لا يحصل العلم بمخالفة الواقع في بعض الصّور.

و امّا ثانيا: فانه لو تمّ الإشكال، كان لازمه بعد العدول الى الحىّ، قضاء ما فات منه، بمقتضى فتوى الحىّ، المعدول إليه، و هذا لا يقتضي عدم جواز العدول، بل يجوز العدول، و ان كان يوجب العدول إتيان قضاء ما اتى، على طبق فتوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 72

الميت، لعدم جواز الاكتفاء به، بمقتضى فتوى الحىّ، نعم لو

بقى على تقليد الميّت، لا يبتلى بذلك فافهم.

ثمّ انّه لو فرض عدم دليل من العقل، او الشرع على جواز البقاء على تقليد الميّت، و تصل النوبة بالأصل، نقول بعونه تعالى:

انّ الأصل الّذي، يمكن ان يتشبث به، على جواز البقاء، هو الاستصحاب، و يمكن تصويره على نحوين:

الاوّل اجرائه في المسألة الاصولية، و الثاني في المسألة الفرعية.

امّا الكلام في اجراء الاستصحاب في المسألة الاصوليّة، فنقول انه يفرض على نحوين.

النّحو لاوّل: ما هو المعروف، من استصحاب حجّية رأى المجتهد الّذي مات، فيقال انّ المجتهد الفلاني، كان رايه حجّة حال حياته، فكذلك حال مماته للاستصحاب.

و اشكل عليه، أولا: بانّ الحجية ليست مجعولة، فليس امر وضعها و رفعها، بيد الشارع، و هذا الإشكال مبنىّ على عدم قابليّة الاحكام الوضعيّة، للجعل الاستقلالى مطلقا، او خصوص الحجّية و امّا بناء على قابليّتها لذلك مطلقا، او خصوص الحجّية، فلا مجال لهذا الإشكال.

و ثانيا: أنّ معنى وجوب متابعة راى المجتهد، ليس جعل الحجّية، بل ما يحكم به العقل او الشرع، ليس الّا وجوب متابعة رأيه بالوجوب التخييرى، لكون التقليد على ما عرفت احد افراد الواجب التخييرى، و ليس اعتباره كسائر الامارات و الطرق، الّا من باب طريقيته الى الواقع، بدون جعل من الشارع بالحجيّة او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 73

الطريقيّة او الوسطيّة في الاثبات، بل ليس مفاد اعتباره، الّا وجوب العمل به، لكونه طريقا الى الواقع، كما عرفت في مبحث الظّن، بل العقل ينتزع من هذا الوجوب، الحجيّة، بمعنى صحّة احتجاج المولى به عند المصادفة و العذر للعبد عند المخالفة، فكما انّ حكم العقل بوجوب الاحتياط تخييرا، ليس معناه جعل الاحتياط حجّة كذلك، في وجوب متابعة رأى المجتهد.

أقول امّا

بناء على ما احتملنا من استفادة جعل الحجّية من قبل الشارع للفقيه بمقتضى التوقيع الشريف فلا يتم هذا الإشكال.

و ثالثا: على فرض كون المجعول الحجيّة، لكن جواز اجراء الاستصحاب مبنى على كون موضوع الحجّية، نفس حدوث الرّأي من المجتهد، فيقال انّ الرأى و الفتوى، صدر منه و حدث من قبله، و هو كان حجة فتستصحب الحجية الحادثة.

امّا ان كان موضوع الحجّية مقوّما بالرّأي حدوثا و بقاء، بحيث كان موضوعها، في كل آن، بقاء الرّأي، فلا مجال لاستصحابها، لعدم وجود رأى مع موت المجتهد.

و الحقّ هو الثّاني، لانّ العقل الحاكم، بحجّية الرأى، يحكم بها مع وجود الرّأى و بقائه، لا بمجرد حدوثه و لهذا لو كان المجتهد حيّا و تبدّل رأيه، لا يحكم العقل بحجّية رأيه الاول، بل يحكم بحجّية رأيه الثاني، فلا مجال لاستصحاب حجّية الرأى.

ان قلت انّ المجتهد و ان مات لكن رأيه باق، لعدم ارتفاع رأيه بموته.

قلت لو سلّم بقاء الرأى ببقاء النفس، فيكون الموضوع باق بالدقة العقلية لكن بعد ما كان موضوع الاستصحاب، ما هو موضوع بنظر العرف، كما مضى في الاصول، و العرف يرى ارتفاع الرأى بموت المجتهد، و عدم بقاء الموضوع بنظره، فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 74

مجال للاستصحاب.

و قد تصدّى بعض اعاظم معاصرينا في شرحه «1» على العروة، لدفع الإشكال الثّالث، بعد بيان الإشكال و تنظيره بصورة تبدّل راى المجتهد، او اختلال بعض الشرائط المعتبرة فيه، كالعدالة مثلا فكما لا يجوز البقاء في الموردين، فكذلك في صورة موت المجتهد، بانّ عدم جواز البقاء في مورد تبدّل الرأى، يكون من باب انّ الحجّية مشروطة، بعدم كشف الخلاف، و مع تبدل الرأى انكشف الخلاف، لا لكون

بقاء الرّأى معتبرا، كما في رجوع الشاهد عن شهادته، فسقوط حجّية الشهادة، ليس من باب اعتبار بقاء الشهادة، بل من باب ظهور خطاء الشّاهد، فكما انّ كشف الخلاف مضرّ، في تبدّل الرّأى او عدول الشاهد عن شهادته، كذلك ما يضرّ في الحجّية هو كشف الخلاف، و مع الموت لا ينكشف الخطاء و الخلاف، فموضوع الحجّية و هو حدوث الرّأى، موجود بعد الموت، فيستصحب الحجّية بعد الموت.

و اما فيما اختل بعض شرائط المفتى، فعدم الجواز، يكون للاجماع، فلا وجه للتعدّي إلى غير مورده.

أقول امّا انّ المعتبر في حجّية الرّأى و وجوب اتباعه، يكون نفس حدوث الرّأى و لو لم يبق بعده، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به، لانّ الحجّية تتبع الرّأى و مع عدمه، لا معنى لحجّيته بحكم العقل،

و اما انّ الميزان في حجّية رأى المجتهد، عدم ظهور الخلاف بمعنى حجيّته بمجرد الحدوث، بشرط عدم انكشاف خلافه، او انّ لميزان بقاء الرّأى، لا مجرّد حدوثه، بشرط عدم كشف الخلاف، و لازم الاحتمال الاوّل، هو أنّه مع الشّك في بقاء الرّأى،

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 16.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 75

و عدمه، يكون الرّأى الحادث قبلا حجّة حال الشك، و لازم الاحتمال الثّاني، هو انّه مع الشّك، في بقاء الرّأى، ليس الرّأى المشكوك بقاء حجّة.

نقول بانّه بعد المراجعة، نرى أنّ العقل يحكم بحجّية رأى المجتهد، فلا بدّ من وجود الرّأى، و بعبارة اخرى في كلّ واقعة من الوقائع المبتلى بها، أوجب العقل، على من يكون مكلّفا، بوجوب اتباع حكم الشارع فيها، امّا بالاجتهاد او الاحتياط، او التقليد، بالوجوب التخييرى، و مع عدم التّمكن من الاوّلين، يحكم بوجوب اتباع رأى المجتهد تعيينا، فمن المعلوم،

انّه لا بدّ من وجود الرأى للمجتهد، حتّى يحكم العقل باتباعه، نعم مع حدوث الرّأي منه سابقا على شي ء، لو كنت ترى بانّ العقل، يحكم بمتابعة هذا الرّأى الصّادر منه سابقا، فليس هذا من باب، انّ مجرد حدوث الرّأي السابق، حجّة فعلا من باب عدم ثبوت كشف الخلاف، بل يكون من باب البناء على بقاء رأيه، ما لم ينكشف الخلاف فتدور الحجّية، مدار وجود الرّأى الفعلى حين العمل، فعلى هذا لا يفيد استصحاب الرّأى السّابق،

و قياس المورد بحجّية شهادة الشاهد، و انّ مجرد حدوثه يكفى في حجّية شهادته، فقياس مع الفارق:

امّا أولا: فلانّه لو فرضا، انّ مجرد حدوث الشهادة، كاف في الحجّية، فلعلّه كان من باب الدليل، الدّال على كفاية حدوث الشهادة في حجيّتها، في مورد القضاء و حكم الحاكم على طبقها، فلا وجه للتعدّي بغير موردها:

و امّا ثانيا: انّ الامر في الشهادة أيضا، ليس كما ذكره، من انّ مجرد حدوث الشهادة سببا لحجّيتها، بل لو تأمّلت فيها، ترى ان موجبية حدوث الشهادة للحجية، ليس من باب انّ حدوثها سببا لحجّيتها، و لو لم تبق بعد الحدوث، بل حدوث الشهادة عند الحاكم على موضوع، يوجب حكم الحاكم على طبقها، من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 76

باب شهادته، شهادته موجبة لحجّية قوله عند الحاكم و ترتّب الاثر عليه، فاخباره بواقعية أمر، حين الترافع، يوجب الحكم على طبقه و حجّية شهادته، نعم لو كشف الخلاف، بان رجع الشاهد عن شهادته قبل الحكم، او بعده، فله بعض احكام مذكور في باب القضاء و الشهادات، و الحاصل انّ الشهادة توجب الحكم و حجّيتها، متى شهد الشاهد، من باب إخبار الشاهد، على واقعيه امر، حين الشهاد،

بلا توقّف على كشف الخلاف او عدمه، و بعد كشف الخلاف، يكون محكوما بحكم آخر، هذا فانقدح من كل ذلك، عدم مجال لاجراء الاستصحاب.

ان قلت انّه و ان لم يكن حدوث الرّأى بنفسه، كافيا لتعلّق الحجّية به، بقاء، لكن بعد حدوث الرّأى، يمكن اثبات بقائه بالاستصحاب، فيقال بعد حدوث الرّأى على وجوب السورة يقينا، نشكّ في تبدّل الرّأى على وجوبها، فببركة، الاستصحاب، يحكم ببقاء الرأى و بعد بقاء الرّأى التنزيلى ببركته، تتبعه الحجّية، لبقاء الرّأى بحكم الاستصحاب، فيتحقق موضوع الحجّية.

قلت ليست الحجّية الثابتة اثرا شرعيا، لانها كما عرفت، تكون حكم العقل مستقلا او من وجوب متابعة الرّأى، ينتزع العقل منه الحجّية، ففي كلّ من الفرضين، ليست اثرا شرعيا، فالاستصحاب يكون مثبتا.

النحو الثّاني: اجراء الاستصحاب في نفس الحجّية، بان يقال بانّ المستفاد من التوقيع الشريف، الذي نقلناه في شرح المسألة الاولى، هو انّ العلماء، و بعبارة الحديث، رواة حديثهم، حجّة من قبل الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، لجعله عليه السّلام هذا المنصب لهم، بمقتضى قوله روحى فداه و عليه الصلاة و السلام «فانّهم حجّتي عليكم» و لا بدّ في الوقائع و الحوادث من الرجوع إليهم، و هذا اثر جعلهم، حجّة من ناحيته الشريفة، فيقال إذا كان الفقيه، حجّة حال حياته من قبله عليه السّلام،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 77

و شككنا بعد موته في بقاء حجّيته، نحكم ببقائها، بمقتضى الاستصحاب و نترتب عليها اثرها، من وجوب الرّجوع الى فتواه في الحوادث الواقعة.

ان قلت على هذا يجوز تقليد الميّت ابتداء أيضا، لانّ المستفاد من التوقيع الشريف ارجاع الواقعة الى الفقهاء، فلو كان للمجتهد الميّت احكاما، في وقائع، و مات و صار بعد موته

مورد ابتلاء بعض المكلفين، يجب الرّجوع إليه، و مع الرّجوع، يصدق انّه رجع الى من كان راويا لحديثهم.

قلت امّا أوّلا، فكما اشرنا سابقا، لا اطلاق لحديث، يشتمل التقليد ابتداء، بل تناسب الحكم و الموضوع، يقتضي اختصاصه بالمجتهد الحىّ، لانّ قوله عليه السّلام «و اما الحادث الواقعة فارجعوا الى رواة حديثنا الخ»، يكون مورده، ما يمكن الرّجوع الى رواة الحديث، و ليس يمكن ذلك، مع فرض موت المجتهد، فلا يشمل التّقليد الابتدائى، بل البقاء أيضا.

ان قلت انّ الرجوع الى فتواه يعدّ رجوعا إليه.

قلت ظاهر الحديث، الأمر بالرّجوع إليه، و عدّ الرّجوع الى فتواه، رجوعا إليه، أوّل الكلام.

و ثانيا لو ابيت عن ذلك كلها و قلت بان الحديث مطلق، يشمل التقليد الميّت ابتداء، نقول بعد الاجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء كما يأتي إن شاء اللّه، لا بدّ من تقيده و لا يمكن الأخذ بإطلاقه.

ثمّ انّه لو تمّ هذا الوجه، يكون دليلا لفظيّا، على فرض اطلاقه، يشمل صورة البقاء على تقليد الميت، و ان لم يتمّ إطلاقه و شككنا بعد موته، في حجّيته، يستصحب حجّيته و يكون على هذا اصلا عمليّا، و تكون النتيجة و الثمرة اعتبار فتواه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 78

و العمل برأيه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 78

هذا كلّه فيما ينبغي أن يقال بالنسبة الى اجراء الاصل في المسألة الاصوليّة.

و امّا الكلام في اجراء الاستصحاب في المسألة الفرعيّة، فنقول أنّه يتصوّر على نحوين.

النّحو الاوّل: اجراء الاستصحاب، بالنسبة الى الحكم الواقعى الثابت بقول المجتهد، في زمان حياته،

فيقال مثلا، كانت السورة واجبة سابقا في الصّلاة لفتوى المجتهد الذي مات فعلا، فيستصحب فعلا، وجوبها الواقعى بعد حياته.

و يجاب عن هذا الاستصحاب، بانّ المعتبر فيه اليقين السّابق و الشّك اللاحق، و ليس اليقين الوجدانى حاصلا، بوجود الحكم الواقعى في السابق فيما نحن فيه، حتّى يستصحب، لعدم اليقين الوجدانى، بحدوث الحكم الواقعى.

نعم ما تحقق بسبب رأيه، هو اليقين التنزيلى، لتنزيل مؤدّى الرّأى، بدليل حجّيته، منزلة الواقع، فيكون اليقين بثبوت الحكم، من الوجوب او غيره تنزيلا، و هذا معنى الوجوب الظاهري، و هو النّحو الثاني من الاستصحاب، في المسألة الفرعيّة يأتي ذكره إن شاء اللّه، كما انّه مع عدم اليقين الوجدانى سابقا بالحكم، و عدم تحقّق احد ركنى الاستصحاب، لا يكون ركنه الآخر، و هو الشّك في البقاء موجودا، لانّه لو ثبت وجود الحكم الواقعى في السابق فهو باق قطعا، و لا حاجة الى الاستصحاب لعدم الشّك في بقائه، و لو لم يعلم بثبوته سابقا، فلا معنى للشك في البقاء لان البقاء فرع الثبوت.

النحو الثاني: هو استصحاب الحكم الظاهرى، فيقال ان السّورة كانت واجبة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 79

في الصلاة سابقا، في زمان حياة المجتهد، فكذلك حال مماته ببركة الاستصحاب.

و ما يمكن ان يقال ايرادا على هذا الاستصحاب، هو انّ الحكم الثابت من الوجوب او غيره، على موضوع حال حياة المجتهد، كان من باب حجّية رأيه حال حياته، و هذه الحجّية مشكوكة حال مماته، فالحكم المستتبع له مشكوك أيضا، و قد عرفت عدم امكان اثبات حجّية الرّأى بالاستصحاب، عند التعرّض، للنّحو الاوّل من نحوين، من اجراء الاستصحاب في المسألة الاصوليّة، فيكون المورد من قبيل استصحاب القسم الثّالث، من اقسام استصحاب الكلى، و

لا مجال على التحقيق للاستصحاب فيه.

و فيه انّ هذا الاشكال يرد، ان كانت حجّية الرّأى من قبيل الواسطة في العروض، للوجوب او غيره من الاحكام، لا من قبيل الواسطة في الثبوت، فان كان بنحو الاوّل و كانت الحيثيّة التقييدية، فيدور الحكم حدوثا و بقاء. مدار وجود الرّأى، و مع الشّك في وجود الرّأي، لا مجال لاستصحاب الحكم.

و امّا إن كان بنحو الثّاني، و الحيثيّة كانت تعليلية، فمع الشّك في بقاء حجيّة الرّأى، يمكن استصحاب الحكم، و من القريب، بل المسلّم، كون الرّأى من قبيل الثاني، بمعنى كونه واسطة في الثبوت، فلا مجال للاشكال في استصحاب الحكم الظاهرى، فتلخص من كلّ ذلك، صحة استصحاب الحكم الظاهرى، المستتبع لرأى المجتهد حال حياته.

هذا تمام الكلام، في جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه، في صورة تساوى الميّت مع الحىّ في العلم و قد عرفت جواز البقاء في الجملة على تقليد الميّت.

و امّا مورده هل هو خصوص، ما عمل به حال حياة المجتهد او اعم منه، نذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 80

إن شاء اللّه قريبا.

و امّا مع عدم تساويهما في العلم يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى؟.

ثمّ انّ هنا كلاما في انّ مورد جواز البقاء، يكون خصوص ما عمل به من المسائل، حال حياة المجتهد، او يكون اعم منه و مما اخذ منه حال حياته و لو لم يعمل به بعد، او يكون اعم منه و من كل فتاويه و لو لم يأخذ منه، حال حياته احتمالات.

قد يتوهم ان جواز البقاء و عدمه يدور مدار، ما يقال في معنى التقليد فباختلاف المبانى في التقليد، يختلف الحكم بالجواز مثلا على القول بكون التقليد نفس

العمل، يجوز البقاء مع العمل في زمان حياته و الا فلا، و ان كان معناه نفس الاخذ يكفى في جواز البقاء، اخذ المسألة من المفتى و لكن هذا توهم فاسد، لعدم كون لفظ التقليد واردا في آية او رواية، حتى ندور حوله، بل ملاحظة الأدلّة الدالة على جواز البقاء و مقدار دلالتها على ذلك هى الملاك.

فنقول ان كان الدليل على جواز البقاء حكم العقل، فهو و ان كان لا يفرّق بين هذه الصّور، و لهذا لو لم يكن اجماع قائما، على عدم جواز التقليد ابتداء، كان المحكّم بحكم العقل جوازه، لكن بعد كون التوقيع الشريف رادعا عنه، في غير ما رجع في الحوادث الواقعة الى المجتهد و أخذ منه، حكم الواقعة، فيكون مورد البقاء صورة اخذ الحكم من المجتهد و لو لم يعمل به حال حياته.

و اما ان كان الدليل بعض الآيات و الأخبار، فنقول اما غير التوقيع الشريف، فكما قلنا في الاجتهاد و التقليد في الاصول، لا اطلاق له يشمل حال الممات بل هو ساكت عن ذلك، نعم يشمل البقاء فإذا رجع الى المنذر، او الى اهل الذكر حال حياته، يحصل ما هو المحقّق للرجوع بهما، فلا مانع من كون العمل بعد وفاتهما، فيجوز بمجرد الرّجوع حال حياتهما إليهما البقاء على رايهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 81

و اما التّوقيع الشريف، فهو كما قلنا في شرح المسألة الاولى، يكون في مقام بيان الحكم الوضعى التأسيسي و هو جعل الحجّية للفقيه و اثره وجوب الرّجوع، في الحوادث الواقعة إليه و كما قلنا، يشكل شموله للتقليد الابتدائى و كذا صورة البقاء على تقليد الميّت، و على فرض شموله لصورة البقاء، يستفاد منه جواز

البقاء على تقليد الفقيه الميّت، فيما رجع إليه و قد

يتوهم ان الرجوع يكون للعمل، فالمتيقّن منه صورة تحقّق العمل في الحادثة، فشموله بغير صورة العمل به حال حياته، غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم.

و فيه انّ مناسبة الحكم و الموضوع، يقتضي كون المجعول حجّة من قبل الحجّة روحى فداه من كان قابلا للرجوع إليه و من اجل هذا لا يشمل التقليد الابتدائى، لكن كل من يقبل للرجوع إليه، سواء كان حال عمل المراجع به، حيّا او ميتا فهو حجّة فلهذا يجوز البقاء على فتواه لكل من راجع إليه حال حياته و أخذ منه الفتوى سواء كان عمل به حال حياته أو لا.

و اما ان كان الدّليل الاستصحاب، فتارة يكون استصحاب، حجّية الرّأي فلا فرق بين العمل، حال حياة الميّت و عدمه، و لا بين اخذ الفتوى منه، في زمان حياته و عدمه، لانه بمجرد كون المكلف في زمان حياته، كان فتوى المجتهد حجّة فعلية له، فتستصحب الحجّية، فلا فرق بين العمل به و عدمه.

و اما بناء على استصحاب نفس الحجّية الوضعية، المستفادة من التوقيع الشريف، فأيضا، يجوز البقاء بمجرد كونه مكلفا، حال حياته و رجع إليه بأخذ الفتوى منه، لان المجتهد صار حجة له، بجعل الحجّة عليه السّلام فيجوز البقاء له بكل ما رجع إليه و اخذ منه، سواء عمل به او لم يعمل به حال حياته.

و اما بناء على استصحاب الحكم الفرعى، ففي كلا نحويه من استصحاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 82

الحكم الواقعى، على فرض جريانه و من استصحاب الظاهرى ففى ما عمل فى زمان حياته يبقى الحكم بالاستصحاب التنجيزى، و فيما لم يعمل به، حال حياته،

يكون من الاستصحاب التعليقى، و كما قلنا، بناء على كون التقليد نفس العمل، او كون العمل دخيلا فيه، لا يفيد الاستصحاب التعليقى، لكونه من التقليد الابتدائى عن الميّت و هو غير جائز للاجماع.

مضافا الى انه في الحكم الجزئي، يمكن الإشكال في صحة الاستصحاب التعليقى، لعدم حالة سابقة له، حتّى تعليقا مثلا، ان كان بعد وفات المجتهد، اهدى إليه هدية، فمعنى الاستصحاب التعليقى، أن يقال ان هذه الهدية، لو اهدى إليّ حال حياة الميت، كان الواجب فيه الخمس، فكذا في هذا الحال، اى حال موته، فحيث انّ المعتبر في الاستصحاب، وجود الموضوع في السابق، حتّى يثبت له الحكم، و هذه الهدية لم تكن موجودة حال حياته، لا مجال للاستصحاب.

فتلخّص ان التقليد لو كان نفس العمل، يجوز البقاء على تقليد الميت، في خصوص ما عمله، فيما كان الميّت، مساويا مع الحىّ في العلم

و كذا لو كان التقليد، الالتزام مع العمل، فأيضا يجوز البقاء فيما التزم و عمل به حال حياته، و اما ان كان التقليد، الالتزام فمع تحقّقه، يجوز البقاء و لو لم يعمل به و ليس على هذا الاحتمال، من التقليد الابتدائى، لانّه صار بالالتزام مقلّدا، فيكون الرجوع إليه، بعد موته بقاء على تقليده.

الفرض الثّاني: ما إذا اختلفا في العلم،

«و أما اختلافهما من حيث الورع فيأتي في المسألة 33 عدم حجّيته»، فنقول، بناء على وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في خصوص العلم باختلاف الاعلم مع غيره، او في صورة العلم او الشّك في اختلافهما في الفتوى، يكون مقتضى القاعد، الرجوع الى الاعلم، في كل مورد يحجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 83

الرّجوع تعيينا إليه.

فان كان الميت اعلما، يجب البقاء، في مورد تعيين تقليد الاعلم، و ان

كان الحىّ اعلما، يجب الرجوع إليه في مورد وجوب الرجوع إليه تعيينا.

و اما بناء على عدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او وجوبه في خصوص صورة العلم، باختلاف فتوى الاعلم مع غيره، او بوجوبه حتّى في صورة الشّك في اختلاف فتواهما، فلا يجب اختيار تقليد خصوص الاعلم، في مورد لا يتعيّن تقليده، سواء كان الميّت اعلما او الحىّ اعلما، بل يتخير بين البقاء على تقليد الميّت و بين الرجوع الى الحىّ.

هذا تمام الكلم في المقام الاوّل: و هو مسئلة جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه.

المقام الثّاني: هل يجوز تقليد الميّت ابتداء، او لا،

أقول، ان كان الوجه في جواز التقليد و جواز البقاء حكم العقل و بناء العقلاء، فالانصاف عدم الفرق بين البقاء، على تقليد الميت و بين تقليده ابتداء.

و لكن بعد دعوى الاجماع، بل التسالم بين اصحابنا، على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء، كما يظهر للمراجع في كلماتهم، غير بعض الاخباريين، نقول بانه لا يمكن القول، بجواز التقليد ابتداء فافهم.

***

[مسئلة 10: إذا عدل من الميت الى الحىّ لا يجوز له العدول الى الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: إذا عدل من الميت الى الحىّ لا يجوز له

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 84

العدول الى الميّت.

(1)

أقول: امّا إذا كان المعدول إليه اعلم، من الميت المعدول عنه، فلا يجوز العدول منه الى الميت مطلقا، او في ما يعلم باختلاف فتواهما، او يشك في اختلاف فتواهما، او في خصوص ما يعلم باختلاف فتواهما، على الكلام في وجوب تقليد الاعلم.

و اما مع تساويهما، و كذا فيما يكون الحىّ اعلم و لكن يعلم بعدم اختلافهما في الفتوى، و ان كان العدول من الحىّ، بمقتضى القاعدة جائزا، لعدم فرق في نظر العقل، فى جواز الرجوع بين الميت و الحىّ كما عرفت، لكن بعد الاجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء، و كون العدول من الحىّ الى الميت من التقليد الابتدائى، فلا يجوز العدول من الحىّ الى الميّت، حتى في هذه الصورة.

***

[مسئلة 11: لا يجوز العدول عن الحىّ الى الحىّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يجوز العدول عن الحىّ الى الحىّ الا إذا كان الثاني اعلم.

(2)

أقول: اما فيما كان الثّاني: اعلم، يجب العدول مطلقا، او فيما يعلم باختلاف فتواهما، او فيما اذا كان شاكا في اختلاف فتواهما، او في خصوص ما يعلم باختلاف فتواهما، على الكلام الذي يأتي إن شاء اللّه في المسألة 12.

ان قلنا في كل من الفروض الثلاثة، بانّ تقليد الاعلم، يكون على سبيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 85

الوجوب او الاحتياط، لا مجرد الجواز، كما ترى ان نفس المؤلّف رحمه اللّه يصرّح في المسألة 12، بتقليد الاعلم على سبيل الاحتياط الوجوبى، فإفتاؤه هنا، بجواز الرّجوع، ان كان الثّاني اعلم، لا وجه له و مناف لما يختاره في المسألة 12.

و اما مع تساويهما في العلم

و عدم اختلاف بينهما في الفتوى، يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه، بعد التّكلم عن صورة اختلافهما في الفتوى، و مثل هذا الفرض من حيث الحكم ما اذا كان الثّاني اعلم و لم يختلفا في الفتوى، و كذلك ما إذا كان الثّاني اعلم و لم نجب تقليد الاعلم، و ان كانا مختلفى الفتوى.

و اما مع تساويهما مع العلم باختلافهما في الفتوى، و كذا ما إذا التزمنا بعدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في بعض الصور مع العلم باختلافهما في الفتوى، لا وجه لعدم جواز العدول عن الحىّ الى الحىّ، الّا بعض الأمور.

الأمر الاوّل دعوى الاجماع، على عدم جواز العدول، كما حكى عن جماعة و ان تمّ يكفى وجها، لعدم جواز العدول، و لكن الإشكال في تحقق هذا الاجماع.

الثّاني: انّ المورد من قبيل الدوران بين التعين و التخير، للعلم بحجية فتوى المعدول عنه تعيينا، امّا من باب أنّ الواجب البقاء على تقليده معيّنا، و امّا من باب كونه احد فردى الواجب التخييرى، لانّه على فرض جواز العدول، لا اشكال في جواز البقاء و عدم العدول، من الاوّل الى الثانى، فحجيته متيقنة و حجّية المعدول إليه مشكوكة، و العقل يحكم بالاخذ بالمتيقن، و السر في ذلك، أنه بعد العلم الاجمالى بالاحكام، و استقلال العقل، بلزوم امتثالها باتيانها، او تركها، حتّى يحصل الا من من العقوبة، فلو اقتصر المكلف في مقام الامتثال، على ما يقطع بطريقيته و بحجّيته، و هو تقليد من قلّده أو لا يقطع بالامن عن العقوبة و لكن لو عدل الى غيره، حيث لا يقطع بحجّية رأيه، لا يكون مع الاخذ به، مأمونا عن العقوبة، فالمتيقن، البقاء على تقليد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 86

قلّده، و عدم العدول الى غيره.

و فيه انّه لو فرض حكم العقل بالأخذ، بالمعين، في دوران الأمر بين التعيين و التخيير و قلنا به، نقول بانّ المورد ليس من مصاديقه، لانّه بعد ما كان العقل حاكما بالرجوع الى العالم، بلا فرق في نظره، بين الميّت و الحىّ، بحيث لو لم يمنع الاجماع و التسالم، على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء، لقلنا به، بحكم العقل، فليس الدّوران بين التعين و التخيير، لانه كما يحكم العقل بمؤمنيّة المعدول عنه، يحكم بمؤمنيّة المعدول إليه.

الثالث: استصحاب الحجّية التعينية، الثابتة لمن قلّده.

و فيه اما أوّلا: فمع حكم العقل، لا تصل النّوبة بالاستصحاب.

و أما ثانيا: فانه حيث كان المقلّد، قبل الرّجوع مخيّرا بين الرجوع، الى ايّهما شاء، فلا تكون حجّيته التعينية، متيقّنة في السابق، حتى يستصحب، نعم ان كان حين تقليد الاوّل، من يجوز تقليده منحصرا به، ثمّ بعد ذلك، وجد غيره، ممن يجوز تقليده، يكون للاستصحاب الحجّية التعينية، مجال لتعين تقليده سابقا.

و أما ثالثا: فبانّه حيث كان قبل الرجوع، الى واحد منهما، مخيرا بين الرجوع الى ايهما شاء، فيستصحب هذا التخيير، لكن هذا الإشكال غير وارد.

اما أولا لان استصحاب التخيير، يكون من الاستصحاب التعليقى، لان مفاده، انّه حيث كان قبل الرجوع مخيّرا، و له أن يرجع الى ايّهما شاء، فكذا في الحال، و لا يعارض الاستصحاب التعليقى، الاستصحاب التنجيزى، و هو استصحاب الحجّية، الفعليّة، بالنّسبة الى من قلّده، اعنى المعدول عنه.

و امّا ثانيا فبان التخيير، قبل الرّجوع الى واحد منهما، ثبت بحكم العقل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 87

و العقل في الحال، اما يحكم بالتخيير بعد الرجوع الى واحد منهما و تقليده، فلا

حاجة الى الاستصحاب، و لا تصل النّوبة به، و امّا لا يحكم فعلا بالتخيير، فلا مجال لاستصحاب التخيير الثابت سابقا، بحكم العقل، لما قلنا في لاستصحاب، من عدم جريان استصحاب حكم العقل، كما اختاره الشيخ رحمه اللّه في الرسائل.

الرّابع: ان العدول، مستلزم للعلم التفصيلى، بمخالفة الواقع في بعض الصّور، مثلا، إذا افتى المعدول عنه بوجوب القصر في مورد، و المعدول إليه افتى بوجوب التمام فيه، فبعد العمل بفتوى كل منهما، من القصر في مدة، على طبق تقليد المعدول عنه، و الاتمام في مدّة الرّجوع الى المعدول إليه في المورد الواحد، يقطع تفصيلا بمخالفته، لما هو الواقع، لانّ الواقع، اما يكون وجوب القصر معيّا، او التمام معيّنا، فيعلم بتركه الواقع تفصيلا في مدّة.

و فيه انّ هذا الإشكال، جار في تبدّل راى مجتهد واحد أيضا، فلو لم نقل بالاجماع، على كفاية ما اتى به، على طبق قول المجتهد الاوّل، و لا يكون في البين ما يقتضي ترتيب اثر الصّحة، على ما أتى به، مثل لا تعاد، نلتزم بوجوب الاعادة، او القضاء و هذا لا يستلزم، عدم جواز العدول، بل يجوز العدول و إن كان العدول، سببا لوجوب الاعادة او قضاء، ما عمل على خلاف فتوى المعدول إليه.

مضافا الى انّه لو تم هذا الإشكال، يقتضي عدم جواز العدول، في خصوص صورة اختلاف فتوى المجتهد الاوّل، مع الثّاني لا مطلقا.

و أيضا هذا المحظور جار، فيما يكون الثّاني اعلم من الاوّل، و لا انحصار له بصورة تساويهما.

تلخّص ان الثّاني، ان كان اعلم، يجب العدول إليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 88

كما أنّه ان كان الاوّل أعلم لا يجوز العدول منه الى الثاني.

و ان كانا متساويين يجوز العدول.

نعم

مع دعوى الاجماع، على عدم جواز العدول الى الثاني، و لو لم نحصّل هذا الاجماع بعد، نقول بانّ الاحوط عدم جواز العدول.

***

[مسئلة 12: يجب تقليد الاعلم، مع الامكان]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: يجب تقليد الاعلم، مع الامكان على الاحوط.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: في وجوب تقليد الاعلم و عدمه، و محلّ الكلام في موارد:

المورد الاوّل: صورة اتّفاق الاعلم، مع غير الاعلم في الفتوى.

المورد الثّاني: صورة العلم، باختلافهما في الفتوى و لو اجمالا.

المورد الثّالث: صورة الشّك و عدم العلم باختلافهما في الفتوى.

امّا الكلام في المورد الاوّل: و هو صورة اتفاقهما في الفتوى؛

و يظهر في طىّ التعرض لصورة العلم باختلافهما في الفتوى بعض الكلام فيه، هو عدم وجوب تقليد الاعلم، لانّ ما دل على وجوب التقليد، يدل على حجّية قول طبيعة المجتهد، فيشمل دليل الحجّية كل من الاعلم و غير الاعلم، و ما ذكر وجها لوجوب تقليد الاعلم كما يأتي إن شاء اللّه، على فرض تماميته، لا يشمل صورة توافقهما في الفتوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 89

فالعمدة التعريض لمورد الثّاني و الثّالث، فنقول بعونه تعالى.

اما الكلام في المورد الثّاني: و هو صورة العلم باختلافهما في الفتوى

و لو اجمالا، فما يمكن ان يستدلّ به، على وجوب تقليد خصوص الاعلم، و عدم جواز تقليد غيره وجوه:

الاوّل: الشّهرة بل الاجماع المدعى، كما عن بعض، بل عدّه من المسلّمات عند الشيعة، كما عن بعض آخر.

الثّاني: أنّ المورد يكون من صغريات، دوران الأمر بين التعيين و التخيير و فيه لا بدّ من الأخذ بالمعيّن بحكم العقل، و لا اشكال في جواز تقليد الاعلم، على كل حال، سواء قلنا بتعينه، او قلنا بان الوظيفة، هى التخيير بين تقليده و بين غير الاعلم، فلا بدّ من تقليد الاعلم، للعلم بكون متابعته، مؤمّنا عن العقوبة، بخلاف غير الاعلم، لعدم العلم بكون متابعته مؤمّنا للعقوبة.

الثّالث: حكم العقل بوجوب تقليد خصوص الاعلم، لا من باب كون الدّوران بين التعيين و التخيير، بل لانّه بعد كون العمدة، في وجه وجوب التقليد عندهم كما عرفت، حكم العقل بوجوب رجوع الجاهل بالعالم، فكما ترى في نظائره يحكم العقل بتعين الرجوع بالاعلم، كذلك في المورد مثلا، ترى إذا كان احد مريض و وقع في كيفية علاجه، الاختلاف بين الطبيب الاعلم و غير الاعلم، يحكم العقل بلزوم الرّجوع الى الاعلم منهما، في المعالجة، فهكذا في محل الكلام، بعد

الاختلاف في الفتوى، بين الاعلم و غيره، يحكم العقل بتعين الرّجوع الى الاعلم.

و قد يتمسّك مضافا الى الوجوه المذكورة، ببعض الروايات، مثل مقبولة عمر بن حنظلة، و اغمضنا عن ذكره، لعدم كونه خاليا عن الإشكال، من حيث التمسّك به لوجوب تقليد الاعلم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 90

هذا كلّه في الوجوه الّتي يمكن أن يستدلّ بها، على وجوب تقليد الاعلم، في فرض اختلاف فتواه مع غير الاعلم.

و امّا ما يمكن ان يستدلّ به، على عدم وجوب تقليد الاعلم، حتّى في صورة العلم باختلاف فتواه مع غيره، وجوه:

الاوّل: دعوى سيره المتشرّعة، من عصر الائمة عليهم الصلاة و السلام، على الأخذ بفتوى العلماء، مع العلم باختلافهم في مرتبة العلم و حتى مع العلم باختلافهم في الفتوى.

الثّاني: شمول اطلاق، ما دل من الآيات و الأخبار، على الرّجوع الى العلماء، و وجوب متابعتهم، مثل آية النّفر و السّؤال، لصورة اختلاف العلماء في الفتوى، و صورة اختلافهم في العلم، و حمله على خصوص، صورة اتّفاقهم في الفتوى، او اتفاقهم في مرتبة العلم، يكون من حمل المطلق على الفرد النادر.

الثّالث: لو كان الواجب، تقليد الاعلم، كان الواجب في صورة حضور الامام عليه السّلام، و امكان الوصول الى جنابه، الرّجوع الى خصوص حضرته، في اخذ الفتوى، لا إلى من يكون فقيها و عالما، ما دونه.

بل في غيبة الامام عليه السّلام، يجب ذلك بالتفقّه و اخذ الحلال و الحرام منه روحى فداه، لا إلى الفقهاء، و الحال انّه لا يمكن الالتزام به، و لا يلتزم به الخصم.

الرّابع: شمول اطلاق، امر بعض المعصومين عليهم السلام، بالارجاع الى بعض الاشخاص، لصورة الاختلاف في الفتوى و الاختلاف في العلمية، لانّ إطلاق الأمر يقتضي

وجوب الرجوع إليه، حتّى فيما يكون اعلم منه، في البين و حتّى في صورة اختلاف فتواه مع غيره الاعلم منه.

الخامس: أنّ تقليد الاعلم، مستلزم للعسر و الحرج الشّديد و هو منتف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 91

الشرع.

أقول و لا يتمّ وجه من هذه الوجوه:

امّا الوجه الاوّل: ففيه انّ سيرة المتشرّعة، على الاخذ بفتوى غير الاعلم، حتّى في صورة العلم، بمخالفته مع فتوى الاعلم، مع امكان الوصول الى الاعلم، غير ثابت و المقدار الّذي يمكن دعوى السيرة عليه، هو بنائهم على الرّجوع و التقليد من الفقهاء في الجملة.

و امّا الوجه الثّاني: ففيه امّا أولا، فكون آية النّفر في مقام بيان وجوب رجوع الجاهل، بالعالم غير معلوم، لو لم يكن معلوم العدم، فلا ربط لها بالمقام، حتّى يتمسّك بإطلاقها لما نحن فى، بل تكون في مقام، بيان وجوب النّفر و طلب العلم.

و آية السؤال تكون في مقام بيان وجوب السؤال و تحصيل العلم في الجملة، و ليست في مقام بيان المسئول عنه و خصوصياته، حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها من هذا الحيث.

و امّا ثانيا: انّ الظّاهر من الآيتين و امثالهما، كونهما في مقام بيان الحكم الارشادى، الى ما يحكم به العقل، من طلب العلم و ازالة الجهل، لا في مقام بيان الحكم المولوى، فعلى هذا تكون في الاطلاق و التقييد، تابعان لحكم العقل، ان قلنا بأنّ العقل، يحكم بتقليد الاعلم، نقول بانّ الآيات و الرّوايات الواردة، في الحث على طلب العلم و السّؤال ارشادا على ذلك، و الّا فلا، بل يجوز الرّجوع، إلى كلّ من الاعلم و غيره.

و امّا ما قاله بعض شرّاح العروة، «مستمسك «1» و تقريرات «2» الخوئى» من انّ

______________________________

(1)

المستمسك، ج 1، ص 26.

(2) التنقيح، ج 1، ص 120- 137.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 92

الآيتين مثل حكم العقل، لا تشملان صورة الاختلاف في الفتوى راسا، لكون قولهما، كالخبرين المتعارضين، فلا يشمل دليل الحجّية، لكليهما في مورد التعارض.

ففيه ما بيّنا في ذليل المسألة التّاسعة، من عدم تماميّة ذلك بالنسبة الى حكم العقل، و ان التزمنا في الخبرين المتعارضين بسقوطهما بمقتضى القاعدة، عن الحجّية راسا، و وجوب الرجوع الى الاصل، فكذلك نقول في الآيات و الروايات المرشدة بحكم العقل، لعدم كونهما، في مقام بيان الحكم المولوى فمدلولهما مدلول حكم العقل.

و امّا ما قيل «1» في هذا الوجه، بانّ حمل الآيتين على صورة تساوى المجتهدين في العلم حمل على المورد النادر.

ففيه انّ هذا مضرّ، إن كان مورد الآيتين خصوص صورة تساويهما في العلم فقط، و امّا مع شمولهما لصورة اختلافهما في العلم أيضا، فليس حمل المطلق على المورد النّادر، لانّ المطلق، له فردان، فرد منه صورة تساويهما في العلم، و فرد منه صورة اختلافهما في العلم، نعم بناء على وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم، يخرج هذا المورد فقط من احد فردى المطلق، عن تحت الاطلاق، لانّ صورة اختلاف المجتهدين، في العلم، احد فردى المطلق، و لهذا الفرد موردان، احدهما صورة اتفاقهما في الفتوى، مع اختلافهما في العلم، و الثّاني صورة اختلافهما في العلم، و اختلافهما في الفتوى، لم يخرج عن تحت الاطلاق، الّا أحد موردين، من احد فردى المطلق، و بقى تحت اطلاقه، تمام فرد، و مورد من فرده الآخر، و هذا ليس من حمل المطلق، على الفرد النادر.

و امّا وجه الثالث: ففيه انّ الرجوع الى المجتهد،

ليس الّا من باب كونه عالما بالنص و هو قول المعصوم عليه السّلام، او فعله، او تقريره، ففى الحقيقة، يخبر عن جنابه،

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 25.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 93

و ليس قوله في قبال، قول المعصوم عليه السّلام، حتّى يقال، بانّه مع امكان الرجوع الى جنابه يصحّ الرجوع الى غيره، و جعل ذلك دليلا، على عدم وجوب تقليد الاعلم، لانّ نحن الفرقة الناجية الاثنى عشرية، نكون اهل النص، اعنى يكون مبنى فقهنا، ما صدر عن اللّه تعالى بطريق الرسول الكريم في القرآن و حديثه و حديث الصادر من الائمة الاثنا عشر، الّذين هم عدل القرآن العظيم بتصريح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لسنا كالعامة الّذين تركوا التمسّك باحد الثقلين، و هو العترة الطاهرة و تركوا بتركه التمسّك، بكلّ من الثقلين، لانهما لن يفترقا حتى يردا على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الحوض إن شاء اللّه، و تشبثوا، بالآراء و الاقيسة و ضلّوا و اضلّوا، و بعد كون المدرك عندنا في الفقه، و فهم الاحكام، من الحلال و الحرام، هو النّص، فمن يكون فقيها، عندنا، يخبر عن القرآن، و الحديث الصّادر ن المعصوم عليه السّلام، و هو قول اللّه تعالى أيضا، كالقرآن، لانّ المعصوم يخبر عن حكم اللّه تعالى، فمن يرجع الى رواة الحديث و الفقهاء حتّى في زمان حضور المعصوم عليه السّلام يرجع إليه، ليخبره عن قوله الشريف، و بعد كون قوله، حاكيا عن قوله عليه السّلام، فلا حاجة إلى أن يرجع في كل مسئلة من المسائل، المبتلى بها، إلى نفس جنابه كما ترى، من ورود الأمر، عن بعض المعصومين عليهم السّلام،

بالرّجوع الى بعض اصحابهم، فليس قوله، في قبال قول المعصوم، حتّى تقول بجواز الرجوع بالمفضول، مع وجود الافضل.

و امّا الوجه الرّابع: ففيه انّه لا يمكن، أخذ الاطلاق، من قضية خاصة، و هو ارجاع المعصوم عليه السّلام الى شخص خاصّ.

امّا أوّلا: لإمكان، كون المرجوع إليه، أعلم بنظره الشريف، حال الارجاع إليه.

و امّا ثانيا: يحتمل كون فتياه موافقة مع الاعلم، على تقدير وجود اعلم منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 94

و حيث كان الامام عليه السّلام عالما بذلك، أرجع إليه، كما انّ الغالب في زمان الحضور، و امكان وصول اليد، الى ذيل جنابه عليه السّلام هو هذا.

و امّا الوجه الخامس: ففيه أوّلا انّ تقليد الاعلم، ليس عسرا و حرجا و الشاهد، كون العمل على طبقه في ازماننا، بل في الصّدر الاوّل، بعد الغيبة و ينادى بذلك، دعوى اجماع بعضهم على وجوبه.

و ثانيا لا يوجب العسر و الحرج، الّا ارتفاع التكليف، بمقدار الحرج، لا مطلقا، فلا يكفى هذا الدّليل، لعدم وجوب تقليد الاعلم مطلقا.

فتلخّص ممّا مرّ، عدم وجود دليل، يدلّ على جواز تقليد غير الاعلم، مع العلم بمخالفة فتواه مع الاعلم.

و لكن مجرد ذلك، غير كاف، لعدم جواز تقليد غير الاعلم، الّا مع قيام الدليل، على وجوب تقليد الاعلم، معيّنا في الفرض، لانه لو لم يقم دليل على تعيين تقليد الاعلم، فالعامى مخيّر بين تقليده و بين تقليد غيره، لوجود الملاك في كل منهما، و هو كونهما عالما، و الجاهل مع عدم علمه بالاحكام، و عدم كونه في مقام الاحتياط، امّا لعدم جوازه، او لعدم اختياره، يجب ان يرجع الى العالم بحكم العقل، فاذا لا بدّ من التكلم، فيما استدلّ به، على وجوب تقليد الاعلم

معيّنا، في مفروض الكلام، و قد استدلّ على وجوبه، بوجوه ذكرنا لك، و نقول بعونه تعالى.

امّا الوجه الاوّل: منها و هو دعوى الاجماع، ففيه انّ حصول الاجماع، الكاشف عن قول المعصوم، أو عن النّص المعتبر غير معلوم، و ما ادّعى من الاتفاق او القول بوجوب تقليد الاعلم، عن القدماء رضوان اللّه عليهم، لا يكون كاشفا عن وجود الاجماع، المصطلح، لانّ الاجماع، يكون، فيما ليس فيه، من النقل دليل، و لا عن العقل سبيل، فيمكن ان يكون منشأ اتفاقهم حكم العقل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 95

و امّا الوجه الثاني: و هو وجوب تقليد الاعلم، من باب كون المورد من قبيل الدّوران بين التعيين و التخيير، و لزوم الأخذ بالمعيّن بحكم العقل.

ففيه انّه بعد فرض تسلّم كون الواجب، في دوران الأمر بين التعيين و التخيير الأخذ بالمعيّن،

نقول أن تمّ الوجه الثّالث فلا حاجة إلى هذا الوجه لانّه يحكم العقل، بالرّجوع الى الاعلم معيّنا

و ان لم يتم الوجه الثّالث و كان حكم العقل التّخيير بين الرّجوع بالاعلم و غيره، لا يكون الدّوران بين التعين و التخيير، فأيضا لا يفيد الوجه الثّاني شيئا، فالعمدة في المقام، هو هذا الوجه، اعنى:

الوجه الثالث: و هو انّه إذا دار الأمر بين العالم و الاعلم و الفاضل و الافضل، يحكم العقل، بالرّجوع إلى الاعلم معيّنا في صورة العلم باختلافهما في الفتوى، كما يكون هذا حكمه في نظائره، مثلا أبتلى زيد بمرض، يقول الطّبيب العالم بلزوم العمليّة لرفع مرضه و نجاته عن الموت و يقول الأعلم منه بضرر العمليّة له و عدم الفائدة فيها، بل يموت بسببها، فهل يحكم العقل بالتّخيير بينهما، او يحكم بالرّجوع الى الاعلم.

لا اشكال في

انّه يحكم بالثّاني فهذا هو حكم العقل و مقتضاه، وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم باختلاف فتواهما، فتلخّص وجوب تقليد الاعلم في هذه الصّورة.

و امّا الكلام في المورد الثّالث: و هو صورة عدم العلم باختلاف فتوى الاعلم، مع غير الاعلم،

فهل يجب تقليد الاعلم، كالصّورة السابقة، او لا يجب ذلك، بل يكون مخيّرا بين تقليد، ايّهما شاء، فنقول بعونه تعالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 96

انّ ما يمكن ان يستدلّ به، على وجوب تقليد الاعلم معيّنا، في هذا المورد، هو الوجوه التى تمسّك بها، على وجوب تقليد الاعلم، في صورة العلم باختلاف فتواه مع غيره، و حيث انّك عرفت، انّه لا يتمّ من الوجوه، الّا الوجه الثّالث و هو حكم العقل، بوجود الرّجوع الى الاعلم.

نقول بانّه مع عدم العلم باختلاف فتواهما، يحكم العقل أيضا، بتعين الرّجوع الى الاعلم، كما ترى في نظائره، فاذا كان الشخص مريضا، و بنى بالرّجوع الى الطّبيب، فإذا كان طبيبان، احدهما اعلم من الآخر، مع تسلّم علم كل منهما و لا يدرى المريض، انّ نظرهما واحدا و مختف، ففى هذا الحال، إذا رجع الى عقله، يحكم العقل، بتعين الرجوع الى الاعلم منهما، و هكذا في مقام بناء الابنية، لو كان احد البنائين اعلم، يحكم العقل بالرجوع الى الاعلم و لو لم يعلم باختلافهما في النظر و غير ذلك و بعد حكم العقل، بتعين الاعلم، لا يمكن الحكم بالتخيير بينهما، بل يجب في الفرض أيضا، تقليد الاعلم.

ان قلت انّا نرى، رجوع العقلاء الى علماء الفنون في حوائجهم، بمن هو عالم بالفنّ مع وجود الاعلم منه، فيما بينهم و هذا شاهد، على عدم الفرق في نظر العقل، فيما لا يعلم الاختلاف بينهم في النظر.

قلت انّه لا اشكال فيما قلت، من حكم العقل بتعين الرّجوع، الى الاعلم

في حدّ ذاته.

نعم ربما يكون بعض جهات اخرى، مثل عدم كون موضوع الرّجوع مهمّا، أو اشكال، في الوصول الى الاعلم، مادّيا او معنويّا، موجبا لاختيار غير الاعلم، و الّا فمع تساوى الجهات، يحكم العقل بتعيّن الرّجوع الى الاعلم، حتّى مع الشّك في اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، و لعلّ منشأ حكمه، كون سلوك طريقه اولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 97

بالاحتياط، و أفق بحفظ الواقع.

الجهة الثانية: في كلّ مورد، نقول بوجوب تقليد الاعلم، يكون مع الامكان، و لو لم يمكن ذلك، لعدم إمكان وصول اليد إليه، أو إلى فتواه مثلا، فلا يجب تقليد الاعلم، لعدم التكليف بغير الممكن.

الجهة الثّالثة: بعد وجوب تقليد الاعلم، يجب الفحص عنه، وجهه انّه بعد عدم بناء العامى على الاحتياط، و تعلّق الوجوب، بتقليد الاعلم، يجب الفحص عنه مقدّمة، و مورد وجوب الفحص، ما يحتمل وجود الاعلم في البين، و امّا مع علمه بتساوى الموجودين، من العلماء في العلم، فلا مورد للفحص.

ثمّ انّ هنا كلاما فيما بعد الفحص، لانّه تارة يظفر بالاعلم، و تارة لا يظفر به، ان ظفر به فهو، و ان لم يظفر به، فتارة يمكن الاحتياط بين الفتويين، و تارة لا يتمكن من ذلك، و في كل من الفرضين، تارة يكون بين المجتهدين او المجتهدين، محتمل الا عمليّة او مظنون الا عملية بالخصوص، و تارة ليس كذلك، بل الاحتمال، متساو بالنّسبة الى كل منهما، و محلّ الكلام، كما عرفت صورة اختلافهما في الفتوى.

اما فيما يمكن الاحتياط، مع عدم الظفر مع الفحص بالاعلم، فان لم يكن احدهما، بالخصوص محتمل الاعلمية، او مظنون الاعلمية، بل هما متساويان من حيث احتمال الاعلمية، يجب الاحتياط، للعلم الاجمالى، باعلمية

كلّ منهما، لانّ المفروض، احتمال وجود الاعلم، في البين، فيجب الاحتياط، فلو قال احدهما بوجوب تسبيحة واحدة فقط، في الأخيرتين من الصّلاة و قال الآخر بوجوب ثلاث تسبيحات، يجب الاحتياط، باتيان الثلاث.

و امّا ان كان محتمل الاعلميّة او مظنون الاعلمية واحدا منهما بالخصوص، فقد يتخيل كونه كالصورة الاول، للعلم الاجمالى باعلميّة احدهما، فيجب الاحتياط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 98

بين الفتويين، لكن لا يبعد تعيّن تقليد محتمل الاعلميّة، او مظنونها، بالملاك الّذي قدمنا من حكم العقل، بوجوب تقليد الاعلم، أعنى حكم العقل، بالاخذ بفتوى محتمل علميّة، او مظنونها معيّنا.

و اما فيما لا يمكن الاحتياط، مثل ما قال احدهما بوجوب صلاة الجمعة معيّنا، و الآخر بحرمتها ذاتا، فان كان بينهما محتمل الاعلميّة، او مظنون الاعلميّة بالخصوص، يجب الاخذ بفتواه معيّنا، لوجود ملاك حكم العقل، في تقليد الاعلم في المقام، كما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 21، او لما قلنا في وجه لزوم الاخذ بالمعيّن، في دوران الأمر، بين التعيين و التخيير، من كون الاخذ به، مؤمّن عن العقوبة مسلّما و الآخر غير معلوم، فهكذا في المقام.

و ان كان احتمال الاعلميّة، متساو بالنسبة الى كلّ منهما، فهو مخيّر بين الاخذ بفتوى ايّهما شاء و يأتى بعض الكلام في ذلك في المسألة 21.

***

[مسئلة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما الا اذا كان أحدهما اورع فيختار.

(1)

. أقول: امّا مع تساويهما، في كل من الفضيلة، و الورع، و علم العامى بعدم اختلافهما في الفتوى، يتخيّر بينهما، لانّ كلا منهما، طريق في نظر العقل، حتّى في صورة اختلافهما في الفتوى، فيما لا يمكن الاحتياط، لما عرفت منّا،

من حجّية رايهما، و ليس المورد، من قبيل الخبرين المتعارضين، حتّى يقال بسقوط كل من الفتويين،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 99

عن الجية مع التّعارض، كما ربما يقال في الخبرين المتعارضين، بسقوطهما، في مورد التعارض عن الحجّية، و أيضا ليس الوظيفة الاحتياط، و قد سبق بيانه في طى المسألة 12.

و امّا مع تساويهما، في الفضيلة لكن يكون احدهما اورع عن الآخر، فهل يكون التّكليف، الاخذ بالاورع منهما معيّنا، كما قال به بعض الفقهاء، من باب كون المورد، من صغريات دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير و لزوم الأخذ بالمعين بحكم العقل.

او يكون حكمه حكم الصّورة الاولى، من كونه مخيرا بينهما، لعدم كون الاورعيّة في المقام، موجبا للترجيح بنظر العقل، و لم يرد على ترجيحه دليل من الشّرع.

الاقوى الثّاني: لانّ العقل، الحاكم بالرّجوع، الى المجتهد، لا يرى فرقا، من هذا الحيث، و بعد كون هذا حكم العقل، فلا يكون المورد، من صغريات دوران الأمر بين التّعيين و التّخيير.

نعم يكون الأخذ بفتوى الأورع حسن، لحسن الاحتياط، حتّى مع وجود الدّليل على خلفه.

***

[مسئلة 14: إذا لم يكن للاعلم فتوى، في مسئلة من المسائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا لم يكن للاعلم فتوى، في مسئلة من المسائل، يجوز في تلك المسألة، الأخذ من غير الاعلم و ان امكن الاحتياط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 100

(1)

أقول: لانّه مع عدم فتوى من الاعلم، في مسئلة، يكون مثل عدم وجود الاعلم، فيجب التقليد عن غيره، في تلك المسألة بطريق الاعلم فالاعلم مطلقا، بناء على وجوب تقليد الاعلم مطلقا، او في خصوص ما يعلم اختلاف فتواه، مع غير الاعلم، او فيما لا يعلم، باتفاق فتواهما، على الكلام في ذلك، و لا يجب الاحتياط، لمّا مرّ من عدم

وجوبه معيّنا، على العامى، بل هو مخيّر بين التقليد و الاحتياط.

***

[مسئلة 15: إذا قلّد مجتهدا، كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا قلّد مجتهدا، كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده، في هذه المسألة، بل يجب الرّجوع الى الحى الاعلم، في جواز البقاء و عدمه.

(2)

أقول: ظاهر كلامه، ما إذا كان الشخص مقلّدا، لمن كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت، فقلّده في مسائل، لا في خصوص جواز البقاء.

و يفرض صورة اخرى، و هي ما إذا قلّد الميّت، في خصوص مسئلة جواز البقاء مثلا كان مقلّد الزيد، فمات فقلّد عمروا، في خصوص جواز البقاء، ثم مات عمرو أيضا، و على كلّ حال، ينبغى أن يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول: في عدم جواز البقاء على تقليد الميّت، مستندا بفتوى هذا الميّت.

المقام الثاني: في حكم رجوعه الى المجتهد الحىّ، و ما ينبغى أن يقال من جواز البقاء، و عدمه مستندا الى قول المجتهد الحىّ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 101

اما الكلام فى المقام الاوّل فنقول بعونه تعالى، لا يجوز البقاء على تقليد الميّت، مستندا بجوازه، البقاء، للزوم الدور، حيث أنّ جواز البقاء على تقليده، موقوف على حجّية فتواه، فإن كانت، حجيّة فتواه على الفرض، يثبت بفتواه على جواز البقاء، و هو من فتاواه يلزم الدور.

المقام اما الكلام فى الثّاني: لا اشكال، في انّه بعد موت المقلّد، لا بدّ من أن يرجع العامى، الى المجتهد الحىّ مطلقا، او بخصوص الاعلم من الاحياء، ان كان أعلم في البين، في كل مورد قلنا بتعيّن تقليده.

فعلى هذا يفرض للمسألة صور، لانّ المجتهد الحىّ، امّا يجب البقاء، او يجوّزه، او يحرّمه و كذلك المجتهد الميّت، امّا يوجب، او يجوّز، او

يحرّم البقاء.

ففى صورة لا يجوز البقاء على تقليد الميّت، في مسأله جواز البقاء على تقليد الميت، و هو فيما يحرّم المجتهد الحىّ، البقاء مطلقا، حتّى فيما عمل به، حال حياة الميت، لانّه بعد كونه هو المرجع، و على الفرض، يحرّم البقاء، فلا بدّ من العدول بالحىّ، فلا مورد لبقائه، على تقليد الميّت في هذه المسألة، اى المسألة البقاء.

و امّا في باقى الصور، فنقول، امّا فيما يحرّم الميّت البقاء، فأيضا لا معنى للبقاء، على تقليد الميت، في هذه المسألة، مستندا بفتوى الحىّ، و لو لم نعتبر العمل في زمان حياة الميت، في جواز البقاء، للزوم الخلف، حيث يلزم من الرجوع إليه، العدم، لان معنى الرجوع إليه، حرمة البقاء، فيلزم من الرجوع، عدم الرجوع.

و امّا فيما يوجب الميّت البقاء، و كذلك الحىّ، يقول بوجوب البقاء، او كل منهما يجوّزان البقاء، فأيضا يكون الرّجوع الى الميت، في مسئلة البقاء لغوا، لانّه بالرجوع الى الحىّ، مع تجويزه، او وجوبه البقاء يصير فتوى الميّت حجّة عليه، فلا حاجة في حجّية فتواه، الى فتوى الميّت، بجواز البقاء، او وجوبه، لكونه لغوا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 102

تحصيلا للحاصل.

و كذلك فيما يوجب الميت البقاء، و يجوّزه الحىّ، او بالعكس، فأيضا بالرّجوع الى الحىّ، في مسئلة البقاء، يصير فتوى الميّت حجّة عليه، فلا حاجة الى الاستناد، على حجّيته إلى جواز البقاء، عند الميّت، و يكون الرّجوع، في جواز البقاء إليه لغوا.

نعم إذا كان دائرة فتوى الميّت، أوسع من دائرة الحىّ، مثل ما يقول الميت، بجواز البقاء او وجوبه، فيما التزم بالتقليد، و لو لم يعمل بعد بفتواه، و يقول الحىّ بوجوب البقاء او جوازه، في خصوص ما عمل

بفتوى الميّت، حال حياته، فهل يكون مجال، للبقاء على تقليد الميت، في مسئلة جواز البقاء او وجوبه، باستناد فتوى الحىّ، و لا يكون لغوا و تحصيل الحاصل، لانّه بسبب بقائه، على فتوى الميّت، في مسئلة جواز البقاء، او وجوبه، يتمكّن من البقاء، في كلّما التزم به من الاحكام، على تقليد هذا الميّت، حال حياته و لو لم يعمل به، في هذا الحال، و الحال انّه لو لم يرجع الى فتوى الميت، بل رجع فيه، الى فتوى الحىّ، في البقاء على تقليد الميّت، في مسئلة البقاء لا يتمكّن الّا من البقاء، في خصوص الفتاوى، الّتي عمل بها، حال حياته على الفرض.

بخلاف ما إذا كانت، دائرة فتوى الحىّ، في البقاء، اوسع من دائرة فتوى الميت، في مسئلة البقاء، لا مجال للبقاء على فتوى الميت، في مسئلة فتواه، على جواز البقاء، او وجوبه، للزوم اللغويّة و تحصيل الحاصل.

او لا يكون له الرجوع في مسئلة جواز البقاء، على فتوى الميّت، حتّى في هذا الفرض.

وجه الجواز وجود الأثر الزائد، في الرجوع على طبق فتوى الحىّ بالبقاء الى الميت في مسئلة جواز البقاء، و عدم كونه من قبيل تحصيل الحاصل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 103

وجه عدم الجواز، انّه بعد كون دائرة فتوى الحىّ، في مسئلة البقاء، أضيق من فتوى الميّت، كما مثّلنا من انّ الحىّ، يفتى بالبقاء في خصوص، ما عمل المقلّد من الاحكام، في زمان حياة المجتهد الميّت، لزمه حرمة البقاء، في غير ما عمله، ففى الحقيقة يحرم الحىّ، البقاء في غير ما عمله المقلّد، حال حياة الميّت، و بعد تحريمه، لا يجوز الرّجوع الى الميت، لانّ الحىّ يفتى بتحريمه، لا بجوازه و يكون الفرض، مثل

الصّورة، الّتي يحرّم الحىّ البقاء، على تقليد الميّت رأسا.

و الحقّ الجواز، امّا فيما كان فتوى الحىّ، بعدم جواز البقاء في غير ما عمل المقلّد، حال حياة مقلّده الميّت، من باب الاحتياط، و في الحقيقة من باب الأخذ، بقدر المتيقّن، فهو لا يفتى بحرمة البقاء، في غير ما عمله حال حياة مقلّده.

و امّا فيما يفتى، بحرمة البقاء، فيما لم يعمل به من الاحكام، حال حياته، فهو يحرّم ذلك، بمقتضى فتوى نفسه، و كونه بقاء، بمقتضى طبعه و نفسه و امّا البقاء بتوسيط الحجّة، و هو فتوى الميّت بالجواز، فلا يفتى بحرمته و لهذا يجوز البقاء، عند من يعتبر العمل، في البقاء، حتّى في بعض المسائل، الّتي يفتى الميّت بوجوبه مثلا، و الحال انه بنفسه، يفتى بحرمته، ان كان عمل به، حال حياة الميّت و ليس ذلك، الّا من انّ حرمته بفتوى نفسه، لا تنافي مع وجوبه، لاجل حجّة اخرى و طريق آخر و هو فتوى الميّت، فلا يحرم لدى الحىّ، ما كان مستنده فتوى الميت:

***

[مسئلة 16: عمل الجاهل المقصّر، الملتفت باطل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: عمل الجاهل المقصّر، الملتفت باطل، و ان كان مطابقا للواقع و اما الجاهل القاصر او المقصّر، الّذي كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 104

غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة، فان كان مطابقا، لفتوى المجتهد، الّذي قلّده بعد ذلك، كان صحيحا و الاحوط مع ذلك، مطابقته لفتوى المجتهد الذي، كان يجب عليه تقليده حين العمل.

(1)

أقول: كمّا مرّ في المسألة السابعة، يقع الكلام في جهات، و قبل التّكلم فيها، ينبغى التنبيه على شي ء، و هو انّ محط البحث، فيما يكون العمل عباديّا و الا ففي التوصليات، إذا وقع العمل مطابقا مع الواقع، لا اشكال

في صحة العمل، فلا فرق في التوصليات بين المقلّد و المجتهد و المحتاط و بين تارك كلّ هذه الطرق، إذا عرفت ذلك نقول:

الجهة الاولى: في العمل الصّادر من الجاهل المقصّر،

الملتفت حين العمل، مع فرض مطابقة عمله مع الواقع، فقلنا في المسألة السابعة، انّ لهذه الصّورة، صورتان:

الاولى ما لا يحتمل حرمة ما عمله و يأتى به رجاء، و باحتمال المطلوبية، فالحق صحة عمله، لو صادف مطابقا مع فتوى المجتهد، الّذي يجب عليه اتباعه «و قد امضينا في المسألة السّابعة، انّ المجتهد المعتبر مطابقة عمله مع فتواه، هو من يقلّده فعلا، بعد العمل و نشير بذلك إن شاء اللّه في ذيل المسألة».

الثّانية: ما إذا يحتمل، حرمة ما عمله حين العمل، لا يصح عمله و ان صادفت مطابقة عمله، مع فتوى من يجب عليه، اتّباع فتواه، سواء اتى به بقصد القربة، او باحتمال مطلوبيّته و رجاء.

الجهة الثّانية: في حكم العمل الصّادر من الجاهل، المقصّر،

الغير الملتفت، حين العمل، مع قصده التقرب، و فرض مطابقة عمله، مع فتوى المجتهد، الواجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 105

اتّباعه، فقلنا في المسألة السابعة بصحّة عمله.

الجهة الثّالثة: في حكم العمل الجاهل، القاصر، الغافل، حين العمل،

مع تحقق قصد القربة منه، لقصوره و غفلته و صادف من باب الاتفاق، مطابقة عمله مع فتوى المجتهد، الواجب اتباعه و قد مرّ في المسألة السّابعة صحة عمله.

الجهة الرّابعة: في حكم عمل الجاهل، المقصّر الغير الموافق عمله،

مع فتوى المجتهد، الواجب مطابقة عمله مع فتواه، فنقول لا وجه لصحة عمله و ان قصد به التقرّب، لعدم كون عمله مقرّبا، حتّى يقال بصحة عمله.

و كما بيّنا في المسألة السّابعة، معنى صحة العمل، الّتي نقول بها، في بعض الفروض المتقدّمة، و هو جواز لاكتفاء به، و كونه مؤمّنا عن العقوبة، عند العقل، كما ان معنى عدم صحته، عدم جواز الاكتفاء به، في مقام الامتثال عقلا.

و اما ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من صحّة عمل الجاهل، القاصر و المقصّر، الغافل حين العمل، المتمشى منه، قصد القربة، إذا كان موافقا مع فتوى المجتهد، الّذي يقلّده، بعد العمل و الأحوط، مع ذلك مطابقته، لفتوى المجتهد، الّذي كان يجب عيه، تقليده حين العمل، فقد تعرّضا في المسألة السّابعة، انّ الحق، مطابقة عمله، مع فتوى المجتهد، الّذي يجب عليه، تقليده فعلا، بعد العمل و الأحوط، استحبابا مطابقته، مع فتوى المجتهد الّذي كان يجب عيه، تقليده حين العمل، فتمّ ما افاده رحمة اللّه.

***

[مسئلة 17: المراد من الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: المراد من الاعلم، من يكون أعرف بالقواعد و المدارك، للمسألة و أكثر اطلاعا، لنظائرها و للأخبار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 106

و أجود فهما للأخبار و الحاصل ان يكون، أجود استنباطا و المرجع في تعيينه، اهل الخبرة و الاستنباط.

(1)

أقول: اعلم انّ الاعلمية، في كل شي ء بحسبه، و حيث انّ النّظر في المجتهد، يكون الى كيفيّة، استنباطه للاحكام الشرعية عن الأدلّة، فالاعلم من يكون اجود استنباطا و أكثر مهارة، من غيره في هذا الحيث، و هذا يحصل بأكثرية الإحاطة، من غيره و اعلميّته من حيث المقدّمات الداخلية، في الاستنباط و الاجتهاد و من حيث ردّ الفرع على الاصل و من حيث

ذوقه العرقي و فهمه للآيات و الأخبار و أكثر وقوفا باقوال فقهائنا و اقوال مخالفينا، و الحاصل أقوائيته في الجهات الدخيلة في الاستنباط و المرجع في تشخيص ذلك، كما قال المؤلف رحمه اللّه اهل الخبرة و الاستنباط.

***

[مسئلة 18: الاحوط، عدم تقليد المفضول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الاحوط، عدم تقليد المفضول، حتّى في المسألة التي توافق، فتواه فتوى الافضل.

(2)

أقول: قد مرّ في المسألة 12 انّ الاقوى، وجوب تقليد الاعلم، في صورتين:

الاولى: في صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم:

و الثّانية: في صورة الشّك و عدم العلم، باختلاف فتواه مع غيره.

و امّا في صورة اتّفاقهما، في الفتوى، فلا دليل على وجوب تقليد الاعلم معيّنا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 107

و لكنّ الاحتياط، بالرجوع الى الاعلم، حتّى في هذه الصّورة حسن.

***

[مسئلة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من اهل العلم، كما أنّه يجب على غير المجتهد، التقليد و ان كان من اهل العلم.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

الاولى: عدم جواز تقليد، غير المجتهد، لعدم الدليل على جوازه.

الثّانية: وجوب التقليد، على غير المجتهد و ان كان من اهل العلم.

و المراد من الوجوب، هو الوجوب التّخييرى لما قلنا و قال المؤلف رحمه اللّه من تخيير الشّخص، بين الاجتهاد و الاحتياط و التقليد.

فليس الغرض تعين التقليد عليه، لعدم كون وجوبه الوجوب التّعييني.

***

[مسئلة 20: يعرف اجتهاد المجتهد، بالعلم الوجداني]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يعرف اجتهاد المجتهد، بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلّد، من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص و كذا يعرف بشهادة عدلين، من اهل الخبرة، إذا لم تكن معارضة، بشهادة آخرين، من اهل الخبرة، ينفيان عنه الاجتهاد، و كذا يعرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 108

بالشّياع، المفيد للعلم و كذا الاعلميّة تعرف بالعلم، او البيّنة الغير المعارضة، او الشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

الاولى: فيما يعرف به، اجتهاد المجتهد

و هو امور:

الاول العلم الوجدانى و لا اشكال في حجيته، لما عرفت في الأصول، من كونه بنفسه، طريقا الى الواقع.

الثّاني: الاطمينان و هل هو حجّة كالعلم، أم لا؟.

لا يبعد كونه حجة، لكنه العلم العادى و بناء العقلاء على الاخذ به، و لم يردع الشارع عنه.

الثّالث: البيّنة و تتوقّف طريقيّتها، لاثبات الاجتهاد، او الاعلميّة على اثبات، عموم حجية البيّنة، في كلّ موضوع من الموضوعات، بنحو العموم، بعد ما لا اشكال في حجّيتها في الجملة.

و يستدلّ على حجّيتها بنحو الإطلاق ببعض الوجوه:

الوجه الاوّل: ان يقال بعد ما تفحصنا، في المسائل الفقهية، رأينا انّ الشّارع، جعل البينة حجّة، في موارد كثيرة، من ابواب المخاصمات، و غيرها، فنلتقط من ذلك عموم حجّيتها، إذ ما نرى من جعلها حجّة، في هذه الموارد، الّا وجود ملاك واحد، موجود فيها و عدم خصوصية، لتلك الموارد.

بل يمكن ان يقال، بعد ما نرى من حجّيتها، في باب المخاصمات، مع كونها على خلاف اليد، ففي غيرها، تكون حجّة بالطّرق الاولى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 109

الّا ان يقال، انّ لباب المخاصمات، خصوصيّة و هي فصل الخصومات، و الّا لاختّل النظام و لهذا جعل الشارع البيّنة حجّة فيها، كما جعل اليمين قاطعا لها،

فلا يمكن التعدى منه إلى غيره.

الثّاني: تنقيح المناط القطعى، بدعوى أنّه بعد حجّية البيّنة، في بعض الموارد، مع إختلاف هذه الموارد، من بعض الجهات، نرى وجود مناط واحد، موجود فيها، و هو موجود في غيرها، مثل محلّ الكلام.

او يقال بانّه بعد حجّيتها، في مثل ما شك في حرمته، ففي مثل المورد حجّة، بالطريق الاولى.

او يقال بانّه بعد حجّيتها، في بعض الموارد، يلغى العرف خصوصيّة المورد، و لا يكون المورد مخصّصا، فنسرى الحكم، الى غير مورده، المنصوص و العمدة في النّظر، في وجه حجّيتها مطلقا، هذا الوجه.

الثالث: بعض الرّوايات، المستفاد منها، حجّيتها مطلقا، كالرّواية الّتي رواها، مسعدة بن صدقة، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال، سمعته يقول، كل شي ء هو لك حلال، حتّى تعلم، انّه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثّوب، يكون عليك، قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك، لعلّه حرّ، قد باع نفسه، او خدع فبيع، او قهر فبيع، أو امرأة تحتك و هي اختك، او رضيعتك و الأشياء كلّها، على هذا حتى يستبين لك، غير ذلك، او تقوم به البيّنة «1».

وجه الاستدلال، انّ الحديث يدل على حجّية البيّنة، في كلّ الاشياء، لقوله عليه السّلام «الأشياء كلها، على هذا، حتّى يستبين لك غير ذلك، او تقوم به البيّنة».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 110

و قد يورد عليه بضعف السّند، تارة، لعدم توثيق، مسعدة بن صدقة، بل ضعّفه العلامة رحمه اللّه و المجلسى رحمه اللّه على ما حكى عنهما.

و فيه انّه مع كون الرّواية، معمولا بها، يكفى ذلك لحجّيتها و ان كانت ضعيفة السّند،

في حد ذاتها، مضافا إلى انّ تضعيف العلمين، المذكورين رحمهما اللّه، مع جللتهما، لا يكفى في تضعيف مسعدة، لانّه إن كان اخبارهما بضعفه عن حسّ، فلا يكون الّا من باب وصول تضعيفه، يدا بيد، إليهما، من قدماء أصحابنا رضوان اللّه عليهم، عمّن يكون اخباره، عن حسّ، لعدم كونهما، معاصرين له و بعد ما لا نرى قدحا عن احدهم، بالنّسبة إليه، لا يمكن استكشاف كون اخبارهما، عن حسّ بقدحه، بل يمكن كون أخبارهما، عن حدس من باب بعض القرائن، الحاصلة عندهما، نعم بعد عدم ورود توثيق، بالنّسبة إليه، لا يمكن القول بكونه موثّقا.

لكن مع ذلك، لا بأس بالعمل بالرواية، لانّها و ان كانت ضعيفة السّند، ينجبر ضعفها بعمل الاصحاب.

و قال بعض شراح العروة، «كما في تنقيح» «1» نقلا عن استاده بعد ذكر الإشكال، في سند الحديث، و نقل ضعفه عن العلامة و المجلسى رحمه اللّه و دفع تضعيفهما، من أجل ما قلنا، من كون تضعيفهما، عن حدس، بانّه لا مجال للاشكال، في سند الرواية، من باب عدم ورود توثيق، بالنسبة الى مسعدة، من باب انّ مسعده، يكون من رواة كامل الزيارات لابن قولويه رحمه اللّه و هو قال بانّه لا يروى، الّا عن الثقات، فنقول بحجّية الرواية و الوثوق بصدورها، من باب توثيق مؤلف كامل الزّيارات مسعدة بن صدقة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 210.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 111

أقول امّا مسعدة فلم أر تصريحا بتوثيقه، في الكتب الرّجالية، غير ما حكى في كتاب «1» رجال ابي على، عن تعق، قال جدّى الّذي يظهر من اخباره في الكتب، انّه ثقة، لانّ جميع ما يرويه، في غاية المتانة، موافق لما يرويه الثّقات، و لهذا

عملت الطائفة بما رواه الخ، و غير ما عن ابن قولويه رحمه اللّه من توثيقه، من باب ما قال فى كتاب كامل الزيارات، انّه لا يروى الّا عن الثقات.

و في قبال ذلك، ما حكى عن العلّامة رحمه اللّه و المجلسى رحمه اللّه من تضعيفهما اياه.

ثم بعد ذلك نقول: بانّ الكلام، مرّة يقع في توثيق مسعدة، فالحقّ عدم نقل، توثيق، يكون عن حسّ بالنسبة إليه، لانّ ما في تعق، نقلا عن جدّه بعد ذكره، وجه التوثيق و هو انّ جميع ما يرويه، في غاية المتانة، موافق لما يرويه الثقات، نرى انّ اخباره بوثاقته، يكون عن حدس لا عن حسّ، كما انّ ما في كامل الزيارات، لا يدلّ على كون توثيق، ابن قولويه رحمه اللّه اياه، عن حسّ لتأخّر زمانه عنه، و لم أر من يخبر عن حسّ، بتوثيقه، قبل ابن قولويه رحمه اللّه، حتّى يقال باستناده في اخباره به، و هذا يؤيد، كون اخباره بوثاقته، من باب اخباره بوثاقة، رواة كتابه عن حدس.

فالعجب من هذا العلم، من عدم اكتفائه، في مقام التوثيق، بعمل الاصحاب من القدماء رحمه اللّه، بروايات مسعدة و الحال انّهم لا يعملون، الّا بأخبار الثقات، بل بعضهم لا يعملون الّا باخبار العدول، و اكتفائه في مقام التوثيق بقول صاحب كامل الزيارات فقط، و هذا العلم المعظّم، يقول بذلك في مقدمة رجاله، بعد رد ما ذكره اصحاب الرجال في وجه توثيق الرّوات، من انّه نكتفى بتوثيق، صاحب كامل الزيارات، ففى الحقيقة، يكتفى في توثيق الروات، كون الرّاوى، في سند من أسانيد كامل الزيارات، و الحال أنّ ابن قولويه رحمه اللّه كان في المائة الرابعة، فكيف يخبر عن

______________________________

(1) منتهى المقال، ج 6، ص 254.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 112

حسّ، عن وثاقة، من عاش في المائة الاولى، او الثّانية، او الثّالثة ممّن كان قبل زمانه، و ان كان اخباره، عمّن يخبر عن حسّ، بوثاقة راو، من الروات، لكان موجودا، في بعض الكتب الرجالية و وصل إلينا و إذا كان عن حسّ نأخذ به.

و كيف لا يكتفى بعمل القدماء رحمه اللّه، مع ما قلت من كون عملهم، على العمل باخبار الثقات، او خصوص العدول منهم.

ثمّ أنّ هنا كلاما آخرا، في انّه على فرض كفاية، اخبار ابن قولويه رحمه اللّه بوثاقة راو، هل يكتفى بالعدل الواحد، او لا بدّ من عدلين، ليس المقام مجال بحثه و مبنى هذا العلم الجليل، كفاية العدل الواحد، هذا كلّه في البحث عن وثاقة مسعدة و عدمها.

و اخرى يقع الكلام، في العمل بخصوص هذا الحديث الّذي، يروى مسعدة، فقد يستشكل فيه بضعف السند.

فنقول، بانّه و لو فرض كون الحديث ضعيفا، بمسعدة، لكن لا يضرّ العمل به:

لانه يكفى في انجبار ضعفه، عمل الاصحاب، و به تطمئن النفس بصدوره و يكفى ذلك في حجّيته، لانّ الحقّ المختار على ما بيّناه، في حجّية الخبر الواحد في الاصول، هو حجّية كل خبر، يحصل الاطمينان بصدوره.

و قد يستشكل في دلالة الحديث، على المدّعى بامرين:

«ذكر الإشكال في التنقيح» «1»

الاوّل: ان المراد من كلمة «البيّنة» في الحديث معناه اللغوى، و هو ما به البيان و الظهور و ليس لها حقيقة شرعيّة، و لا متشرعيّة، فلا يدلّ الحديث، على حجّية البيّنة المصطلحة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 315 المصدر المذكور باب الاجتهاد و التقليد ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 113

و فيه امّا أوّلا: انّ لها حقيقة شرعيّة،

فما في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: انما اقضى بينكم بالبيّنات و الايمان، هل هى إلّا البيّنة المصطلحة، و هل يمكن ان يقال، انّ مراده صلّى اللّه عليه و آله و سلم، هو انّه انما اقضى بينكم، بما يظهر به الأمر و ان كان غير البيّنة و هل المتبادر، من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم، غير البيّنة المصطلحة، عند من سمع كلامه الشريف، و هل نصب قرينة، على انّها غير معناها اللغوى؟ لا اشكال في عدم تبادر معنى، عند التّكلم في نظر العرف، غير البيّنة المصطلحة.

و على فرض عدم ثبوت حقيقة شرعية لها، في زمان الشّارع، هل يمكن ان يقال، بعدم ثبوت حقيقة عند المتشرّعة لها، حتّى في زمان صدور الرواية؟.

و أما ثانيا: على فرض كون معناها البيان، و الظهور و عدم تحقق حقيقة شرعيّة، و لا عند المتشرعية لها، مع ذلك، لا يمكن القول، بكون المراد منها، في خصوص الرّواية، غير معناها المصطلح، لانّه ان كان المراد، انّ الأشياء محكومة بالحلية، حتّى يظهر خلافه، فقوله عليه السّلام «حتى يستبين لك غير ذلك» كاف، في افادة ذلك، و يكون قوله «او تقوم به البينة» لغوا، فهذا شاهد، على انّ المراد من البيّنة، في الحديث البيّنة المصطلحة مسلّما فالمراد من قوله حتى يستبين لك» هو حصول العلم، او الاطمينان و معنى قوله «او تقوم به البيّنة» هو البيّنة المصطلحة.

الإشكال الثّاني، انّ المذكور في الحديث، بعض الاشياء المشكوك، حرمتها و قد حكم عليه السّلام، بحلّيته، ففي هذا الحديث و ان قال «الاشياء كلها على هذا» و هو يفيد العموم، لكن يفيد العموم، بالنسبة الى كل من مشكوك الحلية و الحرمة، فتكون

النتيجة، ان كلّ مشكوك الحلّية و الحرمة، مثل الاشياء المذكورة في الحديث، يحكم عليه بالحلية، و اما غير المشكوك حليته و حرمته، مثل مورد الكلام، اعنى اجتهاد المجتهد، او اعلميته، لا تدلّ الرواية، على حجّية البيّنة فيه، لعدم عموم لها، الّا بالنسبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 114

الى كل مشكوك الحرمة و الحلّية.

و لا يمكن دفع هذا الإشكال، بانّ كلمة «الاشياء» من الجمع المحلّى بالالف و اللام و هو يفيد العموم.

لما عرفت من انّه لا يقول، بعدم عموم له، بل يقول، انّ عمومه، بقرينة كون المذكورات، من مشكوك الحرمة و الحلية، يقتضي تعميم الحكم، في كلّ من المشكوك حرمته و حلّيته فقط، و اما شموله لغير ذلك فلا.

و منها ما رواها، عبد اللّه بن سليمان: نحن ابي عبد اللّه عليه السّلام، في الجبن، قال كل شي ء حلال، حتى يجيئك شاهدان، يشهدان انّ فيه ميّتة» «1».

وجه الاستدلال، دعوى انّ موردها و ان كان الجبن، لكن نعلم عدم خصوصية للمورد.

و فيه انّه، ان كان النظر في الاستدلال، الى دعوى تنقيح المناط او الاولوية القطعية، او إلغاء الخصوصية، لا الاستفادة من ظهور اللفظ، فهو و ان كان غير بعيد، لكن ليس هذا من التمسّك، بظهور الحديث، بل هو الوجه الثّالث نذكره إن شاء اللّه تعالى.

و ان كان النظر التمسّك، بظاهر الحديث لحجّية البيّنة مطلقا، فلا وجه له، لانّ غاية ما يشمله الحديث، بعمومه، هو كلّ ما شك في حرمته و حلّيته، لا غيره، فتلخّص من كل ذلك، انّ استفادة حجّية البيّنة، من ظواهر الأدلّة اللفظيّة، اعنى العموم، او الاطلاق اللّفظى، مشكل بل لا وجه له.

الوجه الثّالث: القول بحجّيتها مطلقا، من باب استكشاف حجّيتها، مطلقا

فى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 115

نظر الشارع من حجيّتها في موارد مختلفة و يأتي الكلام في ذلك، في المسألة السّادسة من المسائل، المتفرعة في فصل ماء البئر إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ اعلم انه كما قال المؤلّف رحمه اللّه، يثبت الاجتهاد بالبيّنة، إذا لم تكن معارضة، بشهادة آخرين و نذكر إن شاء اللّه تفصيله، في المسألة 7 من فصل ماء البئر، و اجماله هو انّ مستند كل من البينتين، ان كان العلم، او كان مستند كل منهما، الاصل، تتساقطان بالتعارض.

و ان كان مستند واحدة منهما، العلم و الاخرى الاصل، يؤخذ بما يكون مستنده العلم، و يقدّم على ما يكون مستنده الاصل.

الثّالث مما يثبت به الاجتهاد، الشّياع المفيد للعلم و وجه حجّيته، هو حجّية العلم، لانّ العلم حجّة من اىّ طريق حصل، لعدم الفرق في حجّيته، بين اسبابه و اشخاصه و موضوعاته، فلا خصوصية للشياع و ليس في قبال العلم، بل ذكره منفردا و مستقلا، يكون من باب كونه من جملة اسباب العلم و سببا خاصا، لحصول العلم بخلاف الاوّل من الثلاثة، الّتي يثبت به الاجتهاد، و هو العلم الوجداني، لعدم انحصار سببه بالشّياع فقط.

المسألة الثّانية

و ممّا ذكرنا في المسألة الاولى، يعرف حال هذه المسألة و هي انّ الاعلميّة، تثبت بالامور الثلاثة، بالعلم الوجدانى و بالبيّنة، الغير المعارضة، بالنحو المذكور في المسألة الاولى، و بالشياع على ما عرفت في المسألة الاولى.

***

[مسئلة 21: إذا كان مجتهدان، لا يمكن تحصيل العلم باعلمية احدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: إذا كان مجتهدان، لا يمكن تحصيل العلم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 116

باعلمية احدهما و لا البيّنة، فان حصل الظّن، بأعلمية احدهما، تعيين تقليده، بل لو كان في احدهما، احتمال الاعلميّة، يقدّم، كما إذا علم انّهما، امّا متساويان، او هذا المعيّن اعلم و لا يحتمل اعلميّة الآخر، فالاحوط تقديم من يحتمل اعلميّته.

(1)

أقول: اعلم، انّ المؤلف رحمه اللّه و ان قال بانّه، في كلّ مورد، يكون مجتهدان، لا يمكن العلم باعلميّة، احدهما على الآخر و لا قامت البيّنة، على اعلميّة احدهما، يفرض له صورتان:

صورة يمكن تحصيل الظّن باعلميّه، احدهما على الآخر، و صورة يحتمل اعلميّة، احدهما المعيّن، على الآخر و لا يحتمل اعلميّة، الآخر عليه، لكن نقول، بانه يفرض للمسألة صور:

و قبل بيان هذه الصور، ينبغى أن يقال، بانّه بعد كون المراد من الظّن، الظّن الغير المعتبر، لانّه ان كان المراد، من الظّن، الظّن المعتبر، فهو بحكم العلم، فالظّن الغير المعتبر، يكون بحكم الشّك.

و ان قلنا بلزوم الاخذ، بمظنون الاعلميّة، من باب انّه مع دوران الأمر، بين التعين و التّخيير، يجب الأخذ بالمتعين، و الاخذ بالمظنون متعيّن، فأيضا يكون مظنون الاعلميّة، كمحتمل الاعلميّة، في وجوب الرّجوع إليه، لكون حجّيته متعيّنة.

فما في كلام المؤلّف رحمه اللّه من الفرق، بين صورة الظّن، باعلميّة احدهما، من تعيّن تقليده بنحو الفتوى، و بين صورة، احتمال اعلميّة احدها المعيّن على الآخر، من وجوب تقليد، محتمل العلميّة، بنحو الاحتياط

الوجوبى، لا وجه له، لكون صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 117

الظّن، باعلميّة احدهما، و صورة احتمال اعلميّة احدهما المعيّن، بوزان واحد، من حيث الحكم لانّ الظّن الغير المعتبر، يكون بحكم الاحتمال، و كذا من حيث دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير، يكون مثل الاحتمال، لانّه ان قلنا، بانّه في صورة دوران الأمر، بين التعيين و التّخيير، يحكم العقل، بوجوب الاخذ بالمعين، فلا فرق في حكمه، بين ما ظنّ، بالظّن الغير المعتبر، باعلميّة احدهما المعين، و بين ما يحتمل، اعلميّة احدهما المعيّن على الآخر.

إذا عرفت ذلك نقول أنّ للمسألة صور:

الأولى: انّه كما يحتمل، تساوى كل من المجتهدين مع الآخر، كذلك يحتمل اعلميّة كل منهما عن الاخر.

الثّانية: انّه يقطع، بعدم تساويهما، و يعلم انّ احدهما اعلم من الآخر، لكن لا يدرى، بانّ هذا الاعلم، اىّ منهما مثلا، إذا كان الدوران بين زيد و عمرو، لا يدرى انّ الاعلم هل هو زيد او عمرو،

الثّالثة: انّه كما يحتمل تساويهما، يحتمل او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر، اعلميّة احدهما المعيّن منهما على الآخر، و لا يظنّ و لا يحتمل، اعلميّة الاخر عليه مثلا، كما يحتمل تساوى زيد مع عمرو، يحتمل او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر، اعلميّة زيد على عمرو، و لا يظنّ و لا يحتمل اعلميّة عمرو، على زيد.

اما الصّورة الاولى، فلها صورتان:

اما الصورة الاولى، صورة امكان الاحتياط، بين الفتويين، ففي هذه الصّورة كما قدمنا في المسألة 12، يجب الاحتياط، بين الفتويين، فان كان يقول مثلا، احدهما بوجوب تسبيحة واحدة، و الآخر بوجوب الثلاثة، في الركعتين الاخيرتين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 118

من الصلاة، يجب قراءة الثلاثة، لاقتضاء العلم الاجمالى ذلك و

يمكن الاحتياط،

و اما الصورة الثانية صورة لا يمكن الاحتياط، بالاخذ بأحوط القولين بينهما، فالحقّ فيها التّخيير عقلا، و لا وجه للاحتياط المطلق، لا للاحتياط بين فتواهما، اما أوّلا فلعدم امكان الاحتياط على الفرض، مثل دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة، و امّا ثانيا لعدم وجوب الاحتياط، المطلق، لحكم العقل بجواز تقليد كل واحد منهما و لا موجب عنده، لتعين الاحتياط المطلق، لما قدّمنا من عدم سقوط الفتويين عن الحجّية، بسبب التعارض و ان قيل بسقوط الخبرين عن الحجّية، في صورة تعارضهما، بل العقل كما يحكم في غير هذا المورد، بالتّخيير بين تحصيل الاحكام، ببركة الاجتهاد، او التقليد، او الاحتياط، كذلك يحكم في المورد أيضا.

مضافا الى دعوى الاتّفاق، على عدم وجوب الاحتياط و ترك التقليد.

و اما الصورة الثانية فكذلك، هو مخيّر بين الأخذ بفتوى كل منهما، لانّه بعد كون كلّ منهما، محتمل الاعلميّة، فهو على الفرض يعلم باعلميّة احدهما، لكن لا يدرى، هل هو زيد، او عمرو، فلا يدرى اعلميّة احدهما المعيّن على الآخر، فهو بحكم العقل مخيّر بين الاخذ بكل واحد منهما، و لا يتعيّن عليه الاحتياط المطلق، و لا الاخذ باحوط القولين منهما، فيما لا يمكن الاحتياط بين الفتويين، و وجوب الاخذ باحوط القولين منهما، فيما يمكن ذلك، لما تقدّم في الصورة الاولى.

و اما الصّورة الثّالثة، فهل يجب تقليد، خصوص محتمل الاعلميّة، او مظنونها، او يكون مخيّرا بين تقليد ايّهما شاء، او يجب عليه الاحتياط المطلق، او يجب الأخذ، باحوط القولين بينهما.

أقول بعونه تعالى، انّه بعد ما قلنا في وجه وجوب التقليد الاعلم، من ان العقل مع دوران الأمر، بين الاعلم و غيره، يحكم بالرّجوع الى الاعلم، في صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 119

العلم، او الشّك، باختلاف فتوى الاعلم، مع غيره و انّ ذلك من باب المرتكز العقلى، لا من باب كون المورد، من صغريات دوران الأمر، بين التّعيين و التّخيير و لزوم الاخذ بالمعين، بحكم العقل، بل يكون ذلك، بملاك آخر و هو انّه مع فرض وجود الاعلم و العلم او الشّك باختلاف فتواه، مع غير الاعلم، يرى العقل، لزوم الرّجوع الى الاعلم، فيقال في المسألة المبحوثة و هي صورة احتمال اعلميّة احدهما المعيّن، بانّ العقل في صورة العلم او الشّك، باختلاف فتواهما، يحكم بالرّجوع، الى من يحتمل، او يظنّ، بالظّن الغير المعتبر اعلميّته معيّنا و لهذا نقول، بانّ الاقوى، في هذه الصّورة، تعيّن تقليد محتمل الاعلميّة، او مظنون الاعلميّة، من بين المجتهدين.

ثمّ انّه لو فرض، عدم حكم العقل، بتعيّن تقليد مظنون الاعلميّة، او محتملها، بالملاك المتقدّم، يمكن أن يقال، بتعين تقليده، من باب أنّ المورد، يكون من موارد، دوران الأمر، بين التّعيين و التّخيير و ان المحكّم، بنظر العقل، الأخذ بخصوص المعيّن.

و قد عرفت مما مرّ عدم الفرق، بين صورة الظّن، الغير المعتبر، باعلمية احدهما، و بين احتمال اعلميّة احدهما، على الآخر و قد تعرّضنا، لبعض فروع المسألة في المسألة 12.

***

[مسئلة 22: يشترط في المجتهد امور]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: يشترط في المجتهد امور، البلوغ و العقل و الايمان و العدالة و الرجولية و الحرّية على قول و كونه مجتهدا مطلقا، فلا يجوز تقليد المتجزّي، و الحياة فلا يجوز تقليد الميّت ابتداء، نعم يجوز البقاء كما مرّ، و ان يكون أعلم، فلا يجوز على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 120

الاحوط، تقليد المفضول، مع التّمكن من الافضل، و ان لا يكون متولّدا من الزّنا و

ان لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا لها، مكبا عليها مجدّا في تحصيلها، ففي الخبر، من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلّدوه.

(1)

أقول: الكلام في شرائط المجتهد و هى كما ذكرها المؤلف رحمه اللّه امور:

الاول: البلوغ،

قد عرفت مما قلنا، في وجه وجوب التقليد، بالوجوب التّخييرى، انّ العمدة فيه، حكم العقل، برجوع الجاهل، الى العالم و في ذلك، لا فرق في نظره، بين البالغ و بين غيره و لا بين الرّجل و بين غيره و لا بين الحرّ و بين غيره و لهذا لو كنّا و حكم العقل، كان الحري، أن نقول بجواز تقليد، كل منها و عدم شرطيّة البلوغ و الايمان و العدالة و الرّجولية و الحرّية، و يجب اتّباع حكم العقل، لانّ نظره متّبع، في باب كيفيّة الاطاعة، كما انه متّبع، في نفس الاطاعة و المعصية، الّا إذا ورد تصرف من الشارع و ردع طريقة العقلاء و لم يرد من الشّرع ردع، لانّ ما ادّعى، من تصرف الشرع و ردعه هذا البناء، دعوى بلا دليل.

اما دعوى الاجماع، على اشتراط البلوغ، فمنقوله غير مفيد و المحصّل منه، غير حاصل.

اما دعوى، انّ حديث رفع القلم، عن الصّبى حتى يحتلم، او ما ورد من انّ عمده و خطائه واحد، أو انّ الصّبى مولّى عليه، يدلّ على عدم قابليته، للافتاء:

ففيه انّ حديث رفع القلم، لا يدلّ الّا على رفع القلم عنه، و كذا ما ورد من ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 121

عمده و خطائه واحد، لا يدلّ على انّ كل ما يصدر، من الصّبى مثل الخطاء، و بحكمه و انّ اقواله، لا يعامل معها،

اقوال غير الصّبى و لا يترتّب عليه الأثر، و كذا كونه مولّى عليه، لا يقتضي حرمانه، عن الافتاء، هذا غاية ما قيل في المقام، وجها لاشتراط البلوغ، ثمّ انّه لو تمسّكنا، في وجوب الرّجوع الى المجتهد، بالتّوقيع الشريف، فهو مطلق يشمل الصّبى المميّز، الواجد لسائر الشرائط.

أقول و بعد ذلك كلّه، ما يخطر بالبال، في وجه اشتراط البلوغ، في المجتهد و عدم لياقة الصّبى للافتاء، هو ان يقال، بعد ما يكون الصّبى مرفوع القلم و معنى رفع القلم عنه، عدم وجوب فعل الواجبات عليه، و عدم كون المحرمات حراما عليه، فلو ترك واجبا، او ارتكب حراما، لا يكون عاصيا، و لا يكتب عليه ذنب.

و بعد كون هذا حاله، يجوز و يمكن عليه الكذب، وقوعه منه أحيانا، لرفع القلم عنه، كما ترى ارتكاب بعض الصّبيان، حتى بعض المميزين منهم، بعض المحرّمات و ترك جلّ الواجبات، لو لا كلها، فبعد تجويز فعل، ما هو محرّم على غير الصّبى، عليه و امكانه منه، فلا يكون، وثوق في اخباره، لانّه ربما، يفتى على خلاف حكم اللّه تعالى و بعد عدم الوثوق، لاجل ذلك به، لا يليق مقام الافتاء، بل يعتبر بلوغ المجتهد.

ان قلت انّ مفروض الكلام، يكون فيما يحصل الوثوق، من قوله و اخباره و بعبارة اخرى، هو واجد للشرائط الأخرى، غير البلوغ، فلم لا يليق للافتاء و من لم يكن موثوقا به لا يليق للفتوى و ان كان بالغا.

قلت الفرق بين البالغ و غير البالغ، هو انّ البالغ لكونه مكلّفا، لا يكون معرضا للكذب و لكنّ الصّبى، يكون معرضا لذلك و مع المعرضية، لا يثق بقوله و لهذا يشترط البلوغ.

الشرط الثاني: العقل

و اعتباره ممّا لا إشكال فيه بحكم العقل، و

العقلاء لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 122

يرجعون الى المجنون و ان كان عالما، بل بنائهم على خلافه.

الشرط الثّالث: الايمان

و لا يعتبر هذا الشرط بنظر العقل، الحاكم برجوع الجاهل الى العالم، نعم لو دلّ دليل من الشرع، على اعتباره نأخذ به و يكون رادعا عن حكم العقل، و ما يستدلّ به على اعتباره أمور:

الاوّل: دعوى الاجماع على اعتباره.

الثّاني: مقبولة عمر به حنظلة عليه «1» لانّ فيها، قال عليه السّلام ينظران من كان منكم، ممّن. قد روى حديثنا الخ».

و ما في رواية ابى خديجة سالم بن مكرم الجمّال، قال قال ابو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام، ايّاكم أن يحاكم بعضكم، الى اهل الجور و لكن انظروا، الى رجل منكم، يعلم شيئا، من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فانّى قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه» «2».

و ما في رواية علي بن سويد السّابى، قال كتبت الى ابى الحسن عليه السّلام و هو في السجن و امّا ما ذكرت، يا على ممن تاخذ معالم دينك، لا تأخذنّ معالم دينك، من غير شيعتنا، فانّك ان تعدّيتهم، اخذت دينك عن الخائنين الخ» «3».

و ما في رواية احمد بن حاتم بن ماهويه، قال كتبت إليه، يعنى أبا الحسن الثّالث عليه السّلام، أسأله عمّن آخذ معالم دينى و كتب اخوه أيضا بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتها، فاصمدا في دينكما، على كل مسنّ في حبّنا و كل كثير القدم، في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(3) الرواية 42 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 123

امرنا، فانهما كافوكما إن شاء اللّه «1».

أقول امّا الاجماع، فحصول الاجماع التّعبدى غير معلوم، نعم يمكن كون نظر المجمعين، هو ما يأتي بالنظر، من انّ المرتكز عند المتشرّعة، باعتبار ما يعلمون، من مذاق الصادع بالشرع و رويته، عدم تجويز تصدى، مثل هذا المنصب، اى مقام الافتاء و النيابة العامّة، للامام عليه السّلام و التّصرف في امر الغيب و القصّر غير المؤمن و عدم صلاحيّة غير المؤمن، لان يكون مرجعا، في الحوادث الواقعة و كيف يمكن تصويب الشارع، الرّجوع الى غير المؤمن و الحال انه، لا يأذن و لا يرضى تصدى بعض الأمور، الّتي دون الافتاء في المرتبة، كالشّهادة و إمامة الجماعة لغير المؤمن، فكيف يجوّز الارجاع، في الفتوى الّذي، هو دون منصب النّبي و الامام «عليهما الصلاة و السّلام»، شأنا و أعلى مرتبة من غيره، إلى غير المؤمن، بل و الى غير العادل، بل و إلى النّساء، مع ما نرى نظر الشّرع، بالنسبة الى النساء و هو اشتغالها، بما هو وظيفتها، من تنظيم أحد ركنى الاجتماع و هو الاشتغال، بشئون تدبير المنزل و تربية الأولاد و تسترهم و عدم تبرجهم «و العجب مما نرى في زماننا، في البلاد الاسلامي، ممّن يدّعى الاسلام، من النساء ترك العصمة و العفّة، و الدخول في الشئون، المخالفة، مع ما يطالب الدّين و ينتظر صادعه، من المسلمات و لهذا لا يزال امرهنّ الى السفال و الانحطاط و هو من المصائب، المبتلى بها المسلمون و لهذا وقعوا تحت سيطرة الاستعمار، يحيلونهم الى الشرق تارة و الى الغرب اخرى» و كيف يجوّز، من يقول بانّ النساء عىّ و عورة فاستروا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهن بالبيوت، أن تتصدى النساء، أمر

الافتاء و المرجعيّة و القضاء، مع ملازمتها غالبا، مع البروز و لقاء الناس، لأن يتّخذ منها الاحكام و السّؤال عن الحوادث الواقعة و هذا الشّأن، لا

______________________________

(1) الرواية 45 من الباب 11 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 124

يساعد مع وضع المرأة، في نظر الاسلام و لهذا نقول بانّ الاقوى، اعتبار الايمان و العدالة و الرّجولية في المجتهد، فان لم يكن في البين، دليل لفظىّ، يدلّ على اعتبار هذه الأمور في المجتهد، يكفى الوجه الّذي ذكرناه. لكونه دليلا على اعتبار هذه الامور

ثمّ انّه مع ما قلنا، لا حاجة الى اتعاب النّفس، في انّ الاخبار المذكورة، هل تكون واجدة، لشرط الحجّية، أو لا؟ كما ترى من اشكال بعض «1» الشراح، بضعف السّند مرّة و بعدم دلالتها اخرى، مع انّ ما قال في تضعيف بعضها، غير تمام، لمن راجع كتب الرّجال، كما انّ الإشكال، في دلالة بعضها، ان كان واردا، لا اشكال في دلالة بعضها الآخر، فيمكن ان يقال، بدلالة بعض الاخبار المتقدّمة، ذكرها، على اعتبار الايمان أيضا، كما انّه يمكن كون، منشأ الاجماع أيضا، هذه الأخبار.

الشرط الرّابع: العدالة

و الكلام تارة، يقع في اعتبارها، بنظر العقل، فالعقل الحاكم، برجوع الجاهل الى العالم، لا يرى اعتبار العدالة، في المفتى. نعم يعتبر العقل، الوثوق به، في خصوص ما يرجع الى العالم، بمعنى انّ من يرجع إليه، في الفتوى، يرى العقل، اعتبار كونه موثوقا به، فيما يقول، و اما كونه عادلا، بحيث يكون له ملكة، لا يرتكب الحرام، مثل الكذب و غيره، حتّى في غير ما هو المرجع فيه، فلا يعتبره العقل.

و تارة يقع الكلام، في اعتبارها شرعا، فان أعتبرها الشارع كفى

و لو لم يعتبرها العقل، في حدّ ذاته مع قطع النّظر عن تصرف الشّرع، فنقول ما يمكن ان يستدلّ به على اعتبرها امران

الاوّل: ما رواها احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسى في الاحتجاج، عن ابي محمّد العسكرى، في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ

______________________________

(1) التنقيح بحث الاجتهاد و التقليد ص 218.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 125

هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ قال هذه، لقوم من اليهود، إلى ان قال و قال رجل للصّادق عليه السّلام إذا كان هؤلاء العوام، من اليهود، لا يعرفون الكتاب، الّا بما يسمعونه من علمائهم، فكيف ذمّهم بتقليدهم و القبول من علمائهم و هل عوام اليهود، الّا كعوامنا، يقلّدون علمائهم، إلى ان قال، فقال عليه السّلام: بين عوامنا و عوام اليهود فرق، من جهة و تسوية من جهة، امّا من حيث الاستواء، فانّ اللّه ذمّ عوامنا بتقليدهم علمائهم، كما ذمّ عوامهم و امّا من حيث افترقوا، فان عوام اليهود، كانوا قد عرفوا علمائهم، بالكذب الصّراح و اكل الحرام و الرّشا و تغيير الاحكام و اضطرّوا بقلوبهم، الى انّ من فعل ذلك فهو فاسق، لا يجوز ان يصدّق على اللّه و لا على الوسائط، بين الخلق و بين اللّه، فلذلك ذمّهم و كذلك عوامنا، إذا عرفوا من علمائهم، الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التّكالب على الدنيا و حرامها، فمن قلّد مثل هؤلاء، فهو مثل اليهود الّذين ذمهم اللّه بالتقليد، لفسقة علمائهم، فامّا من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلّدوه، و ذلك، لا يكون الّا بعض فقهاء الشيعة، لا كلّهم، فانّ من ركب من القبائح،

و الفواحش، مراكب علماء العامة، فلا تقبلوا منهم، عنّا شيئا و لا كرامة و انما كثر التّخليط، فيما يتحمّل عنّا اهل البيت لذلك، لانّ الفسقة يتحمّلون عنّا، فيحرّفونه باسره، لجهلهم و يضعون الاشياء عل غير وجهها، لقلّة معرفتهم و آخرون يتعمّدون الكذب علينا، الحديث» و أورده العسكرى عليه السّلام في تفسيره» «1».

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام و أمّا من كان من الفقهاء الخ، يدلّ على اعتبار العدالة، لانّ العادل يصون نفس و يحفظ دينه و يخالف هواه و يطيع امر موله و كذا يدلّ عليه بعض فقرته الآخر.

______________________________

(1) الرواية 20 من الباب 10 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 126

و اورد على الرّواية، تارة بضعف السّند و تارة بعدم الدلالة، على اعتبار العدالة في المجتهد و المقلد و انّ موردها، هو اصول الدّين و لا يصحّ التقليد فيه، فلا بدّ من حمل التقليد، على غير التقليد، المصطلح، فلا تكون الرواية، مربوطة بباب التقليد، الّذي هو محل الكلام في الفروع، و انّه على كلّ حال لا يستفاد منها، الّا اعتبار الوثوق في المقلّد، بقرينة صدر الرواية و ذيلها، لا ازيد من ذلك، من اعتبار العدالة.

اقول امّا ضعف سند الرواية، فيمكن دعوى انجبار ضعفه بالعمل و امّا دلالتها، فلا وجه لاختصاصها، باصول الدّين و لو لم نفهم بعض فقراتها، من حيث انّه ورد في الاصول، او الفروع و لكنّ الظاهران قوله عليه السّلام، فامّا من كان من الفقهاء الخ» يدلّ على ما يساعد، مع من له ملكة العدالة، لانّ العادل ليس الّا من كان صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه فتأمل.

كما انّ التوقيع الشريف «و اما

لحوادث الواقعة الخ»، لا يدلّ على عدم اعتبار العدالة، بدعوى اطلاقه، لعدم اطلاق له، إذ كيف يجعل روحى فداه، الفاسق حجّة من بل نفسه على الناس.

الثّاني: دعوى الاجماع على اعتبار العدالة في المجتهد.

و فيه عدم حصول اجماع تعبّدى على اعتبارها، نعم كما قلنا في وجه اشتراط الايمان فيه، يكون المرتكز عند المتشرعة، اعتبار العدالة في المجتهد و هذا الارتكاز، ليس الا من باب كون مذاق صادع الشرع، هو هذا.

تتمّه بعد ما لم يكن من مادة العدالة، بهيئاتها المختلفة، ذكر في الآيات و الأخبار المربوطة بالباب، و لا في معقد اجماع، محصل ذكر منها، فما يمكن أن يقال في المقام و ان عبّر في مقام، ذكر الشّرط كلمة «العدالة» هو انّه بعد ما لا اشكال، في عدم جواز اشتغال الفاسق، هذا المنصب، لكونه خلاف مذاق الشرع، فمن يكون تاركا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 127

للواجبات و غير مجتنب عن المحرمات، ليس له المرجعيّة و تصدّى هذا الأمر بنظر الشرع.

فالصّالح له، من يكون موثوقا بدينه و ملتزما بلوازم الشرع و هذا ينطبق مع العدالة اللغوية و هي الاستقامة و الاستقامة، في الدّين عبارة عن الالتزام بلوازم الدين.

كما ان مقتضى بعض الأخبار، من الأمر بالرّجوع، الى من كان صائنا لنفسه الخ، يساعد مع الاستقامة في الدين و ظاهره اعتبار هذه الأمور، من صيانة النفس و اخواتها و من يكون له استقامة في الدين، يكون متصفا بهذه الصفات و غرضنا انه ليس في الادلة، ذكر من اعتبار هذه الهيئة، اى العدالة، حتّى نبحث في ان المعتبر فيها الملكة، أم لا؟، نعم لو قلنا باعتبار العدالة في المجتهد، من باب الاولويّة، بانّه بعد ما نرى، من

اعتبارها، في امام الجماعة و الشاهد، فبطريق الاولى تعتبر في المجتهد، ثمّ يقال حيث انّ الوارد في امام الجماعة و الشاهد، لفظ العدالة، ففي المجتهد يعتبر كلمة العدالة بذة الهيئة، ثمّ ينبغى البحث بعد ذلك، عن موضوع العدالة و انّه هل المعتبر فيها، الملكة أم لا؟

و ليكن هذا في ذكرك، لعلّه ينفعك في المسألة الآتية إن شاء اللّه.

الشرط الخامس: الرّجولية

لا يرى العقل دخلها في المجتهد اصلا و لهذا لو كنّا نحن و حكم العقل، كنّا نجوّز تقليد المرأة، المجتهدة في فرض واجديّتها لسائر الشرائط، المعتبرة.

لكن كما قلنا عند التعرّض، لشرط الايمان، بانّ المرتكز عند المتشرعة، مع ما يرون من نظر الشارع، بكيفيّة وظيفة المرأة، هو اعتبار الرّجولية، لانّ الافتاء كالقضاء، محتاج إلى تبرّز و ظهور عند الناس و معاشرات، ينافي ما يكون مطلوبا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 128

عند الشارع، للمرأة المسلمة من تحجّبهما و سترها و اشتغالها بتدبير المنزل و شئون البيت و تربية الأولاد و حفظها، عمّا يترتّب على اختلاطها، مع الرجال و دخولها مع الرّجال في المجامع و المحافل بارزة متبرجة، من المفاسد الّتي ابتلت بها، المرأة في عصرنا هذا.

و ما يتوجّه على المجتمع البشرى، من هذه النّاحية لاجل الحرية الكاذبة، الحاصلة للنّساء كاف لأن نفهم انّ نهى الاسلام، عن كشف حجاب النساء و وجوب كونهنّ، في جلباب العفاف و الحياء يكون له حكما كثيرة و فوائد شتى.

و الحاصل أنّ المرأة و ان كانت احد ركنى اجتماع البشرى و حقوقها عظيمة في الاسلام لكن مع ذلك لها، وظائف خاصّة، لا يمكن لها، الدّخول في شئون الرجال، كما لا يجوز للرّجال، الدخول و الشركة في شئون النساء.

الشّرط السادس: الحرّية،

لا وجه لاعتبارها، في المجتهد عقلا، لعدم فرق في نظره، بين الحرّ و العبد، إذا كانا مجتهدين صالحين للفتوى.

و لا شرعا لعدم دليل، على اعتبارها من الشرع و مجرّد كونه، مملوكا لا يوجب عدم صلاحيته لها، فالحقّ عدم اشتراط الحرّية في المجتهد.

الشّرط السّابع: أن يكون مجتهدا مطلقا،

امّا بناء على عدم إمكان التجزّي، في الاجتهاد، فلا اشكال في اشتراطه، لانّ المتجزّى، لا يكون مجتهدا، حتّى يجوز تقليده، و لكن الحقّ قابليته للتجزّى.

و اما بناء على قابليّته للتجزّى، يقع الكلام في اشتراط كونه مجتهدا مطلقا، و عدمه، فنقول بعونه تعالى.

ان الدّليل على وجوب التقليد، على ما عرفت في محله، ان كان حكم العقل:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 129

فتارة يكون المجتهد منحصرا بالمتجزّى:

و تارة لا يكون منحصرا به، امّا فيما يكون منحصرا به، فلا فرق في نظر العقل، بين كون المجتهد مجتهدا مطلقا، و بين كونه متجزّيا، ففى ما كان المتجزّى عالما و عارفا ببعض المسائل، يجوّز العقل، الرّجوع إليه، في كلما هو عالم به، عن اجتهاد كما يجوّز الرّجوع، الى المجتهد المطلق.

و اما فيما لا يكون منحصرا به، بل يكون مجتهدا مطلقا أيضا في البين، فلا يبعد كون المتيقّن، بنظر العقل، وجوب الرجوع، الى خصوص المجتهد المطلق، في كلّ مورد، قلنا بتعين تقليد الاعلم، بحكم العقل بالملاك المذكور فيه و قدّمنا ذكره في محله.

و اما ان كان الدّليل على وجوب التقليد، او جوازه بعض الآيات، مثل آية السؤال، او بعض الأخبار، فالمتيقن منه هو المجتهد المطلق، فكيف يمكن ان يقال، بان من أجتهد مسئلة، او مسائل من الفقه، انّه من اهل الذكر، الّذي أمر اللّه تعالى بالسؤال عنه، أو انّه ممن عرف احكامنا و نظر في حلالنا

و حرامنا، نعم يمكن ان يقال، بانّ قوله روحى فداه في التوقيع الشريف «فارجعوا فيها الى رواة حديثنا الخ»، يشمل المتجزّى أيضا و ان كان مجال للمنع أيضا، من باب عدم اطلاق له، يشمل حتى العارف بمسألة.

و على كل حال لو قلنا، بعدم دلالة بعض الآيات و الأخبار على جواز الرجوع، الى المتجزّى و عدم شموله بالعموم، او الاطلاق له، فلا اقلّ من عدم دلالته، على عدم جواز الرّجوع إليه، بحيث يكون رادعا، عما يحكم به العقل، من جواز الرّجوع إليه، في صورة الانحصار به و في صورة العلم بكون فتواه، مطابقا مع فتوى المجتهد المطلق و بعد عدم ورود، ردع من الشّارع، يكون حكم العقل متّبعا، فتكون النتيجة، هو التفصيل، بين ما يكون منحصرا بالمتجزّى، أو انّه و لو لم يكن منحصرا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 130

به، يعلم بكون فتواه، مطابقا مع فتوى المجتهد المطلق، فيجوز تقليده و بين ما لا يكون المجتهد منحصرا به، او يعلم باختلاف فتواه، مع فتوى المجتهد المطلق، أو يكون شاكا باختلاف فتواهما، فلا يجوز تقليده.

الشّرط الثامن: الحياة،

اعلم انّ الكلام، في هذا الشّرط، قد مضى في طىّ المسألة التاسعة، و نقول موجزا، بان الكلام، تارة يقع في جواز تقليد الميت ابتداء و تارة في جاز البقاء على تقليد الميت و في كلّ منهما يقع الكلام، تارة فيما يكون حكم العقل و تارة فيما يحكم به الشرع.

اما مقتضى حكم العقل، فهو جواز تقليد المجتهد، سواء كان حيا او ميّتا و سواء كان النّظر الى تقليده ابتداء، او بقاء، لانّ الميزان، رجوع الجاهل الى العالم و لا فرق في نظره بين الصّور.

و اما مقتضى حكم الشرع، امّا الكلام،

في جواز البقاء على تقليد الميت و عدمه.

فقد مرّ من جوازه، فيما يعدّ البقاء على تقليد الميّت و حيث انّه قد بيّنا، في المسألة الثامنة، انّ التقليد عبارة عن نفس العمل، على طبق رأى المجتهد، فيجوز البقاء في خصوص المسائل، الّتي عمل بها المقلّد، حال حياة المجتهد و في غير ما عمله، لا يجوز البقاء، لعدم صدق البقاء، و لعدم تحقّق التقليد الّا بالعمل.

و امّا الكلام، في جواز تقليد الميّت ابتداء و عدمه، فحيث انّه لا يوجد دليل لفظى، يدلّ على عدم جوازه شرعا، و ما كان في البين، ليس الّا الاجماع المدّعى، على عدم جوازه، فلاجله نقول بعدم جوازه و لو لاه، لا مانع من تقليد الميّت، ابتداء، لعدم فرق في نظر العقل، بين حياته و مماته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 131

الشّرط التاسع: الاعلميّة

و قد عرفت، بما لا مزيد عليه، في المسألة الثّانية عشر، بوجوب تقليد الأعلم في صورتين، صورة العلم، باختلاف فتواه مع غير الاعلم و صورة شكّه باختلاف فتواهما و امّا في صورة العلم، بعدم اختلافهما في الفتوى، فيجوز تقليد غير الاعلم، كما يجوز تقليد الأعلم.

الشّرط العاشر: طهارة المولد،

ما يمكن ان يستدلّ به على اشتراطه، فيه امور:

الاوّل: دعوى انّ ولد الزنا كافر.

الثّاني: دعوى الاجماع، على اشتراطه فيه.

الثّالث: كون ذلك منقصة و اىّ منقصة، نفهم من مذاق الشارع، عدم امكان جعل ولد الزّنا، في مقام الافتاء و المرجعيّة العظمى، كيف و بعد عدم تجويزه إمامة ولد الزّنا في الجماعة، كيف يجوّز مرجعيته.

و لو اشكل في الوجهين الاوّلين، يمكن القول باشتراطه فيه للوجه الثّالث.

الشّرط الحادى عشر: أن لا يكون مقبلا على الدنيا و طالبا لها،

مكبّا عليها، مجدّا في تحصيلها.

أقول: ان كان نظر المؤلف رحمه اللّه، عن ذكر هذا الشّرط، امرا غير العدالة و مرتبة اعلى منها، كما هو ظاهر جعله شرطا مستقلا، فلا دليل عليه، لانّ ما ذكره، هو جزء من الرواية المتقدمة ذكرها، في طىّ شرط العدالة، عن ابي محمد العسكرى عليه السّلام، فهى مضافا الى ما ذكر، من ضعف سندها، لا يستفاد منها، الّا اعتبار العدالة، لانّ قوله عليه السّلام «ان لا يكون مقبلا على الدّنيا الخ» عبارة اخرى، عمّا يشترط في الدالة، إذا كان النظر في اقبال الدنيا، الاقبال المذموم كما هو ظاهرها.

و ان كان النظر الى اشتراط العدالة، فهو تكرار و لا بأس بالاستدلال عليها؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 132

بهذه الرواية كما ذكرنا.

***

[مسئلة 23: العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات و تعرف بحسن الظّاهر الكاشف عنها، علما او ظنا و تثبت بشهادة العدلين و بالشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: الكلام في جهتين: الاولى في معنى العدالة: الثّانية فيما عرفت به العدالة.

و قبل التكلم في الجهتين، ينبغى أن يقال: ان ما يخطر بالبال، هو انّ البحث عن موضوع العدالة و ما يعرف بها و إن كان بحثا مفيدا لغير المورد، و لكن في خصوص المورد، لا معنى للبحث عنها، لعدم وجود هيئة، من هيآت مادة «ع د ل» بهيئة العدالة و لا بغيرها، في رواية مربوطة بما نحن فيه و لا فيه و لا في معقد اجماع.

بل غاية ما تشبثنا به على اعتبارها، في المجتهد، امّا ما قلنا من ان موقعيّة المجتهد و مقام الافتاء، موقعيّة لا تناسب مع المنقصة الدّينية، فلا يمكن الالتزام، بان الشارع، يجعل في

مقام الافتاء، من له منقصة دينية، باخراجه عن جادة الشّرع، بارتكابه الحرام، او تركه الواجب و في مقام التّعبير، يقال بمن يكون في جاده الشرع، غير منحرف عنها، انّه عادل، لانّ العدالة بمعناها اللغوى، هى الاستقامة، فالاستقامة على جادة الشّرع، هي العدالة، لانّ المستقيم، على جادة الشّرع، يصون نفسه و يحفظ دينه.

و اما بعض الروايات، مثل ما في رواية ابي محمد العسكرى عليه السّلام «من كان من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 133

الفقهاء صائنا لنفسه الخ» هو من يكون آتيا، بالواجبات و مجتنبا عن المحرمات و هذا معنى العدالة اللغوية لانّ المستقيم على جادة الشّرع، يصون نفسه و يحفظ دينه.

و الحاصل انه ليس في البين كلمة العدالة، حتى نبحث عما هو مفهومها و انّه هل هي عبارة عن الملكة، كما ترى في كلماتهم، او التّكلم في انه هل تكون لها، حقيقة شرعية أم لا، كما في التّنقيح، «1» بل من يأتي بالواجبات و يترك المحرّمات و ينهى نفسه عن هواه و يكون في طريق طاعة مولاه، يجوز تقليده، سواء كان ذلك عن ملكة باعثة على ذلك او لا؟.

نعم لو قلنا باشتراط العدالة، في المجتهد، من باب الاولويّة، بلحاظ اعتبارها في الشاهد و امام الجماعة، ففي المجتهد بطريق الاولى، فحيث انّ الشرط فيهما، العدالة بهذه الهيئة، فبعد اثبات الاولويّة اعتبار هذه الكلمة اى العدالة، فلا بدّ عن البحث فى موضوعها، إذا عرفت ذلك نقول:

اما الكلام في الجهة الاولى: [في معنى العدالة]

فنقول قد عرّفت العدالة بتعاريف:

احدها هو ما اختاره المؤلّف رحمه اللّه من انّها ملكة، اتيان الواجبات و ترك المحرّمات، او ملكة باعثة، على اتيان الواجبات و ترك المحرّمات و على اختلاف التعابير، جعل في هذا التفسير، العدالة الملكة

و دخلها فيها و الى هذا التعريف يرجع تعريفها، بانّها ترك المحرّمات و فعل الواجبات عن ملكة، لانّ في هذا لتعريف كسابقه، جعلت الملكة، دخيلة فيها، غاية الأمر، في التعريف الثّاني، جعلها الفعل الخارجى و هو فعل الواجبات و ترك المحرّمات و في التعريف الاوّل، جعل نفس الملكة عدالة و لكن اعتبر في كل منهما، أن يكون فعل الواجبات و ترك المحرّمات، عن

______________________________

(1) التنقيح مجلد الاجتهاد و التقليد ص 254.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 134

ملكة راسخة موجبة لذلك، فلا يكفى في كل منهما، في تحقّق العدالة، مجرّد فعل الواجبات و ترك المحرّمات، كما انه لا يكفى مجرّد الملكة و لو لم تبعث الى فعل الواجب و ترك الحرام، انّ فعل الكبيرة يضرّ بالعدالة.

ثانيها: انّها عبارة، عن نفس فعل الواجبات و ترك المحرّمات، بدون دخل الملكة فيها.

ثالثها: انّها عبارة عن حسن الظّاهر.

رابعها: انّها عبارة عن الاسلام و عدم ظهور الفسق في الخارج.

إذا عرفت ذلك، نقول أنّ العدالة، في اللغة الاستقامة و الاستقامة في كل شي ء بحسبه، فمعنى العدالة في الاخلاق و استقامتها، عدم انحراف صاحبها، عن حدّ التوسط و التحرّز عن الوقوع، في الافراط و التفريط، كما انّ العدالة في مقابل الجور، هو الاستقامة و عدم التعدّى و التجاوز و على هذا تكون العدالة في الدّين، الاستقامة فيه و عدم الانحراف، عن طريق الشّرع و هي تحصل بفعل الواجبات و ترك المحرّمات، و هل المعتبر، في العدالة بمعناها اللغوى و هي الاستقامة امرا آخرا، عند الشّرع و بعبارة اخرى، لها حقيقة شرعية، او متشرّعية أم لا.

قد يقال بانّ العدالة، في الشرع عبارة عن ملكة، تبعث صاحبها، على فعل الواجبات و ترك

المحرّمات و يستدلّ على ذلك بامرين:

الأمر الاوّل: انه مع الشّك في اعتبار الملكة و عدمها في العدالة، فمهما تكون الملكة موجودة و كون فعل الواجبات و ترك المحرّمات، عن الملكة، يترتّب الأثر المترقب عليها و اما لو ترك المحرّمات و اتى بالواجبات، مع عدم تحقق الملكة، فيشكّ، في انّه هل يترتب آثار العدالة، أم لا؟ فالأصل عدم ترتّب الأثر عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 135

و فيه أنه بعد كون معنى العدالة، مبينا في اللّغة و هو الاستقامة و تكون الاستقامة في الدّين، المشى في سبيله، باتيان الواجبات و ترك المحرّمات، فإذا شككنا في تقييدها بالملكة و عدمه، فببركة الأصل، نحكم بعدم تقييدها بها، مضافا الى أنّ مفهومها، لو فرض إجماله، لا يضرّ لنا، لانّه بعد كون تخصيص العام، و هو العموم الدّال على وجوب الرّجوع الى المجتهد، او حجّية قوله بالدّليل المنفصل، فلا يوجب إجماله، لاجمال العامّ، بل في الزائد على القدر المتيقن من التخصيص، يكون المرجع عموم العام، للزوم الاقتصار، على القدر المتيقن و في المقام يكون الأمر كذلك، لانّ تخصيص حجّية فتوى المجتهد، بصورة العدالة، يكون بالدّليل المنفصل فافهم.

أقول اعلم انّ هذا الوجه و كذا جوابه، يفيد فيما لا يكون في البين، دليل لفظىّ يقتضي اعتبار الملكة، او يقتضي عدم اعتبارها، امّا مع قيام الدّليل اللّفظى على احد الطّرفين، لا تصل النّوبة بالاصل و لا بجوابه.

الأمر الثّاني: دعوى دلالة بعض الاخبار عليها:

منها ما رواها ابو علي بن راشد، قال قلت لابي جعفر عليه السّلام ان مواليك قد اختلفوا، فاصلى خلفهم جميعا، فقل لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه «1».

و مثلها رواية اخرى الواردة في صلاة الجماعة «2».

و هل

المراد من الرواية، كون الشخص موثوقا به، من حيث العمل بالوظائف، او المراد كونه موثوقا به، في ولايته و تكون في مقام النهى عن الصلاة، خلف المخالف و عدم جواز الاقتداء به، لعدم قابليّته لامامة الجماعة، كما يستفاد ذلك، من بعض اخبار الباب.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 136

و على كلّ حال ليس فيهما، ما يدلّ على اعتبار العدالة، حتّى بعد اعتبارها، نبحث في انّ المعتبر فيها، الملكة او لا؟.

منها ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور، قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، بم تعرف عدالة الرّجل، بين المسلمين، حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم، فقال أن تعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللّسان و يعرف باجتناب الكبائر، الّتي عد اللّه عليها النّار او من شرب الخمر و الزّنا و الرّبا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدّلالة على ذلك كلّه، أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و اظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد، للصّلوات الخمس، إذا واجب عليهنّ و حفظ مواقيتهن، بحضور جماعة من المسلمين و أن لا يتخلّف عن جماعتهم، في مصلّاهم الّا من علّة، فإذا كان كذلك لازما لمصلّاه عند حضور الصّلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته، قالوا ما رأينا منه الّا خيرا، مواظبا على الصّلوات، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فانّ

ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك انّ الصّلاة ستر و كفّارة للذّنوب و ليس يمكن الشهادة على الرجل، بانّه يصلّى إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين و انّما جعل الجماعة و الاجتماع الى الصّلاة، لكى يعرف من يصلّى ممن لا يصلّى و من يحفظ مواقيت الصّلاة، ممن يضيّع و لو لا ذلك، لم يكن احد ان يشهد على آخر بصلاح، لانّ من لا يصلّى، لا صلاح له بين المسلمين، فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، همّ بأن يحرق قوما في منازلهم، لتركهم الحضور لجماعة المسلمين و قد كان فيهم، من يصلّى في بيته، فلم يقبل منه ذلك و كيف يقبل شهادة او عدالة بين المسلمين، ممن جرى الحكم، من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله، فيه الحرق في جوف بيته بالنّار و قد كان، يقول لا صلاة لمن لا يصلّى في المسجد مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 137

المسلمين الّا من علّة» «1».

وجه الاستدلال، امّا دعوى، انّ ظاهر قول السائل «بم تعرف عدالة الرجل» و ان كان السّؤال، عن مفهوم العدالة، لكن بعد ما يكون ظاهر جواب الامام عليه السّلام، في قوله «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف، يدلّ على كون العدالة ملكة، لعدم قابليّة جعل السّتر و العفاف، الذين من الملكات، طريقا الى شي ء آخر، يكون هذا الشّي ء، مفهوم العدالة، لانّه ليس ما وراء الملكة، امرا آخرا، يكون هو العدالة و هاتان الصفتان و الملكتان تكونا معرّفين طريقين إليه، لانّه لم يقل انّ العدالة، آمر آخر، فلا بدّ من حمل السّؤال، بقرينة ظاهر الجواب، عن مفهوم العدالة، فالسّائل، سئل عن

مفهومها، بقوله بم تعرف العدالة» و الامام عليه السّلام أجاب بانّ العدالة، عبارة عن الستر و العفاف و هما من الملكات و من «كف البطن و الفرج و اليد و اللسان» و هي من سنخ الأفعال و يكون قوله عليه السّلام بعد ذلك، «و يعرف باجتناب الكبائر الخ» أيضا، جزء الجواب، عن مفهوم العدالة، و قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كله الخ» يؤيّد، او يدلّ على انّ السّؤال و الجواب، أوّلا عن مفهوم العدالة ثمّ هذه الجملة، اى جملة «و الدّلالة على ذلك كله الخ» بظاهرها، تكون طريقا، الى ما ذكر من بيان المفهوم و لو جعل قوله عليه السّلام في صدر الرواية «ان تعرفوه الخ»، بيان معرّف العدالة، فكان اللازم أن يكون قوله عليه السّلام، بعد ذلك «و الدلالة على ذلك كله الخ» طريقا آخرا، او طريقا، الى طريق و هو خلاف الظّاهر، فالظّاهر، المناسب، كون الجملة الاولى: بيانا لمفهوم العدالة و الثّانية بيان الطّريق، الى هذا المفهوم.

و امّا دعوى انّ الظاهر من السّؤال و هو قوله «بم تعرف العدالة» سؤالا، عن الحدّ الحقيقى، المنطقى، للعدالة، فيكون جواب الإمام عليه السّلام في قوله «ان تعرفوه الخ»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 138

طبعا، جوابا عن مفهوم العدالة و حدّها، و الفرق بين هذا الدّعوى و بين الدعوى الاوّل، هو انّه في الاوّل، لا ينكر المدّعى، كون الظّاهر من السؤال، في حد ذاته، عن المعرّف و طريق العدالة، بعد تبيّن مفهومها، في نظر السّائل و لكن بقرينة جواب الامام عليه السّلام، من ذكر ما لا يمكن جعله طريقا، يدّعى بانّ

الجواب عن المفهوم و يحمل السؤال، بقرينة الجواب، على السؤال عن مفهوم العدالة، لكن في الدعوى الثّاني، يدّعى ظهور نفس السؤال، فى السؤال عن الحدّ و مفهوم العدالة و كذا جواب الامام عليه السّلام، يكون عن سؤال الحدّ و المفهوم.

و على كلّ حال يتوقف الاستدلال، على كون النظر في قوله عليه السّلام «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» الى أنّ واجد العدالة، يكون صاحب ملكة السّتر و العفاف و بعد كون المراد، من الستر لغة التغطية و العفة، فتكون الملكة معتبرة في العدالة.

و قد اورد على الاستدلال أوّلا، بضعف سندها و ثانيا بانّ الظاهر من السؤال و الجواب، كون النظر الى ما يعرف به العدالة، لا الى مفهومها و بعبارة اخرى، ليس السؤال عن الحدّ المنطقى، كما هو الظاهر في امثال العبارة الواقعة، في السؤال و الجواب، لا لما قيل من انّ المعرّف المنطقى، من المصطلحات المستحدثة، في المنطق و لم يتعاهد ذلك، من كلام السائل.

لانّ هذا كلام غير تمام، إذ كون المعرّف و تقسيمه بالحدّ و الرّسم و اصطلاحه مستحدثا، لا يوجب عدم وجود حقيقتها، في عرف السائل، لانّ المنطق و حقيقته، يكون معهودا عند الناس و لو لم يكن في قالب الاصطلاح و لا يبعد أن يسأل الشخص، عن حقيقة الشّي ء من حدّه، او رسمه و لو لم يقف على ما هو المصطلح، عند اهل فنّ المنطق، من القواعد كالحدّ و الرسم، مضافا الى أنّ هذه الاصطلاحات، لم يحدث بعد صدور الرواية، فيمكن وقوف السائل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 139

بل لما قلنا من انّ الظاهر، من السؤال و الجواب، إذا عرض على العرف، يفهم العرف، أنّ النظر، بعد تبيّن

مفهوم العدالة عنده و هو الاستقامة و عدم الاعوجاج عن جادة الشّرع، يكون إلى ما يعرف به هذا المفهوم، كما انّه ربما لا ينكر الخصم، هذا الظّهور كما بيّناه، في وجه الاستدلال بالتقريب الاوّل و لا دافع لهذا الظّهور، الّا ما قيل من انّه، بعد جواب الامام عليه السّلام، بقوله «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» مع كونهما من الملكات، لا بدّ أن تقول، امّا بانّ السّتر و العفاف الخ، هو العدالة، فمعنى كونهما العدالة، هو انّ العدالة الملكة و امّا بأن تقول، انّ الستر و العفاف، مع كونهما ملكة، مع ذلك هما معرّفان لشي ء آخر، يكون هو العدالة، فيقال، انّه مع عدم تعقّل امر آخر ما وراء الملكة، حتّى تكون ملكة السّتر و العفاف، معرّفة له و لا يلتزم به، القائل بعدم اعتبار الملكة، كما لا يلتزم به، القائل باعتبار الملكة في العدالة، فلا بدّ من أن يقال، انّ حاصل السؤال، مع ضمّه بما ذكر في الجواب، يرجع الى بيان، نفس مفهوم العدالة، لا الى ما يعرف به العدالة و بعد كون النظر الى مفهومها، فمفهومها، حيث يكون من سنخ الملكة، فيعتبر في العدالة الملكة.

و في جواب ذلك، نقول بعونه تعالى، امّا أوّلا، ان كون الستر و العفاف، من الصفات النفسانيّة غير معلوم، بل معلوم العدم، لانّ الستر بمعنى التغطية و المراد به، امّا انه ساتر لعيوبه، كما يشهد به قول عليه السّلام في الخبر «و الدلالة على ذلك، كلّه ان يكون ساترا لجميع عيوبه الخ» و امّا انّ المراد انّه مستور عند النّاس، بمعنى عدم تجاهره بالمعاصي و السيئات و كلّ منهما يكون من سنخ الافعال.

و كذلك العفاف، لانّ معنى كون الشخص، ذا عفة،

كونه ممتنعا، عمّا لا يحلّ عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 140

و هذا الجواب ذكره، بعض شرّاح العروة «التنقيح» «1» الا ما ذكرته بعنوان الشاهد، من دلالة قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كلّه، أن يكون سترا لجميع عيوبه».

و لكن ما يأتي بالنظر، عدم تماميّة هذا الجواب، لانّ معنى كون الشخص، ساترا او عفيفا، هو واجديته لملكة الستر و العفاف و أثرها حفظ نفسه، عن العيوب فى نفسه، او عند الناس، او ترك ما لا يحلّ له و لهذا كما اعترف المجيب، يكون قوله عليه السّلام «و الدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه» طريقا إليها، فله ملكة الستر، تبعثه إلى ان يستر جميع عيوبه.

و ثانيا: سلّمنا، كون الستر و العفاف، من الصفات النفسانية و لكن ما صرح في الحديث «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف» و عرفان الشخص بالسّتر و العفاف، يكون طريقا إلى العدالة و عرفانه بهذه الصفة، ليس من الصفات النفسانية، بل يحصل بترك المحرّمات و فعل الواجبات و السّتر عن الناس، او عن العيوب و على كلّ حال يكون من سنخ الافعال.

و ثالثا: كما ترى جعل عليه السّلام المعرّف «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللّسان الخ» و لا اشكال في كون كفّ البطن و اخواته من سنخ الافعال و يكون مقتضى، ما يدّعى المستدلّ بالحديث، على اعتبار الملكة، كون العدالة، عبارة عن الملكة و ان كان هذه الفقرة، في مقام بيان مفهوم العدالة، يلزم ان يكون كفّ البطن و اخواته، جزء مفهوم العدالة و الحال ان المدّعى، يدّعى انّها عبارة عن ملكة، تنبعث صاحبها الى كف البطن و

الفرج و اليد و اللسان، فمن هنا، نكشف ان كلّ هذه الاشياء، كاشف للعدالة و طريق إليها و العدالة مفهومها، غير هذه الاشياء و هو الاستقامة و ان فرض كون الستر و العفاف من الملكات، لما قلنا من انّ موضوع

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 266.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 141

الكلام، هو عرفان الشخص بالسّتر و العفاف من الملكات.

و رابعا كما قلنا ان العدالة، عبارة عن الاستقامة لغة و معنى الاستقامة في الدين، كون الشخص في جادة الشرع و هذا المقدار، معلوم عند السائل، لكن السائل لا يدرى، ما هو اثرها الخاصّ في الخارج، بحيث يكون كاشفا قطعيا لها، حتّى به يعرف العدالة، و الامام عليه السّلام و ان جعل عرفانه بالسّتر و العفاف طريقا و الحال انّها من الملكات و الصفات النفسانية، لكن لا ينافي ذلك كونهما، طريقا الى مفهوم العدالة، لانه ربما يكون ترك المحرمات، او فعل الواجبات، عادة و خلقا لأحد و مع ذلك لا يكون ذلك، من جهة الديانة و الخوف عن اللّه تعالى، بل لبعض دواع آخر، مثل صيرورته محبوبا عند الناس، و اما كون ذلك، اى هذه الاستقامة من ترك الحرام و فعل الواجب للّه تعالى، لا يعلمه الا هو، فجعل هذه الاوصاف، طريقا تعبّديا، من ناحية الشارع و الحاصل انه لا ينافي كونهما، ملكة، مع كونهما طريقا، كما ذكر في وجه الاستدلال، من انّه لا نعقل امرا آخرا، ما وراء الملكة، يسمى عدالة، بل يمكن كونهما طريقا، مع فرض قبول كونهما من الملكات، و هذا الوجه ذكره شيخنا الاستاد آية اللّه الحائرى اعلى الله مقامه، ردّا على من يحمل الكلام، على التعريف المنطقى، في

كتاب صلاته.

أقول لكن هذا الوجه، لا يثبت انّ العدالة مجرّد ترك الحرام و فعل الواجب، بدون كونه منبعثا عن الملكة، لانّ غاية ما يثبت هذا البيان، كون السّتر و العفاف، طريقا الى العدالة و هى الاستقامة و امّا بعد قبول كونهما من الملكات، فلا بدّ من وجود الملكة، في تحقّق العدالة، امّا لكون نفسها الملكة، و امّا لكون طريقها الملكة، بل يمكن ان يقال، بعد اعتبار الملكة في طريقها و كاشفها، فمن المسلّم، اعتبرت الملكة في نفسها، فهذا الوجه لا يكفى، لردّ من يقول بانّ العدالة الملكة، فالعمدة في كون السؤال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 142

و الجواب عن الكاشف و طريق العدالة، الجواب الثّاني و الثالث.

و امّا ما قيل، منه انّه لو جعل قوله عليه السّلام، ان تعرفوه الخ طريقا ينافي مع كون قوله عليه السّلام، بعد ذلك «و الدّلالة» على ذلك كله الخ» طريقا، لانّ الطريق بعد الطريق، خلاف الظّاهر.

ففيه انّه بعد كون الظّاهر المتعيّن، كون الجملة الاولى طريقا، لما عرفت، من الوجوه، فتحمل الجملة الثانية، على انّها طريق بعد الطريق.

و لعلّ وجهه، انّ فهم العدالة، من الطريق الاوّل، يكون محتاجا، إلى معاشرة تامّة، فللتسهيل جعل طريقا آخر و هو كونه ساترا لعيوبه، بين أظهر الناس، فجعل ستره في الملأ، طريقا على عدم كونه، على خلاف جادة الشّرع مطلقا، حتّى في السّر، كما انّه جعل طريقا ثالثا، لمن لا يكون معاشرا مع الشّخص، الّا في اوقات الصلاة و هو حضوره عند الصلاة في الجماعة و مواظبته لها، طريقا الى عدالته.

و مما مرّ يظهر لك فساد ما قيل، من انّ قوله عليه السّلام «ان تعرفوه» ان كان طريقا، لا يناسب

مع كون قوله عليه السّلام «الدلالة على ذلك الخ» طريقا، لانّه ان كان الثاني طريقا آخرا، فيكون لها طريقان، فبعد كون الاوّل أخصّ، يكون الطّريق الثّاني لغوا.

و ان كان طريقا، الى الطريق الاوّل، فمع بعده، ينافي مع قوله عليه السّلام «و يجب عليهم تذكيته و اظهار عدالته» فان ظاهره، انّ هذا طريق الى العدالة، لا طريق الى، طريق العدالة.

وجه الفساد امّا أوّلا: فلانّه لا مانع، من كون الثّاني طريقا آخرا، فيكون لها طريقان، و ليس الاوّل اخصّ من الثّاني، إذ قوله عليه السّلام «و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا، لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين، ما وراء ذلك الخ» ليس أعمّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 143

من الاوّل، بل من يكون سترا لجميع عيوبه بحيث يحرم على المسلمين، ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، فهو يلازم، مع كونه من اهل السّتر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و مجتنبا للكبائر.

و ثانيا: لا مانع من كون قوله عليه السّلام «الدّلالة الخ» طريقا على الطّريق الاوّل، لما قلنا، من أنّ فهم كون الشّخص، من اهل السّتر و العفاف، حيث يكون محتاجا الى معاشرة تامّة، جعل له طريقا و هو كونه سترا لجميع عيوبه، لانّه إذا لم ير منه، ما ينافى السّتر عن العيوب، يكشف عدالته و السّر في قوله عليه السّلام، بعد ذكر الطّريق الثّاني «و يجب عليهم تذكيته و اظهار عدالته» لعلّه ما قلنا، من انّه و لو لم يعاشر معه معاشرة تامة، يظهر له حاله من السّتر و العفاف، لكن مجرّد ما يرى من انّه، يستر عيوبه، كاف في الحكم بتذكيته، و اظهار

عدالته و على هذا لا مجال للتمسّك، بكون الجملة الأولى، بيان مفهوم العدالة و الثانية طريقها، بدعوى انّ ظاهر قوله عليه السّلام «يجب عليهم تذكيته الخ» كونه طريقا، الى العدالة لا طريقا الى طريقها، لما قلت من انّه بعد ما جعل الطّريق الثّاني، لمصلحة التّسهيل، فقوله فيجب عليهم تذكيته» راجعا الى طريق الطّريق، لا الى نفس الطّريق و لا يكون خلاف الظّاهر.

و في الباب المذكور و غيره، يوجد بعض الاخبار، يكون شاهدا على عدم اعتبار الملكة في العدالة فراجع.

فاذا نقول الاقوى القول الثّاني و هو تحقّق العدالة، بمجرّد فعل الواجبات و ترك المحرمات لانّ كون الشّخص اهل السّتر و العفاف الخ و بعبارة اخرى، كما في الحديث، يكون ساترا لعيوبه، يحصل بفعل الواجبات و ترك المحرمات و ان قلنا، بانّ الرّواية ضعيفة السّند و ليس فيها، مقتضى الحجّية، فأيضا نقول، بانه بعد ما كانت العدالة لغة الاستقامة، فالعدالة في الدين، عبارة عن الاستقامة، في طريق الشّرع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 144

و مقتضاه اطاعة اللّه تعالى، بفعل الواجبات و ترك محرماته و لا يأتي بالنّظر دخل أمر، ازيد من ذلك، تسمّى بالملكة

و لا تقل بانّه ليس في الحديث، ذكر من فعل الواجبات، بل ما ذكر فيه ليس الّا ترك الكبائر.

لانّه نقول أوّلا كما قيل، يكون ترك الواجبات من الكبائر أيضا.

و ثانيا كون الشّخص ساترا لجميع عيوبه يقتضي فعل الواجبات و عدم تركها لانّ تركها، من اعظم العيوب، فكيف يمكن الالتزام، بعدم دخل فعل الواجبات في العدالة.

و هل المعتبر، ترك جميع المحرمات كبيرة كانت او صغيرة، كما هو ظاهر كلام المؤلّف رحمه اللّه او المعتبر ترك الاصرار على الصّغيرة فقط و

لا يضرّ فعلها، مع عدم الاصرار:

الاقوى اعتبار ترك المحرّمات صغيرة كانت او كبيرة، لانّ قوله عليه السّلام في الحديث المذكور «ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و كف البطن» الخ، يشمل الصغيرة، فمن لا يحفظ نفسه عن فعل الصغيرة، ليس من اهل السّتر و العفاف، فمن نظر مثلا لى الاجنبية فهو و ان لم يكن من الكبائر الّتي او عد اللّه عليه النّار و لكن مع ذلك ليس، من اهل الكفّ عن الفرج و كذا ليس ساترا لجميع عيوبه، فالصّغيرة عيب و نقص.

و اما مع قطع النّظر عن الحديث، فنقول بانّه بعد ما عرفت من انّ العدالة، الاستقامة، و الاستقامة في الدّين، الاستقامة في جادة الشرع و من ارتكب الحرام، صغيرة او كبيرة، فهو غير مستقيم في صراط الشّرع و يكون معوّجا عن جادّته.

و ما تمسّك به على مانعيّة خصوص الاصرار في الصغيرة للعدالة، ليس بتمام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 145

و تمام الكلام إن شاء اللّه في باب الصلاة و الشهادات.

و اما دخل ترك خلاف المروّة في العدالة و عدمه، فمع فرض عدم كون فعل خلاف المروة حراما، لم أروجها لدخله في العدالة، لما عرفت من انّ المعتبر، الاستقامة في جادة الشرع و من يأتى بفعل على خلاف المروّة، مع عدم كونه حراما، لا يكون منحرفا عن طريق الشرع.

و ما قيل في وجه اعتباره، تار بانّ قوله عليه السّلام في الخبر المتقدّم ذكره «و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون سترا لجمع عيوبه الخ»، ظاهره اعتبار كونه سترا لجميع عيوبه و العيب أعمّ من العيب الشّرعى و العرفى.

ففيه أنّ الامام عليه السّلام بمقتضى شارعيّته و وظيفته، ليس الّا في مقام بيان

الحكم الشّرعى، لا غير ذلك، فليس إلّا في مقام بيان ما هو عيب شرعا و امّا العيب العرفى، ليس هو في مقامه و هذا معنى اقتضاء تناسب الحكم و الموضوع.

و تارة بان من لا يستحى من الناس لا يستحيى من اللّه و فيه عدم الملازمة.

الجهة الثانية: فيما يعرف به العدالة

و هي على ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه امور:

الاوّل حسن الظّاهر الكاشف عنها، علما او ظنّا، فالكلام في موردين:

المورد الاوّل: في طريقيّة حسن الظّاهر و كاشفيته عن العدالة.

المورد الثّاني: في انّه، بعد كونه طريقا، هل تكون طريقيته، في صورة يوجب العلم او الظّن بها، او هو حجّة و لو لم يوجبهما، بل و ان كان الظّن الغير المعتبر على خلافه.

امّا الكلام في المورد الاوّل، فنقول لا اشكال في الجملة في كاشفية حسن الظاهر، اذ لا يعلم باطن الشخص الا اللّه خصوصا، فكيف يمكن الطريق بوجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 146

الملكة، بناء على اعتبارها في العدالة الّا بحسن الظاهر.

و يستدل عليه ببعض الاخبار:

منها رواية ابن ابي يعفور المتقدم ذكرها، ففيها قال عليه السّلام «الدلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا لجميع عيوبه الخ و هذا معنى حسن الظّاهر.

منها ما رواها عبد اللّه بن المغيرة، قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام، «رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين، قال كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته» و معنى معروفيته بالصّلاح، هو حسن الظّاهر له «1».

منها ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال «لا بأس بشهادة الضيف، إذا كان عفيفا صائنا» «2». و بعد معلوميّة اعتبار العدالة، يكون مفاد الحديث و اللّه اعلم كون عفته و صيانة نفسه

كاشفا عن وجود العدالة و من يكون صائن النفس، يكون له حسن الظّاهر.

منها ما رواها عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل محسن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين، ليس يعرفون بشهادة الزور، أجيزت شهادتهم جميعا الخ» «3».

و محلّ الاستشهاد قوله عليه السّلام «ليس يعرفون بشهادة الزور» و هو دليل على حسن ظاهرهم و غير ذلك، ممّا يستفاد منه كفاية حسن الظّاهر.

المورد الثّاني، هل يكون حسن الظّاهر معتبرا في خصوص ما يوجب العلم، او الظّن بالعدالة، أو هو كاشف و معتبر و لو لم يحصل منه العلم و لا الظّن، بل هو معتبر

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3) الرواية 17 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 147

حتّى في صورة الشّك، او يكتفى بحسن الظّاهر و إن كان ظانا بمخافة حسن ظاهره مع باطنه.

أقول امّا عدم اعتبار حصول العلم، او الظّن منه بالعدالة، فلانّ ما عرفت من الدّليل، جعل حسن الظّاهر كاشفا بنحو الاطلاق و إطلاقه يقتضي، كاشفيته حتّى فيما لا يحصل منه العلم و لا الظّن بالعدالة، فلا وجه لتقييد ما دلّ من الأخبار، على كاشفية حسن الظاهر، بصورة حصول العلم او الظّن بالعدالة.

و امّا ما قيل او يمكن أن يقال، بدلالته، على كاشفية حسن الظاهر منها في صورة حصول الظّن منه بها بعض الرّوايات منها ما رواها ابو علي بن راشد، قال قلت لابي جعفر عليه السّلام انّ مواليك قد اختلفوا، فاصلّى خلفهم جميعا، فقال لا

تصلّ الّا خلف من تثق بدينه» «1».

بدعوى دلالة الرواية، على اعتبار الوثوق بالعدالة، فحسن الظاهر كاف إن كان موجبا للوثوق و الّا فلا.

و فيه أوّلا انّ الرواية ضعيفة السّند لانّ في طريقها، سهل بن زياد.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 147

و ثانيا كما قلنا سابقا، الظّاهر من الرواية كون السؤال و الجواب، عمّن يصلّى خلفه، من اهل الولاية و غيره، فقال صلّ خلف من تثق بدينه، أي بايمانه و ولايته.

و ثالثا اعتبار الوثاقة في الدّين و هو كما يعترف به المستدلّ، عبارة أخرى عن العدالة، فهذه الرواية، مما يعتبر العدالة، ان كان المراد من الوثاقة، العدالة، او يعتبر مجرّد الوثوق في الدّين و لو لم يبلغ حدّ العدالة و هذا لا ينافي مع ما يكون كاشفا للعدالة أو الوثاقة في الدّين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 148

منها مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البيّنة، إذا اقيمت على الحقّ، أ يحلّ للقاضى، أن يقضى بقول البيّنة، فقال خمسة أشياء يجب على الناس، الأخذ فيها، بظاهر الحكم، الولايات و المناكح و الذبايح و الشهادات و الانساب، فإذا كان ظاهر الرّجل، ظاهرا مأمونا، جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «1».

وجه الاستدلال أنّ كون الظّاهر مأمونا، معناه كونه مطابقا للواقع.

و فيه مع قطع النّظر عن السند و ارساله، لما يقال من أنّ مرسلات يونس بحكم المسندات:

انّ ظهور لو لم يكن دليلا، على اعتبار حسن

الظّاهر، حتّى فيما لا يحصل منه الظّن، لانّ معنى كونه في الظّاهر مأمونا، عبارة اخرى عن حسن الظاهر و لا يسأل عن باطنه.

و فلا اقلّ، انّ حسن الظّاهر، كاشف عن العدالة، سواء حصل منه العلم، او الظّن بها أو لا.

و هل يضرّ الظّن الغير المعتبر بالخلاف، او لا؟ لا يبعد عدم كونه مضرّا بكاشفية، حسن الظّاهر و طريقيته للعدالة.

الثّاني مما يعرف به العدالة البينة، امّا أوّلا فلعموم دليل حجّيتها، كما عرفت في المسلة 20.

و أما ثانيا بعض الاخبار الواردة في المقام، اى في باب الشهادة:

منها ذيل رواية ابن ابي يعفور المتقدّمة ذكرها، ففيها قال عليه السّلام «فإذا سئل عند

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 149

في قبيلة و محلّته، قالوا ما رأينا منه الّا خيرا الخ» بعد ضمه بالاجماع، على عدم اعتبار أكثر من البيّنة، تدلّ على حجّية البيّنة.

منها ما رواها جابر عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «شهادة القابلة، جائزة على انّه استهل او، برز ميّتا إذا سئل عنها فعدلت» «1».

و المراد من التعديل تعديلها بالبينة.

منها ما رواها علقمة، قال قال الصادق عليه السّلام و قد قلت له يا بن رسول اللّه اخبرني، عمن تقبل شهادته و من لا تقبل، فقال يا علقمة كلّ من كان على فطرة الإسلام، جازت شهادته، قال فقلت له، تقبل شهادتة مقترف بالذّنوب، فقال يا علقمة، لو لم تقبل شهادة المقترفين للذّنوب، لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام، لانّهم المعصومون، دون ساير الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا، او لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من اهل العدالة الخ» «2».

و هذه الرواية

و ان وردت في قبول البيّنة، في الشهادة على الفسق، لكن يتعدّى منها الى الشهادة بالعدالة، امّا بالفحوى و امّا لعدم الفصل بين الفسق و العدالة.

الثّالث مما يرف به العدالة، الشّياع المفيد للعلم و هو حجّة، من باب انّ العلم حجّة، من اىّ طريق حصل.

و لم يذكر المؤلّف رحمه اللّه، العلم من جملة ما يعرف به العدالة و الحال انّه طريق إليها و لعلّه كان عدم ذكره، من أجل وضوح حجّية العلم و طريقيته.

***

______________________________

(1) الرواية 38 من الباب 24 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 150

[مسئلة 24: إذا عرض للمجتهد، ما يوجب فقده للشّرائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: إذا عرض للمجتهد، ما يوجب فقده للشّرائط، يجب على المقلّد العدول إلى غيره.

(1)

أقول: مقتضى القاعدة، جواز البقاء، في المسائل الّتي، عمل بها المقلّد، حال جامعيته للشّرائط، بناء على كون التقليد، نفس العمل، كما اخترناه و اما تقليده الابتدائى، فلا يجوز، لعدم واجديته للشرائط، على الفرض، مثلا من صار مجنونا، فلا يجوز تقليده ابتداء.

و اما وجه وجوب العدول منه، حتّى فيما عمل به، حال واجديته للشّرائط:

اما دعوى الاجماع، على وجوب العدول.

و اما ما قيل من انّه، مع فقد بعض الشرائط، مثل ما إذا عرضه الجنون، أو غير ذلك، يحصل له منقصة، فعلم عدم رضاء الشّارع، بالرّجوع الى صاحب المنقصة، حتّى بقاء، فضلا عن الرّجوع إليه ابتداء.

و نحن و إن لم نحصّل الاجماع، و لا نطمئن بانّ وجود المنقصة، كالكفر العارض، او الجنون الطّارئ عليه، او غيرهما، يوجب عدم صلاحيته، حتّى لان يبقى المقلّد، على ما عمل بفتواه، حال واجديته لشرائطه، عند الشرع و لكن مع ذلك، نقول لاجل هذا

الدّعوى، بكون العدول أحوط.

***

[مسئلة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزّمان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزّمان، كان كمن لم يقلّد اصلا، فحاله حال الجاهل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 151

القاصر، او المقصّر.

(1)

أقول: امّا كونه كمن لا يقلّد، فهو لأجل، بطلان تقليده على الفرض.

و اما انّ حاله، يكون حال الجاهل القاصر، فهو فيما كان تقليده و الرّجوع إليه، عن قصور مثل ما إذا قلّده، بشهادة البيّنة، فثبت خلافها.

و اما كون حاله، حال الجاهل المقصّر، فهو فيما كان مقصّرا في الرّجوع و قد مضى حكم الجاهل القاصر و المقصّر في المسألة 7 و 16.

***

[مسئلة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء، على تقليد الميّت، فمات و قلّد من يجوّز البقاء، له ان يبقى على تقليد الاوّل، في جميع المسائل، الّا مسئلة حرمة البقاء.

(2)

أقول: مضى في المسألة 15 وجهه و هو أنّه بعد ما يحرّم المجتهد، الّذي مات، البقاء، لا معنى للبقاء، على تقليد الميّت، في هذه المسألة، مستندا على فتوى الحىّ، بالجواز، حتّى لو فرضنا، عدم اشتراط العمل في البقاء، لانّه يلزم من وجوده العدم، لانّ معنى الرّجوع إليه، الرّجوع إليه، في حرمة البقاء، فيلزم الخلف.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 152

[مسئلة 27: يجب على المكلّف، العلم بأجزاء العبادات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: يجب على المكلّف، العلم بأجزاء العبادات و شرائطها، و موانعها و مقدّماتها، و لو لم يعلمها، لكن علم اجمالا، أنّ عمله، واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع، صحّ و إن لم يعلمها تفصيلا.

(1)

أقول: وجهه، حكم العقل، بعد العلم الاجمالى، بانّ ما أوجب عليه، من العبادات، له بعض الاجزاء و الشّرائط و المقدّمات و الموانع، أن يقطع، بفراغ الذمة، و طريق العلم به، إمّا بالاجتهاد و إمّا بالتقليد و إمّا بالاحتياط.

و ما قاله المؤلّف رحمه اللّه «و لو لم يعلمها، لكن علم اجمالا، انّ عمله، واجد لجميع الأجزاء و الشرائط، و فاقد للموانع، صح و إن لم يعلمها تفصيلا هو طريق الأخذ بالاحتياط.

و ما قلنا، من وجوب العلم، بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها، كما قال المؤلّف رحمه اللّه يكون النّظر، الى وجوب ذلك في الجملة يعنى بعد وجوب العبادة، على المكلّف، يجب العلم باجزائها الخ، فالبحث من انّ العلم بها، متى وجب و يكون بعد وجوب نفس العبادة و التّكلم، في انّها، قبل مجي ء

وقت وجوب الواجب، او تحقق شرطه، مع العلم، بعدم التّمكن، من تحصيلها، بعد الوقت، هل يجب تحصيلها، أو لا، لا مورد له، كما أنّ ما ذكر من الوجه، لوجوب تحصيلها، قبل الوقت، غير خال عن الإشكال، بعد عدم تصويره، الوجوب النّفسى، للتّعلم، بل هو كرّ، على ما فرّ منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 153

[مسئلة 28: يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو، بالمقدار الّذي، هو محلّ الابتلاء غالبا، نعم لو اطمئنّ، من نفسه، انّه لا يبتلى بالشّك و السّهو، صحّ عمله و إن لم يحصّل العلم، باحكامهما.

(1)

أقول: سبق وجه الوجوب، في المسألة السّابقة، و لو اطمئن بعدم الابتلاء لا يجب تعلّم احكام الشّك و السّهو، لانه بعد عدم كون وجوب تعلّمهما نفسيّا، فلا يجب مع الاطمينان، بعدم الابتلاء بها

و اما ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من اختصاص، وجب التّعلم، بما هو مورد الابتلاء غالبا، فلا وجه له، لعدم الفرق، في حكم الفعل، بين ما يبتلى به غالبا، و بين غيره، كما انّ هنا كلاما، في أنّ العقل الحاكم، بوجوب تعلّم احكامهما، في اىّ وقت يحكم، بوجوب التّعلم، فهل يحكم به، حتّى قبل الوقت، أو في خصوص بعد الوقت، او يجب التعلم، قبل الوقت، فيما إذا يعلم، بعدم تمكّنه، من التّعلم بعد الوقت، فليس المقام، مقام التعرض له، كما قلنا في المسألة السّابقة، بل ما يكون مورد الكلام، في المقام، هو وجوب تعلّم احكامهما، في الجملة.

و ما قلنا، من وجوب تعلّم مسائلهما، مختص بما إذا لم يتمكن، من الاحتياط و امّا لو تمكّن منه، مثل ما لو جوزّنا قطع الصّلاة، في مورد الشّك و السّهو، فهو متمكّن من الاحتياط،

بقطع الصّلاة و اتيانها ثانيا، فلا يجب في الفرض، التّعلم بالوجوب التعيينى، بل يتخيّر بينه و بين الاحتياط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 154

[مسئلة 29: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات بل يجب تعلّم حكم كل فعل يصدر منه سواء كان من العبادات او المعاملات او العاديّات.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصّورة الاولى: انّه كما يحتمل استحباب الشّي ء، او كراهته، او اباحته، يحتمل وجوبه، او حرمته، و بعبارة أخرى، يكون أحد طرفي الاحتمال، او أحد اطرافه، الوجوب، أو التحريم، ففي هذه الصّورة، يجب التقليد، غاية الأمر، بالوجوب التّخييرى، كما مرّ لتخييره، بين تحصيل الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، لانّه بعد احتمال إلزام، من المولى في الواقع، لا بدّ له من تحصيل المؤمّن، باحدى الطّرق المذكورة و منها التقليد.

الصّورة الثّانية: ما إذا ليس أحد طرفي الاحتمال، او أطرافه، الوجوب، او الحرمة، بل لا يحتمل، إلّا استحباب الشّي ء، أو إباحته، أو كراهته، أو كلّ من الإباحة و الاستحباب و الكراهة، أو أحدهما مع الآخر، و على كلّ حال، ليس الوجوب، او الحرمة، طرف الاحتمال، فللصّورة فرضان:

الفرض الأوّل: ما يكون النّظر، الى نفس العمل، بأن يفعل هذا الشّي ء، أو يتركه بدون كون فعله، او تركه معنونا، بعنوان الاستحباب، أو الكراهة، أو الاباحة و بعبارة أخرى لا يقصد واحد منها، في فعله، او تركه، فلا إشكال في عدم وجوب التقليد عليه، كما لا يجب عليه الاحتياط، و لا الاجتهاد، لعلمه بعدم الزام وجودى، او عدمى، من ناحية المولى، فهو مع علمه بعد الالزام، مأمون عن العقوبة؛

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 155

الفرض الثّاني: أن يكون

في فعله، أو تركه، مريدا او قاصدا لأحد العنوانين، من الاستحباب، أو الكراهة، بحيث يستند استحبابه، أو كراهته، إلى المولى، ففي هذا الفرض، حيث يكون اتيانه، أو تركه بقصد الاستحباب، أو الكراهة، مع فرض عدم استحبابه، أو كراهته واقعا، تشريعا محرّما، يجب عليه، فيه التّقليد، بالوجوب التّخييري.

ثمّ انّه لا يجب التقليد، في الضروريات و اليقينيّات كما مرّ، في المسألة السّادسة.

و امّا في غيرهما، يجب التقليد، في كلّ فعل يصدر عنه، كان من العبادات، او المعاملات، حتّى العاديّات، في صورة، يحتمل وجود الزام، من ناحية المولى تعالى، تكليفا كان، أو وضعا و كذا فيما يريد إتيان عمل، أو تركه بعنوان الاستحباب، أو الكراهة، مع عدم علمه باستحبابه، أو كراهته، و إن كان عالما بعدم وجوبه و حرمته.

***

[مسئلة 30: إذا علم انّ الفعل الفلانى، ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: إذا علم انّ الفعل الفلانى، ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب، أو مباح، او مستحب، أو مكروه، يجوز أن يأتى به، لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثّواب، و إذا علم، انّه ليس بواجب و لم يعلم انّه حرام، أو مكروه، أو مباح، له أن يتركه لاحتمال كونه، مبغوضا.

(1)

أقول: لانّه مع فرض عدم احتمال الوجوب في الصورة الأولى و عدم احتمال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 156

الكراهة في الثانية، لا مانع من فعل الأولى و ترك الثّانية، باحتمال مطلوبيّته و هذا ممّا يحكم به العقل و أخبار من بلغ، فيما بلغ ثواب على الفعل، أو التّرك كما مرّ في الأصول.

***

[مسئلة 31: إذا تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: إذا تبدّل رأى المجتهد، لا يجوز للمقلّد، البقاء على رأيه الأوّل.

(1)

أقول: وجهه أنّه يرى خطاء رأيه الاوّل و إن لم يكن له رأى على خلافه فعلا و يكون متوقفا، فليس للمقلّد البقاء، على الرّأى الاوّل، لعدم حكم العقل، بالرّجوع إليه، مع اعتراف نفسه بخطائه، فيجوز له أن يحتاط، ان أمكن الاحتياط، أو الرّجوع إلى من دونه في العلم.

***

[مسئلة 33: إذا كان هناك، مجتهدان متساويان في العلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: إذا كان هناك، مجتهدان متساويان في العلم، كان للمقلّد تقليد ايّهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل و إذا كان احدهما أرجح من الآخر في العدالة، أو الورع، او نحو ذلك، فالأولى بل الاحوط اختياره.

(2)

أقول: المسألة بعينها هي المسألة 13 و زاد في هذه المسألة، جواز التبعيض في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 157

التقليد و ذكر فرض ارجحيّة أحدهما، من حيث العدالة على الآخر، و في المسألة 13 افتى بوجوب اختيار الأورع معيّنا و في هذه المسألة، قال بانّ الأولى بل الأحوط، اختيار الأعدل و الاورع فيكون كلامه هنا، مخالف مع كلامه في المسألة 13، و على كلّ حال نقول:

امّا جواز تقليد ايّهما شاء، فلانّ كلا منهما عالم و بعبارة أخرى طريق، لا ترجيح لأحدهما على الآخر، سواء كانا موافقين في الفتوى، أو مخالفين فيما لا يمكن الاحتياط، لما قلنا من حكم العقل، بالتّخيير بينهما مطلقا، فيما كانا موافقين في الفتوى و فى خصوص ما لا يمكن الاحتياط، فيما كانا مخالفين في الفتوى، فمع تساويهما على الفرض، يتخيّر بينهما، بحكم العقل على النّحو المتقدّم.

و امّا التبعيض في التقليد، بان يقلّد واحدا منهما، في بعض المسائل و الآخر منهما، في البعض الآخر:

فتارة يكونان موافقين، في الفتوى،

فلا اشكال في التبعيض، لكون كلّ منهما حجّة و طريقا.

و تارة يعلم باختلافهما في الفتوى و له صورتان:

الاولى: أن يكون الاختلاف، بحيث لا يكون مانعا عن الأخذ باحوط القولين، مثل ما إذا افتى احدهما، بعدم وجوب شي ء و افتى الآخر بوجوب هذا الشي ء، فيأخذ حكم العقل بأحوط القولين.

الثّانية: أن يكون اختلاف فتواهما، مانعا عن الأخذ بأحوط القولين، مثل ما إذا قال أحدهما بوجوب شي ء و الآخر بحرمته، فقد تعرّضنا لحكم هذه الصّورة في المسألة 9 و 10 و 13، فراجع، فعلى هذا بعد ما أمضينا سابقا، من انّهما لا يسقطان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 158

عن الحجيّة، في صورة اختلافهما في الفتوى و ان قيل بالسّقوط، في الخبرين المتعارضين، لانّ سقوط الخبرين عن الحجّية و عدم القول بالتّخيير بينهما، لو قيل به، يكون لأجل عدم مجال، للقول بالتّخيير الشرعى، لعدم شمول اطلاق أدلّة حجّيتهما، لصورة تعارضهما و لا للتّخيير العقلى، لإمكان الاحتياط، و جوازه، أو الرّجوع إلى بعض الأصول.

و اما في باب التقليد، فالعقل يحكم بالتخيير، حتّى في صورة التعارض، مع عدم إمكان الاحتياط، بل مع عدم وجوبه و إن أمكن الاحتياط، فعلى هذا يجوز للمقلّد، التبعيض في التقليد، حتّى فيما يكون الاختلاف بينهما في الفتوى و حتّى في المركّب الواحد.

و ما عن بعض «1» الشراح، من عدم جواز التبعيض في المركب الواحد، مع اختلافهما في الفتوى، مثل ما يقول أحدهما بوجوب السورة في الصلاة و عدم وجوب أزيد من مرّة واحدة في التسبيحات الأربعة و الآخر بعكسه، فيقول بعدم وجوب السورة و بوجوب التسبيحات ثلاث مرة، فيقلّد الاوّل في التسبيحات و يأتى مرّة واحدة و يقلّد الثّاني و يترك السورة،

لان التّبعيض في هذه الصّورة، يستلزم العلم التفصيلى، بمخالفة كلّ من المجتهدين و الطّريقين لمخالفة أحدهما في ترك السورة و الآخر في ترك الأزيد من مرّة في التسبيحات الأربعة، فهو شاك في صحّة صلاته و فسادها، فلا بدّ من إحراز صحّة صلاته بحجة معتبرة، لتحصيل البراءة اليقينية.

و فيه انه تصحّ صلاته في هذا الفرض، حتّى عند كلّ من المجتهدين، فمن يفتى بوجوب السّورة و إن كان تركها بنظره، موجبا لفساد الصّلاة، لكن باعتبار أنّ

______________________________

(1) التنقيح مجلد بحث الاجتهاد و التقليد ص 306.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 159

تركها، يكون من باب أخذه، بفتوى من يقول، بعدم وجوبها، يحكم بصحّة صلاته، و كذلك في اكتفائه، بمرّة واحدة في التسبيحات، فعلى هذا يجوز التبعيض، حتّى في صورة اختلاف المجتهدين، المتساويين في الفتوى و حتّى فيما يكون الاختلاف، في بعض اجزاء المركّب الواحد.

هذا كلّه مع تساويهما في الجهات، من العلم و العدالة و الورع و غيرها، و امّا مع ترجيح أحدهما على الآخر، من حيث الورع، أو العدالة، فالاقوى أيضا التّخيير، كما مرّ بيانه، في المسألة «13» لعدم كون ذلك، موجبا للتّرجيح، في نظر العقل، الحاكم برجوع الجاهل إلى العالم و عدم دليل شرعي، على اعتباره، نعم الأحوط استحبابا، الرّجوع بخصوص من له المزيّة، من حيث العدالة، أو الورع، فانّ الاحتياط، حسن على كل حال.

***

[مسئلة 34: إذا قلد من يقول بحرمة العدول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: إذا قلد من يقول بحرمة العدول، حتّى إلى الأعلم، ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد، فالاحوطه العدول الى ذلك الأعلم و ان قال الأوّل بعدم جوازه.

(1)

أقول: للمسألة صور:

الأولى: ما إذا كان الاعلم المفروض، يفتى بوجوب العدول من غير الأعلم، الى الأعلم، فيجب العدول، في هذه

الصّورة إلى الأعلم، سواء كان عالما، او شاكا، باختلافهما، في غير هذا الفتوى أو لا، لانّه بعد ما قلنا، من وجوب تقليد الأعلم، في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 160

صورة العلم، أو الشّك في اختلافهما في الفتوى، و على الفرض، يعلم بمخالفتهما، في مسئلة العدول، لإفتاء غير الأعلم بحرمته و افتاء الأعلم بوجوبه، فيتعيّن تقليد الأعلم، فيجب العدول منه إليه.

الثانية: ما إذا يفتى الاعلم المذكور، بجواز العدول إلى الأعلم:

فتارة يعلم او يشكّ، باختلافهما في الفتوى فيجب العدول من غير الاعلم، إلى الأعلم، لوجوب تقليد الأعلم معيّنا، في هذا الفرض كما مرّ.

و تارة يعلم، بعدم اختلافهما في الفتوى، فكما يجوز له العدول، يجوز له البقاء على تقليد الغير الاعلم، لعدم وجوب تقليد الأعلم في هذه الصّورة.

***

[مسئلة 35: إذ قلّد شخصا، بتخيّل انّه زيد، فبان عمروا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: إذ قلّد شخصا، بتخيّل انّه زيد، فبان عمروا، فان كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد، صحّ و إلّا فمشكل.

(1)

أقول: بعد عدم فرض التقييد، في مثل المورد، لعدم كون الموجود الخارجى، قابلا للاطلاق، حتّى يكون قابلا للتقييد، فمن يقصد تقليد شخص خاص، على انّه زيد و يعمل على طبق رأيه و هو حقيقة التقليد، كما قلنا في محلّه، لا يمكن له تقييد، هذا الموجود الخارجى، و بعد عدم معقوليّة ذلك، نقول لا فرق بين صورة التقييد و عدمه، بل في كلّ منهما، نقول بصحّة تقليده.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 161

و ما قيل، «كما في المستمسك» «1» من انّ التقليد، يكون مثل الإرادة و الكراهة و الايتمام و هو من الصّور الذهنية، لا من الوجودات الخارجيّة و الصورة الذهنية، قابلة للتقييد.

و فيه انّ التقليد، على ما

مرّ منّا، هو نفس العمل و هو الفعل الخارجى، فهو غير قابل للتقييد، لعدم قابليّة للانقسام، بالأقسام، حتّى يقيّد ببعض أقسامه.

و كذا بناء، على كونه العمل مع الالتزام، نعم بناء على كونه نفس الالتزام، فهو ليس من موجودات الخارجىّ.

فتلخّص أنّه في كلتا الصورتين، يكون النظر إلى الشخص الخاصّ، من قبيل الدّاعى و لا يضرّ تخلّف الداعى، فهو آت بعمل، أو أعمال مع التقليد.

***

[مسئلة 36: فتوى المجتهد يعلم بأحد أمور:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: فتوى المجتهد يعلم بأحد أمور:

الاوّل: أن يسمع منه شفاها.

الثّاني: أنّ يخبر بها عدلان.

الثّالث: إخبار عدل واحد، بل يكفى إخبار شخص موثق، يوجب قوله الاطمينان و إن لم يكن عادلا.

الرّابع: الوجدان في رسالته و لا بدّ أن كون مأمونة من الغلط.

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 62.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 162

(1)

أقول: يقع الكلام، فيما يعلم به، فتوى المجتهد و قد ذكر المؤلّف رحمه اللّه امور:

الاوّل: السّماع عن المجتهد،

فيؤخذ بظاهر كلامه، لحجبية الظّاهر، كما هو طريق العقلاء، في كشف مرادات الأشخاص و الشارع على هذه الطريقة، لانه لو كان على غير طريقتهم، كان عليه البيان كمّا مرّ تفصيله في الأصول.

مضافا إلى ما نرى من سؤال السائلين عن الأحكام و جواب المعصومين عليهم السّلام و أخذ كلّ منهما بظاهر كلام الآخر.

الثّاني: إخبار العدلين،

بناء على عموم أدلة حجّية البيّنة، أو إطلاقها، بحيث يشمل المورد، و قد مضى الكلام فيه في المسألة «20» و يأتى إن شاء اللّه، في بعض المسائل الآتية.

الثالث: إخبار عدل واحد

و الكلام فيه:

تارة في حجّية اخباره، فيما يوجب الاطمينان، فلا إشكال في حجية قوله، بعد حجّية الاطمينان من أىّ طريق كان، و كونه بحكم العلم، كما انّه بعد حجية الاطمينان، يثبت بأخبار غير العادل أيضا، فيما حصل من قوله الاطمينان، للوثوق بقوله.

و تارة يقع الكلام في حجّية، إخبار عدل واحد، حتّى فيما لا يحصل الاطمينان من قوله، فنقول بعونه تعالى، بانّه لا وجه لحجّية الخبر الواحد، فيما نحن فيه، فيما لا يورث الاطمينان، سواء نقول، بعدم حجّية الخبر الواحد، فيما نحن فيه راسا، أو نقول بحجّيته فيها، كما هو حجّة في الاحكام.

اما على الاوّل فواضح، لعدم وجود دليل على حجيته، في الموضوعات، لعدم شمول أدلّتها لها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 163

و امّا على الثّاني، فلانّه بعد ما بيّنا، في مبحث حجّية الخبر الواحد، بحجّيته، حتّى في الاحكام، في خصوص ما يورث الاطمينان، من إخباره، فكذلك في الموضوعات، كما انّه، لا اثر لما قيل من انّه، بعد اعتبار الخبر العادل في الاحكام، يكون إخباره بفتوى المجتهد نظيره، لانّه في الحقيقة، يخبر عن الحكم أيضا.

وجه عدم الأثر، هو ما قلنا من أنّ حجّيته في الاحكام، مختص بصورة، يورث الاطمينان، بالصّدور، لا مطلقا، فلا يتمّ، هذان الوجهان، لحجّية الخبر الواحد العادل، فيما لا يورث الاطمينان، كما زعم بعض شرّاح العروة، فاذا نقول، إذا حصل الاطمينان، من الخبر الواحد، فهو حجّة سواء كان عادلا، أولا، كما أنّه، لو لم يحصل الاطمينان، ليس لحجة و إن كان عادلا.

الرّابع: الوجدان في رسالته،

فان كانت الرّسالة بخطّه، او كتب، او جمع شخص آخر و هو لا حظها بنفسه و وقف عليها و أمضاها، فهو مثل السماع، لانّ الاخبار، عمّا في الضمير،

كما قد يكون بالكلام، و يسمعه المستمع، كذلك، قد يكون بالكتابة و ينظر إليه النّاظر و يأخذ بظاهرها، و إن لم تكن الرّسالة بخطه، أو إمضائه، بل كتبها غيره و يسند إليه فهى في حكم اخبار العدل الواحد، أو الثّقة، فان حصل الاطمينان، من كتابة الكاتب بفتواه، فهى حجّة و إلّا فلا.

و في كلّ من الفرضين، إذا شكّ في كونها صحيحة، أو مغلوطة، فبالاصل العقلائي، يحكم بصحّة الرسالة و أنّها مأمونة من الغلط، و لعلّ مراد المؤلّف رحمه اللّه من قوله «و لا بدّ أن تكون مأمونة من الغلط» أي بالأصل العقلائى، لا أزيد منه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 164

[مسئلة 37: إذا قلّد، من ليس له اهليّة الفتوى]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا قلّد، من ليس له اهليّة الفتوى، ثمّ ألتفت، وجب عليه العدول و حال الأعمال السابقة، حال عمل الجاهل، الغير المقلّد و كذا، إذا قلّد غير الاعلم، وجب على الاحوط، العدول الى الأعلم و إذا قلّد الأعلم، ثم صار بعد ذلك غيره أعلم، وجب العدول، إلى الثّاني، على الاحوط.

(1)

أقول: في المسألة مسئلتان:

المسألة الأولى: إذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوى مدّة،

ثم التفت، وجب عليه العدول إلى من له اهليّة الفتوى، لما بيّنا من أنّ الطريق، إلى المؤمّن، ليس الّا الاجتهاد، أو الاحتياط، او تقليد المجتهد، الواجد لشرائط الافتاء، و هو على الفرض، قلّد من لم يكن أهلا لذلك، فيجب العدول إلى من له الاهليّة.

و اما بالنّسبة إلى أعماله السابقة، فهو يكون من مصاديق الجاهل بالحكم:

فتارة يكون قاصرا، و تارة يكون مقصرا، و قد مضى الكلام فيه في المسألة «7 و 19» فراجع.

و اعلم انّ التعبير بالعدول، مسامحة لدم تقليد في المورد، حتّى يقال يعدل عنه.

المسألة الثّانية: ما إذا قلّد غير الاعلم،

فوجوب العدول، مختص بصورة العلم، أو الشك باختلاف فتواهما، لانّ تقليد الاعلم واجب، في هذه الصورة كما بيّنا.

و كذا لو قلّد الاعلم، ثمّ بعد ذلك صار غيره أعلم منه، يجب العدول إليه، في خصوص ما يعلم، او يشكّ باختلافهما في الفتوى، و بعبارة أخرى في خصوص ما لا يعلم باتفاقهما في الفتوى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 165

[مسئلة 38: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين، فان أمكن الاحتياط بين القولين، فهو الاحوط و إلّا كان مخيّرا بينهما.

(1)

أقول: امّا مع إمكان الاحتياط، فلانّه يعلم اجمالا بطريقيّة أحدهما، فيجب الاحتياط، مثلا إذا قال احدهما، بوجوب التسبيحة مرة واحدة و الآخر ثلاث مرّات، يحتاط، فيأتى بالثّلاثة.

و امّا مع عدم إمكان الاحتياط، مثل ما إذا قال احدهما، بوجوب شي ء و الآخر بحرمته، فيكون مخيّرا بين لأخذ بفتوى، كلّ منهما شاء، بحكم العقل و قد مرّ الكلام في التّخيير في المسألة «9».

***

[مسئلة 39: إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدّل رأيه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدّل رأيه، أو عروض ما يوجب، عدم جواز تقليده، يجوز له البقاء، الى أن يتبيّن الحال.

(2)

أقول: وجهه الاستصحاب، فببركته يترتب آثار الحياة و بقاء الرّأى و بقائه، على صفة، يجوز تقليده.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 166

[مسئلة 40: إذا علم انّه كان، في عباداته بلا تقليد، مدّة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا علم انّه كان، في عباداته بلا تقليد، مدّة من الزمان و لم يعلم مقداره، فان علم بكيفيّتها و موافقتها للواقع، أو لفتوى المجتهد، الّذي يكون مكلّفا، بالرجوع إليه، فهو و إلّا فيقضى، المقدار الّذي، يعلم معه بالبراءة، على الاحوط و ان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن.

(1)

أقول: اعلم انّ للمسألة صورا:

الاولى: ما إذا عمل بلا تقليد مدة من الزمان و يعلم موافقة، ما عمله مع الواقع،

أو مع فتوى المجتهد الّذي، يكون مكلّفا بالرّجوع إليه، «و قد مرّ في المسألة «16» انّ المجتهد الّذي، تكون العبرة بمطابقة العمل، مع فتواه، هو من يجب متابعته بعد العمل و فعلا، لا المجتهد الّذي، كان يجب متابعته حال العمل» و في هذه الصورة لا إشكال، فى صحّة عمله، لموافقته مع الواقع، أو لما هو الطّريق إلى الواقع و هو فتوى المجتهد، مع قصد القربة، على الفرض، فيما كان عبادة.

الثّانية: ما إذا علم، عدم موافقة عمله مع الواقع
اشارة

و كذا مع فتوى المجتهد، الواجب اتباعه و الكلام في هذه الصّورة يقع في الموردين:

المورد الاوّل: في وجوب الاعادة او القضاء عليه و عدمه،

فنقول تارة يقع الكلام فيما تقتضيه، القاعدة الاوّليّة، فنقول لا اشكال، في وجوب تدارك، ما وقع على خلاف الواقع و خلاف الطريق المنسوب له و هو قول المجتهد، بمقتضى القاعدة الاوليّة، لكون تركه لأجل جهله بالحكم، ففى كلّ مورد، قلنا بوجوب الاعادة و القضاء، في الجهل بالحكم، نقول فيه، هذا كلّه بمقتضى القاعدة الاوّلية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 167

و تارة يقع الكلام في انّه هل يكون في البين قاعدة، تقتضى عدم وجوب الاعادة و القضاء مطلقا، أو في بعض الموارد، أم لا؟ و بعبارة اخرى هل تكون فى البين قاعدة ثانويّة أم لا فنقول بعونه تعالى:

اما القاعدة الثّانوية، الّتي تقتضى الصّحة و عدم التدارك مطلقا، فلا تكون في البين، نعم يمكن، أن يقال في خصوص الصلاة، بانّ مقتضى حديث لا تعاد، هو الصحة و عدم وجوب الاعادة و القضاء، إذا كان المتروك غير الخمسة، بدعوى شمول الحديث، للجاهل بالحكم، كشموله للنّاسى و الجاهل بالموضوع، و انّ الخارج، عن عموم الحديث، أو إطلاقه، خصوص العامد، لا غيره.

و فيه انّه كما بيّنا، في الخلل من الصلاة، القدر المتقين من الحديث، عدم وجوب الاعادة، على من كان تركه، مستندا إلى النسيان، مضافا إلى أنّه ان كان له عموم، أو اطلاق، حيث يلزم من الاخذ بإطلاقه، حمل المطلقات الدّالة، على اعتبار الأجزاء، على الفرد النادر، فلا يشمل غير الناسى، من العامد و الجاهل بالموضوع و الشّاك و الجاهل بالحكم، ان كان جهله عن تقصير و كذا الجاهل بالحكم، الّذي كان جهله، عن قصور و إن ذكرنا وجها، لشمول الحديث للجاهل

القاصر و مع ذلك، كان عندنا التشكيك، في شموله له، فلا يشمل الحديث، الجاهل بالحكم، حتّى يقال في خصوص الصّلاة ببركة، حديث لا تعاد، بعدم وجوب الاعادة، في غير الخمسة المستثناة.

المورد الثّاني: في أنّه بعد وجوب التدارك، هل يجب المقدار الاقل، أو يجب الاكثر،

فتارة كما يعلم، بعدم موافقة عمله للواقع و لفتوى المجتهد. يعلم مدّته.

و تارة لا يعلم مدّته، ففي الاوّل يجب تدارك المقدار المعلوم، و في الثّاني نقول بان حكمه، حكم الصّورة الثّالثة، من هذا الحيث و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه، في هذه الصّورة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 168

الصّورة الثّالثة: اما إذا كان شاكّا في مطابقة عمله،
اشارة

مع الواقع، او مع فتوى المجتهد، اللازم اتباعه، و عدم مطابقته، فهل يقال في هذه الصورة بعدم وجوب شي ء عليه، او يقال بوجوب، تدارك عمله بالاعادة أو القضاء، بمقدار يقطع معه، ببراءة ذمّته، مثلا إذا كان شاكا أنّ صلواته الّتي، لا يدرى موافقتها مع الواقع، أو فتوى المجتهد و عدم موافقتها، هل كانت صلوات سنه، أو صلوات سنتين، يجب عليه قضاء سنتين، حتّى يقطع ببراءة ذمّته.

او يقال بأنّه يكفى التدارك، في المقدار الاقلّ، الّذي يكون يقينيّا، ففي المثال المتقدّم، يقضى صلوات سنة فقط، احتمالات.

الاوّل: عدم وجوب شي ء عليه،

و وجهه جريان اصالة الصّحة، في اعماله السّابقة.

و فيه أنّ مورد أصالة الصحة، هو فيما يحتمل التفاته، حين العمل و بنائه على اتيانه، على الوجه الصحيح، غاية الأمر بعد العمل، يكون شكه، في انّه هل أتي به على الوجه الصحيح، أو صار متروكا، للغفلة و النسيان، أو عمدا، بناء على شمولها، لصورة احتمال استناد التّرك بالعمد.

و امّا إذا كان عالما، بعدم توجّهه بلزوم اتيانه، على الوجه الصّحيح، غاية الأمر، يحتمل وقوع العمل، تصادفا و اتفاقا على الوجه الصّحيح، فشمول أدلة اصالة الصحة، و بعبارة أخرى، قاعدة الفراغ له، غير معلوم، فلا وجه لهذا لاحتمال.

الاحتمال الثّاني: وجوب الاتيان و تدارك ما وقع عنه،

بمقدار يقطع معه ببراءة الذّمة، و وجهه أنّ الاشتغال اليقينى، يقتضي البراءة اليقينيّة، فهو يعلم بتوجّه التكليف إليه فلا بد من القطع بقرع ذمته او يقال: بأنّه بعد فرض كون القضاء بالأمر السابق و كان الأمر بنحو تعدّد المطلوب فيقال في الصلاة مثلا بعد الشك في إتيانها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 169

على ما هى عليها و عدمه يستصحب الوجوب السّابق.

بل يقال على تقدير كون القضاء بالأمر الجديد فلا إشكال في انّ موضوع أمره هو ما كان موضوعا للاامر السابق الثابت في الوقت و هو على الفرض مشكوك في امتثاله، فمقتضى الاشتغال اليقينى هو تحصيل البراءة اليقينية و هي لا تحصل إلا باتيان المكلّف به.

الاحتمال الثالث: أن يقال إتيان الواجب في الفرض هو إتيان الاقل فقط

فلو لم يدر أنّ المدة الّتي تكون مشكوكة هل تكون سنة مثلا أو سنتين يحب عليه قضاء سنة فقط و في الزائد تجرى البراءة لكون المورد من صغريات الأقل و الأكثر و قد بيّنا في محلّه أنّ الاكثر يكون مورد البراءة و اما التمسّك بالاستصحاب بأن يقال مثلا انّ الصلاة كانت واجبة عليه و لم يدر أنّه اتى بها أو لا؟ فيستصحب عدم إتيانها فيجب اتيانها.

ففيه انّ القضاء بالأمر الجديد يكون موضوعه الفوت و استصحاب عدم الاتيان لا يثبت الفوت إلّا على القول بالأصول المثبتة.

أقول: و الّذي ينبغى أن يقال أنّه تارة يكون الشكّ في المقدار الصادر منه من العبادات على خلاف الواقع و خلاف فتوى المجتهد و دوران الشّك بين الاقلّ و الأكثر من باب الشّك في تعلّق التكليف من رأس بالاكثر مثلا، يكون منشأ الشّك في وجوب قضاء الصّلاة سنة أو سنتين هو الشك في مبدأ بلوغه و انّه هل كان بعد بلوغه مضى

أربعة عشر من عمره او خمسة عشر فان كان مبدأ بلوغه أربعة عشر يجب عليه قضاء سنتين و ان كان مضى خمسة عشر كان الواجب عليه قضاء السنّة الواحدة فقط. ففي هذا الفرض لا مجال للاستصحاب أعنى استصحاب الوجوب لانّ الاستصحاب متقوّم بركنين: اليقين السابق و الشّك اللاحق و في الفرض لم يتحقّق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 170

اليقين السابق لعدم يقينه بتعلق الوجوب لعدم علمه ببلوغه بعد رأس أربعة عشر سنة، من عمره إن قلنا بكون القضاء بالأمر الاول لعدم وجود اليقين السّابق.

بل لو قيل بأنّ القضاء بالأمر الجديد و يقال بأنّ موضوعه عدم الإتيان لا الفوت لا مجال للاستصحاب، لما قلنا من عدم وجود احد ركنيه و هو اليقين السابق هذا كلّه بالنسبة إلى هذا الفرض.

و تارة يكون تعلّق التّكليف به معلوما عند المكلف مثلا يعلم بأنّ بلوغه كان على راس خمسة عشر سنة و بأنّه بعد التكليف كلّما صلى من الصلوات كان غير مطابق مع الواقع و مع فتوى المجتهد و لكن يكون شكه في أنّه هل تكون المدّة التي وقعت صلاته غير مطابقة مع الواقع و مع فتوى المجتهد هل كانت سنة او سنتين.

فنقول إن قلنا أنّ القضاء بأمر جديد لا يجب عليه في الفرض إلّا قضاء الأقل و هو في المثال قضاء السنّة الواحدة.

امّا الكبرى و هو كون القضاء بالأمر الجديد فلانّ الأمر بالصّلاة يكون مقيّدا بالوقت لا المطلق حتّى يكون بعد الوقت واجبا أيضا فلا وجه لالتزام بأنّ الأمر يكون بنحو تعدّد المطلوب لانّ هذا خلاف ظاهر الأمر المقيّد بالصّلاة في الوقت.

و امّا الصغرى و هو عدم وجوب الاكثر في محلّ الكلام فنقول بعد عدم

اقتضاء الدليل الدال على الوجوب الّا على الصلاة المقيّد بالوقت فبالنسبة إلى خارج الوقت لم يكن دليل لفظيّ من عموم او اطلاق يقتضي وجوب الصلاة في خارج الوقت فلم يبق في البين الّا الاصل العملى، و هو دعوى استصحاب الوجوب بعد الوقت.

و إذا بلغ الأمر بهذا المقام نقول امّا الاستصحاب الحكمى فلا مجال له لأنه على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 171

ما بيّنا من أنّ متعلق الوجوب هو الصّلاة المقيّدة بالوقت فالصلاة المقيدة بالوقت مورد تعلّق الأمر فبعد الوقت لا مجال للاستصحاب الوجوب لعدم وجود الحالة السابقة على الفرض.

و اما الاستصحاب الموضوعى بأن يقال أنّ موضوع وجوب القضاء هو من لم يصلّ في الوقت فهو بعد الوقت، بعد ما يشكّ في مطابقة عمله مع الواقع أو مع فتوى المجتهد يستصحب عدم اتيانها و اثره وجوب القضاء ففيه أنّه لا مجال للاستصحاب الموضوعى أيضا لانّ موضوع وجوب القضاء هو الفوت و استصحاب عدم الاتيان لا يثبت الفوت إلّا على القول بالاصول المثبتة و ممّا ذكرنا يظهر عدم وجوب الأكثر في محلّ الكلام. نعم بناء على القول يكون القضاء بالأمر الأول لجريان الاستصحاب مجال و لكنّ الإشكال يكون في المبنى.

***

[مسئلة 41: إذا علم أنّ اعماله السابقة، كانت مع التقليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا علم أنّ اعماله السابقة، كانت مع التقليد، لكن لا يعلم انّها كانت عن تقليد صحيح، أم لا! بنى على الصحّة.

(1)

أقول: ان كان نظر المؤلّف رحمه اللّه في قوله «لكن لا يعلم انّها الخ» إلى انّ نفس التقليد كان صحيحا أم لا؟ مثلا من كان قلّده كان بالغا او عاقلا أو عادلا أم لا يكون واجدا بعض الشرائط او كلّها فلهذا شكّ في أنّ تقليده كان صحيحا أو لا؟

فنقول

لا مجال لاجراء أصالة الصحة لانّ المعتبر في اجراء اصالة الصّحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 172

و غيرها، من الاصول العملية، وجود الأثر الشرعى و مع عدمه لا مجال لاجراء الاصل.

ان قلت: انّه يكفى في الأثر الشرعى عدم جواز العدول من الشخص المذكور المشكوك واجديّته بعض شرائط التقليد او كلّها الى غيره المساوى له و كذا يكفى في الأثر الشرعى جواز البقاء على تقليده بعد موته.

قلت: بعد ما يكون المفروض في محلّ الكلام هو الشّكّ في واجديّة الشخص المشكوك واجديّته للشرائط و عدمها يأتى إن شاء اللّه في المسألة الآتية من انّه مع وجود الشّك في من يكون مقلدا «بالفتح» لشرائط الفتوى كلّها او بعضها يجب الفحص فعلى هذا نقول قولك بأنّه مع الشّك كما فرض في الصورتين المفروضتين في كلامك الّذي ذكرناه في «ان قلت» و جعلتهما اثرا لاصالة الصّحة لا يكون تماما لانّه يأتى إن شاء اللّه انّه لا بدّ في هاتين الصورتين المفروضتين في كلامك من وجوب الفحص فبعد ما لا تكون الصورتان اثرا لاصالة الصحة لا مجال لاجرائها.

و ان كان نظر المؤلّف رحمه اللّه إلى انّ عمله الواقع على طبق فتوى هذا الشخص هل وقع صحيحا؟ و يترتب على صحة عمله بانّه لا يجب عليه القضاء او الاعادة او لم يقع صحيحا فيجب عليه القضاء او الاعادة.

فنقول: بانّه مضى في المسألة السابقة في من مضى عليه مدّة كان في عباداته بلا تقليد بانّه إذا كان ما اتى به من العبادات موافقا مع الواقع أو مع فتوى مجتهد الّذي يجب الرّجوع إليه لا يجب عليه الاعادة أو القضاء. إذا عرفت ذلك ففى هذه المسألة نقول بأنّه تارة يعلم

أنّ عمله كان موافقا للواقع او مع فتوى المجتهد الّذي يجب الرّجوع إليه فلا يجب عليه تدارك عمله إعادة أو قضاء.

و تارة يقع الكلام في صورة الشّك في المطابقة و أنّه هل يمكن تصحيح عمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 173

المكلّف في صورة طروّ الشّك في صحّة العمل الّذي عمله على طبق فتوى من يشكّ في واجديّته لشرائط صحّة الرّجوع إليه و جواز تقليده أولا يمكن ذلك.

يمكن أن يقال بجريان أصالة الصحّة في عمله السابق و أثرها عدم وجوب الإعادة و القضاء لأن مورد جريان اصالة الصحّة احتمال أذكريّة الشخص حين العمل و في المورد يكون كذلك.

ان قلت: انّه قد مضى منك في المسألة السابقة في صورة عدم علمه بانطباق عمله مع الواقع و لا مع فتوى المجتهد الّذي يجب تقليده بوجوب تدارك عمله مع أنّه يكون مثل المورد في عدم علمه بوقوع عمله صحيحا و احتمال الصحّة.

قلت: انّ المكلّف في فرض المذكور في المسألة السابقة بعد ما كان عمله بلا تقليد من رأس و فى هذا الحال أتى العمل العبادى فلا يحتمل كونه حين العمل العبادى مستندا بالتقليد فلا يقال فى حقه انه حين العمل اذكر غاية الأمر أنّه بعد ذلك يشك في أنّه هل كان تقليده تقليدا صحيحا أو لا؟

و اما فى ما نحن فيه فيحتمل أنّه أتى بالعمل الصحيح بل احتمال إتيانه بالعمل فاسدا خلاف الظاهر و على كلّ حال يحتمل أذكريّته فلهذا تجرى في موردها أصالة الصّحة.

***

[مسئلة 42: إذا قلّد مجتهدا، ثم شك في أنّه جامع للشرائط، أم لا؟]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: إذا قلّد مجتهدا، ثم شك في أنّه جامع للشرائط، أم لا؟ وجب عليه الفحص.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 174

(1)

أقول: وجهه واضح لانّه

بعد ما يعتبر في المجتهد واجديّته لشرائط معلومة و مع فقد كلّها أو بعضها لا يجوز تقليده فيجب الفحص عن وجود الشرائط، و لا فرق في ذلك بين الابتداء او بين الاستدامة هذا فيما لا تكون الحالة السابقة وجود الشرائط فيه و الا فببركة الاستصحاب يحكم بجواز تقليده و لا يجب الفحص مع وجود الاستصحاب.

***

[مسئلة 43: من ليس اهلا للفتوى، يحرم عليه الافتاء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: من ليس اهلا للفتوى، يحرم عليه الافتاء و كذا من ليس اهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس و حكمه ليس بنافذ و لا يجوز الترافع إليه و لا الشهادة عنده و المال الّذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الآخذ حقا إلّا إذا انحصر استنفاذ حقّه بالترافع عنده.

(2)

اقول: الكلام فى المسألة في جهات:

الاولى: هل يجوز الافتاء لمن ليس أهلا للفتوى أو لا يجوز ذلك
اشارة

و له بحسب التصوّر صورتان:

الصورة الاولى: أن لا يكون الشخص مجتهدا

و بعبارة أخرى يكون فاقدا لملكة الاجتهاد فالإفتاء له حرام لانّه يستند الحكم إلى اللّه تعالى من غير حجة فهو يكون من مصاديق قوله تعالى في القرآن الكريم: قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 175

تَفْتَرُونَ «1».

و بعد عدم كونه مأذونا من قبل اللّه تعالى فهو ممن افترى عليه تعالى.

و يدلّ عليه بعض الاخبار مثل ما روى ابو عبيدة قال: قال ابو جعفر عليه السّلام «من افتى الناس بغير علم و الهدى من اللّه لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه» «2» و غير ذلك من الاخبار راجع الباب المذكور فيه الرواية المتقدمة ذكرها.

الصّورة الثّانية: أن يكون الشخص مجتهدا،

لكن لا يكون واجدا لبعض شرائط الافتاء مثل أن لا يكون عادلا فهل يجوز له الافتاء أو لا يجوز ذلك له.

وجه الجواز، عدم كون افتائه قولا بغير علم، و عدم كونه افتراء على اللّه تعالى.

وجه عدم الجواز، كون ذلك إغراء الجاهل و اضلاله و هو حرام.

و قد يفصّل في جواز افتائه و عدم جوازه بين الصّورة الّتي يكون العامى المستفتى عالما بالحكم، مثل إذا كان عالما بعدم جواز افتاء العالم الغير العادل و ان كان لا يعلم فسق هذا المجتهد المفروض الّذي يستفتى منه، و هو غير عادل.

و بين الصّورة الّتي لا يعلم هذا الحكم أعنى عدم جواز افتاء الغير العادل.

فيقال بجواز الافتاء في الصّورة الاولى لعدم الافتاء بغير علم و لا يكون اغراء بالجهل بخلاف الصّورة الثانية فان افتائه يكون اغراء بالجهل.

أقول و عندى في عدّ الافتاء في الصّورة الثانية اغراء بالجهل تأمل لأن

______________________________

(1) سورة يونس، الآية 56.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب صفات

القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 176

الأغراء بالجهل يصدق فيما كان، ما يفتى به المجتهد خلاف الواقع و عدم كونه حكم اللّه تعالى و امّا لو كان طبق الموازين الشرعية لا يكون اغراء بالجهل و لا افتراء عليه تعالى.

نعم يمكن، أن يقال بأنّ من ليس واجدا لبعض شرائط الفتوى و جلس في مسند المجتهد بعنوان المجتهد الجامع للشرائط فيحسب الناس كونه مجتهدا جامعا لشرائط الفتوى فيكون ممّن عمله اغراء الناس بالجهالة و هو حرام و لكن هذا فرض نادر و لا يمكن القول بحرمة افتاء المجتهد الفاقد لبعض شرائط الفتوى بذلك مع أنّه في هذه الصّورة لو كان اغراء فالجلوس في مسند ليس اهله يصير حراما لا افتائه فتأمّل.

الجهة الثّانية: كلّ من ليس اهلا للقضاء لا يجوز له القضاء بين النّاس

لانّه ليس اهلا له على الفرض و ليس منصوبا له فيكون من القسم الثّالث من الاقسام التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السّلام» من القضاة في خطابه لشريح القاضى كما في الرواية التي رواها إسحاق بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح با شريع قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا بنى او وصىّ او شقىّ «1».

فانّ المستفاد منها انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و وصيّه او لهم و ثانيهم و ثالثهم هو الشقيّ و من ليس اهلا للقضاء من باب عدم كونه النّبي و الوصى او المأذون من قبلهم و هو المجتهد الجامع لشرائط الفتوى و هو اهل له يكون غيرهم غير أهل القضاء و هو شقىّ و يدلّ عليه غير ذلك من الأخبار راجع الباب المذكور فيها الرواية المتقدمة و تمام الكلام في كتاب القضاء.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب

2 من ابواب صفات القاضي، ج 18 من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 177

و امّا الكلام في جواز تصدّى من لا يكون بنفسه أهل القضاء بأذن من يكون أهلا له، كالمجتهد و عدمه فهو مورد الكلام و النقض و الابرام و محلّه كتاب القضاء.

الجهة الثالثة: و ليس حكم من ليس له اهليّة القضاء نافذا

لأنه بعد عدم جواز تصدّيه القضاء لا معنى لنفوذ حكمه و لا دليل عليه و مقتضى الأصل عدم النّفوذ بعد عدم الدّليل عليه لا بالخصوص لا بالعموم فلا مجال لأن يقال بانّ النّهى، عن قضائه يكون تكليفيا فلا مانع من نفوذ حكمه و ترتيب الأثر الوضعيّ على حكمه.

لما عرفت من عدم الدّليل عليه و الأصل عدم النّفوذ.

مضافا إلى انّه يمكن أن يقال بأن معنى نفوذ حكمه لزوم ترتيب الأثر على طبق حكمه مثلا لو حكم بأخذ مال من شخص يؤخذ منه و الحال انّ صريح بعض الأخبار مثل مقبولة عمر به حنظلة «1»، كون المأخوذ بحكمه سحتا.

إلّا أنّه قد يشكل، في المقبولة بالضّعف في سندها و عدم دلالتها لان موردها يكون قضاة الجور و يأبى الكلام فيها فى الجهة الرابعة إن شاء اللّه.

الجهة الرابعة: و لا يجوز الترافع الى من ليس له اهلية القضاء

و يدلّ على ذلك انّ الترافع إليه، إعانة على الأثم لانّ الترافع إليه سبب لتقويته في المقام المحرّم اشغاله له.

و كون ذلك من الركون الى الظالم و هو محرّم منهيّ عنه لقوله تعالى:

وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «2».

______________________________

(1) نذكرها إن شاء اللّه في الجهة السادسة من هذه المسألة.

(2) سورة الهود، الآية 113.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 178

بل يدلّ على عدم الجواز في خصوص الصورة التي يكون متصدى الترافع غير المؤمن مثل قضاة العامة بعض الاخبار الدالة على عدم جواز الترافع عندهم «1».

بل يمكن الاستدلال لحرمة الترافع الى مطلق من ليس له اهلية الفتوى بنتقيح المناط بدعوى ان المناط فى النهى عن الترافع الى قضاة العامة كما في بعض الروايات ليس الّا لفقد هذه الطائفة لبعض الشرائط المعتبرة في مقام القضاء فيكون بحكمهم كلّ من لا

يكون واجدا لشرائط القضاء كلّها أو بعضها و ان كان مؤمنا.

الجهة الخامسة: و لا يجوز الشهادة عند من ليس اهلا للقضاء

لعين ما قلنا في الجهة السابقة و هو أن الشهاد عنده، تكون اعانة على الاثم و ركونا الى الظّالم.

الجهة السّادسة: يقع الكلام، في المال الذي يؤخذ على طبق حكم من ليس اهلا للقضاء

هل يكون حلالا مطلقا او حراما مطلقا او يفصّل بين ما يكون المال عينا شخصيّة مثلا يكون المدّعى عليه قطعة لباس معيّن و بين ما يكون المدّعى عليه، كلّيا مثلا إذا ادعى المدّعى على المدّعى عليه انّه اقترض منه دراهم فانكره و صدر الحكم ممن ليس اهلا للقضاء بنفع المدّعى فيقال بجواز الأخذ، في الفرض الاوّل و عدم جوازه في الفرض الثّاني.

أقول اعلم انّ السيّد المؤلّف رحمه اللّه اختار الحرمة و عدم جواز الأخذ مطلقا في المقام و لكن قال في ملحقات العروة على خلاف ذلك ننقل الكلام بعينه قال في الصفحة التاسعة من كتاب القضاء من ملحقات العروة «مسئلة 2» لا يجوز الترافع إلى قضاة الجور اختيارا، و لا يحلّ ما أخذه بحكمهم إذا لم يعلم بكونه محقّا الا من طرف حكمهم و اما إذا علم بكونه محقّا واقعا فيحتمل حليته و يحتمل الفرق بين العين

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب صفات القاضي من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 179

و الدين حيث انّ الدين كلّى في الذّمة و يحتاج في صيرورة المأخوذ ملكا له إلى تشخيص المديون بخلاف العين و ظاهر المقبولة «1». حرمته مطلقا عينا كان أو دينا لقوله عليه السّلام فانّ ما يأخذه سحت و ان كان حقا ثابتا لكنه مشكل خصوصا في العين و ربّما يحمل الخبر على ما إذا كان حقّه لكنة مشكل خصوصا فى العين و ربما يحمل الخبر على ما اذا كان حقّه ثابتا بمقتضى حكمهم لا في الواقع و هو بعيد

لانّ ظاهره الثبوت واقعا نعم يمكن حمله على انّه بمنزلة السّحت في العقاب لا انّه يحرم التصرف فيه أو أنّ التصرف فيه يحرم بالنّهى السابق نظير حرمة الخروج عن الدار المغصوبة حيث انّ التحقيق أنّه محرّم بالنّهى السابق على الدخول و امّا احتمال خروج العين عن ملكه و عدم دخول الدين في ملكه فبعيد جدا خصوصا الأول إلّا ان يقال بأنّه باق على ملكه لكن يحرم التصرف فيه الّا باذن الحاكم الشرعى هذا بالنّسبة الى ما أخذ بالترافع إلى قضاة الجور و امّا المأخوذ بالترافع إلى غيرهم ممن ليس من أهل الحكم أو بالاستعانة من ظالم في استنقاذ حقّه مع عدم توقفه على ذلك و إمكان الأخذ، بالحكم الشرعى فانّه و ان فعل حراما إلّا انّ حرمة ما يأخذه من حقّه عينا أو دينا غير معلومة فيعاقب على فعله لا على التصرف في المأخوذ و الخبر مختصّ بقضاة الجور بل المنصوبين منهم للقضاء و شموله بغيرهم غير معلوم».

أقول و حاصل المستفاد من كلامه المقدّم هو عدم التزامه بتحريم المأخوذ في

______________________________

(1) كان نظره الشريف الى مقبولة عمر بن حنظلة و هى الرواية 4 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من وسائل و هي ما رواها عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من رجلين من اصحابنا بينهما منازعة، في دين او ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة يحلّ ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانّما تحاكم الى الطاغوت و ما يحكم له فانّما يأخذ سحتا و ان كان حقّه ثابتا لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالى «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا،

إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا، أَنْ يَكْفُرُوا» به، الحديث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 180

مفروض الكلام في مسئلتنا إذ لم يكن القاضى من قضاة الجور و عدم كونه من المنصوبين من قبلهم فكلامه رحمه اللّه في ملحقات العروة مخالف مع كلامه في المقام.

ثم بعد ذلك نقول لك أنّ للمسألة صورتين:

الصّورة الاولى: ما إذا كان المأخوذ كلّيا فنقول كما قال المؤلف رحمه اللّه في ملحقات العروة لا يجوز الأخذ و يكون حراما لانّه بعد فرض كون تشخص الكلّى بيد المديون فما يأخذ المدعى و هو الّذي حكم الحاكم بنفعه يكون حراما لانّه بغير اذن المديون الّذي يدّعى المدّعى كونه مديونا بالكلّي.

إن قلت: في المقام يكفى تشخص الحاكم الذي حكم بنفع المدّعى.

قلت: بعد فرض كون الحاكم ممّن ليس أهلا للفتوى فلا يكفى حكمه في تشخص الكلّى بالمأخوذ لعدم أهليّته.

نعم لو كان الحاكم الحاكم الشرعى الّذي يكون له اهلية الفتوى و الحكم لو امتنع المحكوم عليه من تشخص الكلّى و ادائه كان للحاكم ذلك هذا إذا كان كليّا فقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة حرمة الأخذ اعنى أخذ المال الّذي يريد اخذه بحكم هذا الحاكم المفروض.

فلا حاجة في هذه الصورة إلى التمسّك بمقبولة عمر بن حنظلة.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان المأخوذ شخصيّا فمقتضى القاعدة جواز الأخذ لانّ المأخوذ عين ماله و باق بملكيته فاخذه منه يكون بلا اشكال.

و امّا القول بعدم جواز الاخذ و حرمته في هذه الصورة تمسّكا بمقبوله عمر بن حنظلة لما قال فيها بانّ المأخوذ سحت.

و قد يردّ ذلك بضعف سند المقبولة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 181

و قد يجاب، عن ضعف سندها بأنّها المقبولة و معنى كونها المقبولة أنّ

اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم تلقّونها بالقبول فلا مجال للاشكال بضعف سندها.

أقول: و لم يتحقّق لنا مقبوليتها عند الاصحاب لعدم تفحصنا كاملا حتى كشف لنا انّهم يتكلون عليها أم لا؟

فمع قطع النظر عمّا يقال في ضعف سند المقبولة نقول انّ الظاهر من المقبولة هو حرمة الأخذ من المحكوم عليه مستندا بحكم قضاتهم و لا اطلاق لا على ما يأتي بالنظر يشمل المورد و يظهر ذلك للمراجع بالمقبولة صدرا و ذيلا لكون المفروض فيها هو خصوص المورد الّذي كان بحكمهم فعلى هذا نقول بأنّ الحق في المسألة هو التفصيل بين الصورتين.

الجهة السابعة: إذا انحصر احقاق الحقّ بالترافع إلى من ليست له اهليّة القضاء

فهل يجوز الترافع إليه و أخذ حقّه أو مال بحكمه أو لا يجوز ذلك

أقول بعد ما تكون الضرورات تبيح المحظورات و أنّ الدّليل الدال على حرمة الترافع إلى من ليس له اهلية القضاء و حرمة أخذ المال بحكمه و انّ كان محقّا واقعا و إن كان له اطلاق أو عموم لا بدّ من التصرف فيه من باب حكومة دليل نفى الضرر او وروده عليه و تكون النتيجة عدم كون النهى من الترافع إليه او أخذ المال بحكمه في مورد الضرر كما هو المفروض في هذه الصّورة.

فنقول في هذه الصورة بجواز الترافع إليه و أخذ المال بحكمه فافهم.

***

[مسئلة 44: يجب في المفتى و القاضى العدالة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: يجب في المفتى و القاضى العدالة و تثبت العدالة، بشهادة عدلين و بالمعاشرة، المفيدة للعلم، بالملكة، او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 182

الاطمينان بها و بالشّياع المفيد للعلم.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة 22 الكلام في الجهتين:

الجهة الاولى: اعتبار العدالة في المجتهد،

و يعتبر أيضا في القاضي، لانّه مع ملاحظة أهميّة، منصب القضاء و الحكم، بين الناس بالعدل، الّذي أمر به الاسلام و لا يقيم العدل إلّا العادل، و ملاحظة وضع الشارع، يحصل القطع، باعتبارها، في القاضى و مع ذلك، يستدلّ على اعتبارها، بالإجماع و لعلّ وجه الاتفاق؛ ما قلنا، لا أن يكون اجماع تعبّدى، قائم عليها.

و كذا يستدلّ، بالرّواية رواها، سليمان بن خالد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اتّقوا الحكومة، فان الحكومة، انّما هي للامام، العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبى او وصى نبى» «1» و مع كون المنصب، من النبي و الوصيّ، العادل في المسلمين، فمن الواضح، اعتباره، في غيرهما، ممّن يصحّ اشغال له، هذا المنصب، من المجتهدين.

و كذا يستدلّ بالرّواية رواها، ابو خديجة قال، بعثنى ابو عبد اللّه عليه السّلام، إلى اصحابنا، فقال قل لهم، ايّاكم، إذا وقعت بينكم خصومة، او تدارى، في شي ء من الأخذ و العطاء، أن تحاكموا، الى احد، من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا، بينكم رجلا، قد عرف حلالنا و حرامنا، فانّى قد جعلته عليكم، قاضيا و ايّاكم، أن يخاصم، بعضكم، بعضا، الى السلطان الجائر» «2» بدعوى، انّ المستفاد منها، عدم لياقة الفاسق، لانّ يشغل منصب القضاء.

و يمكن الإشكال، في الاستدلال بها، بانّ النهى، بالتّحاكم، عند هؤلاء

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 11 من ابواب صفات

القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 183

الفسّاق، يمكن أن لا يكون، لمجرّد فقهم، بل لكونهم، منصوبين من قبل الحكام الجور، و كون الفسق، من وصفهم، فذكره، كان من باب الاشارة إليهم، لا لكون منشأ النّهى، هذه الصّفة و لهذا لم يعتبر ذلك، في الذيل، لمن أمر بالرّجوع إليه، و على كلّ حال، يعتبر فيه العدالة.

الجهة الثانيّة: قد مر في المسألة 23 ما يعرف و يثبت به العدالة،

فالاوّل، العلم من اىّ طريق حصل، و من جملة «الطرق، المعاشرة المفيدة للعلم، بعدالته و من جملة الطرق الشياع، المفيد للعلم، الثّاني، شهادة العدلين، الثالث، الاطمينان، لكونه، بحكم العلم، عند العقلاء و ترتيبهم عليه، أثر العلم و عدم ردع الشارع عنه، الرّابع، حسن الظّاهر، بالنّحو الّذي قلنا في المسألة 23.

***

[مسئلة 45: إذا مضت مدّة، من بلوغه و شكّ بعد ذلك]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: إذا مضت مدّة، من بلوغه و شكّ بعد ذلك، في أنّ اعماله، كانت عن تقليد صحيح، أم لا؟ يجوز له البناء، على الصّحة، في أعماله السابقة و في اللّاحقة، يجب عليه التّصحيح فعلا.

(1)

أقول: الكلام في المسألة في موردين:

الاوّل: في أنّه، إذا مضت مدّة من بلوغه و شكّ في ان اعماله، كانت عن تقليد صحيح، أم لا؟ يجوز له البناء عل الصحّة، في اعماله السابقة، فقد امضينا الكلام فيه، في المسألة 41.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 184

الثّاني: في انّه يجب عليه، التّصحيح فعلا، بالنّسبة إلى اعماله اللاحقة، بالرّجوع، الى من يجب الرجوع إليه، و هو المجتهد، الجامع لشرائط الفتوى، و لا يفيد اجراء اصالة الصّحة، بالنّسبة الى اعماله، السّابقة، لتصحيح الاعمال اللاحقة، لعدم كون لوازم هذا الاصل، حجّة، حتّى بناء على كونه، من الامارات، لقصور دليله.

***

[مسئلة 46: يجب على العامى، أن يقلّد الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: يجب على العامى، أن يقلّد الاعلم، في مسئلة وجوب تقليد الاعلم، او عدم وجوبه، و لا يجوّز ان يقلّد غير الاعلم، إذا افتى، بعدم وجوب تقليد الاعلم، بل لو افتى الاعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يشكل جواز الاعتماد عليه، فالقدر المتيقّن، للعامى، تقليد الاعلم، في الفرعيّات.

(1)

أقول: اما وجوب الرجوع الى الاعلم في المسألة، لو لم يكن الشخص مجتهدا و لا بانيا على الاحتياط لانّه، يجب التقليد، في هذه المسألة، و قدر المتقين، هو الرجوع، الى الاعلم، لانّه يعلم ببراءة الذّمة، بالرّجوع إليه، و جواز الرجوع، الى غير الاعلم مشكوك، فلا بدّ بحكم العقل، الرّجوع الى المتيقن، فعلى هذا يتعيّن الرجوع، الى الأعلم، في مسئلة وجوب تقليد الاعلم، و لا يجوز الرّجوع، الى غير الأعلم.

و امّا ما قال، من

أنّه لو افتى الأعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يشكل الرّجوع إليه، فلا يكون، في محلّه، لانّه على الفرض، يكون التكليف، الرّجوع الى الأعلم و من جملة، ما يرجع إليه، هذه المسألة، فلا اشكال في الرّجوع إليه، حتّى في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 185

هذه المسألة، و بعد فتوى الاعلم، بعدم وجوب تقليد الاعلم، يجوز له الرّجوع، الى غير الاعلم، مثل ما يبقى، على تقليد الميّت، ببركة تقليد الحىّ فى جوازه البقاء.

***

[مسئلة 47: إذا كان مجتهدان، أحدهما أعلم، في أحكام العبادات، و الآخر أعلم، في المعاملات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: إذا كان مجتهدان، أحدهما أعلم، في احكام العبادات، و الآخر أعلم، في المعاملات، فالاحوط، تبعيض التقليد، و كذا، إذا كان أحدهما، أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة 12 أنّ الاقوى، وجوب تقليد الاعلم، فيما يعلم المكلف، بمخالفة فتواه، مع غير الأعلم و كذا، في صورة الشّك، في ذلك، فبناء عليه، إذا كان، أحدهما اعلم، في بعض المسائل، و الآخر، في بعضها الآخر، يجب تبعيض التقليد، و التقليد، في كلّ مسأله، عمّن، هو اعلم، من الآخر، فيما يشكّ، باختلاف فتواهما، فضلا عمّا يعلم، باختلاف، فتوى الأعلم منهما، مع غير الأعلم.

***

[مسئلة 48: إذا نقل شخص، فتوى المجتهد خطأ]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: إذا نقل شخص، فتوى المجتهد خطأ، يجب عليه، إعلام من تعلّم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد، في بيان فتواه، يجب عليه الأعلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 186

(1)

أقول: يمكن، أن يستدلّ على وجوب الاعلام، إذا أخطأ الناقل، في نقل الفتوى، أو أخطأ المجتهد، في بيان الفتوى، بأمور:

الامر الاوّل: وجوب بيان الاحكام و إرشاد الضّال،

و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هذا الوجه و ان كان، في حدّ ذاته تماما، لكن لا يختصّ ذلك، بخصوص من أخطأ، في النقل، أو الفتوى أوّلا، و توقّفه على كون الفعل، او الترك ضلالة، او معروفا، أو منكرا، و مع جهل الشخص، لتوهمه، أنّ ما يفعله، هو الواقع، و عدم علمه، بأن ما يتركه معروفا، و ما يفعله منكرا، لا يكون، مورد ذلك، ثانيا، و أنّ هذا الوجه، لا يقتضي، إلّا بيان الاحكام، بحيث لا يندرس الاحكام، و امّا وجوب إيصاله، إلى كلّ فرد، فرد، حتّى إذا توقف على الحضور، في بيوتهم و امكنتم، فغير معلوم، فلا يوجب ذلك، وجوب المدّعى و هو الاعلام، بخصوص الشّخص، ثالثا ثمّ أنّ هذا الوجه، على تقدير تماميته، يقتضي الاعلام، فيما أخطاء و نقل إباحة، ما هو الواجب، او الحرام واقعا، أو افتى بحلية، ما هو الواجب، أو الحرام، و كذا إذا أخطأ، في النقل، أو الفتوى و ذكر ما هو مباح واقعا، بانّه واجب، أو حرام، لانّ كلّ ذلك، من بيان الاحكام الواجب، على الشّخص.

الأمر الثّاني: انّه نعلم، من ايجاب شي ء، أو حرمته، انّ الشارع، يريد وجود الاوّل و عدم وجود الثاني،

لانّ المستفاد، بحسب المتفاهم العرفى، من دليل الوجوب، و التحريم، هو محبوبيّة وقوع الواجب، و مبغوضيّة وقوع الحرام، في الخارج، سواء كان ذلك، بالمباشرة، أو بالتّسبب، فعلى هذا، يقال، بانّ من أخطاء، في نقل الفتوى، أو في الافتاء، و صار بسببه، الواجب متروكا، في الخارج، أو الحرام موجودا، في الخارج، فهو صار سببا لذلك، فقد أتى، بما هو مبغوض المولى، فيجب عليه الاعلام، بخطائه، كى لا يقع مبغوض المولى، أو لا يترك محبوبه، و لاجل ذلك، يجب الأعلام،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 187

و فيه أنّ تماميّة

الدّليل، موقوف، على كون ترك الواجب، و فعل الحرام، مبغوض الشارع، على كلّ حال و إن كان الفاعل جاهلا، بهذه المبغوضيّة، و هذا غير معلوم.

ان قلت لا اشكال، في انّ الشارع، المريد فعل الواجب، لاجل المصلحة، و ترك الحرام، لاجل المفسدة، يكون فعل الاوّل، و ترك الثاني مطلوبه على كلّ حال، و من يكون جاهلا، بالتّكليف، يكون لأجل جهله، معذورا و أثر جهله، عدم استحقاقه، للعقاب، لا عدم مبغوضيّة، ما ترك من الواجب، او فعل من الحرام.

قلت انّه في كلّ مورد، يكون التكليف، من قبل المولى فعليّا، من غير جهة جهله و ان لم يكن، من حيث جهله فعليّا، او منجّزا، صحّ ما قلت، من كون فعل الحرام، و ترك الواجب، مبغوض المولى، و ان لم يعلم به، المكلّف و لا يصح عقابه، على ترك مطلوب المولى، او فعل مبغوضه، و بعبارة اخرى، جهل المكلف، لا ينافي مع المبغوضية، و امّا فيما لا يكون التكليف فعليّا، حتى من غير حيث جهل المكلّف، فلا يكون العمل، فعلا، او تركا، مبغوضا فعلا و مجرّد الوجوب، أو الحرمة، لا يدلّ على المطلوبية، او المبغوضيّة على كلّ حال، إذ يمكن، كون المصلحة، المترتبة على الواجب، و المبغوضيّة، المترتبة، على الحرام، مترتبة على خصوص، صورة صدور الفعل، او ترك الفعل، بالمباشرة، لا بالتسبيب، فلا يستفاد، من وجوب شي ء، أو حرمته، كشف مبغوضية، ترك الاوّل و فعل الثاني، على كلّ حال، و ان كان بالتسبيب، بالتّرك في الواجب، أو الفعل، في الحرام.

ثمّ انّ هذا الوجه، على تقدير تماميته، هل يقتضي وجوب الاعلام، في ما اخبر المفتى، او ناقل الفتوى، بوجوب شي ء أو حرمته، مع كونه في الواقع، مباحا، كما يقتضي الأعلام،

في ما أخبر بحليّة، ما هو واجب، أو حرام واقعا، أو يختصّ الاعلام، بخصوص الصورة الثّانية:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 188

مقتضى الدّليل، وجوب الاعلام، في خصوص الصورة الثانية، لانّه في هذه الصّورة، يوجب ترك الاعلام، وقوع مبغوض المولى، أو ترك محبوبه، في الخارج، لا في الصورة الأولى.

الأمر الثّالث: دلالة بعض الأخبار على ذلك.

منها ما رواها، ابو عبيدة، قال، قال ابو جعفر عليه السّلام من أفتى الناس بغير علم و لا هدى، من اللّه، لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر، من عمل بفتياه» «1» و غير ذلك، راجع الباب المذكور، و لكن عندى، في دلالتها، على وجوب الاعلام، في محلّ النزاع نظر، لانّه، غاية ما يستفاد منها، و من نظائرها، هو مبغوضيّة الفتوى، بغير العلم، و هذا راجع، إلى من يفتى، مع عدم العلم، و بدون الحجّة له، على الحكم و لا تشمل من يفتى، بمسألة خطأ، مع كونه، في فتواه، متّكيا على الحجّة و إن أخطأ واقعا، فمن يفتى، بغير علم، ليس بمعذور، و في الفرض، يكون معذورا، في فتواه و إن صدر الخطاء منه.

منها «2»، ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج، قال كان ابو عبد اللّه عليه السّلام، قاعدا في حلقة ربيعة الرّأى، فجاء أعرابي، فسأل ربيعة الرّأى، عن مسئلة، فاجابه، فلمّا سكت، قال له الاعرابي، أ هو في عنقك، فسكت عنه، ربيعة و لم يردّ عليه، شيئا، فاعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الاعرابى، أ هو في عنقك، فسكت ربيعة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام، هو في عنقه، قال أو لم يقل و كلّ مفت ضامن» و الإنصاف دلالة، هذه الرواية، على كون المفتى ضامنا و ما قاله،

في عنقه، فلو أخطأ يقتضي ذلك الاعلام بالخطاء، للخروج عن الضّمان و نجاة عنقه و الرّواية و إن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 189

كانت في المفتى، لكن بتنقيح المناط، يدخل النّاقل، المخطئ في نقله، فلاجل هذه الرواية، نقول بوجوب الاعلام.

***

[مسئلة 49: إذا اتفق في اثناء الصّلاة، مسئلة لا يعلم حكمها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: إذا اتفق في اثناء الصّلاة، مسئلة لا يعلم حكمها، يجوز له أن يبنى، على أحد الطرفين، بقصد أن يسأل، عن الحكم بعد الصلاة و أنّه إذا كان، ما اتى به، على خلاف الواقع، يعيد صلاته، فلو فعل ذلك و كان ما فعله، مطابقا للواقع، لا يجب عليه الاعادة.

(1)

أقول: في مورد المسألة، تارة، يتمكّن من الاحتياط و يعلم طريقه، مثلا يشكّ في أثناء الصّلاة، في وجوب ذكر الرّكوع، قبل أن يأتى به و انّه هل يجب التسبيح، مرّة او ثلث مرّات و تارة لا يتمكّن، من الاحتياط، مثل ما يشكّ في أنّ السّورة، هل تكون واجبة، في الصلاة، أو حراما، و كذلك، تارة، نقول بحرمة قطع الصلاة، حتّى في مثل، هذا المورد، الّذي لم يجزم بصحّتها و تارة، لا نقول بذلك، بل حرمته منحصرة، بما إذا أمكن له، حال إتيانها، الجزم بصحّتها، كما لا يبعد ذلك، لانّ العمدة، في وجه، حرمة قطع الصّلاة، الاجماع و الإجماع، متيقّنه الصّورة الثّانية.

و كذلك، تارة كان الواجب عليه، تعلّم المسائل، المبتلى بها، غالبا في الصّلاة، لتمكّنه من التعلم، و اطمينانه، او احتماله الابتلاء بها و تارة لا يجب عليه، لغفلته عن ذلك، أو اطمينانه، بعدم الابتلاء بها.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 190

و نقول بعونه تعالى، لو اتّفق للمكلّف، في اثناء الصّلاة مسئلة، لا يعلم حكمها، فان أمكن، الاحتياط، و يمكن له، العمل به، يجوز العمل و به يقطع بالامتثال، كما أنّه يجوز له، الأخذ بأحد طرفي المسألة، رجاء و اتمام الصلاة و السؤال عن الحكم بعدها، فان كان عمله موافقا، لما هو الواجب عليه، فهو و الا يعيد، أو يقضى الصلاة و لا يجب عليه الاحتياط تعيينا، فيما أمكن الاحتياط، لعدم دليل عليه، و كذلك، فيما لا يتمكّن من الاحتياط، فأيضا، له أن يبنى، على أحد طرفي المسألة و يتمّ صلاته، ثم يسأل عن المسألة، فان طابق ما عمل، مع ما هو الواجب عليه، فهو و إلّا يعيد، أو يقضى الصلاة، هذا كلّه، إن قلنا، بحرمة قطع الصّلاة، في مثل المورد و إلّا لو قلنا، بجوازه، فكما يجوز له، ما قلنا، يجوز له، قطع الصلاة و الاعادة، على ما هو المطلوب، و لا فرق فيما قلنا، بين ما كان الواجب عليه، التّعلم او لا؟ لأنّه في كلّ من الصورتين، لا إشكال في الأخذ، بما ذكرنا.

***

[مسئلة 50: يجب على العامى، في زمان الفحص]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 50: يجب على العامى، في زمان الفحص، عن المجتهد، أو عن الاعلم، أن يحتاط في اعماله.

(1)

أقول: لانّه معه، يكون مأمونا، عن العقاب و بدونه، لا يأمن عنه، و الواجب هو الاحتياط، بمقدار يؤمن، عن العقوبة و هو كما يحصل بالاحتياط، بين المحتملات، يحصل بالاخذ، بما هو الاحوط، من أقوال، الذين يحتمل اجتهادهم او اعلميتهم، فإذا دار الأمر، بين شخصين، يكفى الأخذ بأحوط القولين منهما، لانّه، به يؤمن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 191

عن العقوبة.

***

[مسئلة 51: المأذون و الوكيل، عن المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 51: المأذون و الوكيل، عن المجتهد، في التّصرف في الاوقاف، أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد، بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولّيا، للوقف، أو قيّما على القصر، فانّه لا تبطل توليته و قيمومته على الاظهر.

(1)

أقول: قد ترى أنّ المؤلّف رحمه اللّه فرّق بين صورة، يكون الشخص مأذونا، أو وكيلا، عن قبل المجتهد، فأفتى بانعزاله، بموت المجتهد و بين ما كان منصوبا من قبله للتولية على الوقف او قيّما على القصر فافتى بعدم انعزاله بموت المجتهد و فصّل بعض في الصورة الثانية، بين ما إذا كان، من جعله المجتهد، متولّيا، او قيّما، من قبل نفسه، بحيث يكون من شئون ولايته، فينعزل بموته، و بين ما جعله متولّيا، أو قيّما، عن الامام عليه السّلام بحيث يكون، من شئون ولايته عليه السّلام فلا ينعزل بموته، لانّه في الاوّل، من تبعاته، فيذهب ما تبعه، بتبعه، بخلاف الثّاني، لانّ الامام عليه السّلام باق فيبقى توابعه.

أقول مضافا الى ما يأتى إن شاء اللّه في أنّ مقتضي دليل ولاية الفقيه، هو انّه نائب عن الإمام و ما يعمل يكون عمله عليه السّلام فمن ينصبه لامر

ينصبه حقيقة من قبل الإمام، فلا يصحّ التفصيل، بانّه يتصوّر، في المأذون و الوكيل، هذا التفصيل و، لو تمّ كلامه في المنصوب و وجد دليل، على ولاية الفقيه، في كلّ من الجهتين، أعنى في أن يؤذن، او يوكّل من قبل نفسه، و من باب، انّ له الولاية و بولاية نفسه، إذن له، أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 192

و كلّه، ففي هذه الصّورة، ينعزل بموت المجتهد، لكون الاذن و الوكالة، من قبل شخص خاص، كان له التّصرف و الاذن و الوكالة، ما دام حيا و مع موته، يذهب اختياره، فلا معنى لبقاء، اذن المأذون، أو الوكيل من قبله، و في أن يكون اذنه، أو توكيله، من باب انّ له حقّ، لان يؤذن، أو يوكّل، من قبل الإمام عليه السّلام و بعبارة أخرى، كان الوكيل، في التوكيل عنه عليه السّلام، ففي هذه الصّورة، لا ينعزل المأذون، أو الوكيل لبقاء الموكّل و هو عليه السّلام، بناء على كون الولاية، في الأذن و الوكالة، عن قبله عليه السّلام للمجتهد ثمّ بعد ذلك كله، نقول بعونه تعالى، بانّا تارة، لم نقل بولاية للفقيه مطلقا، في غير الافتاء و القضاء، بل ما يمكن له تصدّيه، من الأمور الاجتماعيّة و السّياسيّة و أمر الحكومة و الدخالة، في أمور الغيّب و القصّر، ليس الّا بمقدار، يجب إجرائها حسبة، من باب، عدم جواز تعطيلها و كون دخالة الفقيه حسبة، من باب القدر المتيقن، لانّه بعد عدم جواز تعطيل هذه الأمور، للزوم اختلال النظام، أو بعض جهات اخرى، فامّا يجب تصدّى هذه الأمور، على كلّ واحد من المؤمنين، أو عدولهم، أو على خصوص الفقيه، و القدر المتيقن، هو الفقيه، فليس

دخالته، من باب ولاية له، كما يظهر، من بعض، فلا معنى لبقاء التولية، او القيموميّة، بعد موت المجتهد، لمن نصبه متولّيا، أو قيّما، لانّه متى كان حيّا، كان له إشغال، هذه الأمور و تصدّيها حسبة و مع موته، لا بدّ من الرّجوع، الى من له الصلاحية، من بين الاحياء، للدّخالة فيها.

و اما بناء على كون الفقيه، من الأولياء و له الولاية، حتّى في غير الفتوى و القضاء، في طول النبي و الإمام صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فلا بدّ من التكلم، في مقدار ولاية الفقيه، و ليس هنا، مقام التعرّض لولاية الفقيه و ما يأتي بنظرى، القاصر عاجلا، هو عدم الاشكال في ولايته، في عصر الغيبة، في الجملة و من يتأمل في وضع الاسلام و حكومته و ما هو، مورد نظر صادعه، كيف يتأمّل في ولاية الفقيه، و هل يوجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 193

انكارها، إلّا إيكال الناس إلى أنفسهم، في الحقيقة و وقوع التشاجر و التنازع بين المسلمين، كيف و يقول صاحبنا صاحب العصر و الزمان روحى فداه «و اما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها، الى رواة أحاديثنا، فانّهم حجّتى عليكم و انا حجّة اللّه عليهم» فما هذه الحوادث، هل الاحكام فقط و هل القضاء فقط، أو هو جعل رواة احاديثهم حجّة و كما قلت سابقا في طيّ المسألة الاولى أعطى العلماء هذا المنصب، فلاىّ أمر جعلهم حجّة لان ينزو و يجلسوا في بيتهم و لا يبالون، ما وقع على كيان الاسلام، او جعلهم حجّة لأن يرجع الناس إليهم، في الحوادث الواقعة و هم يجيبون و يقيمون، بما يجب أن يقام به و الحاصل لو لم يكن، دليل

و نصّ على ولاية الفقيه، كان الوارد، على ما يريد الدّين، مع كماله و وجود، ما يحتاج العباد، إليه، فيه، من السّياسة و تدبير الملك و الملّة و صلاح حال الرعية، و المبارزة مع الجاحدين، و كيفية الدفاع، عن الاسلام و يعدّون له، ما يستطيعون يقطع، انّه لا بدّ من كون الأمر، بيد من يصلح الأمور، و لو لم يكن، ولىّ في غيبة الإمام و هو المجتهد، فمن يرعى النّاس، فاذا لا اشكال، في ولاية الفقيه، و ليس حدود ولايته، منحصرا فقط، بأمر الغيّب و القصر، بل يوسع الأمر، حتّى إلى تأسيس العدّة و العدّة و إدارة المجتمع، مضافا إلى دلالة بعض النصوص عليها، و ليس المقام، مقام التعرّض لها، و قد تعرّضنا لبعض الكلام في هذا الباب فى المسألة الاولى من مسائل هذا الكتاب و في رسالة مستقلّة في ولاية الفقيه.

و على كلّ حال، بعد ثبوت الولاية للفقيه، في الجملة، نقول بأنّ مقتضى، ما يستفاد من النصوص، المربوطة بالمقام، و مقتضى، كون الفقيه نائبا، عن الإمام عليه السّلام، و حجّة من قبله، عدم استقلال له، بل ما يعمل، يعمل بعنوان النيابة و كونه حجّة، من قبله عليه السّلام، فلو نصب متولّيا، او قيّما و لو نصبه، من قبل نفسه، و من باب كونه، من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 194

شئون ولايته، لكن حيث كان، شان ولايته، هو تصديه، من قبله، فليس وزان ولايته، وزان ولاية مستقلّة، في قبال النبي و الوصي عليهما السّلام، حتّى يكون مجعولاته، من قبل نفسه، كما يستفاد من الخبر الشريف، الّذي يروى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، اللّهمّ ارحم خلفائى الخ، و

بعد كون ولايته، في الحقيقة، نيابة، فمن يتصدّى لأمر، من التولية، او القيمومة، فهو يتصدّى، في الحقيقة، عن قبل الإمام عليه السّلام، غاية الامر بواسطة الفقيه فلا يفرض صورتان كما قال بعض شراح «1» العروة و ذكرنا فى أوّل المسألة من انه تارة ينصب المتولى او القيّم من قبل نفسه و تارة عن قبل الامام عليه السّلام» و قياسه بما ذكر، من انّه، إذا كان، في ذمّة زيد واجب، فاستناب عمرا، فلمّا اشتغلت ذمّة عمرو به، ثمّ مات فاستناب وارثه بكرا، فبكر، يكون نائبا، عن عمر، لا عن زيد، قياس مع الفارق، لانّ مثل الفقيه، مثل الوكيل و هو يعمل، عمل الموكّل، فإذا مات المجتهد، فلا معنى لانعزال، من جعله متولّيا، او قيّما.

***

[مسأله 52: اذا بقى على تقليد الميّت من دون انّ يقلّد الحىّ فى هذه المسألة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 52: اذا بقى على تقليد الميّت من دون انّ يقلّد الحىّ فى هذه المسألة كان كمن عمل من غيّر تقليد.

(1)

أقول: ظاهر مفروض المسألة، ما إذا بقى، على تقليد الميّت، من دون تقليد الحىّ، و لم يكن بقائه، عن اجتهاد، ففى هذه الصّورة، كان، كمن عمل من غير تقليد، لعدم كون عمله، مستندا، إلى اجتهاد، أو إلى تقليد، و لا يكون عمله، على طبق

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 195

الاحتياط، و إدراك الواقع به، فيكون من مصاديق الجاهل بالحكم، و قد مرّ تفصيل حكمه، في طى مسئلة 7 و 16 فراجع، و امّا ان كان، في مسئلة البقاء مجتهدا، اعنى بقى على تقليد الميّت، عن اجتهاد، فيصحّ عمله.

***

[مسئلة 53: إذا قلّد، من يكتفي بالمرّة مثلا في التسبيحات الأربع]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 53: إذا قلّد، من يكتفي بالمرّة مثلا، في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلّد من يكتفى، في التيمم، بضربة واحدة، ثم مات، ذلك المجتهد، فقلّد من يقول، بوجوب التعدد، لا يجب عليه، إعادة الاعمال، السّابقة و كذا، لو أوقع عقدا، أو إيقاعا، بتقليد مجتهد، يحكم بالصّحة، ثم مات و قلّد من يقول، بالبطلان، يجوز له، البناء على الصّحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل، بمقتضى فتوى المجتهد الثّاني و أمّا إذا قلّد، من يقول بطهارة شي ء، كالغسالة، ثمّ مات و قلّد، من يقول بنجاسته، فالصّلوات و الاعمال السابقة، محكومة بالصّحة، و إن كانت مع استعمال ذلك الشّي ء و أمّا نفس ذلك الشي ء، إذا كان باقيا، فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحليّة و الحرمة، فإذا أفتي المجتهد الاوّل، بجواز الذّبح بغير الحديد، مثلا، فذبح حيوانا كذلك، فمات المجهد و قلّد،

من يقول بحرمته، فان باعه، أو أكله، حكم بصحة البيع و إباحة الأكل، و امّا إذا كان الحيوان المذبوح موجودا، فلا يجوز بيعه و لا أكله و هكذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 196

(1)

أقول: اعلم أنّ

المسألة، من صغريات الحكم الظاهرى

، و إجزاء لحكم الظاهرى، عن الحكم الواقعى، صار مورد الخلاف، فبعض يقول، بعدم الاجزاء مطلقا، و بعض يقول بالاجزاء، مطلقا، و بعض يقول، بالتفصيل، بين العبادات و المعاملات، من العقود و الايقاعات، فيقول بالاجزاء و بين غيرهما، من الاحكام التكليفية، و الوضعيّة، فيقول بعدم الاجزاء، كما اختاره المؤلّف رحمه اللّه، على ما نسب إليه، في التنقيح، «1» في طى المسألة 1 من باب ما ذهب إليه، في هذه المسألة الّتي نحن فيها، و لكن ما يأتي بالنّظر، هو انّ السيد المؤلّف رحمه اللّه اختار الاجزاء، بالنّسبة إلى ما مضى مطلقا، و قوله بنجاسة الغسالة، إن كانت باقية، نظرا، الى فتوى المجتهد الحىّ، بنجاستها فعلا و كذلك في المذبوح، بغير الحديد، إذا كان باقيا، فلا يجوز بيعه و لا أكله فعلا، نظرا، إلى فتوى المجتهد الحىّ، بعدم الاكتفاء، في مقام الذبح، بغير الحديد، ففي كلّ الموارد، ما رتّب على فتوى، المجتهد الميّت، في السابق يحكم بصحّته و فيما بقى، يحكم بعدم الصّحة و عدم ترتيب الأثر، فليس قوله رحمه اللّه بعدم إعادة الأعمال السابقة الواقعة من المقلّد، على طبق فتوى المجتهد الميّت، من اكتفائه من التسبيحات، بالمرّة و في التيمّم بضربة واحدة، و الحكم بنجاسة الغسالة، مع بقائها و عدم جواز بيع المذبوح، بغير الحديد و أكله تفصيلا، بين العبادات و العقود و الايقاعات، و بين غيرهما من الاحكام التكليفيّة و الوضعيّة، لانّ فيما مضى

حكم بالصّحة، لانّه قال، بانّ الصلاة و الأعمال السابقة، الواقعة، مع الغسالة، محكومة بالصّحة، و كذا لو بيع، أو أكله، قبل موت الميّت، المقلّد، يحكم بصحّة بيعه و إباحة أكله، و هذا ليس تفصيلا، كما انّه يحكم فعلا، بوجوب إتيان ثلاث تسبيحات و ضربتين في التيمم، بل السيد رحمه اللّه ظاهر كلامه، في العقود و الايقاعات، الاجزاء و ترتيب الأثر، حتّى بالنسبة الى

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 44.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 197

الآثار، المترتبة فعلا و بعد كشف الخلاف مثلا، إذا وقع العقد بالفارسية، فكما صحّ كلّ اثر رتب، عليه قبل كشف الخلاف، يرتب عليه، حتّى بعد كشف الخلاف، كلّ أثر يكون للعقد فعلا و لاحقا، و لا يحتاج فعلا ترتيب الآثار اللّاحقة، الى عقد جديد، العربيّة و هذا ليس لازم القول بالاجزاء و ما يقول، السيد رحمه اللّه، مما قلنا يكون في المعاملات فقط، لا في العبادات، كما توهم في التنقيح، لانّ العبادات الماتى بها، قبلا على طبق نظر الميّت ليس له أثر فعلىّ، غير الاعادة و القضاء و عدم الاعادة و القضاء، يكون أثرا آخرا، أو صحة العبادة حسين، عدم كشف الخلاف، فكلام السّيد رحمه اللّه، غير تمام في خصوص العقود و الايقاعات، و لا يكون في الحقيقة تفصيلا في الاجزاء و عدمه، من الموارد، و لكن يمكن ان يقال في وجه التزامه، بترتيب آثار الصّحة، حتى فيما بعد ذلك في العقود و الايقاعات، من باب ان الاثر، حتى في لحال مرتّب على نفس حدوث العقد، لانّ الأثر مرتب على نفس الحدوث، حدوثا و بقاء، فيبقى الأثر بما حدث سابقا من العقد، فتأمل.

و اختار سيدنا الأعلم فقيد الاسلام

آيت اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه الإجزاء فيما يكون، لسان جعل الحكم الظّاهرى، لسان الفرديّة، مثل المذكور في المسألة، فالدّليل الدال، على كفاية تسبيحة واحدة، في التسبيحات الاربع، في الصلاة، أو ضربة واحدة في التيمم، يجعله فردا للصّلاة و التيمم، فتكون الصلاة و التيمم، في الفرض، فرد لطبيعة الصلاة و التيمم، مثل الصلاة، مع ثلاث تسبيحات، و مثل الضربتين، في التيمم، و امّا فيما كان المأمور به، بالحكم الظّاهري، طبيعة أخرى غير الطبيعة المأمور به، بالأمر الواقعي، مثل ما كان أحدهما الجمعة، و الآخر ظهرا فلا يجزي الظّاهري عن الواقعي، إذا عرفت ذلك كلّه:

نقول بانّه تارة، نقول بالاجزاء، امّا مطلقا أو في خصوص، ما يكون الحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 198

الظّاهرى فردا، للطّبيعة، ففي المسألة صح ما قاله المؤلّف رحمه اللّه فمن اتى بالصّلاة، بتسبيحة واحدة، او بالتّيمم بضربة واحدة، على طبق فتوى المجتهد، ثمّ مات و عدل الى الحىّ، الّذي يفتى بوجوب، ثلث تسبيحات و ضربتين، في التيمم و كذا لو أوقع عقدا بالفارسية، أو ذبح بغير حديد، يحكم بصحة صلاته و تيمّمه و عقده و ذبحه، فيما مضى و اما بالنّسبة إلى الحال، فلا بد من الاخذ بفتوى الحىّ، و لازمه وجوب ثلاث، تسبيحات في الصّلاة و ضربتان في التيمم و إنشاء العقد، بالعربية، حتى بالنسبة الى العقد الّذي، جرى بالفارسيّة و عدم حلّية ذبح المذبوح، بغير حديد، و عدم جواز أكله، ان كان باقيا فعلا.

و

ما يمكن أن يستدلّ به، على الاجزاء وجوه:
الوجه الاوّل: دعوى الاجماع على الاجزاء

و فيه، انّه مضافا الى عدم تحقّق، إجماع على الاجزاء، لمخالفة بعض، بانّ كون الاتّفاق، من باب اجماع تعبّدى، كاشف عن قول المعصوم عليه السّلام، او وجود نصّ معتبر، غير معلوم،

بل يمكن كون نظر القائلين، الى واحد من الوجوه الاخر الّتي، نذكرها إن شاء اللّه.

الوجه الثّاني: دعوى السيرة على الاجزاء،

و عدم إعادة الأعمال الواقعة، على طبق الطريق، بعد كشف الخلاف و فيه امّا أوّلا، عدم تحقق سيرة من المتشرعة، على ذلك و ثانيا تحقّق سيرة، ينتهى الى زمن المعصوم عليه السّلام، بحيث يكشف، عن كون ذلك من الشرع، غير معلوم، بل معلوم العدم.

الوجه الثالث: كون عدم الاجزاء،

و لازمه وجوب اعادة أعمال السابقة أو قضائها، بعد كشف الخلاف، موجبا للعسر و الحرج، و من المعلوم، نفى الحكم،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 199

الموجب له، لقوله تعالى «1»، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

و فيه أنّه في كلّ مورد، يكون الإعادة و القضاء و تدارك، ما أتى على طبق الطريق، المنكشف خلافه، حرجيّا، نقول به، لكن لا يوجب ذلك، في كلّ مورد كشف الخلاف، نعم يوجد نادرا، مورد يكون التدارك حرجيّا و لكن لا كليّة له، فالدّليل أخصّ من المدّعى.

الوجه الرّابع: بعد كون، معنى حجّية الطرق و الامارات، منجّزيّتها، عند الاصابة و معذريّتها، عند الخطاء،

و تكون حجّيتها، متوقفة على الوصول بالمكلّف، بمعنى أنّه وصلت إليه حجّيتها، بحسب الكبرى و الصغرى، تكون حجّة مثلا، إذا علم بحجّية البينة، و قامت على نجاسة شي ء، يجب الاجتناب عنه، و منجّز عليه، عند الاصابة و عذر عند الخطاء، و تقدّم على الأصل الجارى، على خلافه، فبعد كون المراد، من الحجيّة ما قلنا، يظهر لك، انّ انكشاف الخلاف، في الحجّية، امر غير معلوم، لانّه لو انكشف، عدم حجيّة، ما توهم حجّيتها، فليس معنى ذلك، انكشاف خلافها، بل معناه، سقوطها عن الحجّية، بمعنى انّها كانت، قبل ذلك منجزة، عند الاصابة، معذّرة عند الخطاء، و لا تكون فعلا، بعد قيام الحجّة، على خلافها حجّة، اى له، أثر الحجّية و هو المنجّزية و المعذّرية، فيكون مورد قيام الحجة الثانية، على خلاف الحجّة السابقة، من قبيل تبدّل الموضوع دائما، و بناء عليه، لا ينكشف مخالفة الحجّة السابقة، مع الواقع، حتّى يقتضي القضاء، أو الاعادة، لانّ الحجة الثانية، تقتضى سقوط الحجّة الاولى، من حين قيامها لا انكشاف مخالفة الأولى، مع الواقع في ظرفها.

و فيه أنّ حجّية الحجّة و إن كانت بالوصول، و مع

الوصول ليس معناها، الّا

______________________________

(1) سورة الحج، الآية 78.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 200

المنجّزية و المعذريّة، إلّا انّ مقتضى كلّ حجّة، هو ثبوت مدلولها، في الشرع مطلقا، فعلا و سابقا، و بعد ذلك، و عدم اختصاص حجّيتها بزمان دون زمان، فعلى هذا، مقتضى الحجّة السابقة، و اللاحقة، هو كون مدلولها، ثابتا مطلقا، و لكن حيث انّ الحجّة السابقة، سقطت عن الحجّية، لا تؤثّر فعلا:

و الحجّة الثانيّة حيث تكون حجّة فعلا، مقتضى مدلولها، عدم صحّة ما وقع، على طبق الحجّة السابقة، و بطلان ما وقع، فلا بدّ من الاعادة و القضاء، فعلى الفرض، سقطت حجّية قول المجتهد الميّت، فلا تؤثّر شيئا، و قول الحىّ حجّة فعلية، و هو على الفرض، يقتضي بطلان ما وقع، بمقتضى قول المجتهد الميّت، فيجب عليه الاعادة و القضاء، لانّ مقتضى حجّيته، هو أنّ مدلول قوله، ثابت مطلقا، في كلّ من الأزمنة، من الحال و السابق و اللاحق.

الوجه الخامس: ما قيل، من أنّ منشأ الأخذ، بقول المجتهد الحىّ و العدول إليه، بعد المجتهد الميّت، حكم العقل،

بتعيّن الأخذ بقوله، لانّه المتيقن فحجّية قوله، من باب أصالة التعيين، و هي الاصل العقلى:

فنقول أنّ استصحاب الاحكام الظاهرية، الثابتة، بقول الحجّة السابقة، بالنسبة الى الاعمال السابقة، و هو قول المجتهد الميّت، وارد عليها، لورود الأصل الشرعى، على الأصل العقلى، فلا بدّ أن يقال، بالاجزاء:

نعم لو كان الدّليل، الدال على حجّية، رأى المجتهد الحىّ، له إطلاق لفظى يمكن أن يقال بشمولها للسابق، كشمولها للحال و لكن، بعد كون الدّليل، أصالة التعيين، الثابتة بحكم العقل، فالمتيقن منه، حجيته في الحال و لا يثبت بها، حجية قوله، في السابق و استصحاب الحكم الظاهرى السابق، أو استصحاب الحجة، الثابتة سابقا، يقتضي بقاء الحكم الظاهرى، لما وقع من الاعمال، حتّى فعلا، فلا دليل، يقتضي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 201

سقوط الحجية، السابقة بل الاستصحاب، يقتضي بقاء الحكم الظاهرى، الثابت سابقا، فتكون النتيجة الاجزاء.

و فيه انّ الحكم الظاهري، الثابت سابقا، كان مستتبعا، لحجّية رأى المجتهد الميّت و بعد سقوط رأيه، عن الحجّية، لا معنى للحكم الظاهرى، كى يستصحب و في الحقيقة، يكون المورد كالشّك السارى:

و مثله استصحاب، نفس الحجية، بناء على جريان استصحابها، لانّ مقتضى حجّيتها السابقة، كونها منجزة، أو معذّرة، مع فرض حجيتها، و بعد سقوطها عن الحجّية، ليس بحجّة حدوثا، حتى يحكم بقاؤها، ببركة الاستصحاب.

الوجه السّادس: ما هو مختار سيّدنا الأعظم آيت اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه في الاصول،
اشارة

في مبحث الاجزاء، و قد تعرّض مفصلا، لاجزاء الحكم الظاهري، عن الواقعي، ليس هنا مجال ذكره، بعد ما افاد، بانّ موضوع البحث، في مسئلة الاجزاء، يفرض له صورتان:

الصّورة الاولى: ما إذا كان الواجب، واقعا طبيعة و قام الطريق، أو الاصل،

اى الحكم الظاهرى، على وجوب طبيعة اخرى، مثلا ما هو الواجب، في يوم الجمعة، يكون صلاة الجمعة، و ما هو مفاد الحكم الظاهرى، هو صلاة الظهر، فأتي بصلاة الظّهر، ثم انكشف الخلاف، فلا اشكال، في عدم اجزاء الحكم الظّاهرى، عن الواقعى، لانّ طبيعة الواجب الواقعى، لا مساس لها، مع طبيعة الواجب الظّاهرى، و هذه الصّورة، ليست محلّ الكلام، في الاجزاء رأسا.

الصّورة الثّانية: ما إذا كان الواجب، بحسب الواقع و الظاهر طبيعة واحدة،

غاية الأمر، لهذه الطبيعة، فرد واقعا، و يكون مفاد الحكم الظاهرى، جعل فرد آخر، لهذه الطبيعة، مثلا طبيعة الصلاة، واجبة واقعا، و ظاهرا، لكن بحسب الواقع، ما هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 202

فرد لهذه الطبيعة، الصلاة مع السورة، أو الصلاة، مع طهارة الثوب و البدن، و بمقتضى لسان الحكم الظاهرى، من الاصل، أو الامارة، هو أنّ من شكّ في وجوب السّورة، لا يجب عليه السورة، بمقتضى حديث الرفع مثلا، أو إذا شكّ، في طهارة بدنه، أو ثوبه، يحكم بطهارته، بمقتضى اصالة الطهارة، ففي هذه الصورة، يكون الحكم الظاهرى، بمفاده، ناظرا، الى الحكم الواقعى، و لا يلاحظ، مستقلا في قبال الحكم الواقعى، بل له اصطكاك بالواقعى، ففي هذه الصورة، حيث يكون الحكم الظاهرى، بدليله حاكما، على الحكم الواقعى، و شارحا له، فمقتضاه، إجزائه عن الواقعى، حتّى في صورة انكشاف الخلاف، لانّ لسان الظاهرى، جعل الفرديّة للطبيعة و أنّ الصلاة، لها فرد أيضا، و هو بلا سورة و كذلك، الطهارة المعتبرة أعمّ من الواقعى، و الظاهرى، فالفرد الظاهرى، فرد للطبيعة، مثل الفرد الواقعى، فقهرا إتيان الفرد الظاهرى، يقتضي الاجزاء، عن الواقعى، لحصول الطبيعة، و أفاد حين بحثه أنّه لا إشكال في ذلك، ثبوتا و إثباتا، امّا ثبوتا، فلعدم استحالة، في ذلك

و أجاب عن بعض ما أورد، على الاجزاء، من الاشكالات العقليّة، امّا إثباتا، فلانّ هذا، مقتضى دليل حجّية الامارة، و الأصل في خصوص هذه الصّورة:

فان تمّ ما أفاده «قدّس سرّه» من الاجزاء، في هذه الصورة، فلا اشكال، في عدم وجوب الاعادة و القضاء، فيمن أتى بتسبيحة في صلاته، أو ضرب مرّة في تيممه، بفتوى المجتهد الميّت، ثم رجع، الى الحىّ، الّذي يفتى، بوجوب ثلاث تسبيحات، في الصلاة، أو ضربتين، في التيمم و كذلك، لو عقد بالفارسيّة، أو ذبح، مع غير الحديد، في انّه لا يجب عليه، اعادة الصلاة، أو قضائها، في ما أتى بتسبيحة، أو ضرب مرّة، في التيمم و كذلك، في ما عقد بالفارسيّة، بالنسبة، إلى ما مضى و كذلك، في الذّبح بغير الحديد، بالنسبة إلى ما مضى، و ان كان يجب، في الحال، اتيان الصلاة، مع ثلاث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 203

تسبيحات و التيمم بضربتين، و العقد بالعربى، و الذبح بالحديد:

هذا كلّه بالنّسبة، الى ما مضى، من الآثار المترتّبة سابقا، على طبق رأى المجتهد الميّت.

و امّا بالنسبة، الى الآثار الفعليّة، مثلا فيما عقد بالفارسيّة، فصحّ كلّ اثر، رتب عليه سابقا و امّا في الحال فيجب الاخذ، بفتوى الحىّ، بفتوى الحىّ، فترتب الأثر في الحال و بعد ذلك، محتاج الى إنشاء، عقد جديد، بالعربيّة و كذلك، فيما ذبح بغير الحديد، فما باع من الذبيحة، أو أكل منها سابقا فمحكوم بالصّحة، و اما في الحال، فهى محكوم بالنجاسة، و لا يجوز بيعها، و لا أكلها بمقتضى فتوى الحىّ، من وجوب كون الذّبح بالحديد.

فما قال السيد رحمه اللّه في المتن، من ترتيب الآثار الفعليّة، على العقد، أو الايقاع، الواقع على طبق،

فتوى الميّت، حتّى بعد الرجوع الى الحى، المخالف فتواه مع الميت، ليس بتمام، كما عرفت، في صدر المسألة، إلّا ان يقال، بأنّ الأثر من حلّية المرأة، مثلا في عقد الواقع، بالفارسية حيث كان حدوثا و بقاء ترتب على نفس، حدوث العقد و لو ظاهرا فقد حدث العقد و صحّ في حاله، بناء على الاجزاء فيترتب عليه الحلّية، حتّى فيما بعد و لكن هذا دعوى بلا دليل، أولا و امكان هذا الدعوى، في الذبح بغير الحديد أيضا، فلم فرق بين العقد و الذبح ثانيا:

الفرق بين الوجوه الخمسة الّتي، أقيمت على تمامية الأجزاء، و بين الوجه السّادس، هو الاجزاء مطلقا، حتّى فيما كان، متعلّق الحكم الظاهرى، طبيعة، غير طبيعة المتعلّقة، للحكم الواقعى، إلّا أن يدعى أنّ محلّ النزاع، في الاجزاء ليس هذه الصّورة بناء على هذه الوجوه و امّا بناء على الوجه السادس هو اختيار الاجزاء، فيما كان لسان الحكم الظاهرى، جعل الفرديّة و التوسعة، في دليل الواقع، و لم يكن متعلق الحكم الظّاهري، الّا الفرديّة للطبيعة المتعلقة، للحكم الواقعى، و هو مختار سيّدنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 204

الاعظم «قدّس سرّه» فالاجزاء مختص، بهذه الصورة فقط.

امّا لو لم نقل، بالاجزاء حتى في هذه الصورة فمقتضى القاعدة، إعادة ما فات منه، من الصلاة، أو القضاء، بعد انكشاف الخلاف، إذا كان المتروك، من الخمسة، الّتي يجب، بمقتضى حديث لا تعاد، أعاد الصلاة لتركها، و امّا إن كان من غيرها، فلا يجب قضاء الصلاة و لا إعادتها، ان قلنا، بشمول حديث لا تعاد، لغير الناسى، من الجاهل بالحكم، ان كان عن قصور، و اما لو انحصرناه، بخصوص الناسى، يجب الاعادة و القضاء: فى الجاهل و

ان كان جهله عن قصور

هذا في الصّلاة و امّا في غيرها، من العبادات، فيجب إعادتها، أو قضائها، كالصّوم و الحجّ، ان كان اطلاق، دليل اعتبار الشرط، أو الجزء المتروك، او عدم المانع الموجود، يشمل محلّ الكلام، أعنى الصّورة الّتي، يكون الترك مستندا إلى الحجّة المنكشفة، خلافها و كذلك مقتضى القاعدة، في العقود و الايقاعات و الذّبح، هو عدم ترتيب الأثر، على الصّحة حتّى بالنسبة، الى لآثار السابقة، بعد انكشاف الخلاف هذا.

***

[مسئلة 54: الوكيل في عمل، عن الغير]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 54: الوكيل في عمل، عن الغير، كإجراء عقد، أو إيقاع، أو إعطاء خمس، أو زكاة، أو كفّارة، أو نحو ذلك يجب أن يعمل، بمقتضى تقليد الموكّل، لا تقليد نفسه، إذا كانا مختلفين، و كذلك الوصىّ، في مثل ما لو كان وصيّا، في استيجار الصّلاة عنه، يجب أن يكون على وفق، فتوى مجتهد الميّت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 205

(1)

أقول: اعلم انّ الكلام، تارة يقع فيما يقتضيه، وظيفة الوكيل، من حيث الوكالة، أو الوصىّ، من حيث الوصاية، أو الاجير، من حيث اقتضاء الاجارة، او المتبرع، من حيث التبرّع و تارة، يقع الكلام، فيما يحصل به، تفريغ ذمّة الموكّل، او الموصى، او المستأجر، أو المتبرّع عنه، و ظاهر المؤلّف رحمه اللّه كون نظره، إلى المورد الثّاني، و على كلّ حال.

نقول

امّا الكلام، في المقام الاوّل،

فالكلام يقع مرّة في الوكيل، و الوصى، لكون وزانهما واحدا، لانّ الوصاية، في الحقيقة، وكالة لما بعد الموت، فنقول إذا كان، متعلّق الوكالة مطلقا، بمعنى أنّ ما وقع، تحت إنشاء الوكالة مطلقا، أو كان مقيدا بوقوع مورد الوكالة، على طبق فتوى، من يقلّده الوكيل، فلا ينبغى الاشكال، في أنّ الامر أو كل إليه، و لا بدّ أن يأتي بمورد الوكالة، على الوجه الصّحيح، بنظره و الصّحيح بنظره، ما يفتى به مقلد الوكيل، امّا فيما كان مقيّدا، بوقوع مورد الوكالة، على طبق نظر الوكيل، فواضح و امّا فيما جعل الانشاء، مطلقا، فإطلاق الوكالة، و ان كان يقتضي اطلاقها، من حيث القيود، من ناحية الموكّل، و من القيود، وقوع مورد الوكالة، على طبق فتوى، مقلّد الموكّل في حدّ ذاته، و على الفرض، موضوع الوكالة مطلق، فلا بدّ من اتيانه، على الصحيح بنظره،

و لكن بعد ما نعلم، بانّ نظر الموكّل و الموصى، في الوكالة و الوصاية، تفريغ ذمّه نفسه و قد أو كل ذلك إلى الوكيل و الوصى، ففي الحقيقة هما يعملان عمله، بالتّسبيب، فلا بدّ من الاقتصار، بما يحصل براءة ذمّه الموكل الموصى به، كما يأتي إن شاء اللّه.

و اما إذا كان، متعلّق الوكالة مقيّدا، بوقوع موضوعه، على طبق فتوى، مقلد الموكّل، لا اشكال، في أنّ اقتضاء، الوكالة، هو وقوع موضوعها، على طبق فتوى، مقلّد موكّله، لعدم وكالة له، في غير المقيّد، نعم هنا إشكال من حيث، انّ الوكيل، بحسب تكليفه، لو راى فساد، ما و كلّه الموكّل، هل يصحّ، هذا التوكيل، بالنسبة إليه،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 206

أولا، و لو أخذ حقّا، في قبال عمله، هل يكون، أكل المال، بالباطل، أو لا يكون اكلا بالباطل، و كذا في الوصى، و لو قلنا بفساد الوكالة، أو الوصاية، أو حرمة المال، فيما كان موردهما، عملا فاسدا، بنظر الوكيل، و الوصيّ، فلا تصحّ الوكالة و الوصاية، لاجله، لا انّه يجوز العمل، على طبق نظره، و ان كان انشائهما، مقيّدا، بوقوع موضوعهما، على طبق فتوى مقلّد الموكّل، أو الموصى.

و في هذا المقام، يمكن أن يقال، مجرّد عدم كون، مورد هما فاسدا، بنظر الوكيل، أو الوصيّ، كاف في جواز العمل لهما، مثل ما إذا كان، مورد العمل، موافقا للاحتياط.

و الظاهر أنّ في حكم هذه الصورة، اى صورة تقييدهما، باتيان موردهما، على طبق فتوى الموكل، و الموصى، ما إذا كانت الوكالة، أو الوصاية، بحكم التقييد و ان كان بحسب الظاهر مطلقا، كما إذا نرى، أنّ نظر الموكل، أو الموصى، هو براءة ذمّة نفسه، فيقول على عهدتى الكفارة

و اريد براءة ذمتى، فانت وكيلى، في أداء الكفارة، الواجبة عليّ، أو وصيّ في ذلك، فموردهما و إن كان مطلقا، لكن يكون، في حكم التقييد، فلا يبعد، كون حدّهما، هو ما ينطبق، على خصوص فتوى مقلّد الموكل، و الموصى لا غير.

و اخرى يقع الكلام، في الأجير، فهو أيضا مثل الوكيل و الوصى، من حيث إطلاق الاجارة، و تقييدها، نعم يشكل الأمر، فيما يعلم الاجير، بفساد الإجارة: و كان مورد الاجارة، صورة فاسدة بنظر الاجير، في التقرب به، إذا كان موردها، العبادة و في أخذ الأجرة، فلهذا لا بدّ و أن يقال، بصحّة الاجارة، في خصوص ما لا يكون موردها، عملا فاسدا بنظره، لانّ معه، تكون الاجارة فاسدة، لكون موضعها، عملا غير عقلائية، و أكل المال بالباطل.

و ثالثة، يقع الكلام في المتبرّع و لا اشكال، في انّ الأمر إليه و جواز العمل بنظره حتّى مع التفات المتبرّع عنه، بذلك و حتّى مع منعه، عن العمل، لعدم توقّف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 207

صحة عمل التبرّع، على إذنه، بل هو منوط، بالجهات المصحّحة، للتّبرع بنظره، هذا كلّه من حيث اقتضاء الوكالة، او الوصاية، او الإجارة، او التبرّع «من الاحكام».

المقام الثّاني: فنقول انّ الكلام، ان كان، فيما يفرغ به، ذمّة الموكل

و الموصى و المستأجر و المتبرّع عنه، فنقول بعونه تعالى: امّا فيما صرّح الموكل، أو الوصى، أو المستأجر، بأن يؤتى العمل، على طبق نظر الوكيل، و الوصى و الاجير، فلا اشكال، في لزوم العمل، على طبق نظرهم، و يكشف عن ذلك، براءة ذمّتهم بنظرهم به، و امّا فيما لو قيّد إتيانها العمل، على طبق نظر انفسهم، فواضح، من أنّ حصول، موضوع الوكالة و الوصاية و الاجرة به، و كذا براءة ذمته انفسه، بظاهر الشّرع:

و

امّا فيما، لو اطلق موضوعها، فانه كما عرفت و ان كان عقد الوكالة، مع الاطلاق، يقتضي ايكال الأمر، إلى الوكيل و الوصيّ و الاجير، لكن بعد معلوميّة، كون النظر، براءة الذّمة و هو ما يكون بنظرهم، بحسب فتوى مقلّدهم، مبرأ، فيكون بحكم التقييد، لانهم أوكلوا أمر انفسهم، إلى الوكيل و الوصى و الاجير، فبعد كون النظر إلى براءة ذمّتهم، لا بدّ من العمل، على طبق وظيفتهم فافهم.

امّا المتبرّع، فهو و ان كان، يجوز له التبرّع، بنظره و لا دخالة، لاذن المتبرّع عنه، في عمله، لكن تارة يريد التبرع عنه، بما هو الواقع، فالواقع، ما هو مقتضى فتوى مقلّده، لانّه مؤد الواقع، في نظره، فيتبرّع به، و تارة يريد التبرّع، بما هو الواقع، في نظر المتبرّع عنه، فلا بدّ من تطبيق عمله، مع فتوى مقلّد المتبرّع عنه.

***

[مسئلة 55: إذا كان البائع مقلّدا، لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 55: إذا كان البائع مقلّدا، لمن يقول بصحة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 208

المعاطاة مثلا، أو العقد بالفارسىّ، و المشترى مقلّدا، لمن يقول، بالبطلان، لا يصحّ البيع، بالنّسبة الى البائع أيضا، لانّه، متقوّم بطرفين، فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في كلّ عقد، كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، و مذهب الآخر صحّته.

(1)

أقول: ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من تقوّم، العقد بالطرفين، و ان كان صحيحا، و لكن هذا، لا يوجب توقف الصحة، عند كلّ منهما، في الظاهر، على الصحة، في نظر الآخر، ظاهرا.

كما أنّ كون المعاملة، بين الشخصين، حيث تكون من الأمور المتضايفة، فان صحّت، أو فسدت، بالنسبة، إلى أحد الطرفين، كذلك بالنّسبة الى الطرف الآخر، يوجب ما قاله من الملازمة، لكون هذه الاضافة، في مقام الواقع، فلا معنى لصحة المعاملة

أو فسادها واقعا، بالنسبة إلى طرف و عدمها بالنسبة الى الآخر، امّا في الظاهر فإذا راى أحد الطرفين من العقد، صحة المعاملة، باجتهاد، أو تقليد ظاهرا، يصح له، ترتيب الأثر و ان رأى الطرف الآخر، فسادها و لا يجوز له، ترتيب الأثر الصحيح، و ان كان هذا، يوجب التنازع، بين المتعاملين و لا بدّ، من رفع الأمر، إلى الحاكم الشرعى.

***

[مسئلة 56: في المرافعات، اختيار تعيين الحاكم، بيد المدّعى]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 56: في المرافعات، اختيار تعيين الحاكم، بيد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 209

المدّعى، إلّا إذا كان مختار المدعى عليه، أعلم، بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه، الاحوط، الرّجوع إليه مطلقا.

(1)

أقول: يفرض، تارة مع تعدّد الحاكم، الواجد للشرائط، كون كل من الحاكمين، أو أكثر، متساوين، في العلم و تارة، يفرض كون، بعض منهما او منهم، أعلم من البعض الآخر، و في كلّ منهما، تارة يفرض الكلام، فيما يكون، أحد طرفي الدّعوى، مدعيا و الآخر المدّعى عليه، و تارة يكون، كل منهما مدّعيا، مثل ما اذا تداعيا، على شي ء، و في كلّ منهما، تارة يكون الكلام، فيما قبل، رجوع المدّعى، إلى حاكم، للترافع، مثل ما يكون، بين المدعى و المدعى عليه، نزاع، في دين، او ميراث و انجرّ امرهما، بالترافع، فوقع بينهما، الخلاف، فيقول المدّعى، بالرّجوع إلى احد، من القاضيين، و المدّعى، عليه بالرّجوع الى آخرهما.

و تارة يكون الكلام، بعد رجوع المدعى، إلى حاكم خاص، من بين الموجودين، ثمّ يعيّن المدعي عليه، شخصا آخرا منهما،

الصّورة الاولى، ما كانا متساويين

و كان الكلام، قبل رجوع المدعى، الى حاكم خاصّ، من بين الموجودين، و كان احد طرفي الدّعوى، مدعيا و الاخر المدّعى عليه.

فنقول، بعد كون حق رفع الأمر إلى الحاكم، لأجل أخذ الحقّ، الّذي يطالبه للمدّعى، فله أن يرجع، الى الحاكم، في مقام استنقاذ، ما يدّعيه، من المدّعى عليه، و ليس أمرا مربوطا بالمدّعى عليه، حتّى يكون له، الخيرة و بعد رجوع المدّعى بالحاكم، فعلى الحاكم، الترافع بينهما، و الحكم بما يقتضيه، قواعد القضاء، و ليس في ذلك، دخل لرضا المدّعى عليه، و اختياره، كيف و يكون المسلّم في الجملة بانه إذا

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 210

رجع المدّعى الى الحاكم يأمر الحاكم باحضار المدعى عليه او يحكم بغيابه فلهذا يكون، اختيار تعيين الحاكم، بيد المدعى و لا حاجة مع ما قلت، بالاجماع، حتّى يستشكل فيه، بعدم اجماع تعبّدى، أو أنّ المدّعى له الحقّ فالأمر بيده، حتّى يستشكل، بعدم ثبوت، كون الحقّ له، بل هو يدّعى الحق و مجرّد كون، حق الدّعوى له، لا يقتضي، كون الأمر بيده، و لعلّ مراد من يقول، بأنّ الأمر بيده، لكونه مدّعى الحق، هو ما قلنا، من أنّ طبع، كونه مدّعيا مع أنّ الشارع، تعين رجوعه، إلى الحاكم، كون أمر الرّجوع مطلقا بيده.

و امّا الصّورة الثّانية: أعني فيما كان، أحد طرفي الدّعوى، مدعيا و الآخر المدّعى عليه

و كان الحاكمان، متساويين في العلم و كان الكلام، بعد رجوع المدّعى، الى حاكم، للترافع، فعلى المدعى عليه، اجابة دعوة الحاكم، لو طالبه للجواب، و كون الأمر من الترافع، في حضور المدّعى عليه، أو في غياب، بالنّحو الجائز، بيد الحاكم، فلا مورد، لاختيار المدعى عليه، هذا كلّه، مع تساوى الموجودين، من الحكام في العلم، و لا فرق في الصورتين، بين كون الترافع، لاجل الاختلاف في الموضوع، أو في الحكم.

الصّورة الثّالثة: فيما كانا متداعيين،

سواء كان قبل رجوع المدّعى الى الحاكم او بعد رجوعه و كان الحاكمان متساويين فحيث انّه يكون لكلّ منهما اقامة الدّعوى و رفع الأمر الى الحاكم فكلّ منهما ابتدأ بذلك فللحاكم العمل بوظيفة القضاء نعم لو بادر كلّ منهما في آن واحد و أقام الدّعوى عند الحاكم فهل ينفذ حكم كلّ من الحاكمين، او لا لعدم امكان نفوذ حكم كلّ منهما و ينتهى الأمر الى القرعة أو غير ذلك فمحله في باب القضاء.

الصورة الرّابعة: ما اذا كان، في الموجودين، من الحكام، من هو أعلم
اشارة

من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 211

غيره، فهل يتعيّن الرّجوع، الى خصوص الاعلم، أو يتخيّر، بين الرّجوع إليه، و بين الرّجوع، الى غير الاعلم، او يتعيّن الرّجوع في صورة اختيار المدعى عليه، من هو أعلم، وجوه، وجه

تعيّن الرّجوع، إلى خصوص الأعلم، هو انّه المتيقن، من مورد الأدلّة، الدالة على الرّجوع، إلى المجتهد، و انّ المستفاد، من بعض روايات الباب، مثل المقبولة، هو كون الأعلم، المرجع، مع الاختلاف، و أن الظّن، من قول الأعلم، من باب اعلميّته، أقوى من غير الأعلم.

وجه التخيير، أوّلا مقتضى الإطلاقات الدالّة، على الرجوع، إلى رواة الحديث، أعنى المجتهد،

و ثانيا السيرة على ذلك، من باب إرجاع الائمّة عليهم السّلام، بالاشخاص، مع كون الأعلم منهم موجودا فيهم، أو إرجاع المسلمين إليهم، مع كون الأعلم، منهم فيهم، وجه تعيين الرجوع، الى الأعلم، فيما اختار المدعي عليه، الأعلم، هو أنّ الاعلم، هو المتيقن، في صورة اختلافهما، في اختيار الحاكم.

أقول بانّه للمسألة صورتان:

صورة، تكون الترافع لاختلاف المدّعى و المدّعى عليه، في الموضوع،

و صورة يكون لاختلافهما في الحكم، امّا الصورة الاولى اعنى ما كان، الترافع، لاجل الاختلاف، في الموضوع، مع تبيّن الحكم، فلا وجه لتعيّن الرجوع إلى الاعلم، لانّ إطلاقات الأدلة، تشمل الأعلم و غيره، فقوله عليه السّلام، بالأمر ينظران، من عرف احكامنا، يشمل كليهما بوزان واحد:

مضافا إلى أنّ لزوم الارجاع إلى خصوص الاعلم، في القضاء و الترافع، مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 212

شدة ابتلاء النّاس، و كثرة الحاجة به، يوجب التكليف بالمعسور، بل غير المقدور، فكيف يمكن للنّاس، في اقطار العالم، الرجوع، في القضاء، إلى الأعلم، الّذي يكون، في بلد خاصّ و كيف يمكن له، التصدّى بتمام المرافعات و الاختلافات.

نعم يبقى هنا كلام، في

انّه، لو لم يجب الرّجوع، إلى الأعلم المطلق، هل يجب الرجوع، إلى الأعلم بالنسبة، مثلا أعلم من في بلد المترافعين، إذا كان المجتهد متعدّدا، أو لا و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، في ذيل الصّورة الثّانية.

الصّورة الثّانية: ما كان الترافع، لأجل الاختلاف،

بين المدعي و المنكر، في الحكم، مثلا الزوجة تدعى سهمها، من الأرض غير الدّور و المساكن، على ساير الورثة، فنقول، تارة يقال، بعدم صحّة التمسّك بالرّوايات، مثل المقبولة، أو التوقيع، لضعف السّند، أو الدلالة، فتكون النتيجة، تعيّن الرجوع، إلى خصوص الاعلم، لانّه بعد كون الأصل، عدم نفوذ حكم الغير، بالنسبة إلى الغير، من غير دليل، فلا بدّ من الأخذ، بقدر المتيقن، و المتيقن هو الاعلم، الّا ان نتشبّث، بما ذكرنا، من كون التكليف، بالرجوع، الى خصوص الأعلم، متعسّرا، بل متعذّرا، فلا بدّ من الاقتصار بالرّجوع، إلى غير الاعلم، مقدار ما يرفع به العسر، و عدم التمكّن، فتكون النتيجة، هو الرجوع إلى الاعلم، بالنسبة، مثلا أعلم من في البلد، أو الأقرب به، من غير البلد، سواء كان الترافع، لأجل الاختلاف في الموضوع، مثلا اختلافهم في الدين، أو في الحكم، مثل ما تدّعى الزّوجة سهمها، من أراضى غير الدّور و المساكن، من تركة زوجها.

و تارة، لا نقول بذلك، بل نقول، بأنّ مقتضى اطلاق، مقبولة «1» عمر بن حنظلة، و فيها قال ابو عبد اللّه عليه السّلام «ينظر ان من كان منكم، ممّن قد روى حديثنا،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 213

و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فانّى قد جعلته عليكم حاكما الخ» عدم اعتبار الاعلميّة، لانّ مفادها، أنّ الشّخص، إذا

كان راويا، لحديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم و عرف أحكامهم، فهو يليق لأن يشغل، مسند القضاء و جعله حاكما فلا اشكال، في دلالتها و موردها و إن كان التحاكم و بناء كل من المدّعى و المدّعى عليه، على الترافع، و يشمل أيضا ما إذا كان نفس المدّعى، في مقام رفع الدعوى، لكون مفادها، بيان من يليق، لمنصب القضاء.

ان قلت انّ ذيلها «1»، تدلّ على تعين الأعلم، بقوله عليه السّلام فيها «فان كان كلّ واحد، اختار رجلا من اصحابنا، فرضيا، ان يكونا الناظرين، في حقّهما و اختلف فيما حكما، و كلاهما اختلفا، في حديثكم، قال، الحكم، ما حكم به، أعدلهما و أفقهها و أصدقهما في الحديث الخ».

قلت بانّ الأمر بأخذ الأفقه، يكون فيما تراضيا باختيارهما، بالحاكمين و هذا غير مربوط بالمقام لانّ في المقام، يكون بصدد عدم وجوب الرّجوع، الى الاعلم، لا عدم جوازه، بل تراضيهما بالحاكمين، شاهد على عدم كون الواجب، الرّجوع الى خصوص الاعلم و الّا كيف يجوز الرجوع إليهما، مع كون أحدها، غير اعلم، و امر الإمام عليه السّلام بالرّجوع، في صورة اختلاف الحاكمين المرضيين، بالرّجوع الى الاعلم منهما أيضا، شاهد آخر، على عدم وجوب الرّجوع، بالاعلم و الا كان المناسب، أن يقول لا وجه للترافع عند غير الاعلم من رأس فتأمّل:

فرواة حديثهم، يشمل غير الاعلم، كالأعلم و امّا الإشكال بضعف سندها، كما يرى مكرّرا في التنقيح تقرير بحث استاده آيت اللّه الخوئى و هو من اعاظم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 214

معاصرينا، فنقول، بعد كون الميزان، في حجّية الخبر الواحد، عندنا، هو الاطمينان بالصّدور، سواء

كان الحديث صحيحا، باصطلاح القدماء أو لا، فمع عمل الاصحاب بها و تعرّضهم لها، في كتبهم و الاستناد بها، يكفى لنا، في حصول الاطمينان بصدورها، و العجب منه، بأنّه لا يعتنى، بعمل بعض القدماء «رضوان اللّه عليهم»، برواية من الروايات، مع قرب عهدهم، و كون الأصول، عندهم و منهم أخذنا، هذه المصطلحات، ثمّ يكتفى فقط، بما قال ابن قولويه رحمه اللّه في كامل الزيارات، من تصحيح رواة الكتاب، و الحال انّه لم يكن في زمان الرواة، بل يرى الطّعن، في بعض رواة كتاب، كامل الزيارات، كما ذكره في التنقيح «1»، في طىّ المسألة 68 في مسائل التقليد، حيث يقول، عند الاستدلال، باعتبار الاعلميّة في القاضي، ببعض الاخبار و يجيب عنها «و منها معتبرة داود بن الحصين، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجلين اتّفقا، على عدلين، جعلاهما، بينهما، في حكم وقع بينهما، فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، فاختلف، العدلان بينهما، عن قول ايّهما، يمضى الحكم، قال ينظر إلى أفقههما و أعلمهما، بأحاديثنا و أورعهما، فينفذ حكمه و لا يلتفت إلى الآخر» و هذه الرواية و إن كانت، سليمة عن المناقشة، من حيث السّند، عن كلا طريقى الشيخ و الصدوق و إن اشتمل كلّ منهما، على من لم يوثّق في الرّجال، فان في الاوّل، حسن بن موسى الخشّاب و في الثاني، حكم بن مسكين و ذلك، لانّهما، ممّن وقع، في أسانيد كامل الزيارات، على أنّ حسن بن موسى، ممّن مدحه النّجاشي «قدّس سرّه» بقوله، من وجوه أصحابنا، مشهور كثير العلم و الحديث، و الحسنة كالصّحيحة، و الموثقة من حيث الاعتبار، فلا مناقشة فيها، من حيث السّند» مع انّ ابن قولويه رحمه اللّه و إن كان لا

إشكال، في جلالة قدره و عظم خطره، و لكن هو كان، في القرن الرابع، و ما كان في عهد، مثل حسن بن موسى

______________________________

(1) التفقيح، ج 1، ص 429.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 215

الخشّاب، أو حكم بن مسكين، فلا بدّ من أن يكون توثيقه، إمّا بقرائن، لا يعتنى هذا القائل «اعنى آيت اللّه الخوئى» كما يرى من مقدّمة رجاله، أو بتوثيقات، من السّابقين عليه، و لم أر في الرّجال، ذكر عن توثيق ابن قولويه، باعتبار ما في كتابه، كما يظهر للمراجع، في حسن بن موسى و حكيم بن مسكين، المذكورين في جامع الرواة، و على كلّ حال، ليس النظر بالاشكال، على كامل الزيارات و مصنّفه البارع، بل النظر إلى انّه لا يمكن الاقتصار، على خصوص توثيقه، بل يحصل الاطمينان، بالصّدور بغيره أيضا، و على كلّ حال، تكون الروايتان، ممّا يحصل الوثوق، بصدورهما، و مقتضى الحجّية فيهما، موجود و لا إشكال في دلالتهما، على كفاية مطلق العلم، و الاجتهاد و كون الشخص راويا لاحاديثهم، لاشغال منصب القضاء و لو لم يكن أعلم.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 215

و مثل ما رواها، ابو خديجة «1»، قال بعثنى ابو عبد اللّه عليه السّلام، إلى أصحابنا، فقال:

قل لهم، إيّاكم إذا وقعت بينكم، خصومة، أو تدارى في شي ء، من الأخذ و العطاء، أن تحاكموا، إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلا، قد عرف حلالنا و حرامنا، فانّى قد جعلته قاضيا و إيّاكم أن يخاصم، بعضكم بعضا، الى السّلطان الجائر» المذكورة في الباب المذكور

أيضا، و إطلاقه يشمل، كلّ من عرف حلالهم و حرامهم، سواء كان أعلم، أو غير أعلم، و يدلّ على ذلك غيرها من الروايات، لا حاجة إلى ذكرها، فتلخّص من كلّ ذلك، عدم اعتبار الاعلميّة، في القاضي، سواء كان الترافع، لأجل الاختلاف، في الموضوع أو في الحكم.

و مثل رواية «2» أخرى منه، المذكورة في باب الاوّل، من أبواب اوصاف

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 216

القاضي في الوسائل:

و امّا التوقيع «1» الشريف، ففيه قال روحى له الفداء و امّا الحوادث الواقعة، فارجعوا، إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتى عليكم و أنا حجّة اللّه الخ»

فهل يكون له، إطلاق يشمل الأعلم و غير الاعلم، فانّه لو كان له الاطلاق، فحيث أنّ الحوادث الواقعة، أعمّ من الّذي، يحتاج النّاس فيها، الى الافتاء و من القضاء، فمقتضاه، عدم اعتبار الاعلمية، حتّى في المفتى:

أو لا يكون له الإطلاق، من هذا الحيث، لا يبعد عدم الإطلاق له، لانّ التوقيع، يكون في الجملة، في مقام بيان، انّ رواة الحديث و الفقهاء لهم، المرجعيّة في غيبته «عجّل اللّه فرجه الشّريف» و ليس النّاس، بحيث يكونون، بلا سائس و رئيس و مدبّر في أمرهم، و امّا كون هذا في بينهم، مع أىّ شرائط، أو فيما كان الأعلم و غير الأعلم، فأيّهما المرجع، خصوص الأعلم، أو هو و غيره، فليس فى مقام بيانه، فلا يستفاد منه، إطلاق من هذا الحيث.

فتلخّص انّه لا يعتبر الاعلميّة، في القاضى، بمقتضى المقبولة و حديثى أبي خديجة و ربما يوجد غيرهما، في الأخبار:

و يؤيّد بل يدلّ،

عليه أنّ الارجاع، في مقام القضاء، إلى خصوص الأعلم، أمر متعسّر، بل متعذّر و لا يكون القضاء، كالافتاء، فأخذ الفتوى، يمكن بالسّماع و عن الرّسالة و عن المخبرين العدلين، أو من يحصل من قوله الاطمينان، بخلاف القضاء، فانّه يحتاج إلى الحضور و الترافع و إقامة البيّنة و التعديل و الجرح و اليمين و كيف، يمكن للأعلم تصدّى كلّ المرافعات.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 217

ثم انّ ما قلنا، من عدم اعتبار الاعلميّة، لا فرق بين الصور المذكورة، من كون الترافع، بين المدعى و المنكر، أو بين المتداعيين، قبل رفع الأمر إلى الحاكم و بعده، كان الاختلاف في الموضوع، أو في الحكم فافهم.

***

[مسئلة 57: حكم الحاكم، الجامع للشرائط، لا يجوز نقضه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 57: حكم الحاكم، الجامع للشرائط، لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر، إلّا إذا تبيّن خطاؤه.

(1)

أقول: أنّ عند الفقهاء «رضوان اللّه عليهم»، كلاما، في مورد نفوذ، حكم الحاكم و انّه في خصوص القضاء، أو في غيره أيضا، و هنا، ليس محل تعرّضه و يكون، كلاما آخر و هو أنّه في كلّ مورد، قلنا بنفذ حكمه، إذا حكم الحاكم، الجامع للشّرائط، فهل يجوز نقضه، أو لا يجوز نقضه، حتّى لمجتهد آخر، ثمّ بعد ذلك، كلاما في انّه لا يجوز نقضه، حتّى فيما يتبيّن خطاؤه، أو يجوز نقضه، في هذه الصّورة، فالكلام في هذه المسألة يقع فى مقامين اما الكلام في المقام الاوّل، بعد نفوذ، حكم الحاكم في الجملة لا يجوز نقضه، في الجملة، حتّى لمجتهد آخر و يستدلّ على ذلك، بوجوه:

الوجه الاوّل: الإجماع و استشكل، بأنّ وجود الاجماع التعبّدى، غير محقّق، و إمكان نظر القائلين، في عدم

جواز النقض، إلى بعض الرّوايات.

الوجه الثّاني: مقبولة «1» عمر به الحنظلة المكرّر، ذكرها، لانّ فيها، قال عليه السّلام «فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبل منه، فانّما بحكم اللّه، استخف و علينا ردّ و الراد علينا،

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صفات القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 218

الرّاد، على اللّه تعالى، و هو على حدّ الشّرك باللّه» و هذه الجملة، تدلّ على عدم جواز، نقض حكمه و الرّد عليه.

و قد يورد عليه، بضعف السّند، بعمر بن الحنظلة و قد سبق الجواب منّا.

الوجه الثّالث: هو أنّه لا إشكال، في أنّ القضاء، بين الناس، من الشئون الّتي، أمر به الشارع، و قد جعل له، أهلا و احكاما، في نواحيه المختلفة، و النّظر في جعل القضاء، هو فصل الخصومات و قطع المنازعات، بين الناس، فلو كان حكم الحاكم، قابلا للنقص، لا يبقى للقضاء، و الحكومة بين الناس أثر، و يكون جواز نقض حكمه، نقضا لغرض، جعل القضاء، فهذا أوضح.

و يمكن أن يقال، بجريان هذا الوجه، في الحكم، في غير مورد القضاء، مثل حكم الحاكم، برؤية الهلال، بناء على نفوذ حكمه، في أمثالها، لانّ الفرض، وضوح تكليف الناس، و ذهابهم، لى ما ينبغى، أن يذهب إليه، فمع قابلية النقض، يبقى الأمر، على إبهامه، فتأمل.

و امّا المقبولة، فلا اشكال، في كون موردها، القضاء بين الناس، إلّا أن يقال، بانّه، بعد نفوذ حكم الحاكم، الشرعى، في غير القضاء، من باب الولاية، أو حسبة، فيكون حكمه، بحكمهم عليه السّلام، فالراد عليه، يكون رادّا عليهم.

و اما الكلام، في مقام الثّاني و هو أنه لا يجوز، نقض حكم الحاكم، الشرعى مطلقا، حتّى لمن تبيّن عنده، خطاؤه، أو يجوز

نقضه، فيما تبيّن خطاؤه، و بعبارة أخرى، يكون مورد، عدم النقص، خصوص صورة، لم يتبيّن خطائه:

وجه عدم جواز النقض مطلقا، هو أنّ المستفاد، من النصوص الواردة، في جعل القضاء، و جهاته، و لزوم الحكم، بالقضاء، كون حكم الحاكم، مجعولا على نحو الموضوعيّة، لا على نحو الطريقية للواقع، و إلّا فتلغى، حكمة القضاء، إذ في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 219

الاختلافات، في الموضوع، يعلم في بعض الموارد، المحكوم عليه، عدم كونه واقعا، مشغول الذمة، بما حكم عليه، فلو كان يجوز نقض الحكم، يمكن له، عدم تسليم، ما حكم عليه، أو لو أخذ منه، يأخذ عن المحكوم له، حتّى بنحو التقاص و السرقة.

وجه جواز النقض، في صورة تبيّن الخطاء، هو أنّه لا اشكال، في كون حكم الحاكم، مجعولا في ظرف الشّك، في الواقع، مثل ساير الامارات، فلو علم بعدم موافقته، مع الواقع و لو من باب، ما عند العالم بالخطاء، من الأمارة على خلافه، مع الواقع أو كان طريق حكمه، فاسدا عنده، مثل ما حكم بشهادة النساء، مع عدم كون موردها، فيجوز نقضه، للحاكم الآخر و لا يمكن الالتزام، بشمول ادلّة اعتبار حكم الحاكم، كائنا ما كان، و لزوم ترتيب الاثر به، حتّى عند من يعلم، بعدم مطابقته للواقع، و لو بسبب الطريق، القائم عنده، بخطائه، أو يرى خطائه، في مقدّمات حكمه، مثل عدم كون قضائه، على طبق الموازين الشرعية، و لهذا و لو كان الواجب، على المحكوم عليه، ظاهرا تسليمه، بحكم الحاكم و اداء موضوع الحكم، بالمحكوم له، لكن لو يعلم، عدم استحقاقه، يجوز له، أخذ ما تسلّم منه، تقاصا، أو سرقة، و كذلك، يحرم على المحكوم له، ما أخذ بحكمه، إذا

يعلم، عدم استحقاقه واقعا، فافهم.

***

[مسئلة 58: إذا نقل ناقل، فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 58: إذا نقل ناقل، فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدّل رأى المجتهد، في تلك المسألة، لا يجب على الناقل، إعلام من سمع منه الفتوى الاولى و إن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له، خطاؤه في النقل، فانّه يجب عليه الاعلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 220

(1)

أقول: قد ذكرنا في المسألة 48 وجوب الاعلام، على من أخطأ، في نقل الفتوى، أو أفتى خطأ، على خلاف الواقع.

و امّا في المسألة و هي ما لا يكون خطاء، في النقل من الناقل، فنقل فتوى مجتهد، و كان هى فتواه، ثمّ تبدّل رأى، هذا المجتهد، فلا تسبيب من الناقل، على الضلالة و لا تشمل المورد، الرواية الّتي، استدلنا، بها على وجوب الاعلام و هي رواية «1» عبد الرحمن بن الحجاج، لانّ موردها، ما كان الخطاء، في النقل، بناء على هذا، لا يجب الاعلام، نعم لا مانع، من أن يحتاط و يعلمه و لكن الاحتياط، ليس بواجب، بل يكون مستحبّا.

***

[مسئلة 59: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 59: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى، تساقطا و كذا البيّنتان و إذا تعارض النقل، مع السماع، عن المجتهد شفاها، قدّم السماع و كذا إذا تعارض، ما في الرسالة مع السماع و في تعارض النقل، مع ما في الرسالة، قدّم ما في الرسالة، مع الأمن، من الغلط.

(2)

أقول: الكلام في موارد:

الأول: إذا تعارض الناقلان، في نقل الفتوى.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 221

الثّاني: ما إذا تعارضت البيّنتان.

الثّالث: ما إذا تعارض السّامعان.

الرّابع: ما إذا تعارضت الرسالتان.

الخامس: ما إذا تعارض كل منها، مع الآخر، مثلا تعارض الناقل مع البيّنة، أو تعارض

النقل مع السماع أو تعارض السماع مع الرّسالة و هكذا.

و قبل الورود، في بيان أحكام الموارد، المذكورة، نقول بأنّ مورد الكلام، يكون مورد تعارض، كلّ منهما، مع الآخر منهما، ففي كلّ مورد، يمكن الجمع بينهما، بحيث لا يرى تعارض، فهو خارج، عن مورد الكلام، في التعارض، مثلا إذا نقل أحد الناقلين، فتوى المجتهد، بوجوب صلاة الجمعة، في يوم الجمعة معينا، في الشهر الماضي، و نقل الآخر، فتواه بحرمتها، في الشهر الحال، فلا تعارض بينهما، إلّا إذا كان الشخص عالما، بأنّ ما كان فتواه، في الشهر الماضي، لم يتغيّر، إلى الآن، لانّه في ما كان، نقل أحدهما، في السابق و الآخر، في اللاحق، فيمكن تبدّل، فتوى المجتهد و لهذا لا تعارض، بين النقلين، سواء نقل الثّاني، تبدّل فتواه، أو لم ينقل، بل نحتمل، كون منشأ الاختلاف، بين الفتويين، تبدّل رأيه.

إن قلت، مع إختلاف النقلين و عدم العلم، بتبدّل رأيه، يستصحب عدم عدوله، من فتواه السابق و مقتضي ذلك، بقاء فتواه الاوّل، فيتعارض النقلان.

قلت بانّه يمكن استصحاب الحكم السابق و معه لا تصل النوبة، باستصحاب عدم عدوله، عن رأيه السابق، لانّ الاستصحاب الحكمى، مقدّم على الاستصحاب الموضوعى:

و لكن مع ذلك، مع النقل الثّاني و هو بناء على حجّيته، مثل ما إذا قلنا بحجّية،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 222

قول الخبر الواحد، أو حجّيته، في خصوص ما يورث الاطمينان، يكون مقدّما على الاستصحاب، لانّه إمارة و الأمارة وارد، أو حاكم على الأصل، على الكلام فيه.

إذا عرفت ذلك، نعطف عنان الكلام، إلى بيان حكم الموارد إن شاء اللّه:

المورد الاوّل: ما إذا تعارض الناقلان، مثلا ينقل أحدهما، فتواه بوجوب صلاة الجمعة فعلا، و الآخر ينقل فتواه على

حرمتها، فعلا فحكمه، حكم تعارض البيّنتين.

المورد الثّاني: ما إذا تعارضت البيّنتان و قد مضى حكمه، في المسألة 20 من انّه مع التعارض، إن كان مستند، كلّ منهما الاصل، أو العلم، فيتساقطان و امّا إن كان مستند إحداهما، العلم و الأخرى، الأصل، يؤخذ بما يكون، مستندها، العلم و يطرح الأخرى.

المورد الثالث: ما إذا كان منشأ النقل، السّماع عن المجتهد، شفاها فتعارض، من يدّعى السماع الشفاهى، مع الآخر، فهو من صغريات الاختلاف، في النقل و يطرحان و يتساقطان، لكون منشأ، كلّ منهما، الحسّ، فلا ترجيح و لا بدّ من تساقطهما.

المورد الرّابع: ما إذا تعارضت الرّسالتان و لا يمكن الجمع بينهما، فأيضا تتساقطان، عن الحجّية.

المورد الخامس: تعارض، كلّ من هذه الأمور الاربعة، مع غيرها، مثل تعارض النقل مع البيّنة:

فنقول، امّا في مقام تعارض النقل مع السّماع أو البينة، مع السّماع، فيكون السّماع مقدّما، لانّ سماع نفس الشّخص، الفتوى من مجتهد، يكون علما و النقل و البيّنة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 223

فليستا بعلم فيعلم مع سماع خلافه من المجتهد، كون النقل و البينة، على خلاف الواقع ليستا بحجّة، في قبال السّماع.

و اما مع تعارض السماع، مع الرسالة: فتارة تكون الرسالة، بقلم نفس المجتهد، فهل تتعارض، مع السماع و يتساقطان، لانّ السماع منه و الكتابة الّتي منه و بقلمه، في عرض واحد، لان التعارض بين خطه و قوله و أصالة عدم الخطاء، جارية في كلّ منهما، في حدّ ذاته و لا ترجيح، لأحدهما، على الآخر أو يقدّم الرسالة، من باب أنّ العناية في مقام الكتابة، بالكتب يكون أكثر، من مقام التكلّم و لهذا، في مقام التعارض، مع الأخذ، بالكتابة، لا يبعد الثّاني.

و تارة لا تكون

الرسالة بقلمه، فتكون الرسالة، بمنزلة النقل و الخبر، فكما انّ السّماع مقدّم، على النقل، فكذلك السماع، مقدّم على الرّسالة، الّتي ليست بخطّه.

و اما مع تعارض النقل، مع الرسالة، فأيضا نقول، إن كانت الرّسالة بخطّه، فهى مثل السّماع بنفسه، من المجتهد، فمقدّمة على النقل و امّا إن لم تكن الرّسالة بخطّه، فيكون مثل النقل، و يتعارضان، و يتساقطان و لم يتعرّض المؤلّف رحمه اللّه لصورة، تعارض النقل، مع البيّنة و لعلّه، من باب كونهما، في عرض واحد، و لهذا يتساقطان، إذ بعد كون، اعتبار، كل منهما من باب الاطمينان، فيكون في عرض واحد.

***

[مسئلة 60: إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 60: إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها، و لم يكن الأعلم حاضرا، فان أمكن تأخير الواقعة، الى السؤال، يجب ذلك و إلّا فان أمكن الاحتياط، تعيّن و إن لم يمكن، يجوز الرجوع،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 224

إلى مجتهد آخر، الأعلم فالأعلم و إن لم يكن هناك، مجتهد آخر و لا رسالته، يجوز العمل، بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك، من يقدر على تعيين، قول المشهور و إذا عمل بقول المشهور، ثمّ تبيّن بعد ذلك، مخالفته لفتوى مجتهده، فعليه الإعادة، أو القضاء و إذا لم يقدر على تعيين، قول المشهور، يرجع إلى أوثق الأموات، و إن لم يكن ذلك أيضا، يعمل بظنّه و إن لم يكن له، ظنّ بأحد الطرفين، يبنى على أحدهما و على التقادير، بعد الاطلاع، على فتوى المجتهد، إن كان عمله مخالفا، لفتواه، فعليه الإعادة، أو القضاء.

(1)

و أقول: في المسألة مسائل:

الأولى: ما إذا عرضت مسئلة، لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا،

فان أمكن تأخير الواقعة، إلى السّؤال، يتخيّر بين التّأخير و الاحتياط، فيما يعلم طريق الاحتياط، لجواز الاحتياط، و أنه أحد طرق ادراك الواقع في عرض التقليد و الاجتهاد، كما انّه لو كان، يعلم بموافقة، فتوى غير الاعلم، مع الأعلم، كان يجوز له الرّجوع، الى غير الاعلم، فما قال المؤلّف رحمه اللّه من تعين التّأخير، إلى السؤال غير صحيح.

المسألة الثّانية: ما إذا لا يمكن التّأخير

فان أمكن الاحتياط فلا اشكال في جواز الاحتياط، و هل يتعيّن عليه الاحتياط، من باب إنّ طريقه الاعلم، الّذي لا يمكن الوصول إليه و لكن يمكن الأخذ بقوله، بالأخذ بالاحتياط، بحيث يحفظ الطريق، او يجوز له الرّجوع إلى غير الأعلم، بطريق الأعلم فالأعلم.

أقول ان كان، يعلم بموافقة غير الاعلم، مع الاعلم، فلا اشكال في جواز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 225

الرّجوع إليه، كما يجوز له الاحتياط، و امّا مع الشك، في المخالفة، فهل يجوز الرّجوع، الى غير الاعلم، من باب انّه، و ان قلنا بوجوب تقليد الاعلم، حتّى في هذا الفرض، لكن مورده، تمكن الوصول إليه، أو التمكّن من التأخير و أمّا مع عدم امكان التأخير و عدم تمكّن الوصول بالاعلم، يجوز الرّجوع، إلى غير الأعلم، لعدم حكم العقل، في هذه الصّورة، بتعين الرّجوع، إلى خصوص الأعلم، الاقوى مع الشّك في المخالفة و تمكّن الاحتياط، تعيّن الاحتياط، لانّه بالاحتياط، يمكن حفظ، ما هو طريقه و هو الأعلم، الّذي لا يكون حاضرا.

المسألة الثّالثة: ما إذا لا يمكن التّأخير و لا يمكن الاحتياط،

فلا إشكال في جواز الرّجوع، الى المجتهد، الغير الاعلم، بطريق الأعلم، فالأعلم لعدم وجوب العقل، تعيّن الرجوع إلى الاعلم، في هذا الحال.

المسألة الرّابعة: ما إذا عرضت مسئلة، و لا يمكن التأخير،

و لا يمكن الاحتياط و لا يكون مجتهد، حاضرا و لا يمكن الوصول، إلى فتواه، لعدم ناقل و لا بيّنة و لا رسالة، يحكى عن فتواه، يجب الرّجوع إلى الظّن بدليل الانسداد، لانّه بعد ما يعلم، عدم جواز إهمال، ما وقع فيه، من حيث حكمه، و عدم إمكان الاحتياط و عدم وجود علم و لا علمى، و عدم مجال لا جراء الاصل، فلا بدّ من التنزّل، الى الظّن و في مقام الأخذ بالظّن، بما هو الاقرب إلى الواقع، هل يكون الترتيب، كما ذكر المؤلّف رحمه اللّه من الرّجوع أوّلا إلى قول المشهور، ثمّ أوثق الاموات، ثم الظّن، من أىّ طريق حصل: أوّلا

أقول، ان كان الظّن الحاصل، من قول المشهور، ثمّ من قول أوثق الأموات أقوى، يمكن ترجيحهما، على مطلق الظّن و لكنه غير معلوم، إذا ربما يكون، من غير المشهور، أقوى، و كذا يكون من غير الأوثق اقوى، فليس كلامه، بإطلاقه صحيحا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 226

بل الميزان بالنّحو الكلّى، هو الأخذ بالطّريق الّذي ظنّه، أقوى من الآخر.

المسألة الخامسة: ما إذا لا يمكن تأخير الواقعة و لا الاحتياط،

و ليس مجتهد و لا يمكن الوصول بفتواه، و لا يمكن تعيين قول المشهور، يرجع الى أوثق الأموات، من باب كون ظنه أقوى، و لا بدّ من الرّجوع إليه، بمقتضى دليل الانسداد، و قد مرّ في المسألة الرّابعة، الإشكال في ترجيحه مطلقا.

المسألة السّادسة: المسألة بحالها و لكن لا يمكن تحصيل فتوى اوثق الاموات يعمل بظنه

بمقتضى دليل الانسداد و قد بينا في المسألة الرابعة الإشكال في ترجيح قول المشهور او اوثق الاموات مطلقا.

المسألة السّابعة: المسألة بحالها

و لم يكن له ظنّ، بأحد الطرفين بينى على أحد الطّرفين.

المسألة الثّامنة، في كلّ مورد، من الموارد المتقدّمة، إذا عمل بالاحتياط،

فيما أمكن فهو و إلّا فلو عمل، على طبق رأى الغير الأعلم، أو المشهور، أو اوثق الاموات او غيرها، إذا تبيّن بعد ذلك، مخالفته، مع فتوى مجتهده، هل يجب عليه، الإعادة، و القضاء، فيما له الإعادة و القضاء، أو لا يجب، فقد عرفت الكلام فيه، في طىّ المسألة 53 فراجع.

***

[مسئلة 61: إذا قلّد مجتهدا، ثم مات فقلّد غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 61: إذا قلّد مجتهدا، ثم مات فقلّد غيره، ثم مات فقلّد من يقول، بوجوب البقاء، على تقليد الميّت، أو جوازه، فهل يبقي، على تقليد المجتهد الاوّل، أو الثّاني، الاظهر، الثّاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 227

و الأحوط، مراعاة الاحتياط.

(1)

أقول: الكلام تارة، في صورة، يقول المجتهد الثّالث، بجواز البقاء، و تارة، فيما يقول بوجوب البقاء:

امّا الكلام، فيما يقول، بجواز البقاء، فلو أراد المقلّد، أن يبقى على تقليد الميّت، بمقتضى جواز مجتهده الفعلى، فلا بدّله، من البقاء على تقليد الثّاني، لانّه فيه، يصحّ البقاء، و أمّا بالنسبة إلى المجتهد الاوّل، يكون من التقليد الابتدائي، لانّه على الفرض، عدل من الاول، إلى الثّاني، بتقليده، للثّاني و رجوعه إليه، إلّا أن يقال، بأنّه لا مانع من التقليد الابتدائى، إلّا الاجماع، و شموله، لهذا المورد، و هو ما إذا قلّده مدّة ثمّ عدل إلى مجتهد آخر، غير معلوم، فعلى هذا، لا مانع من البقاء، على تقليد المجتهد الاوّل، كما انّه، يجوز البقاء، على تقليد المجتهد الثّاني، هذا كلّه فيما كان، المجتهد الاوّل و الثّاني و الثّالث، مساويا من حيث العلم و لم يكن فى البين اعلم أو مع وجود الأعلم، في البين، لا يجب تقليده معيّنا، للعلم بكون فتواه، موافقا مع فتوى غير الأعلم.

و امّا الكلام، فيما يقول المجتهد الحىّ، بوجوب البقاء و مختارنا،

كما عرفت، وجوب البقاء، فيما يكون، المجتهد الميّت اعلم، في مورد، نوجب تقليد الأعلم، فبناء على ما قلنا، من أنّ الرجوع، إلى تقليد المجتهد الاوّل، ليس من التقليد الابتدائي الممنوع، فنقول، الواجب البقاء، على تقليد من هو أعلم، من الاول و الثّاني، فيما يتعيّن الرّجوع، إلى الأعلم و هو صورة معلوميّة، مخالفة فتوى الأعلم، مع غير الأعلم، و صورة الشّك، في المخالفة و مع مطابقة، فتوى الأعلم منهما، مع غير الأعلم، فيتخيّر بين البقاء، على فتواه، و بين الرّجوع، إلى، غير الأعلم، كما انّه يجوز العدول، الى الحىّ مع كونه، مساويا معهما، أو يكون موافقا، مع الأعلم منهما،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 228

في الفتوى.

***

[مسئلة 62: يكفي في تحقق التقليد، أخذ الرّسالة و الالتزام، بالعمل بما فيها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 62: يكفي في تحقق التقليد، أخذ الرّسالة و الالتزام، بالعمل بما فيها، و إن لم يعلم ما فيها، و لم يعمل، فلو مات مجتهده، يجوز له، البقاء و إن كان الأحوط، مع عدم العلم، بل مع عدم العمل و لو كان، بعد العلم، عدم البقاء و العدول إلى الحىّ، بل الأحوط استحبابا، على وجه عدم البقاء مطلقا، و لو كان بعد العلم و العمل.

(1)

. أقول: و ان كان، قد عرفت، في طى المسألة 8 أنّ التقليد، نفس العمل، لكن كما بيّنا، في ذيل مسئلة 9 أنّ جواز البقاء و عدمه، ليس مبيّنا، على معنى التقليد، حتّى يقال يختلف، جواز البقاء، على الاختلاف، في معنى التقليد، فمن يقول مثلا، بأنّه نفس العمل، لا بدّ و أن يقول، بجواز البقاء مع العمل، في زمان حياة المجتهد، بل هو مبنىّ على مقدار، دلالة دليل، جواز البقاء، و هو لا يدلّ، على جواز البقاء في خصوص صورة العمل

بل يكفي و لو أخذ المسألة، من المجتهد حيّا و لو لم يعمل به، حال حياته، نعم لو كان الاجماع منعقدا، على عدم جواز التقليد ابتداء، بحيث كان معقد الاجماع «عدم جواز التقليد ابتداء» يمكن ان يقال، بناء على تفسير التقليد، بانّه نفس العمل، لا يكون فى مورد، لم يعمل، حال حياة المجتهد، بفتواه تقليد، حتّى يبقى عليه، لكن تحقّق هذا الاجماع غير معلوم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 229

[مسئلة 63: في احتياطات الاعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 63: في احتياطات الاعلم، إذا لم يكن له، فتوى يتخيّر المقلّد، بين العمل بها و بين الرّجوع، إلى غيره، الأعلم فالأعلم.

(1)

أقول: أمّا الاحتياط، فهو حيث يكون، به يدرك الواقع فبناء على جوازه، كما مضى، فلا اشكال فيه، فيما يدرك به الواقع، فان كان احتياط المجتهد، بنحو يدرك به الواقع، فلا إشكال في جوازه، و أمّا لو كان احتياطه، بحيث لا يعلم معه، بإدراك الواقع، مثلا يحتمل وجوب السّورة و يحتمل استحبابه و يحتمل حرمته في الصّلاة، فيحتاط المجتهد، بإتيانه، في مقابل جواز تركه، فهو احتياط بين الاستحباب و الوجوب بانّ الاحوط، عدم تركه، و ربما لا يدرك، باحتياطه الواقع، من باب احتمال كونه مانعا، في الصلاة و لاجل درك الواقع لا بدّ من إتيان صلاة مع السورة و صلاة بلا سورة، و لكن يدرك به الواقع، عند المجتهد، فيكفى هذا الاحتياط، لطريقيّة قوله، في هذا المقدار، و إن لم يكن طريقا، في خصوص استحبابها، أو وجوبها، و بعبارة اخرى، لا تكون مانعا، بحسب فتواه، فيتخيّر بين العمل، باحتياط المجتهد، كما يجوز له الرّجوع، إلى غيره، الأعلم فالأعلم، لانّه على الفرض، لا يكون للمجتهد، فتوى في هذه المسألة، فيجوز الرّجوع،

إلى غيره، بطريق فالاعلم، الأعلم، فيما يكون يعلم باختلاف، باقى المجتهدين، غير مجتهده، أو يشكّ في ذلك، و الّا فمع العلم، بموافقتهم، يتخيّر بينهم و إن كان أعلم بينهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 230

[مسئلة 64: الاحتياط المذكور في الرّسالة، إمّا استحبابيّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 64: الاحتياط المذكور في الرّسالة، إمّا استحبابيّ و هو ما إذا كان، مسبوقا، أو ملحوقا بالفتوى و إمّا وجوبى و هو ما لم يكن معه فتوى و يسمّى بالاحتياط المطلق و فيه، يتخيّر المقلّد، بين العمل به و الرّجوع إلى مجتهد آخر و أمّا القسم الاوّل، فلا يجب العمل به، و لا يجوز الرّجوع إلى الغير، بل يتخيّر بين العمل، بمقتضى الفتوى و بين العمل به.

(1)

أقول: أمّا فيما كان الاحتياط وجوبيّا، و هو ما لا يكون مسبوقا و لا ملحوقا بالفتوى، فيجوز الأخذ، في مقام العمل، بطريق احتياطه، لما عرفت في المسألة السابقة، كما يجوز له الرّجوع، إلى مجتهد آخر، بعين ما قلنا، في المسألة السابقة

و أمّا إن كان الاحتياط استحبابيّا و هو ما كان مسبوقا، أو ملحوقا بفتوى على خلافه، فيجوز له الأخذ بالاحتياط، كما يجوز له الأخذ، بخصوص فتوى المجتهد المسبوق، أو الملحوق، باحتياطه و لا يجوز الرّجوع، إلى الغير، لانه مع كون الفتوى، لمجتهده، لا معنى للرّجوع، إلى الغير و هذا فيما لا يجوز له الرجوع، الى الغير، مثل ما كان مجتهده أعلم و فتواه، هذا مخالف مع غيره، أو يشكّ في المخالفة، و أمّا مع موافقتهما، فيجوز الرّجوع، إلى غيره و معلوم أنّ صورة الموافقة، ليس مورد الكلام.

***

[مسئلة 65: في صورة تساوى المجتهدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 65: في صورة تساوى المجتهدين، يتخيّر بين تقليد، أيّهما شاء، كما يجوز له التبعيض، حتّى في أحكام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 231

العمل الواحد، حتّى أنّه لو كان مثلا، فتوى أحدهما، وجوب جلسة الاستراحة و استحباب التّثليث في التسبيحات الأربع و فتوى الآخر، بالعكس، يجوز أن يقلّد الاوّل في استحباب التثليث و الثّاني

في استحباب الجلسة.

(1)

أقول: قد مرّ تفصيله في طىّ المسألة 33 و أنّه يجوز التبعيض، حتّى في أحكام العمل الواحد، و حتّى في المثال فراجع.

***

[مسئلة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط، عسر على العامى، إذ لا بدّ فيه، من الاطلاع التام و مع ذلك، قد يتعارض الاحتياطان، فلا بدّ من الترجيح و قد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط في ترك الاحتياط مثلا، الاحوط ترك الوضوء، بالماء المستمل، في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه، الأحوط التوضؤ به، بل يجب ذلك، بناء على كون احتياط التّرك، استحبابيا و الأحوط، الجمع بين التوضؤ به، و التيمم و أيضا، الأحوط التّثليث، في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث، وقوع بعض الصلاة، خارج الوقت، فالأحوط ترك، هذا لاحتياط، أو يلزم تركه و كذا التيمّم، بالجصّ، خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه، إلّا هذا، فالأحوط التيمّم به، و إن كان عنده الطّين مثلا، فالأحوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 232

الجمع و هكذا.

(1)

أقول:، في كون العمل بالاحتياط، في الجملة، في بعض الموارد و لبعض العوام، موجبا للعسر واضح، و لكن هذا، لا يوجب، لعدم تجويزه مطلقا، بل حتّى بمقدار يوجب الحرج، لانّه ليس عمل المحتاط، من باب أمر من الشارع، كى يقال، بعدم أمره، مع الحرج، بل كان ذلك، من باب ما يرى عقلا، بأنّ معه يدرك الواقع.

و لا بدّ من فهم موارد الاحتياط، و عدم كون الاحتياط، خلاف الاحتياط، حتّى يتمكّن من إدراك الواقع، بالأخذ به.

***

[مسئلة 67: محلّ التقليد و مورده، هو الأحكام]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 67: محلّ التقليد و مورده، هو الأحكام، الفرعيّة العمليّة، فلا يجري في أصول الدين و في مسائل اصول الفقه، و لا في مبادى الاستنباط، من النّحو و الصّرف و نحوهما،

و لا في الموضوعات، المستنبطة العرفيّة، أو اللّغوية، و لا في الموضوعات الصّرفة، فلو شك المقلّد، في مائع، أنّه خمر، أو خلّ مثلا، و قال المجتهد، أنّه خمر، لا يجوز له، تقليده، نعم من حيث أنّه، مخبر عادل، يقبل قوله، كما في إخبار العامى، العادل و هكذا، و أمّا الموضوعات المستنبطة، الشرعية، كالصّلاة و الصّوم و نحو ما، فيجرى التقليد فيها، كالأحكام العمليّة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 233

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الأولى: مورد التقليد، الاحكام الفرعيّة العمليّة،

و هو مورده المتيقّن، لانّه لا بدّ من تحصيل الاحكام، الفرعيّة، إمّا بالاجتهاد، أو التقليد، أو الاحتياط، على نحو يعلم معه، بحفظ الواقع.

المسألة الثّانية: لا يجزي التقليد، في أصول الدّين،

للزوم الاعتقاد بها يقينا، فلا يكفى الاستناد، بالغير و لو لم يعلم به، نعم ربما يحصل، من قول المجتهد، اليقين بها، و هو لو اكتفى به، صحّ الّا انه ليس من باب كفاية التقليد، بل من باب كونه، طريق العلم، و حصول الاعتقاد له، بسببه.

المسألة الثّالثة: و هل يجري التقليد، في مسائل أصول الفقه، أم لا،

مثل أن يقلّد المجتهد، في الاستصحاب، فان صار مورد ابتلاء العامّى، فلا مانع في التقليد فيه، لانّ دليل التقليد، ان كان الكتاب و السّنة، فيشمل المورد، لكون مسائل أصول الفقه، مربوطا بمعالم الدّين، و ان كان حكم العقل، فلا اشكال في شموله لها، نعم لا يجوز تقليد من يقلّد، في مسائل أصول الفقه، و ان كان عالما بالاحكام الفرعيّة، بالاستنباط، بوسيلة ما قلّد، من مسائل أصول الفقه، لانّه ليس من أفراد المجتهد، الّذي قلنا، بجواز تقليده.

المسألة الرّابعة: و هل يجري التقليد، في مبادى الاستنباط،

من الصّرف و النّحو و نحوهما، أو لا:

فان كان الدّليل على التقليد، بعض الآيات، أو الأخبار، فشموله للمورد، غير معلوم، بل معلوم العدم.

و ان كان حكم العقل، من باب رجوع الجاهل، بالعام، فيشمل المورد، لكن لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 234

يكون هذا الشّخص من، مصاديق المجتهد، الّذي يجوز تقليده.

المسألة السّابعة: هل يجرى التقليد، في الموضوعات،

المستنبطة الشرعية، أو العرفية، أو اللغويّة، مثل أنّ العبادات، أو المعاملات، أسامى للصّحيح، أو الاعمّ، أو الغناء، الصّوت المطرب، أو الصّوت المطرب، مع الترجيح، أو الصّعيد، اسم لمطلق الأرض، أو لخصوص التراب أو لا، أقول يجري التقليد فيها، سواء كان دليل التقليد، الكتاب و السّنة، لكونها مربوطا، بمعالم الدين و الشكّ فيها، مثل الشكّ في الأحكام و المراجع فيها المجتهد، أو كان حكم العقل.

المسألة السّادسة: هل يجري التقليد، في الموضوعات الصّرفة،

مثل ما شكّ، في كون مائع خمرا، أو خلا مثلا، أم لا، لعدم كون بيانها، من شأن المجتهد، الحقّ هو الثّاني، لانّ بيانها، ليس شأن المجتهد، و هو و المقلد، فيه سواء، بل ربما يكون العامى، أعرف منه به، نعم لو اخبر المجتهد مثلا، بكون هذا المائع خمرا، فلو أخذ بقوله، يكون من باب الاخذ بالمخبر، فان كان عادلا و أكتفي بأخبار المخبر العادل الواحد، يؤخذ به، أو مع ضمّه بعادل آخر، تكون البيّنة، كما أنّه لو أخبر العامى، فهو مثله و لا دخل في الاجتهاد، في إخباره أصلا.

***

[مسئلة 68: لا يعتبر الأعلميّة، فيما أمره راجع، إلى المجتهد]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 68: لا يعتبر الأعلميّة، فيما أمره راجع، إلى المجتهد، إلّا في التقليد، و أما في الولاية، على الأيتام و المجانين و الأوقاف، الّتي لا متولّى لها، و الوصايا الّتي، لا وصىّ لها و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم الأحوط في القاضي، أن يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 235

أعلم، من في ذلك البلد، أو في غيره، ممّا لا حرج في الترافع إليه.

(1)

أقول: يقع الكلام، في جهات:

الجهة الاولى: قد مرّ اعتبار الاعلميّة، في التقليد،

في صورة العلم، بمخالفة فتوى الاعلم، مع غير الأعلم، و كذا في صورة الشكّ في إختلاف فتواهما، راجع المسألة. 12 و 22

الجهة الثّانية: لا يجب الاعلميّة، في المرافعات

و قد مضى الكلام فيه، في طىّ المسألة 56.

الجهة الثّالثة: هل يجب الاعلميّة، في غير التقليد،

و القضاء من الولاية، على الأيتام و المجانين و الأوقاف، الّتي لا متولّى لها و الوصايا، الّتي لا وصىّ لها و نحو ذلك، أو لا:

فأقول، قد يقال، بعدم ثبوت ولاية، للفقيه، في هذه الأمور، من رأس، بل كلّما يجوز له، يجوز حسبة، فلا بدّ من الاقتصار، بالقدر المتيقّن، فكما أنّ المجتهد، متيقنه مع وجوده، كذلك الأعلم من بينهم، مع وجوده، و إمكان الوصول إليه.

و قد يقال، بثبوت الولاية للفقيه، كما اخترنا ذلك، و ذكرنا وجهه، في طىّ المسألة 51 و بعض المسائل الآخر، المناسب له، فمقتضى إطلاق بعض الأخبار، الواردة في الباب، هو عدم اعتبار الاعلميّة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 236

[مسئلة 69: إذا تبدّل رأى المجتهد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 69: إذا تبدّل رأى المجتهد، هل يجب عليه إعلام المقلّدين، أم لا، فيه تفصيل، فان كانت الفتوى، السابقة، موافقة للاحتياط، فالظّاهر عدم الوجوب، و إن كانت مخالفة، فالاحوطه، الأعلام، بل لا يخلو عن قوة.

(1)

أقول: يمكن أن يتمسّك، على وجوب الأعلام، فيما كانت الفتوى السابقة، خلاف الاحتياط، برواية عبد الرّحمن «1» بن حجاج، الّتي ذكراها، في المسألة 48 لانّ فيها، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام، كلّ مفت ضامن» فمع تبدّل الرّأى، يكون المجتهد، ضامنا فيجب عليه الاعلام.

***

[مسئلة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة، أو الطّهارة، أو الاستصحاب، في الشبهات الحكميّة و أمّا الشبهات الموضوعيّته، فيجوز بعد أن قلّد مجتهده، في حجّيتها، مثلا إذا شكّ، في أنّ عرق الجنب من الحرم، نجس أم لا، ليس له، إجراء أصل الطهارة، لكن في أنّ هذا الماء، أو غيره، لاقته النجاسة، أم لا؟

يجوز له، إجراءها، بعد أن قلّد المجتهد، في جواز الاجراء.

(2)

أقول: أمّا وجه، عدم جواز الإجراء الأصول، المذكورة، في الشبهات

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب آداب القاضى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 237

الحكميّة، للمقلّد، لانّه قد مرّ في الاصول، بأنّ من شرط إجراء الاصول الحكميّة، هو الفحص و هو لا يتمكّن من الفحص، لهذا لا يمكن له، إجراء الاصول الحكميّة.

و أمّا وجه، جواز إجرائه الاصول، الموضوعيّة، فامّا لعدم حاجته، على الفحص، بناء على عدم توقف إجرائها، على الفحص، لعدم كون الفحص، شرط إجرائها، و إمّا لامكان الفحص له، فيها ثمّ إجرائها بناء على لزوم الفحص.

***

[مسئلة 71: المجتهد الغير العادل، أو مجهول الحال، لا يجوز تقليده]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 71: المجتهد الغير العادل، أو مجهول الحال، لا يجوز تقليده و إن كان موثوقا به، في فتواه و لكن فتاواه، معتبرة، لعمل نفسه و كذا لا ينفذ حكمه، و لا تصرّفاته، في الأمور الامّة و لا ولاية، في الأوقاف و الوصايا و أموال القصّر و الغيّب.

(1)

أقول: لا يجوز تقليد المجتهد، الغير العادل، لاشتراط العدالة فيه، كما مرّ و لا يجوز تقليد، مجهول الحال، لانّه لا بدّ من إحراز عدالته، بعد اشتراط، جواز تقليده، بالعدالة:

و لكن فتاواه، معتبرة، لعمل نفسه، لانّه مجتهد و لا ينفذ حكمه، و لا تصرّفاته، في الأمور العامة الخ، لاشتراط نفوذه، بالعدالة

و كذا اشتراط، نفوذ تصرّفاته بالعدالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 238

[مسئلة 72: الظّن بكون، فتوى المجتهد كذا، لا يكفي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 72: الظّن بكون، فتوى المجتهد كذا، لا يكفي في جواز العمل، إلّا إذا كان حاصلا، من ظاهر لفظه شفاها، أو لفظ الناقل، أو من ألفاظه، في رسالته، و الحاصل أنّ الظّن، ليس حجّة إلّا إذا كان حاصلا، من ظواهر الالفاظ منه، أو من النّاقل.

(1)

. أقول: لا يكفي الظّن، بكون فتوى المجتهد، كذا، لعدم حجّية مطلق الظّن.

و أمّا إذا كان الظّن حاصلا، من ظواهر الألفاظ، سواء كان من ظاهر لفظ، نفس المجتهد، أو في رسالته، أو ألفاظ الناقل منه، فهو حجة و يجوز العمل عليه، لحجّية ظواهر الألفاظ، على ما مرّ في الأصول.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و صلّى اللّه على رسوله و آله، لا سيّما على الامام المنتظر، عجل اللّه فرجه الشّريف، و قد فرغت، من شرح هذا الجزء، من تقليد كتاب العروة، و كتابته، في ليلة الخامس عشر، من شهر ذى القعدة «1391» في بلدة قم و أنا العبد علي الصّافي الگلپايگاني.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 239

كتاب الطهارة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 241

[فصل في المياه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل في المياه الماء امّا مطلق، او مضاف كالمعتصر من الاجسام، او الممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء، و المطلق اقسام:

الجارى، و النابع غير الجارى، و البئر، و المطر و الكرّ، و القليل، و كل واحد منها مع عدم ملاقات النجاسة طاهر مطهّر من الحدث و الخبث.

(1)

كتاب الطهارة

[فصل فى الماء المطلق]
اشارة

أقول:

الكلام في المسألة يقع في جهات:
الجهة الاولى: التقسيم المذكور في المتن

كما ترى من كثير من الفقهاء رضوان اللّه عليهم يكون من قبيل تقسيم الشي ء بنفسه و بغيره لعدم كون الماء مقسما لكل من المطلق و المضاف اذ موضوع الماء مبيّن معلوم و ليست المائعات المضافة ماء رأسا لعدم صحّة حمل الماء عليها بدون ضمّ ضميمة و صحة سلب الماء عنها أيضا فلو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 242

قلنا بانّ كل جسم سيّال يصح حمل الماء عليه بالحمل الشائع بلا احتياج الى ضمّ ضميمة مع الماء فمما ذكرنا يظهر لك امران:

الامر الاول: ان المراد بالمضاف هو كل مائع لا يصح حمل الماء عليه من غير ضم ضميمة سواء كان هذا المائع معتصرا من جسم كمائع معتصر من التفاح او كان ممزوجا من الماء و شي ء آخر كماء المرق لعدم صدق الماء على كل منهما بدون ضم الضميمة.

الامر الثاني: أنّ مطلق ضم الضميمة بالماء لا يوجب كونه مضافا فلو قيل ماء البحر او ماء البئر لا يوجب كونه مضافا لصحة حمل الماء عليه بدون هذه الضميمة أيضا.

الجهة الثانية: بناء على ما قلنا من كون الماء المطلق هو الماء

و كون اطلاق الماء على المضاف اطلاقا مجازيا مسامحيّا ينبغى أن يقال الماء على اقسام لا على النحو الّذي قسم المؤلف رحمه اللّه بقوله و المطلق علي اقسام و قسّمه على اقسام ستّة و يظهر من جمع من الفقهاء رحمه اللّه تقسيمهم الماء باقسام مع الاختلاف بينهم في كيفيّة التقسيم و لا يخفى أنّ التقسيم:

تارة يكون باعتبار نفس الماء مع قطع النظر عن بعض الآثار و الاحكام المحمولة عليه.

و تارة يكون باعتبار ملاقاته مع النجاسة فان كان باعتبار الاوّل فلا وجه لانقسامه الى السّتة المذكورة بل يوجد له بعض افراد آخر كماء الحمام مثلا و ان

كان باعتبار الثاني ففي ما يختاره المؤلف رحمه اللّه و سيجي ء بعد ذلك إن شاء اللّه انه ليس بعض الاقسام المذكورة للماء قسيما لبعض الآخر من حيث ملاقاته مع النجاسة لانه يقول ان الماء الجارى قليله و كثيره لا ينجس بمجرد ملاقاته مع النجاسة كما انّه يقول انّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 243

الماء المطر حال تقاطره من السماء قليلا كان او كثيرا مثل الجارى و كذلك يقول انّ ما البئر قليلا كان او كثيرا مثل الجارى لا ينجس بملاقاته للنجاسة و امّا الراكد بلا مادّة فقليله ينجس بملاقات النجاسة لا كثيره فليس الماء المطر و البئر و النابع غير الجارى قسيما للماء الجارى و كذا ليس كلّ قليل قسيما له من حيث هذا الحكم لانّ قليل الجارى و قليل النابع غير الجارى و قليل البئر و قليل المطر لا ينجس بمجرد ملاقات النجاسة و كل الاقسام ينجس إذا تغيّر احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة فبهذا الاعتبار غير منقسم باقسام أيضا فكان المناسب ان يقول المؤلّف رحمه اللّه في مقام التقسيم.

الماء على قسمين:

الاول: ما ينجس بملاقات النجاسة الثاني ما لا ينجس بمجرد ملاقات النجاسة فالاول القليل من غير ماء الجارى و المطر و البئر و النابع غير الجارى.

الثاني: الجارى و النابع غير الجارى و ماء الحمام و ماء المطر و ماء البئر و الراكد الكثير و اما كيفية التقسيم عندى فنذكر إن شاء اللّه بعد بيان ما هو المختار في الاقسام المذكورة من حيث ملاقاتها للنجاسة.

و ممّا قلنا يظهر لك ما في كلام بعض «1» شرّاح العروة بعد اشكاله بتقسيم المؤلف من ورود الإشكال عليه أيضا بما بيّناه اشكالا على تقسيم المؤلف

رحمه اللّه فراجع.

الجهة الثالثة: اعلم ان طهارة الماء و مطهّريته في الجملة

مع قطع النظر عن ملاقاته للنجاسة ممّا لا اشكال فيه بل ربما يعدّ من الضروريات في دين الاسلام فمع هذا الوضوح لا حاجة الى التمسك لهذه الجهة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 244

تارة بقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» بحمل الطهور على ما يتطهر به او حمله على المطهّر و كون المراد هذا ثم يقال بعد كونه مطهرا بمقتضى الآية يستفاد منها كونه طاهرا أيضا للملازمة حتى يستشكل مرة بان المراد من الطهور ربما يكون الطاهر او احتمال كون المراد مبالغة في طهارته فلا تدل الآية الا على كون الماء طاهرا و اما مطهّريته فلا.

و اخرى: بان الآية لا تدلّ إلّا على طهارة ماء المطر او طهارته و مطهريته لقوله تعالى و انزلنا من السماء ماء طهورا» و الماء النازل من السماء ماء المطهر.

و ان امكن الجواب عن الاشكالين

امّا عن الاوّل فبدعوى ظهور الطهور امّا فيما يتطهر به او فى المطهّر

و امّا عن الثاني بانّ اصل كل ماء حيث نزل من السّماء قال سبحانه تعالى و انزلنا من السماء ماء طهورا فلا اختصاص بماء المطر كما توهم.

و تارة: بقوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ «2» حتى يورد عليها بعدم عموم لها لورود الآية الشريفة في واقعة خاصّة و ان امكن الجواب بعدم فرق مسلما بين اصحاب البدر و غيرهم من المسلمين من حيث مطهرية الماء فكما أنّه مطهر لهم يكون مطهرا لغيرهم.

و تارة ببعض الروايات مثل ما رواها داود بن فرقد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كان بنو اسرائيل إذا اصاب احدهم قطرة بول قرضوا

لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف

______________________________

(1) سورة الفرقان، الآية 48.

(2) سورة الانفال، الآية 11.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 245

تكونون «1» و هذه الرواية تدل على مطهرية الماء و يستفاد منها طهارته أيضا بالملازمة و غيرها من الروايات.

***

[مسئلة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقات النجاسة طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقات النجاسة طاهر، لكنّه غير مطهّر من الحدث و لا من الخبث و لو في حال الاضطرار و ان لاقى نجسا تنجس و ان كان كثيرا، بل و ان كان مقدار الف كرّ فانّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، و لو بمقدار رأس ابرة في احدا اطرافه فينجس كلّه، نعم إذا كان جاريا من العالى الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالى منه، كما إذا صبّ الجلاب من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق و ان كان متصلا بما في يده.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: يدلّ على طهارة الماء المضاف مع عدم ملاقاته النجاسة

ما يدل على انّ الاشياء محكومة بالطهارة ما لم يعلم نجاستها و امّا ما في كلام بعض شراح «2» العروة من اعاظم معاصرينا من الاستدلال على الطهارة بالاستصحاب.

ليس في محلّه لانّ الشّك ان كان في حكم المضاف من حيث النجاسة و الطهارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 106.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 246

واقعا فليس له الحالة السابقة حتّى يستصحب.

ان قلت انّ حالته السابقة قبل الشرع، هى الطهارة فتستصحب.

قلت انّ هذا عين ما يرى في بعض الكلمات من التمسّك في مورد البراءة بالاستصحاب و قد بيّنا في الاصول انّه لا حاجة الى الاستصحاب و لحاظ الحالة السابقة بل يكفي نفس الشك للحكم بالطهارة و اعلم انّ ما قلنا من كون الماء المضاف طاهرا مع عدم ملاقاته للنجاسة في غير المضاف الّذي يعلم نجاسته مثل الخمر و هذا واضح.

المسألة الثانية: الماء المضاف لا يكون مطهّرا

من الحدث و لا من الخبث اما عدم مطهريته للحدث لعدم الدليل كما هو المشهور و المعروف و المنقول عن الصدوق رحمه اللّه جواز الوضوء و غسل الجنابة بماء الورد. لما رواه يونس عن ابي الحسن عليه السّلام، قال قلت له، الرجل يغسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة قال لا بأس بذلك «1».

و قال في «الوسائل» بعد ذكر هذه الرواية، و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب ثم قال: هذا خبر شاد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. قال: و يحتمل ان يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد فانّ ذلك يسمّى ماء ورد، و ان لم يكن معتصرا منه، انتهى.

فالرواية على تقدير تماميّة دلالتها ممّا اعرض عنه الاصحاب

رحمه اللّه كما يظهر من كلام المحكىّ عن الشيخ رحمه اللّه فلا يرفع الحدث بالماء المضاف. مضافا الى انّ قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «2» تدلّ على عدم كون المضاف مطهّرا للحدث، للامر بالتيمم في صورة عدم وجدان الماء و المضاف ليس بماء كما عرفت سابقا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) سورة النساء، الآية 43.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 247

و لما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل معه اللبن، أ يتوضأ منها للصلاة، قال لا، انما هو الماء و الصعيد «1».

هذه الرواية تدلّ على انحصار ما يتطهّر به بالماء و الصعيد فالانحصار يدلّ على عدم مطهرية المضاف و عدم صحه الوضوء به سواء كان هو اللبن او غيره و من ترك الاستفصال يستفاد عدم الجواز في كلّ من حالتى الاختيار و الاضطرار.

و هنا. رواية تدلّ بظاهرها على جواز الوضوء، بالنبيذ و لكن مع ما ورد في بعض الروايات من بيان النبيذ و انّه ماء قد نبذت فيه تمرات و لم يكن من النبيذ المصطلح راجع الباب المذكور «2».

لا يمكن. العمل بها لاعراض الاصحاب عنه. هذا كلّه بالنسبة الى عدم مطهرية المضاف للحدث.

امّا، عدم مطهريّته للخبث فالمشهور بين الاصحاب أيضا عدم كونه رافعا له و ان ذكر رافعيّته للخبث عن المفيد رحمه اللّه و السيد رحمه اللّه و مستند ذلك امور استدل بها.

الاوّل: الاجماع و فيه منع وجود اجماع كاشف عن وجود نصّ من المعصوم عليه السّلام في المسألة مضافا، الى كون المشهور على خلافه.

الثاني: بعض الاخبار الآمرة فيها بغسل الثوب او البدن بدون تقييد فيه بكون

الغسل بالماء.

و فيه انّه لا اشكال في انصراف الأمر بالغسل الى الغسل بالماء حتّى ادّعى غير واحد عدم صدق الغسل بغير الماء مضافا الى دلالة بعض الاخبار على ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 248

الطهور الماء كما يظهر من رواية داود بن فرقد المتقدّمة ذكرها.

الثالث: ما روى ابو غياث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام قال لا بأس ان يغسل الدم بالبساق «1».

و فيه انّه على فرض دلالتها على ما ادّعى لا يمكن التعويل عليها لا عراض الاصحاب عنها فلا ينبغى الإشكال في عدم رافعيّته للخبث كما ينادى بذلك الاخبار الكثير الواردة في الموارد المختلفة على لزوم غسل المتنجسات من البدن و الثوب و الاناء و غيرها منحصرا بالماء.

الثالثة: ممّا عرفت في مطاوى البحث في المسألة الثانيّة يظهر لك عدم الفرق في عدم مطهريّة المضاف للحدث و الخبث بين حال الاختيار و الاضطرار لعدم دليل على رافعيّته لهما حال الاضطرار أيضا. بل اطلاق الاخبار الآمرة بالغسل بالماء يشمل حال الاضطرار كحال الاختيار و قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «2» يدل على رافعيته للحدث حتّى حال الاضطرار.

الرابعة: لو لاقى المضاف نجسا تنجّس و ان كان كثيرا بل و ان كان مقدار الف كرّ او ازيد فانّه ينجس بمجرد ملاقات النجاسة و لو بمقدار رأس ابرة في احد اطرافه فينجس كلّه.

قد يستدلّ على ذلك ببعض الاخبار الواردة في نجاسة الزيت و السمن و غيرهما من المائعات بملاقات النجاسة بتنقيح المناط فيقال انّ

الزيت و اشباهه و ان لم يكن من افراد المضاف المصطلح الّا انّه مثل المضاف من حيث الميعان و الحكم بالنجاسة فيه بملاقاته النجاسة يكون من حيث ميعانه و هو موجود في المضاف.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) سورة النساء، الآية 43.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 249

و هذا الاستدلال يفيد لو حصل القطع بكون المناط في امثال هذه المائعات هو الميعان حتّى يتعدّى الحكم من مورد النص الى المضاف و الّا فلا.

و مع: قطع النظر عن ذلك نقول بنجاسة المضاف فى الفرض امّا أوّلا، لتسلّم الحكم عند الاصحاب و عن بعضهم نفى الخلاف فيه.

و امّا ثانيا مقتضى القاعدة تنجيس النجس و المتنجس لما يلاقيهما مطلقا الّا في ما ورد الدليل كما ورد «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شي ء» و غير ذلك فينجس المضاف بملاقات النجاسة و ان كان الف كر و لو كان بقدر رأس ابرة.

و ما في بعض شروح العروة «مستمسك» «1» العروة» في ذيل قول المؤلف رحمه اللّه «و ان كان الف كرّ» «لكنه لا يخلو من تأمّل لعدم السراية عرفا في مثله».

ففيه: أنّه ان كان الحكم تابعا لسراية العرفيّة و لا يحكم العرف بالسراية كما ادعاه فكان الحري ان يقول بعدم النجاسة لا ان يقول لا يخلو عن تأمّل و ان لم يكن الحكم تابعا للسراية بنظر العرف او كان تابعا لنظره و يحكم بالسراية فلا اشكال بالنجاسة فعلى كلّ حال لا مجال لقوله لا يخلو عن تأمّل.

الخامسة: إذا كان مضاف جاريا من العالى الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالى منه كما إذا صبّ الجلاب

من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق و ان كان متصلا بما في يده. لأنّ الملاك في النجاسة و عدمها سراية النجس او المتنجس بالطاهر عرفا، فكما لا يسرى السافل بالعالى كما تعرض المؤلّف رحمه اللّه لا يسرى العالى بالسافل أيضا لدى العرف المحكّم نظره إذا كان الخروج من السافل الى العالى بالتدافع كالفوّارة لعدم نص في المسألة

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 109.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 250

فالمرجع هو العرف.

***

[مسئلة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن اطلاقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن اطلاقه نعم لو مزج معه غيره و صعد كماء الورد يصير مضافا.

(1)

أقول: الوجه واضح لان التصعيد لا يخرجه عن الاطلاق نعم لو مزج مع الماء غير الماء و صعد معه كماء الورد بحيث لا يصدق على المصعّد اسم الماء بلا اضافة مثل ما كان الممزوج به كثيرا بحيث يخرجه عن الاطلاق كما هو مختار سيدنا الاعظم آيت اللّه البروجردي رحمه اللّه في حاشيته.

***

[مسئلة 3: المضاف المصعّد مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المضاف المصعّد مضاف.

(2)

أقول: لعدم خروجه بالتصعيد عن الإضافة.

***

[مسئلة 4: المطلق او المضاف النجس يطهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: المطلق او المضاف النجس يطهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 251

بالتصعيد لاستحالته بخارا ثم ماء.

(1)

أقول: طهارة المطلق النجس او المضاف النجس بالتصعيد بخارا محل اشكال وجه الإشكال عدم ورود دليل دالّ على مطهرية الاستحالة لعدم وجود نصّ يذكر فيه لفظ الاستحالة بل كما يأتي إن شاء اللّه عند التعرض لمطهّرية الاستحالة بانّ مطهّريتها لم يثبت إلّا في موارد خاصّة باعتبار دعوى الاجماع او غيره فيها و شموله لمثل المورد محل اشكال و امّا ما في كلام بعض شراح العروة من ابتناء القول بالتطهير في مسئلتنا و عدمه على كون الاستحالة بنفسها مطهرا فيطهر المطلق و المضاف النجس بالتصعيد بخارا لاستحالته او على صيرورة الجسم الاول جسما آخر فلا يطهران بالتصعيد لعدم صيرورتهما شيئا آخرا يظهر لك ممّا قلنا فساد كلامه من جعل الحكم بالتطهير و عدمه مبنيا على ما قاله لانه ليس في ادلتنا عن لفظ الاستحالة عين و لا اثر حتى يكون لما قاله مجال كما انّه ليس في الادلة ما يدلّ على تعميم الحكم من غير الموارد الخاصة الّتي نتعرض لها إن شاء اللّه الى غيرها إلّا أن يدّعى احد عدم الفرق بين هذه الموارد الخاصة و غيرها بإلغاء الخصوصيّة و كشف المناط الموجود في هذه الموارد الخاصة و في غيرها و أنّى باثباته.

***

[مسئلة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مطلق او مضاف]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا شكّ في مائع أنّه مطلق او مضاف فان علم حالته السابقة اخذ بها و الّا فلا يحكم عليه بالإطلاق و لا بالإضافة لكن لا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقات النجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 252

ان كان قليلا و ان كان بقدر

الكرّ لا ينجس لاحتمال كونه مطلقا و الاصل الطهارة.

(1)

أقول: في المسألة جهات:

الجهة الاولى: إذا شكّ في مائع انّه مضاف او مطلق

فتارة يعلم بحالته السابقة من الاطلاق او الاضافة فمقتضى الاستصحاب الأخذ بالحالة السابقة و تارة لا يعلم بحالته السابقة فلا اصل في البين يقتضي الحكم بكونه مطلقا او مضافا هذا فيما كانت الشبهة موضوعية.

الثانية: فيما لا يعلم حاله من الاطلاق و الاضافة

و ان لم يحكم بكونه من احدهما لكن لا يرفع الحدث و الخبث لان ما يرفع به الحدث و الخبث هو الماء المطلق فمع الشك في اطلاقه لو غسل به المتنجس او توضأ او اغتسل به فاستصحاب النجاسة و الحدث يقتضي بقاء النجاسة و الحدث.

الثالثة: مع الشك في اطلاقة و اضافته

و عدم وجود اصل يقتضي كونه من احدهما ينجس بملاقات النجاسة ان كان قليلا و ان كان بقدر الكرّ لا ينجس بملاقات النجاسة أمّا نجاسته ان كان قليلا بملاقات النجاسة لانّ اثر النجاسة تنجيس ما يلاقيه من الماء كغير الماء الّا إذا كان الماء كرّا او ممّا لا فرق بين قليله و كثيره في عدم نجاسته بملاقات النجاسة كالجارى، ففي الفرض ينجس قليله بملاقات النجسة سواء كان هذا المشكوك اضافته و اطلاقه مطلقا او مضافا.

و أمّا عدم نجاسته بملاقات النجاسة إذا كان كرّا لانّه بعد ما لا ينجس الماء المطلق الكرّ بملاقات النجاسة و من المحتمل كون المشكوك ماء مطلقا فنشكّ في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 253

طهارته و نجاسته، و الاصل الطهار لكون حالته السابقة الطهارة و نشكّ في نجاسته فيستصحب طهارته لكن لو غسل بهذا المشكوك و ان كان كرّا متنجّسا لا يحكم بطهارته بل يحكم بنجاسته للاستصحاب.

***

[مسئلة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مرّ و بالاستهلاك في الكرّ و الجاري.

(1)

أقول: اما طهارته بالتصعيد و استحالته بخارا ثم ماء فقد عرفت الإشكال فيه في المسألة الرابعة و امّا لو استهلك في الكرّ او الجارى بنحو لا يرى العرف له وجود محفوظ من باب تفرّق اجزائه في الكرّ او الجارى فيطهر.

***

[مسئلة 7: إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة تنجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا ألقى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة تنجس ان صار مضافا قبل الاستهلاك و ان حصل الاستهلاك و الاضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه لكنه مشكل.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 254

الاولى: ما إذا القى المضاف النجس في الكرّ فخرج عن الاطلاق الى الاضافة

و صيرورته مضافا كان قبل الاستهلاك ففي هذه الصورة تنجّس الكرّ لصيرورة الماء مضافا قبل ان يستهلك المضاف فيه مع بقاء الماء على مائيته و بعد الاضافة تنجس بسبب نجاسة الماء المضاف النجس الملقي فيه.

الثانية: ما إذا حصل الاستهلاك و الاضافة دفعة

يظهر من المؤلف رحمه اللّه انّ عدم تنجّسه لا يخلو عن وجه لكنه مشكل و يظهر من حاشية سيدنا الاعظم رحمه اللّه امتناع وقوع الاضافة و الاستهلاك دفعة اما وجه عدم تنجس الماء الكرّ المطلق فهو ان يقال بانّه بعد وقوع الاستهلاك و الاضافة دفعة ليس في البين زمان يكون ماء مضاف نجس و موجودا ينجّس الماء المطلق الّذي صار مضافا لكن ما يأتي بالنظر عاجلا مع بعد تحقق هذا الفرض خارجا هو انّه بعد تحقق الاستهلاك و الاضافة دفعة لا يمكن ان يقال بتأثير المضاف النجس في الماء الكرّ، كى ينجس و لا عكسه و لكن نشك في انّ هذا الماء طاهر او نجس فمقتضى استصحاب طهارة الكر و ان كان طهارته و لو استهلك فيه المضاف النجس ان لم نقل بتبدّل الموضوع لانقلاب الماء مضافا لكن مقتضى استصحاب نجاسة الماء المضاف بقاء نجاسته و اثر بقائها تنجيس ما يلاقيه فيصير كل من المضاف النجس و الماء الكر محكوما بالنجاسة فتأمّل.

***

[مسئلة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطّين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطّين ففي سعة الوقت يجب عليه ان يصبر حتى يصفو و يصير الطين الى الاسفل ثم يتوضأ على الاحوط و في ضيق الوقت يتيمم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 255

(1)

أقول: بل على الاقوى في سعة الوقت لان مع سعة الوقت يصدق عليه انه الواجد للماء عرفا فيجب الصبر الى ان يصفو و يصير الطين الى الاسفل و في ضيق الوقت يتيمم لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً*.

***

[مسئلة 9: الماء المطلق باقسامه حتى الجارى منه ينجس اذا تغيير بالنجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الماء المطلق باقسامه حتى الجارى منه ينجس اذا تغيير بالنجاسة في احد اوصافه الثلاثة: من الطعم، و الرائحة و اللون بشرط ان يكون بملاقات النجاسة فلا يتنجّس إذا كان بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة قريبا من الماء فصار جائفا و ان يكون التغيير باوصاف النجاسة دون اوصاف المتنجّس فلو وقع فيه دبس نجس فصار احمر او اصفر لا ينجس الّا إذا صيّره مضافا نعم لا يعتبر ان يكون بوقوع عين النجس فيه بل لو وقع فيه متنجّس حامل لاوصاف النجس فغيّره بوصف النجس تنجس أيضا و ان يكون التغيير حسّيا، فالتقديرىّ لا يضرّ، فلو كان لون الماء احمر او اصفر وقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس و كذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره، و كذا لو جائفا جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفا و هكذا ففي هذه الصّور ما لم يخرج عن صدق الاطلاق محكوم بالطهارة على الاقوى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 1، ص: 256

[نذكر بعض الأخبار تيمّنا]
اشارة

(1)

أقول: نجاسة الماء بالتغيّر في الجملة مسلّم عندنا نصّا و فتوى بل عند العامّة أيضا و ان اخرج ابو داود رواية يدّعى بإطلاقها على عدم نجاسته بالتغير و هي ما رواها ابو سعيد الخدرى أنّه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أ تتوضأ من بئر بضاعة و هى بئر يطرح فيها الحيض و لحم الكلاب و النتن فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم الماء طهور لا ينجّسه شي ء و لكن كما قلنا انهم قائلون بنجاسته بالتغير في الجملة كما يدل عليها بعض ما روى في سن ابن ماجه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و على كل حال تطابق النص و الفتوى عند اصحابنا على نجاسته بالتغير في الجملة و نذكر بعض الأخبار تيمّنا ثم نذكر ما يستفاد منه حتّى يتبيّن اصل الحكم و بعض الفروع الراجعة إليه إن شاء اللّه.

فنقول:

الأول: ما رواه حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطّعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب «1» تدل على نجاسته الماء بتغيّره بسبب ريح الجيفة و قوله عليه السّلام في ذيل الرواية فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضأ منه» لا يدل على اعتبار الأمرين في النجاسة من تغيره بالريح و طعم النجس بل كما يدل عليه صدر الخبر لقوله في الصدر «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ منه» و مفهومه يقتضي نجاسته بمجرد تغيره بريح النجاسة و ان لم بتغير طعمه لا يدل الذيل على خلاف

الصدر و اعتبار تغيّر كل من الريح و الطعم في الذيل يكون من باب ملازمة التغير بالريح التغير بالطعم غالبا فتكون النتيجة الاكتفاء في النجاسة باحد الأمرين من الريح و الطعم كما يظهر من ساير الأخبار أيضا.

الثانى: ما رواه ابو خالد القماط أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الماء يمرّ به

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 257

الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان كان الماء قد تغيّر ريحه او طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه و ان لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ «1».

الثالث: ما رواه سماعه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب «2».

الرابع: ما رواه العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض يبال فيها قل لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول «3» و دلالتها على نجاسة الماء إذا تغير لونه بلون النجس يكون بالمفهوم.

الخامس: ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فارة او جرذ او صعوة ميتة قال إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبّها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضّأ و اطرح الميتة إذا اخرجتها طرية و كذلك الجرّة و حبّ الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء «4».

السادس: أيضا ما رواه زرارة قال

و قال ابو جعفر عليه السّلام إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسّخ فيه او لم يتفسّخ الا ان يجي ء له ريح تغلب على ريح الماء «5» جعل صاحب الوسائل تبعا للتهذيب ما رواه زرارة روايتين و يحتمل كونهما رواية واحدة و على كل حال لو كانتا روايتين فلا تدل الاولى منهما و هي ما قال قلت له راوية من ماء سقطت فيها فارة الخ على المسألة و تدل على ما نحن فيه الثانية منهما لدلالتها على نجاسة الماء بغلبة الرّيح النجس عليه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(5) الرواية 9 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 258

السابع: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن غدير اتوه و فيه جيفة ان كان الماء قاهرا و لا توجد منه الريح فتوضأ «1» تدل بالمفهوم على ما نحن فيه لان مفهومها لوجد فيه ريح الميتة فلا تتوضأ منه.

الثامن: رواه محمد بن اسماعيل عن الرضا عليه السّلام: قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا ان يتغير ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له ماده «2».

التاسع: ما رواه المحقق رحمه اللّه في المعتبر مرسلا قال، قال عليه السّلام خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الّا ما غيّر لونه او

طعمه او ريحه «3» و في هذه المرسلة صرّح بنجاسة الماء بتغيير لون الماء بلون النجس.

العاشر: ما رواه محمد بن الحسن الصفّار في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمد بن اسماعيل يعنى البرمكي عن علي بن الحكم عن شهاب بن عبد ربّه قال اتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام اسأله فابتدأنى فقال ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت اخبرناك بما جئت له قلت اخبرني قال جئت تسألنى عن الغدير يكون في جانبه الجيفه أتوضأ منه او، لا قال نعم قال توضأ من الجانب الاخر الّا ان يغلب الماء الريح فينتن و جئت تسأل عن الماء الراكد من الكر مما لم يكن فيه تغير او ريح غالبة قلت فما التغيّر قال الصفرة فتوضأ منه و كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر «4».

الحادى عشر: ما رواه محمد بن القاسم عن ابي الحسن عليه السّلام في البئر يكون

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 259

بينها و بين الكنيف خمس اذرع او اقل او كثر يتوضّأ منها قال ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغيّر الماء «1».

الثاني عشر: ما رواه المفيد رحمه اللّه «2».

الثالث عشر: مرسلة الصدوق «3».

هذا كله الاخبار المربوطة بالمقام و ربما يوجد غيرها أيضا ثم بعد ذلك نقول بعون اللّه تعالى انّ المستفاد من الأخبار الواردة و تطابق الفتوى مع النصوص

هو تنجس الماء باقسامه حتّى الجارى بحصول التغيير في احد اوصافه الثلاثة من الطّعم و الرائحة و اللون.

امّا المحقون من الماء يدلّ على نجاسته جلّ الاخبار إذا تغيّر بالنجاسة في احدى اوصافه الثلاثة المذكورة.

و امّا البئر يدل على نجاسته بالتغيّر خصوص رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة ذكرها عن الرضا عليه السّلام. «4»

و امّا الجارى يدلّ على نجاسته بالتغيّر في احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة اطلاق الرواية الاولى من الروايات المتقدمة و هي رواية حريز و النبوّي المتقدم الّذي رواه المحقق رحمه اللّه في المعتبر خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه» و هي و ان كانت مرسلة لكن تلقّيها الاصحاب رحمه اللّه بالقبول مضافا الى اطباق الفتوى عليه هذا بالنسبة الى شمول الحكم و اطلاقه بالنسبة الى جميع

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 12 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 260

اقسام المياه و امّا التفريعات من المسألة.

الفرع الاوّل: يعتبر في نجاسة الماء بالتغير حصول التغير في احد من اوصافه

الثلاثة الطعم و الرائحة و اللون و اما نجاسته بتغيره بطعم النجس و الرائحة فتعرضها أكثر الأخبار المتقدمة و اما نجاسته بالتغير باللّون فموجبيّته للنجاسة تستفاد من الرابع و التاسع و العاشر من الأخبار المتقدمة ذكرها فلا يبقي اشكال من هذا الحيث.

الفرع الثاني: يشترط في التغير بالنجاسة ان يكون بملاقات النجاسة

فلا ينجس إذا كان الاوصاف الحاصلة في الماء او بعضها بالمجاورة كما إذا وقعت ميتة في قرب من الماء فصارت جافّة لانّ هذا مقتضى تصريح بعض النصوص و ظاهر بعض الآخر او المنصرف إليه منها بحسب المتفاهم العرفي كما ادعى عدم الخلاف فيه.

الفرع الثالث: يشترط ان يكون التغيير باوصاف النجس دون المتنجس

لانّ ظاهر الأخبار كون التغيير الحاصل في الماء باوصاف نفس النجس كالميتة و البول و العذرة فلو وقع فيه دبس متنجس فصار احمر او اصفر لا ينجس الّا إذا صيّره مضافا فينجس بمجرد ملاقاته.

الفرع الرابع: بعد ما عرفت من دخل كون التغيير باوصاف عين النجس لا اوصاف المتنجس

في نجاسة الماء بالتغيير هل يعتبران يكون بوقوع عين النجس في الماء او لا يعتبر ذلك بل لو وقع فيه متنجّس حامل لاوصاف النجاسة فغيّره ينجس الماء.

أقول لو تنجس شي ء و اكتسب احد الاوصاف الثلاثة من النجس مثلا القى في مائع ميتة فحمل لون الميتة او ريحها او طعمها فالقى هذا المائع في الماء فتغيّر هذا الماء في احد لاوصاف الثلاثة المكتسبة من الميتة فصار الماء متغيّر اللون او الريح او الطعم بالميتة لكن لا بلا واسطة بل بواسطة هذا المائع فهل يوجب هذا التغيير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 261

للنجاسة او لا، وجهان:

وجه عدم النجاسة، انّه يكون التغيير في الفرض غير مستند بنفس النجس بلا واسطة و الحال انّ مفاد الاخبار يقتضي كون التغيّر بنفس النجس.

وجه النجاسة انّ التغيّر عند العرف في الفرض مستند الى نفس النجس غاية الامر مع الواسطة، و لا يستفاد من الأخبار اعتبار كون الاستناد بلا واسطة و لا يبعد النجاسة فيما يقال عرفا بانّ التغيّر مستند الى نفس النجس فتأمل.

و امّا ما افاده سيدنا الأعظم رحمه اللّه في حاشيته على العروة «هذا إذا كان المتنجس ممزوجا بعين النجس بحيث يستند التغيبر الى ملاقاة النجس في ضمنه و الّا فالتنجس محلّ اشكال» و ان كان صحّ في محلّه لكن غير مربوط بهذا الفرع لانّ في ما فرضه رحمه اللّه تغيّر الماء بعين النجس لا بالمتنجس الحامل لاوصاف النجس.

الفرع الخامس: يشترط ان يكون التغيّر حسّيا

فلا يضرّ التقديرى فلو كان لون الماء ابيض او اصفر فوقع فيه مقدار من الدّم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس و كذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون

غيّره و كذا لو كان جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا و هكذا ففي هذا الصور ما لم يخرج الماء عن صدق الاطلاق محكوم بالطهارة على الاقوى.

قال سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه فى بحثه انّ الشخص تارة يجمد على ظاهر الروايات الواردة في الباب فلا يستفاد من ظاهرها الّا نجاسة الماء بالنجاسة فيما كان التغير الحاصل منه للماء حسّيا.

و امّا لو تأملنا في الروايات يظهر منها بمفهوم الموافقة انّ العمدة في موجبية التغيّر للنجاسة هو قاهرية النجاسة باحد اوصافه الثلاثة على الماء و مقهورية الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 262

بالنسبة إليها فعلى هذا بعد فرض معلومية قاهرية النجس في حدّ ذاته على الماء و لو منع مانع عن ظهور هذا القاهرية وجب تنجّس الماء به لصدق غلبة الجيفه مثلا على الماء فكما قلنا في حاشيتنا «التنجس في الصورة الاولى بل الثالثة أيضا لا يخلو من قوة» نقول بانّه في الصورة الاولى اعنى فيما كان لون الماء احمر او اصفر فوقع فيه مقدار من الدّم كان يغيّر لو لم يكن كذلك و في الصورة الثالثة اعنى فيما كان جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم تكن جائفا نجاسة الماء لا يخلو من قوة و ذلك يكون لاجل قاهرية النجاسة على الماء في الصورتين و عدم ظهور القاهرية يكون لاجل المانع و هو الاحمرية او الاصفرية او الجائفية.

و امّا في الصورة الثانية فحيث لا يكون البول بحسب ذاته قاهرا على الماء لا يجب تنجّس الماء به.

أقول و عندي فيما افاده رحمه اللّه نظر و الحقّ ما قاله المؤلف رحمه اللّه في جميع الصور لان مقتضى

ظاهر الأخبار حصول التغير بالنجاسة في الماء و ظاهر هذا كون التغيّر حسيّا و لا يمكن كشف الملاك الذي افاده رحمه اللّه حتّى يقال بمفهوم الموافقة ان الميزان قاهرية النجاسة على الماء باوصافه الثلاثة و ان كان ذلك تقديريّا.

***

[مسئلة 10: لو تغير الماء بما عدا الاوصاف المذكورة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لو تغير الماء بما عدا الاوصاف المذكورة من اوصاف النجاسة مثل الحرارة و البرودة و الرقة و الغلظة و الخفة و الثقل لم ينجس ما لم يصر مضافا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 263

(1) أقول: الوجه واضح، لدلالة الاخبار المصرّحة بانّ الموجب للنجاسة حصول التغيّر في خصوص احد الاوصاف الثلاثة المذكورة، و امّا التغيّر بغيرها فلا دليل عليه فلو اوجدت النجاسة في الماء صفة اخرى مثلا كان الماء باردا فصار حارّا بوقوع النجاسة فيه فلا ينجس الماء لعدم الدليل عليه و لو شككنا في صيرورة الماء نجسا بذلك او لا يحكم بالطهارة لاصالة الطهارة نعم لو صيّرته مضافا ينجس بملاقات النجاسة لكونه مضافا.

***

[مسئلة 11: لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير بوصف النجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لا يعتبر في تنجسه ان يكون التغير بوصف النجس بعينه فلو حدث فيه لون او طعم او ريح غير ما بالنجس كما لو اصفرّ الماء مثلا بوقوع الدم تنجّس و كذا لو حدث فيه بوقوع البول او العذرة رائحة اخرى غير رائحتهما فالمناط تغيّر احد الاوصاف المذكورة بسبب النجاسة و ان كان من غير سنخ وصف النجس.

(2)

أقول: الظاهر تمامية ما افاده رحمه اللّه لان بعض الاخبار و ان كان بمفاده غير دال على تعميم الحكم لصورة تغيّر الماء بسبب النجاسة بغير وصف النجس لكنه يستفاد من ظاهر بعضها الآخر مثل التاسع من الأخبار المتقدّمة.

«خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غيّر لونه او طعمه او ريحه» ذلك لان مفادها نجاسة الماء بتغيّر الحاصل بسبب النجاسة و دعوى ان المنسبق عند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 264

العرف من التغيبر الحاصل في الماء بسبب النجاسة في احد

اوصافه الثلاثة هو التغيّر باحد الاوصاف الثلاثة الموجودة في النجس مدفوع بعدم كون ذلك هو المنسبق عندهم لا لو حدث بسبب وقوع الدم في الماء الصفرة و لم يصل بحدّ يصير الماء أحمرا و لذا يلتزم العرف بعدم تغيره بالون النجس بل يحكم بتغييره في اللون. بسبب النجس لا يصح ما قال بعض بان الصفرة من سنخ الحمرة و لهذا يكون التغير بوصف النجس لانه لو التزم احد بان التغيير لا بدّ ان يكون بوصف النجس لجموده على ذلك فلا يمكن الالتزام بكون الصفرة وصفا للدم فمع عدم كون الصفرة وصفا للدم و التزام العرف بالنجاس فيما حصلت الصفرة في الماء بالدم النجس نفهم ان ما هو الميزان حصول التغيبر في احد الاوصاف الثلاثة بسبب النجس و ان كان هذا الوصف غير ما في النجس.

***

[مسئلة 12: لا فرق بين زوال الوصف الاصلى للماء او العرضى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا فرق بين زوال الوصف الاصلى للماء او العرضى فلو كان الماء احمر او اسود لعارض فوقع فيه البول حتى صار ابيض تنجس و كذا إذا زال طعمه العرضى او ريحه العرضي.

(1)

أقول: يمكن الإشكال في النجاسة في الفرض بالنظر البدوى و بدعوى انسباق حصول التغيير في اوصاف الماء باوصافه الاصلية لا العارضية و لكن حيث يكون الماء كثيرا ما يكسب اللون و الريح و الطعم عارضا خصوصا المياه الّتي تكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 265

مورد الاستعمال بحيث لا يفهم العرف من التغيّر الحاصل في الماء في احد اوصافه الثلاثة الا ما فيه من الصفات الثلاثة و لو كان اخذه لعارض من اثر حرارة الشمس او غسل الاشياء فيه او غير ذلك.

***

[مسئلة 13: لو تغيّر طرف من الحوض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو تغيّر طرف من الحوض مثلا تنجس فان كان الباقى اقل من الكرّ تنجس الجميع و ان كان بقدر الكر بقى على الطهارة و إذا زال تغيّر ذلك البعض طهر الجميع و لو لم يحصل الامتزاج على الاقوى.

(1)

أقول: وجه نجاسة ما تغيّر هو تغيّره بالنجاسة.

وجه نجاسة الباقي ان كان دون الكر هو نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة وجه عدم نجاسة الباقى إذا كان كرا هو عاصمية الكر و عدم نجاسته بمجرد ملاقات النجاسة وجه طهارة الجميع بعد زوال التغير لو كان الباقى كرّا هو طاهر ما صار متغيرا و زال تغيّره بالماء الكرّ الباقي.

وجه عدم اعتبار الامتزاج او اعتباره يأتي إن شاء اللّه في المسألة الثانية من فصل ماء البئر و يأتي ان الاحوط اعتبار الامتزاج.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 266

[مسئلة 14، إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ثم تغيّر بعد مدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14، إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ثم تغيّر بعد مدة فان علم استناده الى ذلك النجس تنجس و الّا فلا.

(1)

أقول: وجهه ظاهر لان الميزان تغير الماء بالنجاسة بلا دخالة زمان معيّن فيه فان علم ذلك يحكم بنجاسته و ان شك فيه فمقتضى الاصل طهارته.

***

[مسئلة 15، إذا وقعت الميتة خارج الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15، إذا وقعت الميتة خارج الماء و وقع جزء منها في الماء و تغيّر بسبب المجموع من الداخل و الخارج تنجّس بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء.

(2)

أقول: الحق في المسألة عدم تنجس الماء و ان اختار المؤلف رحمه اللّه و بعض الأعاظم من المحشّين رحمه اللّه، النجاسة على سبيل الجزم او الاحتياط.

وجه عدم التنجّس هو انه بعد كون المختار نجاسة الماء في خصوص ما كان تغيره بسبب ملاقاته للنجاسة بحيث يكون التغير مستندا إليها الملاقى للماء لا بالمجاورة فلا يبقى مجال فيما نحن فيه للحكم بالنجاسة لانه على الفرض لم يحصل التغير في الماء بملاقات من النجس خاصة بل بالمجوع من الداخل و الخارج.

و اما ما قيل «1» من ان اطلاق الادلة يقتضي النجاسة ففيه انه لا اطلاق لها من

______________________________

(1) القائل الشيخ الانصاري رحمه اللّه على ما حكى عنه المستمسك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 267

هذا الحيث.

لان الأخبار المصرحة فيها بكون التغيّر لاجل النجاسة الواقعة في الماء ظاهرها بل صريحها نجاسة الماء بحصول التغير من قبل النجس الواقع في الماء.

و اما الاخبار الغير المصرحة بذلك فقلنا و قالوا بانه و لو لم يصرّح فيها بكون التغيّر الموجب لنجاسة الماء هو التغيّر الناشئ من ملاقات النجاسة و لكن الظاهر منها هو هذا بمقتضى متفاهم العرفي و لو لم نقل

بذلك يلزم علينا ان نقول بالنجاسة فيما حصل التغير في الماء بمجاورته للنجاسة أيضا.

و اما ما قال في المستمسك «1» «من ان الغالب في الجيفه التي تكون في الماء بروز بعضها و التفكيك بينه و بين فرض المسألة في الحكم بعيد عن المرتكز العرفي و البناء على الطهارة فيهما معا في صورة الاستناد الى الداخل و الخارج كما ترى» و كان غرضه الاستدلال على النجاسة في المسألة بانّ المصرّح في بعض اخبار الباب هو الحكم بنجاسة الماء فيما وقعت الجيفة فى الماء و الغالب في صورة وقوع الميتة في الماء هو بروز بعض الميتة في لماء بحيث يكون بعضها ملاقيا للماء و بعضها خارجا عنه و في هذا المورد مع انّ التغيّر مستند الى الجزء الخارج و الداخل حكم في الأخبار بالنجاسة فمن هنا نفهم نجاسة الماء بالتغيّر الحاصل فيه في فرض مسئلتنا لانّه لا يخلو الامر من الثلاثة في مقام الفرض.

امّا يقال بالطهارة في صورة وقوع الميتة في الماء مع استناد النجاسة الى الجزء الداخل و الخارج كما تقول في مفروض مسئلتنا المبحوث عنها فهو كما ترى لان لازم ذلك المخالفة مع بعض الأخبار الواردة في الباب الدّال في هذه الصورة على النجاسة.

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 121- 122.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 268

و امّا يقال بالتفكيك بين المورد الغالبى في وقوع الميتة في الماء و تغبر الماء بسببها و بين مسئلتنا هذا من وقوع النجس خارج الماء و وقوع جزئه في الماء و حصول التغيّر بسبب المجموع هذا بعيد عن مرتكز العرف فلا بدّ من اختيار الشقّ الثالث و هو الحكم بنجاسة الماء في مورد مسئلتنا كما نحكم في

صورة وقوع الميّتة في الماء مع بروز بعضها و تغيّر الماء بسببها هذا مراده بنحو واضح لكن ليس كلامه في محلّه. ان كان غرضه انّ المستفاد من بعض الروايات المتعرضة لصورة وقوع الميتة في الماء هو الحكم بنجاسة الماء حتّى في صورة كون التغيّر مستندا الى كلّ من جزئي الداخل و الخارج من الميّتة لا الى خصوص الجزء الداخل في الماء.

ففيه انّ هذا أوّل الكلام بل الظاهر خلافه لانّ الميتة إذا وقعت في الماء بمقدار حصل التغيّر في احد اوصافه الثلاثة بها فمن الواضح انّ ذلك مستند الى ما وقع منها في الماء و هو أكثر جسمها لا الى المختصر من جزئها الواقع خارج الماء و لا إليه و الى الداخل فى الماء منها فنقول بانّ مورد الاخبار ليس ما كان التغيّر مستندا الى الداخل و الخارج حتى نقول بذلك في مسئلتنا أيضا.

بل نقول مورد وقوع بعض النجس خارج الماء و بعضه داخله كما يفرض ان يكون بعض بدنها مثلا رأس الميتة و يديها خارجا عن الماء مجاورا له و بعضها الآخر في الماء.

كذلك يمكن فرضه في صورة وقوع بعض بدن الميتة خارجا اى بارزا من الماء، و بعضها منغمسا في الماء كما توهّم انّ هذا المورد مورد الأخبار المتعرضة لوقوع الميتة في الماء، و نقول بعد اعتبار كون التغيّر مستندا الى خصوص النجس الواقع في الماء ففي كلّ من الفرضين لو استند التغيّر الى مجموع الداخل و الخارج نقول بعدم نجاسة الماء بالتغيّر الحاصل فيه من الداخل و الخارج و لا نخاف من ذلك في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 269

مقام الفتوى.

نعم الاحتياط امر آخر مطلوب شرعا و عقلا فنقول

ينبغى الاحتياط في مسئلتنا اعنى المسألة الخامسة عشر.

***

[مسئلة 16: إذا شك في التغيّر و عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: إذا شك في التغيّر و عدمه او في كونه للمجاورة او بالملاقات او كونه بالنجاسة او بطاهر لم يحكم بالنجاسة.

(1)

. أقول: أقول لان المرجع في صورة الشك في حصول سبب النجاسة و عدمه هو اصالة الطهار.

***

[مسئلة 17: إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر احمر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر احمر فاحمرّ بالمجموع لم يحكم بنجاسته.

(2)

. أقول: للمسألة صور:

الاولى: و هي ظاهر فرض المؤلف رحمه اللّه ان يكون تغيّر الماء مستند الى الدم و شي ء آخر احمر

بحيث لو لم يكن كل واحد منهما لم يحصل التغير في الماء اصلا لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 270

بمرتبة الحمرة و لا اسفل منها و بعبارة الاخرى لم يحصل تغير في الماء بالدم مستقلا لا بمرتبة الحمرة و لا بمرتبة الصفرة و لا غيرهما.

الثانية: ان التغير بالحمرة بمرتبة مستند الى مجموع من الدم

و هذا الشي ء الاحمر لا بالدم مستقلا و لكن مرتبة اعلى من التغير مستند الى الدّم مثلا التغيّر بمرتبة من الحمرة مستند الى الدم فقط بحيث لو لم يكن الدّم ما حصل في الماء هذا المرتبة من الحمرة فمرتبة ضعيفة من الاحمرار مستندة الى الدم و هذا الشي ء الاحمر و مرتبة قوية منه مستندة الى خصوص الدم.

الثالثة: عكس بان يكون الدّم في حدّ ذاته قابلا للتغيّر في الماء

بمرتبة مثلا المرتبة الصفرة و لكن كونه مع هذا الشي ء صار موجبا للتغيّر في الماء بمرتبة اقوى و هي الحمرة.

الرابعة: ان يكون كلّ واحد من الدم و هذا الشي ء الاحمر في حدّ ذاتهما قابلين

لتغيّر الماء مستقلا و لكن حيث يكون المحل غير قابل لورود العلّتين المستقلتين فصار الدم و هذا الشي ء جزئى العلّة لان يتغيّر بالاحمرار

إذا عرفت هذه الصور نقول اما في الصورة الاولى لا ينجس الماء لعدم كون التغيّر بالنجس مستقلا و الحال انّ ظاهر الادلة تعيّن كون التغيّر بنفس النجس لا به و بغيره منضما.

و اما في الصورة الثانية فلا اشكال في نجاسة الماء لانّ المرتبة العالية من التغيّر مستندة بخصوص النجس لا به و بغيره معا.

اما في الصور الثالثة فلا موجب لنجاسة الماء لان مجرّد القابلية للتغيّر غير كاف للنجاسة بل كما قدّمنا لا بدّ و ان يكون التغيّر حسيّا و في المقام لا يكون حسيّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 271

و اما في الصورة الرابعة فيمكن ان يقال أيضا بعدم نجاسة الماء به لان في هذه الصورة لا يكون التغيّر الحاصل بالدم مستقلا و ان كان ذلك من جهة عدم قابلية المحل حتى يؤثّر الدم مستقلا بل حصل التغيّر بمجموع هذا الشي ء و الدم فلا وجه للنجاسة.

***

[مسئلة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه من غير اتصاله بالكر او الجارى لم يطهر نعم الجارى و النابع إذا زال تغيّره بنفسه طهر لاتصاله بالمادة و كذا بعض من الحوض إذا كان الباقى بقدر الكر كما مرّ.

(1)

أقول: اما عدم طهارة الماء المتغيّر بمجرد زوال تغيّره من غير اتصاله بالكر و الجارى لاستصحاب نجاسته السابقة قبل زوال تغيّره و ليس الماء الغير المتغيّر بنظر العرف غير الماء المتغيّر فالموضوع واحد فتستصحب النجاسة السابقة.

و الإشكال بالاستصحاب بأنه من قبيل الشك في المقتضي مبنى على عدم حجيّة الاستصحاب الا في خصوص

الشك في الرافع و اما مع حجيته حتى في الشك في المقتضى فالاشكال مندفع.

مضافا الى ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه من ان النجاسة من الأمور القارة الّتي حتى حصلت لا ترتفع الا بالرافع فيكون الشك من قبيل الشك في الرافع.

و اما التمسك بما دل من النصوص على تنجس الماء بالتغير بان يقال ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 272

المستفاد منها اناطة النجاسة حدوثا و بقاء على التغيّر فمع زوال التغير فتزول النجاسة. ففيه ان المراجع بالنصوص يرى عدم تعرضها الا لحدوث النجاسة بالتغير و اما كون بقائها ببقائه فغير متعرضة لها.

و اما الاستناد لارتفاع النجاسة بزوال التغير بما روى من قوله «إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا» «1» بدعوى ان هذا الماء كر فلا يحمل خبثا ففيه ان الرواية ضعيفة السند و ان كان للاستدلال بها وجه بأن يقال ان عمومها يشمل كل ماء يكون كرا في كل حال غاية الأمر صار اطلاقها الاحوالى المستتبع لكل فرد من افراد عمومها مقيدا في حال التغير بما دل على نجاسة الماء بالتغيّر و اما بعد التغير فاطلاقها الاحولى الدال على عدم حمله الخبث محفوظ فيؤخذ به فالعمدة ضعف سندها.

و اما الاستناد بصحيح ابن بزيع بدعوى ان كلمة حتى في قوله عليه السّلام «حتى يذهب الريح و يطيب الطعمة» «2» تكون تعليلية فيكون ذهاب الريح و طيب الطعم علّة لرفع النجاسة الحاصلة بالتغير، ففيه ان كلمة حتى في هذه الفقرة بظاهرها لو لم تكن للغاية فلا اقل من عدم ظهورها في العلة لانه لو كان ذهاب الريح علة فتكون علة عرفيّة و التعليل بالامر العرفي للامام عليه السّلام في مقام بيان

الحكم بحسب الظاهر غير مناسب مضافا الى ان ذلك يوجب الغاء العلة المذكورة في الرواية و هي قول عليه السّلام «لان له مادة» عن العليّة، و الحال ان الظاهر كون وجود المادة علة لكل من الفقرة الاولى و هي قوله عليه السّلام «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء» و الفقرة الثانية اعنى قول عليه السّلام «حتى يذهب الريح و يطيب الطعمة» لان علة عدم كون شي ء مفسدا له و طهارته بذهاب الريح و طيب الطعم يكون وجود المادّة له،

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 4 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 1، ص 125.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 273

هذا كله في عدم كون نفس زوال التغيّر موجبا لزوال النجاسة و حصول الطهارة.

و اما طهارة الجارى و النابع إذا زال تغيّره بنفسه لاتّصاله بالمادّة فلما دل من النصوص و منها صحيح ابن بزيع المشار إليه نعم هنا كلام في انه هل يكفى مجرد اتصاله بالمادة او يجب امتزاج الماء الخارج الواقع في البئر بما يخرج من المادة أم لا يعتبر ذلك فيأتي فى محله إن شاء اللّه.

و اما حكم بعض الحوض المتغير بالنجاسة بعد زوال تغيره من حيث طهارته بالاتصال او بالامتزاج بالبعض الآخر منه إذا كان هذا البعض كرا فقد مضى الكلام فيه في المسألة الثالثة عشر فراجع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 275

فصل: فى الماء الجارى
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 277

قوله رحمه اللّه

فصل في الماء الجارى

[مسئلة 19: الماء الجارى هو النابع السائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: الماء الجارى و هو النابع السائل على وجه الأرض فوقها او تحتها كالقنوات لا ينجس بملاقات النجس ما لم يتغير سواء كان كرا او اقل و سواء كان بالفوران او بنحو الرشح و مثله كل نابع و ان كان واقفا.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في المراد من الماء الجارى

و هو كما ذكره المؤلف رحمه اللّه عبارة عن الماء النابع السائل على وجه الارض فوقها او تحتها.

فنقول بعونه تعالى انّ اعتبار السيلان و الجريان مما لا اشكال فيه لغة و عرفا و نصّا بعد كون التعبير في النصوص بلفظ الجريان او بعض مشتقاته الآخر كما ان الجريان لغة و عرفا عبارة عن السيلان و لم يتصرّف الشارع في موضوع الجريان فعلى هذا لا يشمل الجارى بموضوعه لكل نابع و لو لم يكن جاريا و ان كان يشمله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 278

حكما كما تعرف إن شاء اللّه.

اما اعتبار النبع فنقول اما اعتباره فيه لغة فلا وجه له لعدم اعتباره في اللغة فيه.

و اما اعتباره فيه عرفا و في مصطلح الفقهاء فلا يبعد دعوى اعتباره فيه لان المنساق عند العرف في الماء الجارى الاستعداد و قابليته للجريان و هذا بكون مادة نابعة له فلا يكفي مجرد الجريان في الصدق العرفي و اما في الاصطلاح فيعتبر فيه كما يظهر للمراجع في كلماتهم بل ادعى عليه الاجماع مكررا في الكلمات.

و اما شموله لكل نابع سائل سواء كان جاريا فوق الأرض او تحتها فللاطلاق لعدم تفاوت في ذلك لغة و عرفا و شرعا لا موضوعا و لا حكما.

الجهة الثانية: في عدم نجاسته بملاقات النجاسة

تدل عليه مضافا الى الشهرة بل الاجماع المنقول في كلماتهم و النصوص فعدم نجاسته بملاقات النجاسة في الجملة ممّا لا ينبغى الإشكال فيه.

نعم هنا كلام في ان هذا الحكم مختص بصورة كون الماء الجارى كرّا كما نسب الى العلامة رحمه اللّه و بعض آخر من اعتبار الكرّية فيه او يشمل الحكم حتى فيما كان الماء الجارى قليلا لم يبلغ حد الكر الحقّ الثاني لانّه مضافا

الى الشهرة بل الاجماع المدعاة يمكن استفادته من بعض النصوص.

و العمدة منها ما رواه محمد بن اسماعيل بن يزيع عن الرضا عليه السّلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا ان يتغيّر ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادّة «1» لان المستفاد من العلّة في الصحيحة كون وجود المادّة علّة لعدم نجاسة ماء البئر بملاقات النجس و هذا واضح ان كان قوله عليه السّلام «لان له مادّة» علّة

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 279

للصّدر و هو قوله ماء البئر واسع لا يفسده شي ء» فعلّة عدم كون شي ء مفسدا له تكون وجود المادّة فالماء الجارى لا ينجس بملاقات النجاسة لان له مادّة.

كذلك ان كانت العلّة علّة للصّدر و كذا للذيل لانه على هذا علّة عدم كون شي ء مفسدا له و علّة طهارته بعد النزح و ذهاب الريح و طيب طعمه هي وجود المادّة فكل ماء يكون له المادة حكمه حكم ماء البئر لانّ العلّة تعمم و تخصّص بل يستفاد من العلة المذكورة عدم نجاسة الجارى بمجرد ملاقات النجس و كذا لو كانت العلّة في الرواية علة للذيل فقط اعنى علّة طهارة ماء البئر بعد زوال التغيّر وجود المادة.

لانّه يقال ان المستفاد من العلة طهارة الماء بعد زوال التغيّر مطلقا سواء كان الماء الموجود فى البئر قليلا او كثيرا لوجود المادّة و الا لو لم يكن وجود المادّة مؤثرا في عاصمية الماء فلو فرض وجود عين نجس بعد ذهاب الريح و طيب الطعم في ماء البئر فكلما يخرج من الماء قليلا ينجس بملاقاته لعين النجس

الموجود في البئر فلا خاصية لوجود المادّة اصلا فهذا شاهد على ان الحكم مطلقا طهارة ماء البئر و عدم نجاسته بملاقات النجاسة و عدم فرق في مطهّرية وجود المادّة بين كون الماء الباقى في البئر قليلا او كثيرا.

فكذلك في الجارى لان مجرد وجود مادّة للماء الموجود في النهر عاصم لا ينجس ما في النهر بملاقات النجاسة و ان كان قليلا، و اما التمسك لعدم اعتبار كرّية الماء الجارى في عاصميّته و عدم تنجسه بملاقات النجاسة بما رواه داود بن سرحان قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الماء الجارى «1» فمشكل لا لما قيل من انّ القضية المذكورة في الرواية تكون من القضايا الخارجيّة و الحمامات في زمان صدور الرواية كانت مادّتها كرا بحسب وضعها و هذا يوجب الالتزام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 280

باعتبار الكرّية في مادة الجارى و لا يمكن الالتزام به.

حتّى يجاب عنه تارة بان القضيّة من القضايا الحقيقية و يكون المتكلّم في بيان الحكم لحقيقة الحمام لا لخصوص الحمامات الخارجيّة.

و تارة بان التنزيل يكون بعد لحاظ وضع الحمام من حيث كون مادّته كرا فهو بعد هذا الفرض بمنزلة الجارى و هذا لا يوجب اعتبار كرية المادة في الجارى.

و تارة بان الخبر يكون في مقام بيان تنزيل ماء الحمام منزلة الجارى لا العكس فلا يوجب ان يكون كلما هو دخيل في المنزل يكون دخيلا في المنزّل عليه.

بل أقول بانه لا اشكال في ان الامام عليه السّلام يكون في مقام بيان حكم ماء الحمام لان السائل سئل عنه فهو عليه

السّلام يكون في مقام بيان حكم ما سئل عنه فقال هو بمنزلة الجارى فيستفاد منه ان للجارى حكما مفروغا عنه عند السائل و المسئول عنه و احال حكم ماء الحمام به، فلا يستفاد منها الا كون ماء الحمام بمنزلة الجارى و اما كيفية عاصمية الماء الجارى و آنها على اى خصوصية فليس هو عليه السّلام في مقام بيانه راسا و بعد عدم كونه في مقام بيان ذلك فقهرا لا يفيد الخبر الا كون ماء الحمام بمنزلة الجارى و اما كونه بمنزلته في اىّ شرط و اى كيفيّة و اى حال فهو محوّل الى ما هو المفروغ عنه عند السائل و المسئول عنه فلا يمكن استفادة اطلاق من الحديث من حيث خصوصية الماء و خصوصية مادّته في الجارى او في الحمام.

نعم لو كان الحكم في ماء الحمام و انه بمنزلة الجارى له اطلاق باعتبار كونه بنحو القضية الحقيقية، او عدم اطلاق له و تنزيله على المتعارف من الحمامات في زمان صدور الراية باعتبار كونه بنحو القضية الخارجية يستفاد في الصورة الاولى ان ماء الحمام مطلقا و في الصورة الثانية.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 281

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 281

ان الماء الحمامات الخارجيّة بمنزلة الجارى و إماما هو المراد من الجارى و باىّ كيفية و على اى خصوصية فالرواية ساكتة عنها لعدم كونها في مقام بيانه.

و مثل هذه الرواية في عدم كونها دليلا على المسألة ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت أخبرنى عن

ماء الحمام يغتسل منه الجنب و الصبى و اليهودى و النصرانى و المجوسى قال ان ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا «1».

لا لما قد يقال من ان ماء النهر لا يشمل كل افراد الماء الجارى حتى ما يكون جريانه ضعيفا.

حتى يقال جوابا عنه بان ماء النهر يشمل كل نهروان كان صغيرا و لا لما قد يقال من ان الظّاهر من قوله عليه السّلام ماء الحمام كماء النّهر يطهّر بعضه بعضا هو كون العاصم لبعضه بعضه الآخر من النهر لا المادّة و الحال ان المقصود كون سبب عاصمية الجارى و كذا ماء الحمام وجود المادة كما في المستمسك. «2»

لانّ فيه ان فاعل يطهّر في قوله عليه السّلام يطهّر بعضه بعضا هو ماء الحمام كما لا يبعد ذلك فمعناه ان ماء الحمام يطهّر بعضه بعضا كما ان ماء النهر يطهّر بعضه بعضا و ان كان فاعل «يطهّر» ماء النّهر، فأيضا معناه ان ماء النهر كما يطهّر بعضه بعضا فكذلك ماء الحمام.

و على كل حال ان كان المراد من البعض المطهّر لبعض الآخر هو بعض ما في الحياض من الحمامات على تقدير كون فاعل يطهّر ماء الحمام فيفيد ان عاصمية ماء الحمام بنفس ما في الحياض التي يغتسل منه الجنب و الصبي و اليهودى و النصراني و المجوسى و هذا مما لا يمكن الالتزام به مع فرض كون ما في الحياض قليلا و ان كان

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 125- 126.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 282

كثيرا فلا وجه لان يقال يطهر بعضه بعضا لانه لا ينجس بملاقات النجس حتى يطهّر بعضه

ببعضه الآخر مضافا الى ان ما في الحياض متصل واحد يغتسل فيه و لا يغتسل في بعضه حتى يطهر بعض المغتسل فيه ببعضه الآخر غير المغتسل فيه فعلى هذا لا بدّ من التصرف في الرواية بان المراد من البعض المطهّر هو البعض الذي يكون عاصما و يطهّر ما صار نجسا فلا بدّ ان تقول في ماء النهر كذلك حرفا بحرف و ان المراد من البعض و هو ماء في المادة يطهّر بعضه الآخر الذي يكون في النهر و ان كان فاعل يطهر» في قوله عليه السّلام يطهر بعضه بعضا هو ماء النهر فكذلك ان قلنا بان المراد من البعض المطهر لبعضه الآخر هو المادة فهو و ان لم نقل بذلك يكون المعنى ان بعض ما في النهر الملاقى للنجس يطهّر ببعضه الآخر.

ففيه كما قلنا ماء النهر ماء واحد متصل بعضه بالبعض فإذا لاقى النجس فليس في الخارج بعض منفصل من بعض حتى يطهر بعد نجاسته باتصاله بالبعض الآخر.

و ان قلت بان المراد ان البعض الملاقى النجس يطهّر ببعضه الغير الملاقى له لعاصميّته.

فأقول بان اطلاق قوله يطهّر بعضه بعضا يشمل كل ماء يكون في النهر قليلا كان او كثيرا و الحال ان القليل ليس بعاصم و

ان قلت يحمل جمعا مع ما يدل على عاصمية خصوص الكرّ على صورة كون ماء النهر كرّا.

فنقول مع اباء الحديث من ذلك الحمل لان الامام عليه السّلام يكون في مقام بيان الحكم الكلى للحمام و انه مثل النهر مطلقا بانه ان كان ما في النهر كرا فالكرية عاصمة لا ينجس بملاقات النجس فكان المناسب ان يقول لا ينجس كماء النهر لا ان يقول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 283

يطهر بعضه بعضا فهذا شاهد على ان البعض الملاقي ينجس و لكن يطهّره بعضه الآخر و حيث ان البعض ليس ما في النهر لما قلنا لا بدّ ان يكون البعض المطهّر هو المادة خصوصا بقرينة بعض روايات اخرى الدالة على ان عاصمية الماء الجارى و كل ذى مادّة تكون بالمادّة.

إذا عرفت عدم ورود ما اورده على الرواية فنقول كما قلت في الحديث السّابق بان العمدة عدم كون الامام عليه السّلام الا في مقام بيان حكم ماء الحمام و انه لا ينجس بملاقات النجس لا في مقام بيان كيفية عاصمية ماء النهر فلا يمكن اخذ الاطلاق منه لهذا الحيث اصلا.

الجهة الثالثة: لا فرق في عدم نجاسة الماء الجارى بملاقات النجاسة

بين ان يكون كرا و بين عدم كريته لاطلاق الدليل.

و اما التمسك على اعتبار كرّيته كما نسب الى العلّامة رحمه اللّه بإطلاق مفهوم الأخبار الدالة على ان الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شي ء بان مفهومها هو نجاسة ما دون الكرّ و اطلاق المفهوم يقتضي نجاسة كل ماء دون الكرّ بملاقات النجاسة سواء كان الماء راكدا او جاريا فغير تمام، لا لان ما يدل على عاصمية الجارى خصوصا التعليل الوارد في خبر اسماعيل بن بزيع «لان له مادة» حاكم على هذه الأخبار. لان دعوى كون لسان هذا الخبر الشارحية مشكل.

و لا لما ادعى من الجمع بين هذا الخبر و بين ما دل على عدم نجاسة الماء البالغ كرّا بملاقات النجاسة و هو الالتزام بكون كل من الكرية و وجود المادة علة.

لان هذا الجمع ليس جمعا عرفيّا و لا يذهب إليه مطلقا و لو فيما لا يمكن الجمع بنحو آخر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 284

بل نقول بانه لو قطعنا النظر

عن دعوى انصراف الأدلّة المفصّلة بين القليل و الكثير من حيث نجاسته بملاقات النجس و عدمه عدمه عن الماء الجارى.

بانه بعد كون التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه لان مقتضى بعض الأخبار الواردة في الجارى هو عاصميّته و عدم نجاسته بملاقات النجس سواء كان كرا او اقلّ منه و مقتضى ادلة عاصمية الكرّ هو ان الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء و مفهومه نجاسة الاقل من الكر بالملاقات للجنس و اطلاقها يشمل الجارى و غير الجارى ففي الماء الجارى القليل يقع التعارض بينهما لان مقتضى الاول عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة ان كان قليلا و مقتضى الدّليل الثّاني بإطلاقه نجاسة جارى القليل فهذا مورد تعارض الدليلين.

و إذا بلغ الأمر الى هنا نقول بانه في مورد التعارض بالعموم من وجه يحكم العرف بالأخذ بالاظهر من الدليلين بالنسبة الى مورد الاجتماع و لا اشكال في ان ادلة عاصمية الجارى اظهر مما دل على نجاسة القليل بملاقات النجاسة في مورد الاجتماع فتكون النتيجة عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة سواء كان قليلا او كثيرا.

و اعلم ان التعارض يكون بناء على تسليم عموم لمفهوم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء. و اما لو قلنا بعدم عموم للمفهوم فلا تعارض اصلا.

الجهة الرابعة: أما نجاسة الجارى بتغيره في احد اوصافه الثلاثة

بسبب النجاسة فقد مضى الكلام فيه في المسألة التاسعة من الفصل السابق فراجع.

الجهة الخامسة: هل الفرق في عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة

بين ان يكون الجريان فيه بالفوران و بين الرشح او لا أقول لا فرق بينهما لان العمدة في الحكم هي العلّة المذكور في صحيحة ابن بزيع و هي قوله عليه السّلام «لانّ له مادّة» و لا فرق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 285

بين كون الجريان من المادة بنحو الفوران او بنحو الرشح، فعلى هذا لو ابيت عن صدق النبع الماخوذ في كلماتهم في تعريف الجارى حيث قالوا الجارى هو النابع السائل على وجه الأرض فلا اشكال في ان ما له مادّة راشحة مثل ما له مادّة نابعة حكما.

و ان كان الممكن شمول الجارى موضوعا لما له مادة راشحة لان النبع المأخوذ في موضوع الجارى اعم من الرشح لان اخذ النبع في تعريفه ليس الا لخروج ما لا مادة له اصلا.

الجهة السادسة: هل يكون كل نابع

و ان كان واقفا مثل الجارى أم لا.

اعلم ان مثله موضوعا و كونه من افراده فمما لا يمكن القول به لكون الجريان مأخوذا فيه لغة و اصطلاحا.

نعم ما ينبغى ان يبحث عنه هو انه هل النابع الغير الجارى يكون مثل الجارى حكما أم لا.

فنقول ان العمدة في عدم نجاسة الجارى بملاقات النجاسة هل العلة المذكور في رواية ابن بزيع و هي تشمل كل ماله مادّة فعلى هذا فكل ماله مادّة يكون مشتركا مع ماء البئر و الجارى في هذا الحكم سواء يصدق عليه اسم البئر او الجارى او لا يصدق.

***

[مسئلة 1: الجارى على الأرض من غير مادّة نابعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الجارى على الأرض من غير مادّة نابعة او راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقات نعم إذا كان جاريا من الاعلى الى الاسفل لا ينجس اعلاه بملاقات الاسفل للنجاسة و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 286

كان قليلا.

(1)

أقول: اما نجاسته بملاقات النجاسة لان هذا مقتضى الأدلّة المفصّلة بين الماء القليل و الكثير من حيث ملاقاتها للنجاسة و بعد فرض كون الماء قليلا و عدم كونه جاريا لعدم مادّة نابعة او راشحة ينجس بملاقات النجاسة.

و اما عدم نجاسة اعلاه بملاقات الاسفل للنجاسة فلعدم سراية النجاسة بالعالى بملاقاته للسافل و الميزان هو السراية عرفا كما مرّ في الفصل السابق.

***

[مسئلة 2: إذا شك في ان له مادة أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا شك في ان له مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقات.

(2)

أقول: لا وجه للنجاسة في مفروض المسألة لكونها من الشبهة في المصداق فلا يعلم ان لهذا، الماء مادّة حتى لا ينجس بالملاقات او لا يكون له مادة حتى ينجس و لا اشكال في انه بعد عدم جواز التمسك بالعام و كذا بالخاص فالمرجع الاصل العملى و هنا اصالة الطهار فيحكم بطهارة الماء بعد الملاقات ببركتها نعم ينبغى الاحتياط بالاجتناب عنه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 287

[مسئلة 3: يعتبر في عدم تنجس الجارى اتصاله بالمادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يعتبر في عدم تنجس الجارى اتصاله بالمادة فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر فان كان دون الكر ينجس نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

(1)

. أقول: هذا واضح لان المنشأ في العاصمية هو الاتصال بالمادة فمع اتصاله بها لا ينجس بملاقات النجاسة و مع عدم اتصاله بها ينجس ان كان قليلا.

***

[مسئلة 4: يعتبر في المادّة الدوام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يعتبر في المادّة الدوام فلو اجتمع الماء من المطر او غيره تحت الأرض و يترشّح إذا حفرت لا يحلقه حكم الجارى.

(2)

أقول: ان كان نظره الشريف من اعتبار الدوام في المادة في قبال ما كانت في وقت دون وقت مثلا يكون الماء في المادّة في فصل من فصول السنة دون غيره فلا اشكال في اعتبار ذلك بالنسبة الى المدّة الّتي تكون له الماد.

نعم في غير هذا الفصل ليس بحكم الجارى لعدم مادة له و لكن ليس هذا مراده لانه تعرض لهذه لصورة في المسألة السابعة التي يأتي إن شاء اللّه.

و اما ان كان نظره الى ان المراد من المادة هى الّتي تكون حاصلة في عروق الأرض لا ما يجرى من فوق الأرض و يجتمع تحت الأرض ثم يخرج بعلاج كالمثال الذي ذكره فنقول انه ليس كلامه بكلّيته تماما بل الحق كفاية ذلك إذا صدق عليه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 288

المادة عرفا في طروّ الحكم له فيكون الحكم دائرا مدار الصدق العرفي و لا اشكال في ان العرف يحكم في بعض صغرياته بان له المادّة و ان اجتمع الماء من المطر او غيره تحت الأرض.

***

[مسئلة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد فان ازيل الطين لحقه الحكم الجارى و ان لم يخرج من المادة شي ء فاللازم مجرد الاتصال.

(1)

. أقول: تقدم في المسألة الثالثة ان منشأ عاصميّة الماء الجارى كونه ذا المادة فمع اتصاله بها محكوما بهذا الحكم و الا فلا.

***

[مسئلة 6: الراكد المتصل بالجارى كالجارى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الراكد المتصل بالجارى كالجارى فالحوض المتصل بالنهر بساقية يحلقه حكمه و كذا أطراف النهر و ان كان مائها واقفا.

(2)

أقول: لان الماء الذي له المادة لا ينجس بملاقات النجاسة و الماء المتصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 289

بالنهر او ما اجتمع في اطراف النهر باعتبار اتصاله بالنهر ماء واحد له المادة على الفرض فيترتب الحكم على جميع ابعاضه.

***

[مسئلة 7: العيون التي تنبع في الشّتاء مثلا و تنقطع في الصيف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: العيون التي تنبع في الشّتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها.

(1)

. أقول: لان في زمان نبعها يكون له المادة فيترتب عليها الحكم المترتب على كل ما له المادة.

***

[مسئلة 8: إذا تغير بعض الجارى دون بعضه الآخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا تغير بعض الجارى دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقات و ان كان قليلا و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد ان تغيّر تمام قطر ذلك البعض المتغيّر و الا فالمتنجس هو المقدار المتغيّر فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

(2)

أقول: اما عدم نجاسة البعض المتصل بالمادة بالملاقات فيما كان المتغيّر بعضه الآخر واضح لاتصاله بالمادة فلا ينجس بملاقات النجاسة و ان كان قليلا لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 290

اعتبار الكثر في الحكم كما مرّ.

و اما البعض الآخر المتغيّر فان كان تمام قطره متغيّرا فينفعل بملاقات النجاسة.

اما ان كان بعضه غير متغيّر و متصل بالمادة فهو لا ينفعل لاتصاله بالمادة.

و اما البعض الآخر الغير المتغيّر الغير المتصل بالمادة لكون المتغير متغيرا بتمام قطره بحيث صار فاصلا بين المادة و هذا البعض الغير المتغير فيكون حكم هذا البعض حكم الماء الراكد فان كان كثيرا لا يفعل بملاقات النجس و ان كان قليلا بينفعل بملاقاته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 291

فصل: فى الماء الراكد: الكر و القليل
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 293

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء الراكد: الكر و القليل الراكد بلا مادة ان كان دون الكر ينجس بالملاقات من غير فرق بين النجاسات حتى برأس ابرة من الدم الذي لا يدركه الطرف سواء كان مجتمعا او متفرقا مع اتصالها بالسواقى فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء و اتّصلت بالسواقى و لم يكن المجموع كرا إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع و ان كان بقدر الكر لا ينجس و ان كان متفرقا على الوجه المذكور فلو كان ما في كل حفرة دون الكرّ و

كان الجمع كرّا و لاقى واحدة منها النجس لم تنجس لاتصالها بالبقية.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: ان الراكد بلا مادة إذا كان دون الكر ينجس بملاقات النجاسة

و ان كان كرا لا ينجس بملاقاتها فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 294

ان للعامّة في الماء المحقون اعنى الراكد اقوالا فقال منهم بطهارته مطلقا. سواء كان كثيرا او قليلا و هذا احد اقوال المالك و به قال اهل الظاهر.

و قال بعضهم بالفرق بين القليل و الكثير مع اختلافهم في تحديد القليل و الكثير و منهم من قال بالفرق و ان النجاسة تفسد القليل و لم يحدّ له حدّا.

و اما عندنا فالظاهر المتسالم عليه هو التفصيل بين الكر و غيره.

فان لم يبلغ الماء حد الكر ينجس بملاقات النجاسة و ان بلغ حد الكر لا ينجسه شي ء الا إذا تغيّر و لم ينقل من القدماء مخالف لذلك الا عن ابن ابي عقيل هذا حال المسألة من حيث الفتوى، و اما من حيث النص فيدل عليه روايات كثيرة حتى قيل تبلغ المئات فارجع الابواب المربوطة بالمقام فى الكتب الاربعة و الوسائل و جامع احاديث الشيعة و هو الكتاب الذي ألّف بامر زعيم الشيعة سيدنا الاعظم فقيد الاسلام آيت اللّه المعظم البروجردي اعلى اللّه مقامه الشريف و تحت نظره و مراقبته و مواظبته ارجو من اللّه تعالى ان يصير تمام مجلداته مطبوعا و مورد استفادة حملة العلم و كذا ساير ما ألّف و صنف في العلوم المختلفة الاسلامية و على كل حال جزاه اللّه خير الجزاء اذ أقام في زمن رئاسته على بسط الاسلام و معارفه و تشييد الدين و قطع دابر المخالفين.

نذكر بعض الروايات تيمنا و لا حاجة الى ذكر كلها.

الاولى: ما يدل على ان الماء

إذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شي ء و مفهومه تنجسه إذا لم يبلغ حد الكرية و هي روايات نذكر واحدة منها و هي ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شي ء «1» و كما قلنا غيرها بذا المضمون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 295

المذكور في بابها و مفهومها تنجس الماء بملاقات النجس إذا لم يبلغ حد الكر.

و هذا المفهوم و ان فرض كونه موجبة جزئيّة.

لكن بعد دلالة بعض الآخر من الاخبار على نجاسة الماء القليل مطلقا بملاقات النجاسة فلنا به غنى و كفاية.

الثانية: ما رواها احمد بن محمد ابن ابي نصر. قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل يده في الاناء و هى قذرة قال يكفى الاناء «1» قال فى القاموس كفأه كمنعه كبّه و قلّبه فأكفاه اقول المراد اراقة مائه و هو كناية عن التنجيس.

و هذه الرواية مطلق من حيث النجس لان القذر المذكور فيها مطلق يشمل كل نجاسة و المورد و ان كان الاناء لكن لا خصوصية له يوجب اختصاص الحكم به مسلما.

الثالثة: ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الدجاجة و الحمامة و اشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء «2».

و النهى و ان كان عن الوضوء من الماء الملاقى للعذرة الا إذا كان كرّا لكن

بعد مفروغيّة عدم كون المنشأ للنهى عن التوضى منه الا النجاسة فتكون الرواية دليلا علي التفصيل بين الكر و ما دونه من حيث ملاقات النجاسة. و اما بعض الروايات المتوهم دلالته على عدم نجاسة القليل بملاقات النجس.

فلو تمّ دلالته لا يمكن الاخذ بد لعدم مقتضى الحجية فيه لا عراض

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 296

الاصحاب عنه.

مضافا الى كون بعضها او كلها قابل التوجيه بنحو لا ينافي المذهب المختار.

مثل ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس «1» لانه من المحتمل كون السؤال من حيث كونه شاكا في ان الحبل هل يدخل في الماء حتى ينجس الدلو او البئر على القول بنجاسة ماء البئر بملاقات النجس فقال لا بأس يعني مجرد جعل الحبل من شعر الخنزير لا يلازم نجاسة الماء لانه ربما لا يصل الحبل بماء الدلو او ماء البئر.

نعم لو كان السّؤال عن جواز الوضوء و عدمه من باب ان الحبل المصنوع من شعر الخنزير وقع في الماء و لاقى ماء الدلو فهل ينجس ماء الدلو بسببه أم لا.

فقال عليه السّلام لا بأس تكون الرواية دليلا على عدم نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة.

لكن كون السؤال و الجواب من هذا الحيث غير معلوم و ربما كان السؤال عن الجهة التي قلنا.

و في بعضها القرينة على انه صدر على وجه التقية.

مثل ما رواها محمد بن ميسّر قال سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الجنب ينتهى الى الماء القليل في الطريق و يريد ان يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه فذرتان قال يضع يده «و خ ل» ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال اللّه عزّ و جلّ:

مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» وجه صدرها تقية هو ان الأمر بالوضوء مع مع غسل الجنابة لا يوافق مذهبنا بل على وفق مذهب المخالفين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 297

مضافا الى ان القليل ليس له اصطلاح في الاقل من الكر. فربما يكون المراد ان الماء يكون بالنسبة الى بعض المياه الواقع في الغدران قليلا و ان كان هذا القليل يبلغ حد الكرية.

و مضافا الى انه يمكن ان يقال كما يأتي بنظرى القاصر و ان لم أر من يقوله في الحديث هو انه بعد كون الوارد في الروايات في مورد هذا الحديث و هو الماء القليل بناء على كون المراد من القليل في الحديث ما دون الكر روايات أمر فيها باهراق الماء مع وقوع يده القذرة بالجنابة او غيرها ان كان الماء قليلا كالخبر 4 و 10 و 11 من الباب المذكور فيه هذه الرواية اى رواية محمد بن ميسّر و غير هذا الباب فلا يمكن الأخذ بهذا الحديث بل لا بدّ من طرحها و الاخذ بما يقابلها من الروايات.

بيانه ان مفاد رواية محمد بن ميسّر جواز الاغتسال و التوضى بالماء القليل مع وقوع النجاسة فيه معلّلا بقوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ» و مفاد الأخبار المعارضة لها عدم جواز التوضى و الغسل و الأمر باهراق الماء القليل مع وقوع النجاسة فيه ففى مقام التعارض ان امكن الجمع الدلالى نقول به و الّا لا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح و مع عدمه التساقط او التخير او التوقف عل الكلام فيه.

و في المورد لا يمكن الجمع الدلالى بحمل الأمر بالاهراق في الروايات على الاستحباب و النهى عن الوضوء و الغسل به على الكراهة بقرينة خبر محمد بن الميسّر لان هذا الجمع لا يساعد مع العلّة المذكورة في هذا الخبر من قوله عليه السّلام «هذا مما قال اللّه عزّ و جلّ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» لانه بعد كونه خلاف ذلك اعنى ترك استعمال هذا الماء الملاقى للجنس حرجيّا كما في هذا الخبر فكيف يمكن ان يقال باستحباب ترك استعماله لعدم استحباب الفعل الحرجى.

و بعد عدم امكان الجمع الدلالى و وصول النوبة بالتعارض في السنّة. فلا بدّ من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 298

الاخذ بما يعارض ذا الخبر لان اوّل المرجّحات هو الشهرة و الشهرة المرجحة سواء كانت الشهرة في الرواية كما هو قول جمع او كانت الشهرة في الفتوى كما هو مختار سيدنا الأعظم آيت اللّه البروجردي رحمه اللّه على طبقه لان معارض هذا الخبر اشهر رواية و اشهر فتوى.

و مثل ما رواها «1» زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فأرة او جرذ او صعوة ميتة. قال: إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبّها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا خرجتها

طرية و كذلك الجرة و حبّ الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء و قال و قال ابو جعفر عليه السّلام: إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجّسه شي ء تفسخ فيه او لم يتفسّخ فيه الا ان يجي ء له ريح تغلب على ريح الماء «2» و هي على ما يأتي بالنظر ليست دليلا على عدم نجاسة الماء القليل بالنجاسة. لان صدرها اما تعرض لصورة ملاقات النجاسة و لو لم يوجب تغير الماء فهو مطلق يشمل القليل و الكثير.

بل بقرينة قوله عليه السّلام و كذلك الجرة و حب الماء و القربة يمكن ان يقال بان الموارد هو الكثير لان الحب «3» غالبا يكون ازيد من الكر فعلى هذا تكون الرواية من المطلقات الدالة على عدم نجاسة الماء بملاقات النجاسة و لا بدّ من تقييدها بما دل على التفصيل بين الكر و ما دونه هذا إذا قلنا بإطلاق الصدر.

و ان قلنا بان موردها بقرينة ذكر الحب هو خصوص الكثير فتدل الرواية على عدم نجاسة الكثير بملاقات النجاسة و هو المطلوب.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) راجع باب 10 من ابواب الماء المطلق حديث 7 و ما رواه الشيخ.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 299

و لكن على الاحتمال المذكور من كون صدرها متعرضا لصورة ملاقات الماء مع النجس لا تغيره به فيوهن الرواية تفصيلها بين التفسخ و عدمه لانه مع عدم التغير لا فرق عند كل من يقول بنجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة و عند من يقول بعدمه بين التفسخ و عدمه.

و اما تعرض صدر

الرواية للتفصيل بين صورة تغير الماء بملاقات النجاسة و عدمه فنقول بالنجاسة في الاول و عدمه في الثاني فهي غير مربوطة بالمقام اصلا لانها على هذا من الروايات الدالة على نجاسة الماء بالتغير بسبب النجاسة.

و لا يبعد كون هذا الاحتمال اقوى من الاول.

و ما قيل من انه عليه السّلام بيّن حكم التغير في ذيل الرواية فصدرها متعرض لحكم آخر.

يمكن ان يقال جوابه بان هذا مبنى على كون قول زرارة «و قال ابو جعفر عليه السّلام» من جزء الرواية و ذيلها حتى تكون الفقرة الاولى صدرها و هذه الفقرة ذيلها لكن من المحتمل كون هذه الفقرة رواية اخرى نقل زرارة او بعض الناقلين عنه بعد الرواية الاولى كما يرى كثيرا هذا في الروايات فعلى هذا بيّن التفصيل بين صورة التغير بالنجاسة و عدمه من حيث الحكم في كل من الروايتين مطلقا و مثل ما رواها ابو مريم الانصارى قال كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركىّ له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فاكفى راسه و توضأ بالباقى «1» و فيه.

أولا كما قال بعض الفقهاء رحمه اللّه لا يمكن ان ينسب هذا العمل بالامام عليه السّلام و ان كان النجس لا ينجس القليل لانه مع وجود قذارة هذا الماء لا يتوضأ منه الامام عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 300

فان صدر فرضا هذا الفعل لا بدّ من توجيهه من حمل العذرة على عذرة الماكول او كون الدلو كرا او غير ذلك. و ثانيا ورد في مورد الحديث روايات و قد

امر فيها باهراق الماء و التيمم فارجع الباب المذكور فيه هذه الرواية.

و لا مجال لان يقال بالجمع بينهما بحمل ما دل على الأمر باهراق الماء و التيمم مع ملاقات الماء للنجاسة على الاستحباب بقرينة الجواز المستفاد من هذه الرواية لان لازم ذلك استحباب الطهارة الترابية مع التمكن مع الطهار المائيّة على الفرض و هذا مما لا يمكن الالتزام به و هذا وجه خطر ببالى القاصر.

ثم ما ذكرنا من الروايات و امثالها أولا يكون قابلا للتوجيه بنحو لا ينافي القول المعروف المفصل بين الكر و اقل منه من الماء الراكد.

و ثانيا لو تمت دلالتها لا يمكن العمل عليها لا عراض الاصحاب عنها فالحق هو ان الماء الراكد الغير البالغ حد الكريّة ينجس بملاقات النجاسة بخلاف الكر منه.

الجهة الثانية: لا فرق في نجاسة القليل بملاقات النجاسة بين انواع النجاسات

و مقدارها حتى الدم الذي لا يدركه الطرف اما عدم الفرق بين انواع النجاسات فلانه و ان كان في بعض ما بايدينا من الاخبار في الباب لا تعرض فيه الا لبعض انواع النجاسات كالمنى و الدم.

لكن في بعضها التعبير بالقذر و هو يعمّ كل نجس و اما ما في بعض الاخبار الدال بمنطوقه على عدم نجاسة الكر بملاقات النجس و انه لا ينجّسه شي ء و بالمفهوم على ان ما دون الكر ينجّسه شي ء و هذا المفهوم تكون موجبة جزئية فلا يستفاد منه نجاسة القليل بكل نجس نعم نعلم بعدم خصوصية لبعض النجاسات المتعرّضة له في روايات الباب فيعمّ الحكم لكل نجس مع تسالم ذلك بين الاصحاب. و اما بحسب المقدار فلا خلاف في تنجس القليل بكل نجس بكل مقدار كان و لو لم يدركه الطرف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 301

خلافا للشيخ رحمه اللّه في خصوص

الدم الذي لا يدركه الطرف من عدم نجاسته به و منشأ التوهم.

ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال، سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه فقال ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بيّنا فلا تتوضأ منه الخ «1» بتوهم دلالة قوله عليه السّلام ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس على انّه ان كان الدم لا يستبين اى لا يدركه الطرف فلا بأس به و لا ينجس الماء بملاقات هذا الدم.

و الحال انه من الواضح كون المراد من هذه الفقرة بيان عدم الباس في صورة الشك في وقوع الدم في الماء فمعنى قوله عليه السّلام: ان لم يكن شيئا يستبين هو انه لو لم يكن شي ء من الدم بيّنا في الماء و يكون المحتمل فقط وقوع الدم فيه لا متيقنا فلا بأس بذلك.

ان قلت بعد كون مفروض الرواية ملاقات الدم و اصابته الاناء فلا شك في البين حتى يكون قوله عليه السّلام «ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس» متعرضا لصورة الشك في الاصابة.

قلت ان اصابة الاناء المفروض في صدر الحديث لا يلازم اصابة الماء فمع اصابة الدم الاناء.

تارة يعلم باصابة الماء.

و تارة يشك في ذلك من باب عدم استبانة الدم في الماء فلا بأس في هذه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 302

الصورة للشك في نجاسة الماء.

الجهة الثالثة: هل يعتبر في الكر الذي لا ينجس بملاقات النجاسة كون الماء الواحد مجتمعا في محل واحد،

او لا يعتبر ذلك.

فلو كان متفرقا لكن يكون بين هذه المتفرقات اتصال بالسواقى تبلغ هذه

المتفرقات حدّ الكرية يكون عاصما و لا ينجس بملاقات النجاسة أوّلا.

أقول بعونه تعالى بانه بعد كون الميزان في الكريّة كون الماء الواحد كرا فلو كان الماء في محال متعددة و لكن كل واحد منها متصل بالآخر بالسواقى فيعد هذا ماء واحدا باعتبار اتصال بعضها ببعض و على الفرض يكون مجموع هذه المياه كرا فيلحق حكم الكرّ. هذا كله اذا كان سطوح هذه المياه المتفرقة المتحدة بسبب السواقى مساوية و اما مع اختلاف سطوحها فياتى حكمه إن شاء اللّه فى طى المسألة الخامسة.

***

[مسئلة 1: لا فرق في تنجس القليل بين ان يكون واردا على النجاسة او مورودا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا فرق في تنجس القليل بين ان يكون واردا على النجاسة او مورودا.

(1)

اقول على المشهور بل لم ينقل الخلاف الا عن السّيد «ره» فى الناصريات، حيث اختار عدم نجاسة الماء الوارد على النجاسة و قال فى وجهه «انا لو حكمنا بنجاسة الماء) القليل الوارد على النجاسة لّادّى ذلك الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه و ذلك يشقّ فدلّ على ان الماء اذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و الكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه» و تبعه الحلّى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 303

قدّس سرّه فى السّرائر.

اقول الحق عدم فرق بين كون الماء واردا او مورودا فى تنجسه بملاقات النجاسة.

و الاشكال فى ذلك تارة يكون فى امكانه كما ان الظاهر من السيّد «ره» هو الاشكال من هذا الحيث لانه يقول كيف يعقل ان يصير الماء القليل الوارد على النجاسة نجسا بملاقاتها و مع ذلك يكون مطهّرا لملاقيه.

فلا بد اما من الالتزام بعدم صيرورة الماء القليل الوارد على النجاسة نجسا و امّا من الالتزام بعدم مطهريته.

فان كان

الاشكال من هذا الحيث فيأتى الكلام فيه فى محله إن شاء اللّه من عدم التنافى بين صيرورة الماء نجسا حال وقوع التطهيرية بملاقات النجاسة و مع هذا يطهّر ما يصيبه لان الماء باصابته المحل النجس يذهب اثر النجاسة و القذارة الواقعة فى المحل بعد الذهاب عينها.

فمع الالتزام بنجاسة الماء الوارد على النجاسة بملاقاتها يمكن الالتزام بصيرورة المحل النجس طاهرا بالماء.

و اما ان كان الاشكال من حيث دعوى عدم وجود دليل على نجاسة الماء اذا كان واردا على النجس بتوهم ان مورد اخبار الباب تكون صورة ورود النجس على الماء لا العكس. فنقول مضافا الى ان بعض الأخبار يدل على نجاسة الماء فيما كان واردا على النجس مثل ما روى في وسائل الشيعة. بنقل الصدوق في العلل عن ابيه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير او عن الاحوال انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 304

حديث» الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الّذي استنجى به فقال لا بأس.

فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به قلت لا و اللّه فقال ان الماء أكثر من القذر «1» فان فيه علل عدم الباس بكون الماء أكثر من القذر لا كون الماء واردا على النجس فان كان منشأ عدم نجاسة ماء الاستنجاء ورود الماء على المحل كان المناسب تعليل الامام عليه السّلام عدم الباس بذلك.

و الرواية الّتي رواها عمر بن حنظلة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عادية

و يذهب سكره فقال لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حبّ الا اهريق ذلك الحبّ «2» فان المستفاد منها هو فساد حب الماء بقطرة من الخمر فان كان حكم الماء الوارد على الخمر مخالفا لحكم الماء المورود كان اللازم عليه عليه السّلام بيانه فمن عدم بيانه نكشف عدم الفرق في فساد الماء بالخمر بين كون الماء واردا عليه او مورودا.

نقول بان مورد جلّ الاخبار المربوطة بالباب و ان كانت صورة ورود النجس على الماء.

لكن بعد كون المرتكز عند العرف كون سبب نجاسة الماء ملاقاته مع النجس و كون القذارات الحكمية عندهم كالقذارات العينية من حيث انّ اصابة القذارات بالماء باى نحو كان يوجب حدوث القذارة في الماء سواء كان النجس واردا على الماء او الماء واردا عليه و هذا الارتكاز مما لا ينكر سواء كان منشأه نظرهم العرفي او من باب اخذهم من الشرع يدا بيد فيحكم بعدم الفرق بين الوارد و المورد قطعا.

و الظاهران من تمسك لعدم الفرق بمفهوم بعض الروايات الدالة على ان الماء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الأشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 305

إذا بلغ قدر كر لم ينجّسه شي ء غرضه هو ان مفهومه و ان كان الموجبة الجزئية لا يضر بالاستدلال بالنسبة الى ان المستفاد من المفهوم هو موجبيّة قلة الماء لصيرورته نجسا بملاقات النجاسة في الجملة فبعض افراد الماء القليل ينجس بملاقات النجاسة قطعا فيقال بانه بالنسبة الى هذا البعض لا فرق بين كونه واردا على النجس و بين عكسه لان الاطلاق الاحوالى التابع للفرد يقتضي شمول

الحكم الثابت للفرد لجميع احواله من حالتى الورود و عكسه فمن الروايات و ان كان مفهومها الموجبة الجزئية يستفاد عدم الفرق في نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة بين كون الماء واردا او مورودا كما قلنا.

***

[مسئلة 2: الكر بحسب الوزن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الكر بحسب الوزن الف و ماتا رطل بالعراقى و بالمساحة ثلاثة و اربعون شبرا الّا ثمن شبر فبالمنّ الشاهى و هو الف و مائتان و ثمانون مثقالا يصير أربعة و ستين منّا الّا عشرين مثقالا.

(1)

أقول: قد حدد الكر بتحديدين تحديد بالارطال و تحديد بالمساحة و بعبارة اخرى بالاشبار فيقع الكلام في مقامين:

المقام الاول: في التحديد بالارطال
اشارة

نذكر إن شاء اللّه.

الروايات المربوطة به و ما ينبغى ان يقال.

الاولى: ما رواها ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 306

الكر من الماء الذي لا ينجّسه شي ء الف و مأتا رطل «1» تدل على ان الكر الف و ماتا رطل.

الثانية: ما رواها ابن ابي عمير قال روى لى عن عبد اللّه بن المغيرة يرفعه الى ابي عبد اللّه عليه السّلام، ان الكرّ ستّمائة رطل «2» تدل على ان الكر ستّ مائة رطل.

الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال و الكر ستّمائة رطل «3».

ثم أعلم ان ما استقر تقريبا عليه الفتوى عند الاماميّة هو كون الكر الف و ماتا رطل بالرطل العراقي.

الّذي هو نصف الرطل المكّى و ثلثا الرطل المدنى فلو حمل الرطل في الرواية الاولى على العراقى تكون الرواية موافقة للمشهور.

على كل حال المشهور بل ما ادعى عليه الاجماع هو كون الكر الف و ماتا رطل بالعراقي.

و اما الروايات، فليست متعرضة لنوع الرطل من العراقى و المكّي و المدني و ظاهر الرواية الثانية و الثالثة معارضتهما مع الرواية الاولى لان الكر على الاولى الف و ماتا رطل و على الثانية و الثالثة ستّ مائة رطل.

و في

مقام رفع تعارضهما قد يقال بان راوى الاولى حيث يكون ابن ابي عمير و هو كوفي و مشايخه أيضا كوفيون و هذه مرسلة أيضا رواها عن احد مشايخه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 307

الكوفيّين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و الرطل المتعارف في الكوفة و نواحى العراق الرطل العراقي فأراد عليه السّلام من الرطل، العراقى لان مع هذا التعارف من اطلاق الرطل في كلامه لا ينتقل الراوى الّا بالرطل العراقي فلو اراد غير العراقي كان عليه البيان فمن اطلاقه و تركه ذكر رطل خاص نحكم بان مراده عليه السّلام من الرطل العراقي و الّا لا خلّ بغرضه و حيث ان الرطل المكّى أيضا كان متعارفا في المدينة بل قيل بان المتعارف فيها كل من العراقي و المكى أيضا.

يحمل الرواية الثانية اى مرسلة الاخرى على الرطل المكى لان الرطل المكى يكون ضعف العراقي فبذلك يجمع بين الخبرين و يرتفع التنافي و يمكن حمل الرواية الثالثة على المكى أيضا مثل الثانية فيقال ان المراد من الكر، في الاولى و هو الف و ماتا رطل يكون العراقى و في الثانية و الثالثة اللتين فيهما قال الكرّ ستّمائة رطل اراد الرطل المكى فتكون النتيجة على طبق ما ذهب إليه مشهور اصحابنا قدس سرهم.

ان قلت ان محمّد بن مسلم رحمه اللّه كوفي أيضا فان صح ما قلت يوجب كون الكرّ ستّمائة رطل بالعراقي بدعوى الاطلاق الذي ادّعيته. قلت مضافا الى ما قيل

من كون محمد بن مسلم من اهل الطائف و حوالى المكّة و الرطل المتعارف الرطل المكى و اطلاق كلامه عليه السّلام في حديثه يحمل على المكي.

بانه لو تسلّمت حمل الرطل في روايته على المكى فهو و الا لو حمل الرطل في روايته على المدنى او العراقى فنقول انه لا يمكن الاخذ بمضمون روايته لا عراض الاصحاب عنها لان جلّ الاصحاب قائلون يكون الكر الف و مأتا رطل بالعراقي.

الحاصل انه لو عرض على العرف هذه الروايات يجمع بينهما بما قلنا لانّه بعد كون الرطل خارجا بحسب المتعارف الرطل العراقى و المكّى حتى على ما قيل فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 308

المدينة و يمكن حمل كل طائفة على احدهما يحمل عليه و هذا مثل ان المولى إذا قال في هذا الزمان مرة اعط زيدا منّا من الخبز و قال في كلام آخر اعط زيدا منّين من الخبز و نعلم انّه لم يرد في كلاميه الّا شيئا واحدا و نرى في الخارج انّ المن الشاهى يساوى منين من التبريزي يفهم العبد أنّ مراده في كلامه الاول المنّ الشاهى و في كلامه الثاني. المنّ التبريزي كذلك في المقام خصوصا مع كون المرسل في الرواية الاولى و الثانية هو ابن ابى عمير و لا يمكن حمل احداهما على الرطل المدنى لعدم امكان التوفيق بنيهما على هذا. و قال سيدنا الاعظم اعلى اللّه مقامه في مقام الجمع بانه لا يلزم في مقام حمل الرواية على الرطل العراقى تكلف دعوى كون مشايخ ابن ابي عمير كوفيّا بلى يكفى كون نفسه كوفيّا في حمل الرطل المطلق الّذي رواها على العراقى لان ابن ابي عمير فهم من الرطل العراقى

و رواه و الا ان كان في نظره انه عليه السّلام اراد من الرطل غير العراقي كان عليه البيان و الا لا خلّ بالحكمة.

أقول هذا مبنى على كون نقل ابن ابي عمير على سبيل الفتوى المنقول عن الامام عليه السّلام.

و اما لو كان في مقام مجرد نقل ما سمعه منه عليه السّلام بالواسطة فلا يتم ما افاده رحمه اللّه لانه يكون في مقام نقل ما سمعه فهو نقل تمام ما سمعه و لا يلزم عليه بيان المراد مما سمعه.

و على كل حال بعد الشهرة المحققة بل الاجماع المدعى لا يبقى اشكال في كون الكر بحسب الوزن الف و مأتا رطل بالعراقي و يؤيّد كون المراد بالرطل العراقي منه كما عليه المشهور هو انه ان كان المراد منه المدني او المكى في الرواية الاولى يلزم كون الكر بحسب الوزن ازيد من الكر بحسب الاشبار بكثير و الحال ان الظاهر كون الكر بحسب الوزن اقل و انقص من الكر بحسب المساحة و جعل المساحة أمارة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 309

الوزن كما يأتي إن شاء اللّه لصعوبة التوزين و لهذا اعتبر الشارع مساحة يكون الماء مع بلوغه بهذه المساحة كرا واقعا.

المقام الثانى: في التحديد بالمساحة

نذكر الروايات المربوطة بالمقام ثم ما ينبغي ان يقال إن شاء اللّه.

الاولى: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن صفوان عن اسماعيل بن جابر قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، الماء الّذي لا ينجّسه شي ء قال ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعة «سعته» في ل. «1» و لاسماعيل بن جابر رواية اخرى رواها ابن سنان عنه و هي الرواية

الثانية نذكرها لك.

الثانية: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن البرقى عن ابن سنان عن اسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال كر، قلت و ما الكر قال ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار «2» ثم ان ابن سنان الراوى عن اسماعيل بن جابر في الرواية على ما افاده سيدنا الاعظم رحمه اللّه بحسب طبقاته الّتي رتّبها فى الرجال يكون محمد بن سنان بلا اشكال لان ابن سنان الّذي يمكن ان يروى عنه البرقى هو محمد بن سنان الذي هو مورد الكلام بين ارباب الرجال و ليس هو عبد اللّه بن سنان المعروف الذي يروى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و يكون احدا من اصحابه.

فالشيخ رحمه اللّه و ان ذكر في موضع ابن سنان عن اسماعيل بن جابر و في موضع محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر و في موضع عبد الله بن سنان عن اسماعيل بن جابر لكن لا يكون قوله عبد اللّه بن سنان عن اسماعيل بن جابر بصحيح. بل كما قلنا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 310

ابن سان الذي يروى عنه البرقي هو محمد بن سنان.

ثم ان الراوى عن الامام عليه السّلام في كلتا الروايتين هو اسماعيل بن جابر غاية الأمر الراوى عنه في الرواية الاولى يكون صفوان و في الثانية يكون محمد بن سنان و روايتاه متعارضتان لان مفادهما بعد حملهما على تحديد الكر» يقتضي كون

ميزان الكر أكثر من ما يقتضي الثانية لان الاولى تدل على ان الكر ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته و حيث انه تكون السعة شاملة لكل من العرض و الطول يكون مفادها ذراعان من حيث العمق في زراع و شبر في العرض في ذراع و شبر في الطول «و المراد من كل ذراع شبران». فمساحة الكر على هذا ازيد من المساحة المذكورة في الرواية الثانية تقريبا بتسعة اذرع لان الثانية تدل على ان الكر ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار و بعد حمل قوله في ثلاثة اشبار» على كل من العرض و الطول تكون النتيجة ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار عرضا في ثلاثة اشبار طولا و حاصل ضرب كل منها في الاخرى سبع و عشرين شبرا و هذا المقدار انقص من المقدار المذكور في الرواية الاولى فيقع التعارض بينهما و يأتى تمام الكلام في هذه الجهة إن شاء اللّه.

الثانية: ما رواها الصدوق مرسلا في المجالس قال روى ان الكرّ هو ما يكون ثلاثة اشبار طولا في ثلاثة اشبار عرضا في ثلاثة اشبار عمقا «1» و لا يبعد كونها الرواية الثانية نقلها الصدوق رحمه اللّه مرسلا هكذا.

الرابعة: أيضا مرسلة الصدوق رحمه اللّه ذكرها في المقنع قال روى ان الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر «2».

الخامسة: ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكر من الماء كم يكون قدره، قال إذا كان الماء ثلاثة اشبار و نصف في مثله ثلاثة اشبار و نصف في عمقه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 311

في الارض فذلك الكر من الماء «1» تدل على ان الكر من الماء هو ان يكون مقداره ثلاثة اشبار و نصف عرضها في ثلاثة اشبار و نصف طولا «لدلالة قوله عليه السّلام ثلاثة اشبار و نصف في مثله على ذلك» في ثلاثة اشبار و نصف عمقا فيكون حاصل المجموع ثلاث و اربعون شبرا الّا ثمن شبر.

السادسة: ما رواها الحسن بن صالح «2» الثورى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شي ء قلت و كم الكر قال ثلاثة اشبار و نصف طولها في ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها «هذا بنقل الكافي» تدل على هذا النقل على ان الكر ثلاثة اشبار و نصف طولها في ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها و اما بنقل يب و هو هكذا «ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها» تدل أيضا على ذلك لان المراد من العرض هو السعة و السعة تشمل كلا من العرض و الطول فيكون مفاد هذه الرواية مطابقا مع الخامسة.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى اما الرواية الثالثة و الرابعة و هما مرسلتا الصدوق رحمه اللّه.

فالاولى منهما متحدة مفادا مع الرواية الثانية.

بل لا يبعد كونها هي و ارسلها الصدوق رحمه اللّه.

و اما الثانية منهما فظاهرها ما لا يمكن الاخذ به لان قوله فيها الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر يكون خمسة اشبار في خمسة اشبار لا يساعد مع احد من الروايات.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 10 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الحسن بن صالح بن

حي و هو من الزيدية رواية 8 من باب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 312

نعم يحتمل كون الذراعين اشتباه من الصدوق رحمه اللّه او من بعض النّساخ فتكون مفادا كالثانية من الروايات تقريبا و على كل حال لكونهما مرسلة لا يمكن التعويل عليهما.

و اما الاولى و الثانية من الروايات المذكورة كما رايت يكون الراوى فيهما عن الامام عليه السّلام اسماعيل بن جابر و المروى عنه أيضا واحد و هو ابو عبد اللّه عليه السّلام فيكون.

اشكال فيهما من حيث تعارض كل منهما مع الآخر.

و اشكال من حيث تعارضهما مع الرواية الخامسة و السادسة. اما الكلام في تعارض كل منها مع الآخر فنقول بانه بعد ما عرفت من ان الراوى في إحداهما، يكون صفوان يروى عن اسماعيل. و جلالة صفوان معلوم.

و في الاخرى يكون محمد بن سنان المجهول حاله، يروى عن إسماعيل فالامر يدور بين امرين.

اما كون الخيرين خبرا واحدا بمعنى ان إسماعيل بن جابر سئل مرة واحدة حد الكر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و اجابه فروى كلامه الواحد مرة صفوان عن اسماعيل و مرة محمد بن سنان باختلاف في النقل و ليس الخبران الا خبرا واحدا فعلى هذا الاحتمال لا ندري بان الصادر عن الإمام عليه السّلام اىّ من النقلين فلا يمكن التعويل على واحد من الخبرين فيسقطان عن الحجية.

و أما كونهما خبرين و لا مانع من ان إسماعيل بن جابر سئل عن هذا الحكم مرتين فيكونان خبرين معارضين و حيث انه لا يمكن الجمع بينها لا بد من الاخذ بما فيه من المرجّح و الترجيح مع الاولى من الروايتين لان صفوان من الاجلاء.

و

محمد بن سنان مجهول الحال فادلّة حجّية خبر الواحد تشمل الاولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 313

لا الثانية.

بل يمكن ان يقال بانه لو لا معارضة الرواية الاولى مع الثانية لا يمكن الاخذ بالثانية لعدم مقتضى الحجية فيها لانه مع كون محمد بن سنان مجهول الحال فليست روايته حجة لان الميزان في الحجية الاطمينان بالصدور و مع جهل حاله لا يحصل الاطمينان بصدورها لضعف السند و عدم وجود جابر له هذا كله بالنسبة الى التعارض بين نفس الروايتين.

و اما الكلام في تعارضهما مع الراية الخامسة و السادسة فنقول بناء على كونهما روايتين و تعارضهما و كون الترجيح مع الرواية الاولى منهما اعنى ما رواه صفوان عن اسماعيل فما تعارض الخامسة و السادسة هو هذه الرواية لان الثانية منهما و هي ما رواها محمد بن سنان عن اسماعيل كما عرفت سقطت عن الحجيّة فبناء على هذا نقول قد يخطر بالبال امكان رفع التعارض من البين بنحو لم أر في كلماتهم الجمع بهذا النحو.

و هو ان يقال ان في مسئلة الكر اشكالا من حيث الاختلاف في قدر الكر بحسب الارطال مع التحديد بحسب الاشبار.

اما الإشكال فهو انّه مع ما يرى من اختلاف التحديدين خارجا فان الماء البالغ بحسب الوزن الف و ماتا رطل بالارطال العراقي لا تكون مساحته بالغا حد الكر بحسب الاشبار اعنى بأربعين و ثلاثة ارطال الا ثمن الشبر فكيف التوفيق بينهما مع ان الظاهر كون كل من الحدين بالارطال و الاشبار حدا حقيقيا و هذا اختلاف لا يناسب مع كونهما الحد الحقيقي. فان قيل ان الحد يكون كلهما فلازمه التخيير بين الاقل و الأكثر. و ان قيل ان الحد هو الاقل

منهما اى التحديد بالارطال فالحد الآخر الزائد عليه و هو التحديد بالاشبار يكون لغوا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 314

و ان قيل ان الحد هو الأكثر منهما فلا معنى لجعل التحديد بالاقل. و في مقام الجواب عن هذا الإشكال يقال ان ما هو الحد للكر واقعا هو ما حدد بالارطال.

و لكن حيث يكون كشف هذا الحد و تشخيصه في الخارج و انطباق الخارج مع الواقع أمرا صعبا غالبا لغالب الناس بل يكون حرجيّا اذ كيف يمكن لغالب الناس في الطريق و الاسفار نصب الميزان و توزين الماء اذا بلغوا ببعض المياه المشكوك كريته لو جعلت الارطال حدا بلا نصب أمارة قائمة عليه يسهل التناول لكان الحكم من لاحكام الصعبة بل الحرجيّة و هو خلاف كون شريعة سمحة سهلة و ما جعل في الدين من حرج.

و لهذا جعل الشارع لهذا الحد الواقعي حدا ظاهريا و هو تحديد الكر بالاشبار فجعل احد الحدين الحد الواقعى و الآخر منهما طريقا و أمارة على الاول و بهذا يرتفع الإشكال.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى انه بعد فرض كون الحد الواقعي حدا واحدا و هو التحديد بالارطال و جعل الاشبار حدا ليس الا من باب كونه طريقا الى الحد الواقعي و معنى ذلك كون الواقع محفوظا فيه بمعنى انه إذا بلغ الماء بالاشبار بالمقدار المذكور يعلم المكلف بانّ الماء بحد الكرية واقعا فنقول بانه لو جعل الشارع للواقع إمارتان و ان كانتا مختلفتين من حيث المقدار لكن الواقع محفوظ في ضمن كل منهما لا بأس بذلك مثلا ان كان الموضوع المحقق للسفر الشرعى الموجب للقصر بعدا خاصا و جعل له طريقان خفاء الجدران و عدم سماع الاذان

فلو فرض تحقق أحدهما في الخارج قبل الآخر لكن يكون البعد الخاص حاصلا على كل حال في كل منها فلا بأس بذلك لان العرض من جعلهما الاعلام بسهولة على البعد الخاص فكذلك فيما نحن فيه فلو قال المعصوم عليه السّلام مثلا في مورد بان الكر ثلاثة اشبار و نصف طولا في ثلاثة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 315

اشبار و نصف عمقا و في مورد آخر قال الكر ذراعان في ذراع و نصف سعة و كان أحدهما اكثر من الآخر بمقدار قليل لم يكن بذلك بأس مع حفظ ما هو الحد واقعا في كل منهما.

و إذا لم يكن اشكال في ما قلنا ثبوتا نقول بانه بعد ورود الدليل على التحديد بالارطال اى بالوزن ورود الدليل على التحديد بالاشبار.

و بعد ما نعلم بان الماء البالغ بحد الكر بحسب الارطال لا يبلغ بحد الكريّة بحسب الاشبار و لذا التزمنا بكون الثاني أمارة على الاول.

و بعد ما نرى انه في رواية صفوان عن إسماعيل جعل حدا من الاشبار أمارة ففي رواية ابي بصير و حسن بن ابي صالح جعل حدا آخرا من الاشبار أمارة على التحديد بالارطال و يكون بين الحدين المجعولين أمارة اختلاف فالجمع العرفي يقتضي ما قلناه فى مقام الثبوت بانه بعد كون كل من التحديدين بالاشبار أمارة و الفرض من جعلهما ليس الّا حفظ الحد الواقعى و هو التحديد بالارطال فاذا سئل سائل عن الكر ففى مقام ذكر الأمارة تارة قال ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعة» و تارة قال إذا كان الماء ثلاثة اشبار و نصف في مثله ثلاثة اشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء»

ان و كان بينهما قليلا اختلاف من حيث المقدار لا بأس به بعد كون النظر الى ما يحفظ به الحد الواقعي قطعا و لا يلزم في مقام جعل الامارة بيان حد خاص بلا زيادة بل النظر ليس إلا بيان حد لا يكون انقص من الحد الواقعي فبهذا يرتفع التنافي.

نعم يعتبر في تمامية هذا الجمع الذي خطر بذهنى القاصر تحقق ما هو الكر بحسب الوزن و الارطال في ضمن ما هو الاقل مقدارا من الامارتين خارجا و لا بدّ من امتحان ذلك و الآن لا مجال لي في امتحانه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 316

ثم انه ان لم يتم ما قلنا في وجه الجمع فنقول يقع التعارض بين الطائفتين.

و حيث ان الرواية الثانية سقطت عن الحجية.

فلا يمكن التعويل على الرواية الاولى لانه يمكن دعوى كون مفادها مخالفا للا جماع و لم يقل به في ما اعلم احد من الامامية رضوان اللّه عليهم فلا بدّ من الاخذ بالرواية الخامسة و السادسة فتكون النتيجة ما هو المشهور او الأشهر.

او يقال بانه بعد تعارضهما و عدم امكان الجمع الدلالى فلا بدّ من الاخذ بما فيه المرجّح لو كان في البين و الترجيح مع الرواية الخامسة و السادسة لان اوّل المرجحات الشهرة الفتوائي «بناء على كون الشهرة المرجحة الشهرة في الفتوى كما اختاره سيدنا الاعظم رحمه اللّه» لان المشهور افتوا على طبقهما فتلخص بحمد اللّه ان الكر بحسب الاشبار ما يبلغ ثلث و اربعون شبرا إلا ثمن شبر.

و اعلم بانه بعد كون الكر بحسب الوزن الف و مأتا رطل بالعراقى و إذا قيس مع المنّ الشاهى يكون الكر أربعة و ستين منّا الّا عشرين مثقالا.

و إذا قيس

بالحقة الاسلامبول يصير الكر مأتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة كما ذكره المؤلف رحمه اللّه بعد ذلك في المسألة الثالثة و يأتي إن شاء اللّه.

***

[مسئلة 3: الكر بحقة الاسلامبول]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الكر بحقة الاسلامبول، و هي مائتان و ثمانون مثقالا، مأتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 317

(1)

أقول: لكون هذا المقدار من الحقة مساويا مع الف و مأتا رطل بالعراقي.

***

[مسئلة 4: إذا كان الماء اقل من الكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا كان الماء اقل من الكر و لو بنصف مثقال يجرى عليه حكم القليل.

(2)

أقول: هذا هو مقتضى التحديد المستفاد من النص فلو كان الماء اقل من الكر و لو بنصف مثقال يجري عليه حكم القليل.

***

[مسئلة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالى بملاقات السافل كالعكس نعم لو كان جاريا من الأعلى الى الاسفل لا ينجس العالى بملاقاة السافل من غير فرق بين العلو التسنيمى و التسريحى.

(3)

أقول: للمسألة صور الاولى: ما إذا لم يتساو سطوح القليل و لم يكن الماء جاريا من الاعلى الى الاسفل و لا بالعكس ففي هذه الصورة لا اشكال في تنجس الماء بملاقات النجاسة سواء لاقت النجاسة اسفله او اعلاه لانه ماء واحد لا يكون كرا فينجس بملاقات النجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 318

الثانية: ما إذا كان الماء جاريا من الاعلى الى الاسفل و لاقي النجس اسفله فلا ينجس الاعلى منه لا للاجماع كما في بعض الكلمات «الجواهر» لعدم اجماع كاشف عن النص في المسألة بل لانه بعد كون الماء الجارى له قوّة و دفع فلا يتأثر بالسافل و لا يؤثّر السافل فيه بل العالى يؤثر فيه لو لاقى اسفله مع النجس لا ينجس الاعلى منه سواء كان الجريان بنحو التسنيم او التسريح.

ان قلت: ان مفهوم قوله عليه السّلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شي ء يشمل هذه الصورة لان هذا الماء ماء واحد و ان كان جاريا بعضه على بعض و قد لاقي النجس.

قلت: بعد ما قلنا من ان المغروس عند اعرف هو كون الماء الجارى له قوة و دفع يؤثّر فيما ليس له هذا الدفع و القوة

و لا يتأثر باعتبار قوته و دفعه عما ليس فيه القوة فالعرف لا يأتي بنظره تأثر ما له الدفع بسبب الماء الغير الدافع فلو راى اطلاقا فهو يرى انصراف هذا الاطلاق عن هذا المورد و المولى و الحاكم بعد ما يرى هذا الانصراف العرفي فان كان نظره شمول كلامه حتى للفرد المنصرف عنه الاطلاق عند العرف كان بمقتضى الحكمة عليه التصريح فمن عدم بيانه نكشف عدم شمول اطلاق كلامه للمورد فاطلاق مفهوم قوله عليه السّلام. الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجّسه شي ء لا يشمل المورد.

الصورة الثالثة: عكس الثانية بمعنى كون الجريان من الاسفل الى الاعلى و لاقى النجس اعلى الماء مع كونه الاقل من الكر فحكمها حكم الصورة الثانية لانه بعد كونه الدفع و القوة للاسفل الجارى الى الاعلى فلا يؤثر الاعلى في الاسفل و لا يتأثر الاسفل منه. فقد ظهر لك ان الميزان في عدم سراية النجاسة الى الجزء الجارى من الماء هو القوة و الدفع الحاصل له من جريانه. و في هذا لا فرق بين كون الجريان من الاعلى الى الاسفل او بالعكس. كما انه لا فرق بين العلوّ التسنيمى و العلوّ التسريحى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 319

لانه مع وجود الدفع و القوة في الماء يكفي في عدم تنجس العالى بالسّافل و ان كان العلو العلو التسريحى.

***

[مسئلة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا ينجس بالملاقات و لا يعصمه ما جمد بل إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس أيضا و كذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه اقل من الكر فانه ينجس بالملاقات و لا يعتصم بما بقى من الثلج.

(1)

أقول:

وجهه واضح لان المقدار الذي يكون ماء يكون اقل من الكر فهو ينجس بالملاقات.

و كذا ما جمد إذا ذاب شيئا فشيئا ينجس لكونه اقل من الكرّ.

و كذا الثلج و ان كان كثيرا لا يكون ماء حتى يكون عاصما لما يذوب منه و على الفرض يكون ما ذاب منه قليلا فلا يكون عاصما لقلّته و لا يعصم بما بقى منه لعدم كونه ماء.

***

[مسئلة 7: الماء المشكوك كريته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الاحوط و ان كان الاقوى عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 320

تنجسه بالملاقات نعم لا يجرى عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره الى القاء الكر عليه و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه و ان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة.

(1)

أقول: اما فيما لا يعلم حالته السابقة من الكرية و عدمها.

ففيما لاقى النجس لا يحكم بنجاسته لانه بعد ما عرفت بان الكر لا ينجس بملاقات النجاسة و اقل منه ينجس بملاقاته.

فهذا لماء المشكوك كريته لا ندرى بانه من افراد اى من العامين هل من افراد القليل حتى يكون مشمولا لما دلّ على نجاسة ماء القليل بملاقات النجاسة او من افراد الكر حتى يكون مشمولا لما دل النص على عدم نجاسته بملاقاتها فتكون من الشبهات المصداقية و بعد ما حققنا في الاصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية يكون المرجع في المقام اصالة الطهارة فببركتها يحكم بعدم نجاسته بملاقات النجاسة.

لا وجه للقول بنجاسته بملاقات النجاسة لعدم تمامية ما قيل او يمكن ان يقال وجها لنجاسته بملاقاته.

مثل جواز التمسك بالعام فى الشبهات المصداقية و لعل هذا نظر المؤلف رحمه اللّه من

الحكم بكون الماء المشكوك كريته في حكم القليل على الاحوط الاستحبابى.

لانه فيه اما. أولا الحق عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و أما ثانيا هذا مبنى على وجود عموم دال على نجاسة الماء مطلقا بملاقات النجاسة الا الكر منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 321

و مثل استصحاب العدم الازلى اى عدم الكرية الازلية:

و فيه ما فيه و مثل ان مقتضى الماء نجاسته بملاقات النجاسة و الكرية مانع فمع الشك في وجد المانع يؤثر المقتضى أثره.

فيه عدم تمامية قاعدة المقتضى و المانع.

ثم انه بعد كون الماء المشكوك كريته محكوم بالطهارة لاصالة الطهار مع ملاقاته مع النجاسة فلا بدّ من التفكيك في الاحكام و الآثار. فان كان أثر مترتبا على الاعم من الكثير و القليل يترتب عليه هذا الاثر مثلا لو تطهر به متنجس بنحو الورود على المتنجس فيطهر به لانه ماء محكوم بالطهارة فهو مطهّر.

و ان كان اثر مترتبا على الخصوص الماء البالغ قدر الكر مثل ما القى المتنجس فيه او القى هذا الماء المشكوك على ما يطهر بإلقاء الكر عليه فلا يطهره لان كريته مشكوكة و هذان الاثر ان مترتبان على الكر من الماء.

هذا كله فيما لا يعلم حالته السابقة.

اما إذا علم بحالته السابقة من الكرية و عدمها ثم في الآن الثاني يشك في بقائه على حالته السابقة فيحكم عليه على طبق الحالة السابقة ببركة الاستصحاب.

***

[مسئلة 8: الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقات و الكرية ان جهل تاريخهما او علم تاريخ الكرية حكم بطهارته و ان كان الاحوط التجنب و ان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته و اما القليل

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 1، ص: 322

المسبوق بالكرية الملاقى لها فان جهل التاريخان او علم تاريخ الملاقات حكم فيه بالطهارة مع الاحتياط المذكور و ان علم تاريخ القلة حكم بنجاسة.

(1)

أقول: في المسألة فروع:

الفرع الاول: ما لو كان الكر مسبوقا بالقلة و علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق

من الملاقاة و الكرية مع فرض الجهل بتاريخ الملاقات و الكرية كليهما ففي هذه الصورة لا اشكال في انه يحكم بطهارة الماء لان استصحاب عدم الملاقات الى زمان الكرية و استصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة.

امّا لا يجرى اصلا لعدم القطع باتصال زمان اليقين بالشك كما قال المحقق الخراساني رحمه اللّه.

و امّا يجري و لكن يتساقطان بالتعارض كما مر تحقيقه في الاصول و بعد عدم استصحاب في البين و نشك في طهارة هذا الماء و عدمها فببركة اصالة الطهارة نحكم بطهارته.

الفرع الثاني: هو الفرع الاول بحاله مع فرض العلم بتاريخ الكرية

فأيضا يحكم بطهارة الماء لاستصحاب عدم الملاقات الى زمان الكرية فيستصحب عدمه و يجرّ الى زمان يعلم تاريخ الكرية فيثبت عدم الملاقات الى الحال و لا نحتاج الى اثبات كون الملاقاة بعد الكرية حتى يكون مثبتا بل عدم الملاقاة الذي هو الأثر للاستصحاب يكفى لنا.

لو قطعنا النظر عن الاستصحاب و فرض عدم اجرائه يحكم بطهارته لأصالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 323

الطهارة.

اما وجه احتياط المؤلف رحمه اللّه في الفرعين فلبعض من الوجوه المتقدمة في المسألة السابقة و قد عرفت ما فيها.

الفرع الثالث: الصورة بحالها مع فرض العلم بتاريخ الملاقات

بعكس الفرع الثاني فنقول انه مع جريان استصحاب عدم الكرية الى زمان العلم الملاقات يحكم بنجاسة الماء مثلا إذا كان الماء عند الصبح مسبوقا بالقلة ثم في وقت الظهر يعلم بملاقاته للنجاسة و وقت الغروب علم بكريته لكن نشك في انه كان كرا وقت الظهر حتى لاقى النجس حال كريته او صار كرا بعد الظهر حتى لاقى النجس حال قلته فيجرّ عدم الكرية المتيقّنة في الصبح الى الظهر فيثبت ببركته عدم كرية الماء الى الظهر و على الفرض لاقى النجس وقت الظهر فيثبت كون ملاقات الماء حال القلة مع النجاسة جزء منه و هو الملاقات بالعلم لمعلومية الملاقات و جزء منه اعنى حال عدم كريته بالاستصحاب فيحكم بنجاسة الماء في هذا الفرع.

الفرع الرابع: الماء القليل المسبوق بالكرية الملاقى للنجس مع الجهل بتاريخ ملاقاته لها

و تاريخ القلة كليهما يحكم بطهارته لان استصحاب بقاء الكرية و استصحاب عدم الملاقات الى زمان القلة اما لا يجريان او يجريان و يتساقطان بالتعارض فتصل النوبة باصالة الطهارة فلهذا نقول بطهارة الماء كما قلنا في الفرع الاول.

الفرع الخامس: الفرع الرابع بحاله مع العلم بتاريخ الملاقات.

فاستصحاب الكرية الى زمان الملاقات يجرى و اثره طهارة الماء. و استصحاب عدم حصول الملاقات الى زمان القلة لا يثبت الملاقات في زمان القلّة حتى يحكم بالنجاسة لان النجاسة اثر كون الملاقات في زمان القلة و هو لا يثبت باستصحاب عدم حصول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 324

الملاقات الى زمان القلة الا على القول بالاصول المثبتة.

الفرع السادس: الفرع بحاله مع العلم بتاريخ القلة

فيجرى استصحاب الكرية الى زمان الملاقات و يحكم بطهارة الماء و استصحاب عدم الملاقاة الى زمان القلة لا يثبت كون الملاقات في زمان القلة فلا يحكم بالنجاسة كما قاله المؤلف رحمه اللّه الا على القول بالاصول المثبتة فالحق في هذا الفرع خلافا للمؤلف رحمه اللّه هو القول بالطهارة.

***

[مسئلة 9: إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم أنها وقعت قبل الكرية او بعدها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم آنها وقعت قبل الكرية او بعدها يحكم بطهارته الا إذا علم تاريخ الوقوع.

(1)

أقول: يظهر حكم المسألة من المسألة السابقة بل هو عين صدر المسألة السابقة فلا حاجة في عنوانها مجددا.

***

[مسئلة 10: اذا حدثت الكرية و الملاقات في آن واحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: اذا حدثت الكرية و الملاقات في آن واحد حكم بطهارته و ان كان الاحوط الاجتناب.

(2)

أقول: لان الملاقات حصل حال كون الماء كرا و الماء إذا بلغ قدر كر لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 325

ينجّسه شي ء.

ان قلت ان الظاهر من تفريع الحكم بعدم النجاسة هو ان الملاقات المتأخر عن الكرية لا يوجب النجاسة فلا يشمل قوله عليه السّلام، الماء إذا بلغ الخ لصورة مقارنة ملاقات النجاسة مع الكرية. قلت. اما أولا فان الظاهر من الحديث كون الكرية مانعة عن تأثير النجاسة فوقوعها في الماء الكر لا يوجب النجاسة و من الواضح في الفرض حدوث الملاقات و الكرية معا فعلى هذا حدث الملاقاة في الماء الكر.

و أما ثانيا لو ابيت عن ذلك و قلت بانصراف منطوق الحديث الشريف عن صورة المقارنة او ادعيت عدم شمول اطلاقه لهذا الصورة.

مفهوم الحديث أيضا لا يشمل هذه الصورة لان وزان المفهوم وزان المنطوق و بعد عدم شمول الحديث منطوقا و مفهوما للمورد. نشك في ان هذا الملاقات يوجب النجاسة أم لا، فببركة اصالة الطهارة يحكم بطهارة الماء لو استشكل في استصحاب طهارته السابقة بتبدل الموضوع و الّا فالاستصحاب يقتضي طهارته.

***

[مسئلة 11: إذا كان هناك مائان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا كان هناك مائان احدهما كر و الآخر قليل و لم يعلم انّ ايهما كر، فوقعت نجاسة في احدهما معينا او غير معين لم يحكم بالنجاسة و ان كان الاحوط في صورة التعين الاجتناب.

(1)

أقول: للاستصحاب لانا نشكّ في ان الّذي وقع فيه النجس هل هو القليل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 326

حتى صار نجسا او لا فيستصحب طهارة الماء القليل و لا يعارضه استصحاب

طهارة الكثير حتى يقال بعد العلم الاجمالى لا يجرى الاصل في الاطراف اصلا او لو جرى يتساقط الاصلان الجاريان في الاطراف بالتعارض لمعارضتهما مع العلم في البين على المبنيين في عدم اجراء الاصل في اطراف العلم الاجمالى. وجه عدم المعارضة هو ان الاصل في الماء الكر من الماءين يكون بلا اثر و مع عدم الاثر لا يجري الاصل فاستصحاب طهارة القليل يكون بلا معارض فيجرى و ثمرة جريانه طهارة الماء و لا يحكم بالنجاسة. سواء وقعت النجاسة في احدهما المعين او غير المعيّن و لا وجه للاحتياط لان بعض الأمور المستند إليه قد قدّمنا في طى المسألة السابقة و ذكرنا عدم تماميته.

و على فرض التماميّة لا وجه لاختصاص الاحتياط بخصوص صورة وقوع النجاسة في احدهما المعيّن كما اختاره المؤلف رحمه اللّه.

و امّا ما في بعض الشروح «المستمسك» «1» في هذه المسألة من انه «إذا كانت الحالة السابقة مجهولة اما إذا كانا معلومى الكرّية سابقا فاستصحاب الكرية المقتضي للطهارة هو المرجع كما انه لو كانا معلومى القلة فاستصحابها كاف في الحكم بالنجاسة».

ففيه ان ما قال من خروج صورة معلومية حالته السابقة فهو غير مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه لان مفروض كلامه مائان يعلم فعلا بكون احدهما كرا و الآخر قليلا فيعلم بحالتهما الفعلية فلا مورد لاستصحاب حالته السابقة اصلا.

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 160.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 327

[مسئلة 12: إذا كان مائان احدهما المعيّن نجس فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان مائان احدهما المعيّن نجس فوقعت نجاسة لم يعلم بوقوعها في النجس او الطاهر لم يحكم بنجاسة الطاهر.

(1)

أقول: لان العلم الاجمالى لا يكون منجّزا حيث ان تنجّزه موقوف على ان يكون له الاثر في كل من الاطراف و

بعد كون احد الماءين نجسا فان كان المعلوم فيه فلا يوجب العلم الاجمالى تأثيرا زائدا فيجرى استصحاب الطهارة في الماء الطاهر و لا يمنعه العلم الاجمالى.

***

[مسئلة 13: إذا كان كر لم يعلم انه مطلق و مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا كان كر لم يعلم انه مطلق و مضاف فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته و إذا كان كران احدهما مطلق و الآخر مضاف و علم وقوع النجاسة في احدهما و لم يعلم على التعيين يحكم بطهارتهما.

(2)

و أقول: اما عدم الحكم بنجاسة الماء الكر المشكوك اطلاقه و اضافته فلانه مع الشك في ذلك يكون المرجع استصحاب الطهارة فلا يحكم بنجاسة بل يحكم بطهارته.

نعم لا يحكم بمطهريته لعدم معلومية اطلاقه.

و اما إذا كانت حالته السابقة معلومة فان كانت حالته السابقة الاطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 328

فأيضا يحكم بطهارته مثل ما لو لم يعلم بحالته السابقة.

و اما إذا كانت حالته السابقة الاضافة يستصحب اضافته فيحكم بنجاسته بملاقات النجاسة.

و اما الكر ان يكون احدهما مطلقا و الآخر مضافا و علم بوقوع النجاسة في واحد منهما و لم يعلم على التعيين.

يحكم بطهارتهما اما طهارة الكر المطلق فواضح لعدم نجاسته بوقوع النجاسة فيه و اما الكر المضاف فملاقاته للنجاسة غير معلوم فيستصحب طهارته.

***

[مسئلة 14: القليل النجس المتمم كرا بطاهر او نجس نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: القليل النجس المتمم كرا بطاهر او نجس نجس على الاقوى.

(1)

أقول: وجهه واضح لان المستفاد من الدليل ان الماء القليل ينجس بملاقات النجس و الماء الّذي لا ينجّسه شي ء الماء الكر فالكر من الماء موضوع لعدم تنجسه بشي ء ففي الرتبة السابقة من الحكم لا بدّ من وجود موضوعه حتى يعرضه الحكم و هو عدم التنجس بملاقات النجس و على الفرض يكون الماء القليل نجسا و الماء الذي يضم به حيث لا يكون كرا ينجس أيضا بملاقات النجاسة و هي القليل المتنجس.

و دعوى استصحاب طهارة الماء المتمّم فاسد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 329

لان الشك في بقاء طهارته و عدمها مسبّب عن تنجسه بالماء القليل النجس و عدمه و بعد استصحاب نجاسة الماء القليل يحكم بنجاسة ما يلاقيه من الماء القليل الذي يضم به لانه هذا اثر نجاسة الماء القليل هذا كله فيما كان الماء المتمّم طاهرا.

و امّا إذا كان الماء القليل نجسا و المتمّم القليل نجس أيضا. فلا اشكال في نجاستهما لانهما مائان قليلان نجسان و لو شك في بقاء نجاستهما فاستصحاب نجاستهما جار بلا كلام.

و قوله عليه السّلام، الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شي ء غير مفيد للمقام لان مفاد الرواية كما اشرنا هو ان الماء البالغ حد الكر بعد بلوغه هذا الحدّ لا ينجسه شي ء.

لان المورد مصداق مفهوم الرواية و هو ان الماء إذا لم يبلغ قدر الكر ينجّسه شي ء فهما صارا نجسان فليس ماء طاهر محفوظ حال الكرية حتى يقال لا ينجّسه شي ء.

فالنجاسة في الماء النجس المتمّم بالطاهر او النجس لا اشكال فيه.

نعم قد يدعى الاجماع على الطهارة.

و ادعى دلالة المرسلة و هي ان الماء إذا بلغ قدر كر لم يحمل خبثا. و ان الماء المعلوم وقوع نجاسة فيه المشكوك كون الوقوع قبل كريته او بعدها يحكم عليه بالطهارة و لا وجه له الا بنائهم على طهارة المتنجس ببلوغه كرا.

و فيه اما الاجماع المنسوب دعواه الى السيد رحمه اللّه.

فأمّا أولا كيف يتّكى به مع مخالفة المشهور.

و أمّا ثانيا يمكن ان يكون منشأ القول بالطّهارة هذه المرسلة او الوجه الاخير فليس في البين اجماع كاشف عن وجود النص غير ما بايدينا في المسألة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 330

الطهارة.

و اما المرسلة ففيها، أولا آنها مرسلة «1» و ضعيفة لارسالها

و ليس العمل على طبقها بحيث يوجب جبر ضعفها.

و ثانيا لا يستفاد منها كون الماء البالغ حد الكر رافعا للنجاسة كيف ما كان و لو كان نجسا قبل الكرية بل من المحتمل كون مفادها عين مفاد قوله عليه السّلام «الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي ء».

و اما الحكم بطهارة الماء الملاقى للنجس الذي لا يعلم كون الملاقات قبل كريته او بعدها فهو لاستصحاب عدم الملاقاة الى زمان الكرية لا لاجل ان الماء يطهر ببلوغه كرا حتى فيما كان نجسا قبل كريته.

______________________________

(1) لم توجه هذه الرواية فى شي ء من جوامعنا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 331

فصل: فى ماء المطر
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 333

قوله رحمه اللّه

فصل فى ماء المطر ماء المطر حال تقاطره من السّماء كالجارى فلا ينجس ما لم يتغير و ان كان قليلا سواء جرى من الميزاب او على وجه الارض أم لا بل و ان كان قطرات بشرط صدق المطر عليه و إذ اجتمع في مكان و غسل فيه النجس طهر و ان كان قليلا لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء.

(1)

أقول: لا اشكال في الجملة في ان ماء المطر طاهر لا ينجس بملاقات النجاسة ما لم يتغير و يكون مطهرا. لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1».

لان الظاهر من الطهور ما يتطهر به او المطهّر كما عرفت فى اوّل مبحث المياه.

و القدر المسلم من الماء المنزل من السماء هو المطر.

______________________________

(1) سورة 25، الآية 48.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 334

و بعد كونه مطهرا يكون طاهرا بالملازمة.

اما صيرورته نجسا بالتغير فلبعض ما دل على نجاسة الماء بالتغير في احد اوصافه الثلاثة بالنجاسة

و اطلاق بعضها يشمل ماء المطر كما ان المستفاد من اخبار الباب طهارته و مطهريّته في الجملة.

فانّما الكلام في بعض الخصوصيات فلنذكر إن شاء اللّه

اخبار الباب
اشارة

و مقدار دلالتها حتى يظهر الحال.

الاولى ما رواها هشام بن سالم انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما اصابه من الماء أكثر منه «1».

تدل على ان ما اصاب الثوب لا يكون نجسا و ان الارض النجسة يصير طاهرا باصابة المطهر فتدل على مطهريّة المطر في الجملة و من قوله عليه السّلام في مقام ذكر علة عدم البأس بقوله «ما اصابه من الماء أكثر منه» يستفاد ان الميزان في مطهريّته أكثريته على النجس.

و لا يبعد كون المراد من الاكثريّة كون المطهر قاهرا على النجس لا ما هو المتفاهم من ظاهر الاكثريّة. لان الاكثريّة بمعناها الظاهرى لا يناسب في المقام لعدم معنى لكون المطر أكثر من السطح.

و بعد كون المراد ان المطر بحيث يكون قاهرا و غالبا على النجس فيختلف باختلاف قلة المتنجس و زيادته فربما تكون قطرات من المطر اكثرا عليه لكون النجس قليلا و ربما لا يغلب عليها الّا بمقدار يجرى على الارض من موضع آخر.

و لا يستفاد من الرواية الا مطهريّة خصوص ما يجرى على الأرض من المطر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 335

لان موردها المطر الجارى من السماء و هو يكف على الثوب.

الثانية ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى عليهما السّلام قال سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ

يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة.

فقال: إذا جرى فلا بأس به قال: و سأله عن الرجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل ان يغسله فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلى فيه و لا بأس «1» يستفاد منها طهارة المطر و مطهريته و القدر المتيقّن من ماء المطر المطهّر في الرواية هو خصوص المنزل من السماء حين نزوله و هنا كلام في ان المراد من قوله عليه السّلام «إذا جرى فلا بأس به» هل يكون جواز الأخذ من مائه و التوضؤ به مخصوصا بحال نزول المطر و جريانه من السماء في قبال ما جمع منه في موضوع من الأرض مثلا او يكون المراد جواز الأخذ و التوضؤ إذا جرى على الأرض و عدم كفاية قطرة او قطرات.

بل يعتبران ينزل من السماء بمقدار يجري على الأرض.

ما يبعّد الاحتمال الاول انه بعد صيرورة السطح المذكور في الرواية طاهرا بورود المطر عليه كيف ما كان فالماء الواقع فيه طاهر سواء جرى فعلا عليه من السّماء او لم يجر فاعتبار الجريان الفعلى من السماء في جواز الأخذ و التوضؤ مما لا وجه له.

و اما الاحتمال الثاني فلا مبعّد له لانه بعد ما سئل السائل عن جواز الاخذ للتوضى، قال عليه السّلام: إذا جرى فلا بأس به بمعنى انه إذا كان نزول المطر بمقدار تجرى على الأرض فلا بأس بالاخذ و التوضؤ به و على هذا يستفاد من الحديث ان المقدار

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 336

الذي يجري على الارض من المطر دخيل في

مطهريته و عدم كفاية انقص من ذلك.

الثالثة ما رواها الحميرى في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثل الرواية السابقة و زاد و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلى فيها قبل ان تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر لا بأس «1». تدل على طهارة المطر و مطهريته في الجملة.

و في قوله عليه السّلام إذا جرى من ماء المطر لا بأس احتمالان:

الاحتمال الاول: ان يكون المراد انه إذا كان ما يكف فيصيب الثياب من الماء الذي يجري من السماء اى من ماء المطر لا بأس به.

الاحتمال الثانى: ان يكون المراد ان المطر إذا كان بمقدار يجري على الارض لا مجرد تقاطر قطرات فلا بأس به.

و الاقرب الاحتمال الاول لانه عليه السّلام قال إذا جرى من ماء المطر يعنى يكون الماء الجارى من المطر.

نعم مورد فرض السائل يكون ما كان ماء المطر كثيرا يجرى على الارض فيجرى منه على الكنيف فيكف فالرواية لا تدل على اعتبار الجريان على الارض من مطهرية المطر لكن ليس لها اطلاق يشمل غير صورة الجريان حتى يقال يكفى مجرد المطر و ان كان قطرة او قطرات.

الاحتمال الرابعة: ما رواها علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن المطر يجرى في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلى فيه قبل ان يغسل.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 337

قال: إذا جرى فيه المطر فلا بأس «1».

و هل الظاهر منها عدم البأس باصابة الثوب حال جريان المطر من السماء. او الظاهر منها

انه إذا جرى المطر في المكان يعنى يكون بمقدار يجرى في المكان فلا بأس احتمالان.

الاحتمال الخامسة: ما رواها هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في ميزابين سالا احدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا فاصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك «2».

و مفروض الكلام فى الرواية صورة تحقق الجريان على الارض فلا اطلق لها يشمل صورة تقاطر قطرة او قطرات.

الاحتمال السادسة: ما رواها محمد بن إسماعيل عن بعض اصحابنا عن ابى الحسن عليه السّلام. في طين المطر أنه لا بأس به ان يصيب الثوب ثلاثة ايام الّا ان يعلم انه قد نجسه شي ء بعد المطر الحديث «3» يستفاد منها مطهرية المطر.

و اما طهارة طين المطر الى ثلاثة ايام فلا خصوصية للثلاثة فلو لاقى نجسا قبلها يصير نجسا كما انه بعد مضى ثلاثة ايام لو لم نعلم بنجاسته نحكم بطهارته.

الا ان يحمل الحديث على ان الغالب بعد ثلاثة ايام حصول العلم بنجاسته لملاقاته مع بعض النجاسات قهرا و على كل حال تكون مرسلة.

و اما مرسلة الصدوق «4» و فيها ان طين المطر لا ينجس فلا يمكن التعويل

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 338

عليها لانها تخالف ضرورة الفقه.

الاحتمال السابعة: ما رواها ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر عليّ القطرة قال ليس به بأس «1».

و من ترك استفصال

الامام عليه السّلام في مقام الجواب بين صورة كون المطر بمقدار يجرى على الارض و بين ما إذا كان مسمّى المطر و لو قطرة او قطرات.

ربّما يدّعى كفاية مجرد مسمّى المطر في مطهريته و عدم اعتبار كونه على وجه يجري على الأرض.

نعم هنا احتمال و ان لم أر في كلماتهم و هو امكان كون المورد ما إذا لم يعلم بنجاسة المحل الذي اصاب منه المطر الى ثوبه من الكنيف فقال لا بأس للشك في نجاسته.

الاحتمال الثامنة: مرسلة الكاهلى عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال قلت يسيل عليّ من ماء المطر ارى فيه التغيّر و ارى فيه آثار القذر فنقطر القطرات عليّ و ينتضح عليّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال ما بذا بأس لا تغسله كل شي ء يراه المطر فقد طهر «2».

اما الإشكال في الحديث بان مورده تغيير ماء المطر بالنجاسة كما يظهر من فرض السائل و لا يمكن الالتزام بطهارته و مطهريته في صورة التغيّر.

فيمكن الجواب عنه لإمكان كون نظر السائل فيما يرى فيه من التغير و آثار القذر.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 6 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 339

الى ان الصفاء الذي في ماء المطر لا يكون فيه و من هنا يستكشف ملاقاته مع القذر و لهذا سئل عن حكم ما اصابه منه ثوبه لا ان يكون مفروض كلامه ما إذا صار الماء متغيرا بالنجاسة في احد من اوصافه الثلاثة.

ثم ان العمدة في وجه عدم اعتبار الجريان في الارض في مطهرية ماء المطر و

كفاية مسماه و ان كانت قطرات منه هو هذا الحديث اعنى مرسلة الكاهلى بدعوى ان قوله عليه السّلام فيه «كل شي ء يراه المطر فقد طهر» يدل على انه لو قطر قطرات بل و قطرة واحدة يصدق انه قد راه المطر فقد طهر.

هذا حال الروايات المربوطة بلمقام فنقول بعونه تعالى.

ان الكلام يكون في جهات ثلاثة:

الجهة الاولى: في طاهرية ماء المطر و مطهريته في الجملة

فهو مسلم يدل عليه بعض الآيات و الروايات كما عرفت.

الجهة الثانية: هل يكفي في مطهريّته ان يكون بمقدار

يقال ان المتنجس رأى المطر و ان لم يكن ما يمطر ازيد من قطرات قليلة. او يلزم ازيد من ذلك بمقدار يجرى على الارض و يكون مقداره ان يجري في الارض الصلبة من موضع الى موضع آخر.

اعلم ان المستفاد من الرواية الثامنة و هى مرسلة الكاهلى كفاية ان يراه المطر.

بل ربما يستفاد ذلك من ترك استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب في الرواية السابعة كما قلنا.

و بعض الروايات لم يتعرض لهذه الجهة و ان كان مورده مورد الجريان، و الرواية الاولى من الروايات تدل على ان الاعتبار في مطهرية المطر على اكثريته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 340

من المتنجس.

و في بعض الروايات صرّح بانه في صوره الجريان لا بأس به و ان كان بعضه قابل للحمل على اعتبار الجريان الفعلى من السماء في مطهريته.

و لكن كما قلنا ان الرواية الثانية تدل على مطهريته في صورة جريانه على الأرض.

نعم هنا احتمال آخر و هو ان اعتبار الجريان في هذه الاخبار كان من باب ان المحل النجس مثل الكنيف او موضع يبال عليه لا يغلب عليه المطر و لا يصدق عليه انه راه المطر بعد ازالة العين الا بعد ان يجرى عليه المطر بمقدار يجرى على الأرض لا من باب دخل الجريان في مطهريته مطلقا فيكون قيد إذا جرى قيدا غاليا لا مفهوم له.

و على تقدير كونه قيدا كما هو ظاهره فيكون قيدا للحكم و يستفاد منه العليّة.

نقول اما ما يدل على ان مطهريته في صورة كون ماء المطر أكثر و هي الرواية الاولى.

يمكن الجمع بينها و بين ما يدل على اعتبار

الجريان بانه بعد كون المطر بمقدار يجري على الارض يكون أكثر من المتنجس أيضا و ما اصابه من المطر أكثر خصوصا بعد ما كان المراد من الاكثريّة قاهريّته و غلبته على المتنجس لانه مع عدم بقاء عين النجس يغلب المطر عليه مع الجريان و مع بقاء العين لا يصير طاهرا.

و اما ما يدل على كفاية رؤية المطر و هو عبارة اخرى عن مسمّى المطر لانه إذا كان بمقدار يصدق انه رآه المطر يصدق مسمى المطر أيضا.

اما مرسلة الكاهلى فهى باعتبار ارسالها ضعيفة السند لا يمكن التعويل عليها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 341

و لا جابر لضعفها لعدم كون عمل المشهور على طبقها أولا و عدم كون استنادهم بها على فرض مطابقة عملهم مع مضمونها ثانيا.

مضافا الى انه لو فرض شمولها لكل مورد يراه المطر و ان كان قليلا نقيدها بما يدل على اشتراط الجريان فتكون النتيجة انه كلما يراه المطر إذا كان بمقدار يجري على لأرض فقد طهر.

و كذلك نقيّد بما دل على اشتراط الجريان.

اطلاق المستفاد من ترك الاستفصال في الرواية السابعة. فيكون الحاصل.

ان ماء المطر مطهّر إذا جرى بمقدار يجرى على الارض و بجريانه على الارض الصلبة من موضع الى موضع آخر يتحقق الجريان. و من هنا يظهر لك ان اعتبار الجريان من موضع الى موضع آخر في الأرض الصلبة ليس مورد رواية بل منشأ اعتباره في كلماتهم هو ان ذلك محقق الجريان المعتبر في مطهريّة المطر.

و اما منشأ ما قلت في الحاشية بان الاحوط اعتبار الجريان فلان ظاهر مرسلة الكاهلى و ظاهر ترك الاستفصال في الرواية السابعة هو مطهرية المطر حتى في صورة عدم الجريان.

و حيث ان المحتمل في

الرواية الثانية «إذا جرى فلا بأس به» امور:

الامر الأول: ان يكون المقصود إذا جرى من السماء.

الامر الثاني: ان يكون المقصود إذا جرى على الأرض بان يكون الجريان في الأرض العلة المنحصرة لمطهرية المطر.

الامر الثالث: ان يكون القيد قيدا غالبيا من باب ان الغالب في مورد يكون المحل كنيفا او يبال عليه او يغتسل من الجنابة محلا لا يسعه المطر الا بعد ان يجرى بمقدار يجرى على الأرض و لهذا اعتبر الجريان فلا مفهوم لقوله إذا جرى حتى ينفى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 342

الحكم في صورة عدم الجريان لم نفت باعتبار الجريان بل قلنا بان الاحوط اعتبار الجريان في الأرض.

الجهة الثالثة: هل يكون المطهّر من ماء المطر خصوص الماء الذي يجري على الأرض

حين نزوله بحيث انه كل مقدار منه يقع على الأرض و يجتمع فيها لا يكون من المطر المطهر و ان نزل عليه المطر من السماء.

او يكون المطر ما ينزل من السماء و ان اجتمع في موضع من الأرض بشرط تقاطر المطر عليه من السماء كما اختاره المؤلف رحمه اللّه او المطهّر اعم مما ينزل من السماء حين نزوله.

و مما نزل و اجتمع في موضع و ينزل عليه المطر من السماء.

و مما اجتمع من المطر المنزل من السماء في موضع من الأرض حتى بعد انقطاع النزول من السماء فعلى هذا الغدران التي جمع فيها ماء المطر حكمه حكم ماء المطر حتى بعد قطع نزول المطر من السماء لا اشكال في ان ما ينزل فعلا من السماء ماء المطر و مطهر و هذا المقدار ليس محل اشكال سواء نزل مستقيما على المتنجس بلا واسطة او نزل من الميزاب و ما نسب الى الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر من انحصار المطهر من المطر

بما نزل من الميزاب مما لا وجه له حتى يشكل انتساب هذا القول بمثل الشيخ رحمه اللّه و ان كان ظاهر كلامه فلا بدّ من توجيهه.

كما انه لا اشكال في ان الماء المجتمع في موضع كالغدران من ماء المطر ليس بحكم ماء المطر في المطهرية و ساير احكامه بعد انقطاع المطر لعدم كون ذلك ماء المطر عرفا و لغة و عدم دليل وارد من صاحب الشرع على كونه بحكم ماء المطر بل هو ماء محقون جمع من ماء المطر لا هو ماء المطر فان كان قليلا فهو بحكم القليل و ان كان كثيرا فهو بحكمه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 343

و اما الماء، المجتمع من ماء المطر في موضع مع، تقاطر ماء المطر من السماء عليه فهل هو ماء المطر و بحكمه أم لا.

اعلم ان الماء المجتمع من المطر كونه ماء المطر لغة او عرفا محل اشكال و لكنه بحكم ماء المطر إذا تقاطر عليه من السماء لشمول اطلاق الرواية التاسعة من الروايات المتقدمة عليه حيث ان مفروض الرواية هو المكان الذي فيه العذرة فيصيبه المطر فيصيب الماء بالثوب من هذا المكان فقال لا بأس إذا جرى فيه المطر و حيث ان مورد سئول السائل قد يكون صورة يكون الماء المجتمع بقدر الكر و قد يكون اقل منه. فان كان بقدر الكر يمكن ان يقال بعدم نجاسة الماء لانه لا ينجس مع كريته بملاقات العذرة.

و اما ان كان اقل من الكر فلا عاصم له لانه قليل.

نعم هو معتصم بما يجرى عليه من المطر و لهذا لا ينجس بملاقات العذرة فهذا الماء المجتمع بحكم ماء المطر لانه كما لا ينجس ماء المطر بملاقات

النجاسة كذلك الماء المجتمع الذي يتقاطر عليه المطر هذا كله في الجهات المذكورة في الفصل.

***

[مسئلة 1: الثوب او الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الثوب او الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر و لا يحتاج الى العصر او التعدد و إذا وصل الى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة و الا فلا يطهر الا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 344

(1)

أقول: محل الكلام كما افاد المؤلف رحمه اللّه يكون بعد زوال عين النجاسة لانه مع بقاء عينها لا يصدق الغسل و حتى مع بقاء الاجزاء الصغار لا يحصل النقاء و الغسل عند العرف.

مضافا الى عدم طهارة المحل مع بقاء عين النجاسة لان عينها كما تكون علة لحدوث النجاسة تكون علة لبقائها.

نعم هنا كلام، في انه هل يعتبر التقاطر على الموضع المتنجس بعد زوال عين النجاسة عن المحل او يطهر المحل بازالة العين ببركة المطر و غلبة ماء المطر عليها و ازالتها.

قد يقال بكفاية الثانى بدعوى دلالة الرواية الاولى من الروايات المتقدمة على كفاية غلبة ماء المطر على النجاسة لانه عليه السّلام قال فيها «ما اصاب من الماء أكثر» فإذا تحققت الغلبة و الأكثرية بحيث تزيل العين بسببها يكفي في الطهارة.

و دلالة ما في الرواية الثامنة من الروايات «كل شي ء يراه المطر فقد طهر».

فإذا اراه المطر يكفي في الطهارة و ان كان يزيل العين مع رؤيته أيضا فلا حاجة بعد زوال العين الى تقاطر المطر على المحل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 344

و فيه ان مع بقاء العين على المحل فالمحل مشغول بها فلم يره المطر و لم يصبه الماء فإذا زالت العين و تقاطر المطر بعده على المحل يصدق انه راى المطر موضع النجس و انه اصابه فتأمل.

ثم بعد ما عرفت ذلك نقول. بانه لا يعتبر العصر و التعدد في مطهرية المطر.

اما العصر فكما يأتى إن شاء اللّه. في محله ليس على اعتباره دليل يقتضي اشتراطه في التطهير تعبدا و الا فلا بدّ من اعتباره في الكثير بل و الجارى. فالوجه في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 345

اعتباره اما من باب القول بنجاسة الغسالة و ان ما بقى من الماء الذي ورد على المحل النجس بعنوان التطهير يجب اخراجه من المحل فكما انه في الماء الكثير لا يقال بنجاسته لكون الماء كثيرا و معتصما به.

كذلك فيما يطهر بالمطر فان الماء الواقع في المحل المتنجس كالثوب مثلا طاهر لاعتصامه بالمطر الجارى من السّماء.

و اما من باب ان الغسل لا يصدق عرفا الا بالعصر. فالوجه في دخله في الغسل هو انه مع بقاء نداوة الماء المغسول به المتنجس يرى العرف بقاء القذارة فيه فلا يحصل التطهير عندهم الا بانفصال الغسالة.

فنقول كما يأتى إن شاء اللّه في محله بان منشأ ذلك ليس الّا بقاء القذارة في المحل مع وجود الغسالة و بقائها فإذا قلنا بطهارة الغسالة لا تكون قذارة اصلا و لو قلنا بنجاستها نقول أيضا بانه بعد ما يكون المنشأ عند العرف في اعتبار العصر اخراج القذارة ببركة العصر لا خصوصية للعصر بل لو حصل ذلك بغير العصر يكفى في خروج القذارة مثل صبّ الماء المتوالى عليه.

و كما يأتي إن

شاء اللّه في وجه عدم وجوب العصر في الماء الكثير بان الشارع بعد ما جعل الماء الكثير عاصما فالعرف و ان كان يرى بقاء القذارة في المتنجّس مع عدم العصر لكن حكم الشارع بعاصمية الماء الكثير يكون رادعا لهم و انه مع اتصاله به لا قذار فيه فكذلك نقول في ماء المطر.

و اما عدم اعتبار التّعدد فيظهر للمرجع في الأخبار المذكورة لانه في مورد بعض هذه الأخبار كان المحل متنجسا بالبول، و لم يعتبر المعصوم عليه السّلام في تطهيره التعدد فمن هذا يظهر عدم اعتباره و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه و إذا وصل الى بعضه أى بعض الثوب او الفراش طهر ما وصل إليه فوجهه واضح لان هذا المقدار هو المقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 346

الواقع عليه المطر لا غيره.

و كذلك واضح وجه ما قال رحمه اللّه من اعتبار زوال عين النجاسة.

***

[مسئلة 2: الاناء المتروس بماء نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الاناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما إذا تقاطر عليه طهر ماؤه و إناؤه بالمقدار الذي فيه ماء و كذا ظهره و اطرافه ان وصل إليه المطر حال التقاطر و لا يعتبر فيه الامتزاج بل و لا وصوله الى تمام سطحه الظاهر.

و ان كان الاحوط ذلك.

(1)

أقول: اما الأخبار الواردة في المطر فلا يستفاد منها كفاية مجرد تقاطر المطر على الاناء المتروس بماء نجس في طهارته حتى قبل تحقق الامتزاج.

الّا من الرواية الثانية منها و هي مرسلة الكاهلى. بانه لا يبعد ان قوله عليه السّلام فيها كل شي ء يراه المطر فقط طهر» يفيد طهارة الحبّ المتروس بالماء النجس بمجرد رؤية المطر لانه بمجرد تقاطر المطر عليه يصدق انه شي ء يراه المطر.

لكن

كما قلنا لا يمكن التعويل على المرسلة لضعفها و حيث انه لا يكون في البين وجه آخر يدل على كفاية مجرد رؤية المطر سطح الماء في طهارته.

فيقع الشك في انه هل طهر هذا الحبّ او الشّربة المتروس من الماء مثلا بمجرد رؤية المطر سطحه او لا يطهر الا ان يمطر عليه بمقدار يتحقق الامتزاج فمع الشك يستصحب نجاسة الحب و الشربة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 347

هذا ما يقتضيه الاصل ان وصلت النوبة به.

و لكن كما يأتى إن شاء للّه في المسألة الثانية من المسائل المذكورة في فصل ماء البئر بعد عدم تعرض الاخبار الواردة في مطهرية المياه لكيفية مطهريّتها من حيث كفاية مجرد اتصال الماء العاصم بالماء المتنجس او لزوم الامتزاج نرى عدم بيان من الشرع فى هذه الجهة و ايكال الامر الى العرف و نرى مساعدة العرف على حصول الطهارة مع الامتزاج و حكمه باكتفائه بمجرد الاتصال مشكل نقول بان الاحوط اعتبار الامتزاج.

و بعد اعتبار الامتزاج و لو من باب الاحتياط فالميزان تحقق الامتزاج و لا فرق في تحققه بين ان يرى المطر تمام سطح الماء و بين رؤيته بعض سطحه فإذا راى المطر بعض السطح و جرى عليه بمقدار يحصل الامتزاج يكفي لطهارة الاناء و الماء الواقع فيه.

ثم ان وجه طهارة الاناء و اطرافه النجس الواصل عليه المطر واضح لانه يطهر بوصول المطر عليه بعد كون المطر الجارى بمقدار يجرى على الأرض مطهرا كما قلنا في بحث مطهرية المطر.

***

[مسئلة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط ان يكون من السماء و لو باعانة الريح و اما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر كما

إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان فوصل مكانا آخر لا يطهر نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 348

الى مكان مسقّف بالجريان إليه طهر.

(1)

. أقول: امّا طهارة الارض النجسة بوصول المطر إليها من السماء و لو باعانة الريح فواضح لان مورد اكثر الروايات هو الأرض و مع اعانة الريح يصدق جريان المطر عليها.

و اما عدم مطهريته إذا وصل الى الارض بعد الوقوع على محل آخر فلعدم كون هذا ماء المطر الموضوع لاحكام خاصة.

و اما لو جرى على وجه الارض فوصل الى مكان بالجريان إليه طهر.

بشرط وصول ما يجرى منه على الارض حال بقاء التقاطر من السماء لما عرفت من ان الماء الذي يجرى على الارض او يجتمع فيها بحكم ماء المطر مع جريان المطر عليه فعلا.

فلا بدّ من تقييد مطهرية ما وصل من موضع من الارض الى موضع آخر بحال نزول المطر من السماء.

***

[مسئلة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر و كذا إذا كان تحت السقف و كان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض بل و كذا لو اطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 349

(1)

أقول: يطهر بشرط تحقق الامتزاج بالمطر او بما امتزج منه بالمطر في حال اعتصامه بلا فرق بين ما جرى عليه بلا واسطة او اطارته الريح او جرى من الميزاب لانه في كلّها مطهّر كما مرّ.

***

[مسئلة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثم وقع على الأرض نعم لو لاقى في الهواء شيئا كورق الشجر او نحوه حال نزوله لا يضرّ إذا لم يقع عليه ثمّ منه على الأرض فمجرد المرور على الشي ء لا يضرّ.

(2)

أقول: اعلم ان المستفاد من الأدلّة مطهّرية ماء المطر حال نزوله من السماء و في حكمه ماء المطر المجتمع في محل او جار من محل الى محل آخر بشرط تقاطر المطر عليه من السماء فنحن في مقام الحكم بمطهّرية المطر و عدمه ندور مدار هذا المقدار الذي استفدنا من الادلة.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون التقاطر بلا واسطة من السماء على موضع النجس او بالسقف ثم منه الى المتنجس او وقع على ورق شجر ثم منه على الأرض فلو وقع على السقف ثم منه تقاطر على الأرض مع بقاء الجريان عليه من السماء فما يتقاطر بواسطة السقف على الارض او بواسطة ورق الشجر مطهّر. نعم لو كان حال التقاطر من السقف على الأرض او من الورق عليها

غير معتصم بما يجري من السماء بان انقطع المطر فلا تكون هذه القطرات مطهرا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 350

[مسئلة 6: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شي ء آخر لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يكن متغيرا.

(1)

أقول: إذا كان الترشح من عين النجس في مورد قلنا بمطهّرية ماء المطر اعنى فيما يكون بمقدار يجرى على الارض ففي هذا الحال لو تقاطر منه قطرة على عين النجس ثم ترشح منها الى موضع لا ينجس هذا الموضع إذا لم يكن معه عين النجاسة و لم يتغير بها و الا فمع احدهما ينجس ما يلاقيه لانه اما حامل لعين النجاسة فلاقى الملاقى عين النجاسة و اما صار متغيرا بالنجاسة فتنجس بها فلاقى الملاقى الماء المتنجس.

***

[مسئلة 7: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف لا تكون تلك القطرات نجسة و ان كان عين النجاسة موجوده على السطح و وقع عليها لكن بشرط ان يكون ذلك حال تقاطر من السماء و اما إذا انقطع ثم تقاطر من السف مع مروره على عين النجس فيكون نجسا و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعب وقوعه على السطح النجس.

(2)

أقول: وجهه واضح لانه مع بقاء الجريان من السماء فما ينفذ و يقاطر من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 351

السقف معتصم بماء المطر و ان كان لاقى النجس. و اما إذا كان حين انقطاع المطر فهو ماء لاقى النجس فصار نجسا و لا يعتصم بشي ء. و كذلك الحال فيما جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس فهو طاهر مع كون الجريان حال تقاطر السماء و نجس إذا كان بعد انقطاع الجريان.

***

[مسئلة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا.

(1)

أقول: يظهر وجهه مما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل الى اعماقه حتى صار طينا.

(2)

أقول: هذا إذا بقى ماء المطر على مائيته و اطلاقه و هذا في غاية الإشكال و لا يكتفى بمجرد وصول الرطوبة إليه الا فيما كان ترابا قليلا يعلم بوصول الماء بإطلاقه على جميع اجزائه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 352

[مسئلة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر و كذا الفراش المفروش على الارض و إذا كانت الارض التي تحتها أيضا نجسة تطهر إذا وصل إليها.

نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها نظير ما مرّ من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض.

(1)

أقول: وجه طهارة الحصير و الفراش اصابة المطر عليه.

و وجه التفصيل في طهارة الارض التي تحته بين ما كان الحصير و الفراش متصلا بها.

و بين ما كان منفصلا و انه تطهر الارض في الصورة الاولى لا الثانية هو ما مرّ من ان الميزان صدق اصابة ماء المطر، و ماء المطر ما يمطر من السماء الى موضع و بعد وقوعه على موضع و وصل الى موضع آخر فليس ذلك الماء ماء المطر فليس بمطهر ففي الصورة الاولى اصاب ماء المطر على الأرض و في الثانية لم يصبها.

***

[مسئلة 11: الاناء النجس يطهر إذا اصاب المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: الاناء النجس يطهر إذا اصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم اذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير و لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة الى التعدد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 353

(1)

أقول: اما طهارة الاناء باصابة المطر جميع مواضعه النجسة فلما مرّ من النصوص.

و اما في ولوغ الكلب. فيقع الكلام في انه هل يطهر المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اصابة المطر كما يكون الامر هكذا في ساير المتنجسات. او يعتبر التعفير و التعدد مثل ماء القليل. فنقول يعتبر التعفير.

اما أولا: فلان النسبة بين ما يدل على اعتبار التعفير في ولوغ الكلب و بين ما يدلّ على مطهرية المطر تكون عموما من وجه

لان الاول بإطلاقه يدلّ على اعتبار التعفير سواء يطهره في الماء الجارى او في الكر او في المطر او بالقليل.

و الثاني: يدل بإطلاقه على مطهرية المطر سواء كان المتنجس بولوغ الكلب او غيره ففي الاناء المتنجّس بولوغ الكلب الذي ورد عليه المطر يقع التعارض بينهما.

و لو لم نقل بان أدلّة الدالة على التعفير مطلقا اظهر من حيث شمولها مادة الاجتماع من ادلة ماء المطر من باب ان الظاهر من الادلّة الواردة في ماء المطر امتياز المطر من بين المياه في المطهّرية لانه مثل الجاري و اما ما لا يطهره الماء اصلا قبل التعفير فيشكل شمولها له فلا اقل من تساوى الدليلين من حيث الشمول لمادة لاجتماع.

فإذا تعارض الدليلان و تساقطا.

نشك في انه هل يطهر الاناء المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اصابة المطر او يجب التعفير قبلها فيستصحب نجاسة الاناء قبل حصول التعفير فالنتيجة وجوب التعفير.

و أما ثانيا: فلان مورد الاخبار الواردة في ماء المطر غير المرسلة يكون اما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 354

البول و اما العذرة و اما المنى و اما الخمر فنقول اما مرسلة الكاهلى و ان كان لها الاطلاق بالنسبة الى النجاسات و لكن لا يعمل بها لضعف سندها بالارسال. و اما غيرها فموردها غير ولوغ الكلب فلا دليل في البين يدل على طهارة ولوغ الكلب بمجرد رؤية المطر و عدم لزوم التعفير حتى بالإطلاق. و بعبارة اخرى لا يستفاد من اخبار الباب خصوصية الماء المطر بالنسبة الى المتنجس بولوغ الكلب فيبقى في البين ما يدل على اعتبار التعفير في ولوغه و اطلاقه يشمل حتى صورة يطهر بماء المطر.

فلهذا نقول باعتبار التعفير في تطهير المتنجس بولوغ الكلب من الاناء

حتى إذا جرى عليه المطر فاذا اريد تطهيره بالمطر لا بدّ من التعفير أولا ثم إذا جرى عليه المطر يطهر.

و هل يعتبر بعد التعفير التعدد في تطهيره بالمطر أو لا يعتبر ذلك.

أقول: ان اخذ بمرسلة الكاهلى فمقتضاها كفاية رؤية المطر في مطهريته للمتنجس و لا يلزم التعدد.

و اما مع قطع النظر عنها كما اخترنا عدم العمل بها من باب ضعف سندها فيشكل الحكم بعدم اعتبار التعدد لانه لا يكون في مورد من اخبار الباب فرض المتنجس بولوغ الكلب فليس في البين ما يخصّص او يقيّد به اطلاق ما دل على التعدد في ولوغه.

ان قلت المذكور في اخبار الباب و ان كان خصوص المتنجس ببعض النجاسات كالبول و العذرة و المنى و الخمر.

و لكن بإلغاء الخصوصية نحكم بطهارة المتنجس بولوغ الكلب بمجرد اجراء المطر عليه كالمتنجس بالبول و غيره لالغاء العرف الخصوصية البولية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 355

و الخمرية لعدم فرق في نظره بين النجاسات.

قلت بعد ما نرى من حكم الشارع بالتعفير و التعدد في ولوغ الكلب نكشف وجود خصوصية له غير موجودة في ساير النجاسات و لهذا لا يمكن التعدى من غير الموارد المذكورة في روايات الباب الّا في ما يمكن الغاء الخصوصية و في ولوغ الكلب لا مجال لدعواه لما عرفت.

لو شككا في زوال النجاسة عن المتنجس بولوغ الكلب بمجرد رؤيته المطر مرّة يحكم ببركة الاستصحاب ببقاء النجاسة ثم بعد ذلك نقول بان العمدة عدم وجود دليل يمكن الاعتماد عليه يدل على اعتبار التعدد بعد التعفير غير دعوى الاجماع لانه كما يأتي إن شاء اللّه في محله ما يستدل به من الاخبار رواية فقه الرضا عليه السّلام و ما

رواه فضل بن ابى العباس بناء على كون لفظ مرتين» بعد كلمة «ثم بالماء». «جزء الخبر»

و لا يمكن التعويل على رواية فقه الرضا عليه السّلام و لا يعلم كون كلمة «مرتين» جزء خبر الفضل.

فليس في البين الّا الاجماع.

و يمكن دعوى كون القدر المتيقن منه هو غير ماء المطر خصوصا مع دلالة رواية محمد بن مسلم على مجرد الغسل و هي و ان صارت مقيدة بما دل على التعفير و لكن ظهورها في كفية الغسل لا اشكال فيه.

و لكن مع ذلك كله مع هذا الاجماع على التعدد و معه يقيد رواية محمد بن مسلم من حيث اطلاق الغسل أيضا يشكل الافتاء بكفاية مجرد الغسل بعد التعفير و لهذا.

نقول كما قال سيدنا الاعظم رحمه اللّه بان الاحوط التعدد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 357

فصل: فى ماء الحمام
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 359

قوله رحمه اللّه

فصل في ماء الحمام ماء الحمام بمنزلة الجارى بشرط اتصاله بالخزانة فالحياض الصّغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة إذا كان ما فى الخزانة وحده او مع ما في الحياض بقدر الكر من غير فرق بين تساوى سطحها مع الخزانة او عدمه و إذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة بشرط كونها كرّا و ان كانت اعلى و كان الاتصال بمثل المزملة و يجرى هذا لحكم في غير الحمام أيضا و ان كان في المنبع الا على مقدار الكر او ازيد و كان تحته حوض صغير نجس و اتصل بالمنبع بمثل المزملة يطهر و كذا لو غسل فيه شي ء نجس فانه يطهر مع الاتصال المذكور.

(1)

أقول في الفصل مسائل:

المسألة الاولى: في ان ماء الحمام بمنزلة الجارى

بشرط اتصاله بالخزانة و لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 360

اشكال في ذلك و ادعى عليه الاجماع و العمدة في ذلك الرايات الواردة في الباب نذكر ما يرتبط بالمقام بعونه تعالى و توفيقه.

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن مسلم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره أغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «1» وجه سؤال السائل عن جواز الاغتسال.

امّا كان من باب توهم نجاسة الماء باعتبار غسل الجنب و غيره فيه.

اما من باب كون مائه مستعملا في الحدث الاكبر للاغتسال فيه.

و جواب الامام عليه السّلام بقوله نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب» كاف في جواب كل من الجهتين ثم قوله عليه السّلام

بعد ذلك «ثم جئت فغسلت رجلى الخ» من باب دفع توهم نجاسة سطح الحمام من باب عبور الخبث منه و انه محكوم بالطهارة و ان غسل الرجل يكون لجهة اخرى و هو من باب ما لزق به من التراب.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن مسلم قال رايت أبا جعفر عليه السّلام جائيا من الحمام. و بينه و بين داره قذر. فقال لو لا ما بينى و بين دارى ما غسلت رجلى و لا يجنب لا يخبث- ل» ماء الحمام «2».

الرواية الثالثة: ما رآها اسماعيل بن جابر عن ابى الحسن الاول عليه السّلام قال:

ابتدأنى فقال: ماء الحمام لا ينجّسه شي ء «3» و لا قائل على العمل بها بهذا الاطلاق بيننا، لان اطلاقها يقتضي عدم تنجسه بشي ء سواء كان قليلا او كثيرا، إلّا ان يحمل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 361

هذا الخبر على صورة كون ما في المنبع منه كرّا. و ان كان حملا بعيدا و لو فرض اطلاق له يقيده ما يدل على عدم نجاسته بشي ء إذا كان له المادة.

الرواية الرابعة: ما رواها ابو يحيى الواسطى عن بعض اصحابه عن ابي الحسن الهاشمى قال سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا اعرف اليهودى من النصرانى و لا الجنب من غير الجنب. قال تغتسل منه و لا تغتسل من ماء آخر فانه طهور «1» و لكنها كسابقها و الكلام فيها هو الكلام فيها.

الرواية الخامسة: ما رواها ابن ابي

يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قلت اخبرنى عن ماء الحمام تغتسل منه الجنب و الصبى و اليهودى و النصراني و المجوسى.

فقال انّ ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا «2».

الراية السادسة: ما رواها داود بن سرحان. قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام، ما تقول في ماء الحمام، قال هو بمنزلة الماء الجارى «3».

الرواية السابعة: ما رواها حنّان قال سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام انّى ادخل الحمّام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فاقوم فاغتسل فينتضح عليّ بعد ما افرغ من مائهم قال أ ليس هو جار قلت بلى قال لا بأس «4».

الرواية الثامنة: ما رواها بكر بن حبيب عن ابى جعفر عليه السّلام. قال ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة «5» و ظاهرها جريان الماء من المادة في حياض الصغار و الا

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(4) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 362

مجرد وجود المادة بدون اتصال الحياض بها لا اثر لها في طهارة الحياض و عدم نجاستها بملاقاة النجاسة.

ثم انه في الباب بعض الروايات يدلّ بظاهره على نجاسة ماء الحمام بملاقات النجاسة للنهى عن الاغتسال فيه.

مثل ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال سألته عن ماء الحمام.

فقال: ادخله بازار و لا تغتسل من

ماء آخر الا ان يكون فيهم «فيه- خ- ل» جنب او يكثر اهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا «1». و هذه الرواية بظاهرها معارضة مع ساير الروايات لان مفادها عدم جواز الاغتسال من ماء الحمام مع وجود الجنب او كثرة اهل الحمام فلا يدرى فيهم جنب أم لا.

و لا يمكن الاخذ بمضمونها لان فيها الامر بوجوب الاغتسال في ماء الحمام و عدم جواز الاغتسال بغيره مع عدم الجنب و عدم كثرة اهله فلا بدّ من تاويلها او طرحها.

فنقول مضافا الى موهنية الرواية بنفسها لا بدّ بقرينة غيرها من الاخبار من حمل النهي على الكراهة لنصوصية غيرها فى الجواز مع وجود الجنب اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى ان بعض الرويات المذكورة و ان كان له اطلاق بشمل حتى صورة عدم اتصال ما في الحياض بما في المادة.

و لكن بعد دلالة الخامسة و السادسة و السابعة و خصوصا الثامنة منها على ان طهارة ما في الحياض و عدم تنجسه بملاقاة النجاسة ليس الا من باب كون ماء الحمام كماء النهر او بمنزلة الجارى او هو جار و كونه كماء النهر او بمنزلة الجارى ليس الا من

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 363

باب اتصاله بالمادة كالماء الجارى و يكون بعضه عاصما و معتصما ببعض الاخر بمعنى ان ما في الحياض «و هو ماء الحمام على لسان الروايات و دعوى التسالم على ذلك» يكون معتصما بما يجرى عليه من المادة و اتصاله به و خصوصا مع التصريح في الرواية الثانية منها بانه «لا بأس به إذا كانت له مادة» فيقيد بها اطلاق

ساير الاخبار فتكون النتيجة ان ماء الحمام بمنزلة الماء الجارى بشرط اتصاله بالخزانة هذا.

المسألة الثانية: بعد ما يكون ماء الحمام بمنزلة الماء الجارى

بشرط اتصاله بالخزانة. اعنى المادة كما عرفت.

يقع الكلام في انه هل يعتبر كريّة ما في الخزانة وحدها.

او يكفي كونها بضميمة ما في الحياض كرا بحيث انه لو لم يكن ما في المادّة وحدها كرا و لا ما في الحياض وحده كرّا لكن مع ضمّ كل ما في المادّة و ما في الحياض من الماء بالآخر يبلغ حد الكرية يكفى في تحقق موضوع الحكم.

او لا يلزم ذلك أيضا بل يكفي في طرو الحكم مجرد وجود الماء في المادة في طهارة ما في الحياض و كونه بحكم الجارى و لو لم يبلغ مجموع الماء الواقع في الخزانة و في الحياض حدّ الكر.

اعلم ان الكلام ان كان في كون ماء الحمام الذي يكون بمنزلة الجارى هل هو ما يكون له مادة تكون كرّا فالحق اعتبار كرية المادة لانه في رواياتنا و ان لم يكن بلسانها تعرض لهذه الجهة. و لكن بعد كون المتعارف من الحمامات في زمن صدور الروايات هو كون المادة و ما في الخزانة بالغا حد الكرية و كيف يمكن دعوى كفاية كون ما في الخزانة انقص من الكر مع كثرة الابتلاء بالحمام و كثرة المراجعين قهرا.

فإذا كان للاطلاق متعارف خارجا و يكون السؤال و الجواب قهرا عن الحمامات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 364

المتعارفة و لا يفهم السائل عن الجواب الا ما في ارتكازه من المادة اعنى ما يبلغ الكرّ مسلما فان كان نظر المجيب اعنى المعصوم عليه السّلام الى غير المتعارف كان بمقتضى الحكمة عليه البيان و بعبارة اخرى يكون موضوع القضية الواقعة في لسان الروايات

هي الخارجية لا الحقيقية فعلى هذا يكون القدر المسلم من كون ماء الحمام بمنزلة الجارى ما كانت المادة بنفسها بالغة حدّ الكرية. و لا يكفي كون ما في المادة مع ما في الحياض قدر الكر فضلا عن صورة لم يكن مجموعهما كرّا.

نعم يكفي في عدم تنجس ماء الحمام اعنى المياه الملقاة في الحياض الصغار بملاقاة النجاسة كون مجموع الماء الواقع في الخزانة مع ما في الحياض كرّا بشرط جريان المادة عليها و اتصال كل منهما بالآخر حين ملاقاة النجاسة.

لان ما في المادة و ما في الحياض باعتبار اتصال كل منهما بالآخر يعدّ ماء واحدا و ان اختلف سطحهما اذ اختلاف السطح لا يخرجهما عن الوحدة لانه متصل واحد و الوحدة الاتصالية مساوقة للوحدة الشخصية فعلى هذا يكون هذا الماء كرّا و الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء.

و لا يسمع العرف بدعوى ان ما في المادة مع ما في الحياض مائان لان ما في المادة مع جريانه بما في الحياض يكون حقيقة و عرفا ماء واحدا.

فتلخص انه في حال جريان ما في المادة على ما في الحياض من الماء مع كون مجموعهما كرّا و ان كان كل واحد من ماء المادة و ما في الحياض اقل من الكر لا ينجس الماء. بملاقاة النجاسة سواء لاقى النجس مع ماء المادة او مع ما في الحياض.

المسألة الثالثة: إذا انقطع اتصال ما في الحياض عن المادة

و كان اقل من الكر ينجس بملاقاة النجاسة و طريق تطهيره اتصاله بالمادة مع تحقق الامتزاج العرفي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 365

على الاحوط بشرط بقاء المادة بنفسها على الكرية حتى يتحقق الاتصال بل الامتزاج على القول باعتباره.

اما نجاسة ما في الحياض بملاقاة النجاسة إذا كان

قليلا و غير متصل بالمادة فواضح لانه ماء قليل ينجس بملاقاة النجس.

و اما تطهيره باتصاله بالمادة المتصفة بالكرية و امتزاجه به بناء على اعتبار الامتزاج فلان هذا طريق تطهير الماء القليل.

و اما اعتبار كرّية المادة التي يطّهر بها ما في الحياض من الماء القليل بنفسها الى ان يحصل الاتصال و كذا الامتزاج بناء على اعتباره فلان الكرّ مطهر له فلا بدّ من بقاء العاصم على الكرية في حال التطهير.

و لا يعتبر كرية المادة مع قطع النظر عمّا يكون في المجرى الذي يجرى على ما في الحياض بل يكفي بلوغ كل من الماء الواقع في المادة و المجرى كرا و باق على الكرية الى حصول التطهير.

المسألة الرابعة: و يكون في حكم ماء الحمام غير ماء الحمام.

في انه لا ينجس بملاقاة النجاسة مع اتصاله بالمادة و يطهر لو غسل فيه شي ء متنجس في هذا الحال.

و في انه إذا تنجس يطهر باتصاله بالمادة العاصمة و حصول الامتزاج على الاحوط بنحو ما قلنا في ماء الحمام لعدم خصوصية لمائه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 367

فصل: فى ماء البئر
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 369

قوله رحمه اللّه

فصل في ماء البئر ماء البئر النابع بمنزلة الجارى لا ينجس الّا بالتغيّر سواء كان بقدر الكر او اقل و إذا تغيّر ثم زال تغيّره من قبل نفسه طهر لان له مادة و نزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب و اما إذا لم يكن له مادة نابعة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية ان سمى بئرا كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها.

(1)

اقول اعلم ان المراجع في كلمات العامة و اقوالهم لا يرى ذكرا من ماء البئر و كون خصوصية لها فماء البئر عندهم كالماء المحقون فمن يقول منهم بعدم نجاسته بملاقاة النجاسة مطلقا قليلا كان او كثيرا و هو قول أكثرهم يقول في ماء البئر هكذا و من يقول منهم بالتفصيل بين القليل و الكثير في الماء المحقون و هو قول نادر منهم يقول كذلك في ماء البئر.

و اما عندنا فالأقوال ثلاثة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 370

القول الاول: و هو قول نادر التفصيل بين كون ماء البئر قليلا فينجس بملاقاة النجاسة و بين كونه كثيرا فلا ينجس بملاقاته.

القول الثاني: و هو المشهور بين اعاظم القدماء الى زمان العلامة رضوان اللّه عليهم و هو ان ماء البئر ينجس بملاقاة النجاسة سواء كان مائه كرا او اقل منه.

القول الثالث: و هو المشهور بين المتأخرين من زمان العلامة رحمه اللّه الى زماننا هذا و هو.

عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة كثيرا كان او قليلا.

إذا عرفت الأقوال نقول ان العمدة في وجه القول بنجاسته بملاقاة النجاسة.

بعض الأخبار الواردة في الباب الدال بظاهره على وجوب نزح دلاء من ماء البئر

او جميعه بملاقات بعض النجاسات معه و في بعضها انه بالنزّح يطهر مائه و هذا دليل على صيرورة مائه نجسا بملاقاة النجاسة و يكون تطهيره بنزح دلاء من مائه او نزح جميعه و لا نحتاج الى ذكر هذه الروايات حذرا عن التطويل من اراد الاطلاع عليها فليراجع الابواب المعدّة لها في الوسائل و جامع احاديث الشيعة و غيرهما من كتب الاخبار.

و نقول في مقام الجواب مضافا الى بعض الموهنات في نفس بعض هذه الروايات بانه لا يتم الاستدلال به.

اما أولا فلو كنّا نحن و نفس هذه الروايات مع قطع النظر عما يعارضها.

نقول بان في بعضها يوجد بعض الامارات الدالة على ان الامر بالنزح امر استحبابى.

مثل الاختلاف في مقدار الدلاء في خصوص نجاسة واحدة مثلا في وقوع البول في ماء البئر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 371

فامر في بعض الروايات بنزح ثلثين دلوا. و في بعضها بنزح كل الماء. و في بعضا بنزح اربعين دلوا.

و في بعضها مجرد دلاء بدون ذكر مقدار الدلاء.

و كذا في الدم و هكذا

في بعض آخر غيرهما.

و من الواضح ان مجرد الاختلاف في مقدار المطهر دليل على ان الحكم يكون استحبابيّا لرفع القذارة العرفية في الماء و هكذا ذكر مجرد دلاء في ملاقاة بعض النجاسات بدون تحديد الدلاء أيضا شاهد على ان الحكم حكم استحبابى شرّع لرفع القذارة العرفية.

و الاختلاف في التحديدات يحمل على مراتب الفضل و الاستحباب. و مع هذا الاختلاف لا يمكن الالتزام بكون الحكم وجوبيا و الا يلزم التعارض بين نفس هذه الروايات.

و كذلك ان كان الواجب مقدارا خاصا من الدلاء لا يصح ان يقول الامام عليه السّلام بنزح دلاء بدون تعيين تعداده.

و مثل الحكم بصحة الوضوء او الصلاة و عدم وجوب اعادتهما مع انه تطهّر بماء البئر الذي لاقى مع النجاسة و هذا لا يناسب مع صيرورة الماء نجسا لانه ان كان نجسا لا يصح التطهير به و يجب اعادة الصلاة لوقوعها بلا طهارة و هذا شاهد آخر على عدم كون الامر بالنزح امرا وجوبيا شرطيّا لحصول طهارة ماء البئر بمعنى صيرورته نجسا بملاقاة النجاسة و يطهّره النزح بل الامر بالنزح امر استحبابى لرفع القذارة العرفيّة الحاصلة بملاقاة النجاسة.

و أما ثانيا لو فرضنا ظهور هذه الروايات في حدّ ذاتها في نجاسة ماء البئر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 372

بملاقاته النجاسة و ان النزح بالمقدرات طريق تطهيره.

نقول بعد دلالة روايات كثيرة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة فمقتضى القاعدة فى الجمع العرفي هو حمل الا و امر الواردة بالنزح على الاستحباب. لانها ظاهرة في وجوب النزح و نجاسته.

و الروايات الدالة على عدم نجاسته

نص في عدم النجاسة فيحمل الظاهر على النص و تكون النتيجة استحباب نزح المقدرات و عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة.

فانظر ما

رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا ان يتغيّر ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادة «1» فهى نص في ان ماء البئر لا يفسده شي ء الا مع التغيّر بالنجاسة.

و مثلها الرواية 5 و 8 و 10 و 11 و 12 و 15 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل. «2»

و كلها تدلّ بالمطابقة او بالالتزام على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة.

لان في بعضها و ان كان المذكور الأمر بعدم غسل ثوب غسل في ماء البئر الملاقى للنجاسة او صحة الوضوء و عدم وجوب اعادة الصلاة.

و في بعضها التصريح بعدم النجاسة مثل رواية ابن بزيع فعلى هذا لا بدّ من حمل الاوامر الواردة على النزح بالمقدرات على الاستحباب بقرينة هذه الروايات.

ان قلت بعد اعراض القدماء من اصحابنا رحمه اللّه عن هذه الروايات لانهم مع

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 373

وقوفهم على هذه الأخبار بل ذكروها في بعض كتبهم لم يعتنوا بهذه الاخبار الدالة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة فيصير ذلك موجبا لوهنها و ان فيها اشكالا من حيث الصدور او جهة الصدور و هذا يوجب وهنها و عدم صحة العمل بها فعلى هذا يكون التعارض بين الحجة و لا حجة فلا مجال للجمع العرفى.

قلت اما عدم عمل المشهور من القدماء رحمه اللّه بهذه الطائفة من الاخبار صحيح و لكن مجرد ذلك لا يكون اعراضا حتى يستكشف من اعراضهم

وجود وهن في سندها او جهة صدورها بل ربما كان ترك عملهم من باب جهة او جهات اخرى مثل كون الاخبار الدالة على نجاسة ماء البئر اقوى ظهورا عندهم او اصح سندا و لم يكن مبناهم الجمع العرفي المتعارف عندنا او غير ذلك و إذا لم يثبت الاعراض و كان مقتضى الحجية موجودا في كلتا الطائفتين فمقتضى الجمع العرفي هو ما قلنا من حمل الظاهر على النص و تكون النتيجة حمل الاخبار الآمرة بالنزح على الاستحباب.

ان قلت يمكن حفظ ظهور كل من الطائفتين و الجمع بينهما بنحو آخر و هو ما نسب الى العلامة رحمه اللّه أيضا بان يقال ان وجه دالة الطائفة الاولى على النجاسة ليس الّا من باب الا و امر الواردة فيها بالنزح فيمكن حمل الامر فيها على الامر التكليفى لا الشرطى بمعنى اشتراط طهارته بالنزح بل يجب النزح بالوجوب التكليفى و يقال بان ماء البئر لا ينجس بملاقاة النجاسة كما هو مفاد طائفة من الطائفتين من الاخبار المذكورة و يقال بان الأمر بالنزح بالمقدرات لا يدلّ على صيرورة ماء البئر نجسا حتى يكون الامر بالنزح لتطهيره بل النزح يكون واجبا تعبّديا.

قلت هذا كلام محتمل ثبوتا في المقام في حد ذاته.

لكن في بعض الاخبار ما لا يساعد معه و هو ان مفاد بعض الاخبار جعل تطهير الماء بما امر من نزح الدلاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 374

مثل الرواية 21 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل و الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الماء المطلق من الوسائل فعلى هذا لا يمكن حمل الأمر بالنزح على الأمر التكليفى التعبدى.

ثم انه من الاقوال القول بالتفصيل

بين صورة يكون ماء البئر كثيرا فلا

ينجس بملاقات النجاسة و بين ما يكون قليلا فينجس بملاقاتها.

و ما يمكن ان يستدل به عليه امر ان.

الامر الاول ما رواها الحسن بن صالح الثورى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

قال: إذا كان الماء في الركى كر الم ينجّسه شي ء قلت و كم الكر قال ثلاثة اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها «1».

و ما رواها عمار قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة او رطبة فقال لا بأس إذا كان فيها ماء كثير «2».

الامر الثاني: عموم ما دل على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و لا يعارضه ما دل على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة لانصرافه بصورة بلوغ ماء البئر حد الكر. و مع قطع النظر عن الانصراف.

يقال بعد دلالة بعض الروايات على نجاسة ماء البئر بملاقاتها و دلالة بعض الروايات على عدم نجاسته كما عرفت. تكون هاتان الروايتان شاهدى جمع بين تلك الطائفتين لان مقتضاهما عدم نجاسة ماء البئر فيما كان بقدر الكر بالمنطوق و نجاسته.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 375

إذا كان اقل منه بالمفهوم فترفع اليد عن اطلاق كل من الطائفتين بقرينة الروايتين فتكون النتيجة نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة إذا كان قليلا و عدم نجاسته إذا كان كثيرا.

أقول مضافا الى ضعف سند الروايتين و عدم عامل بهما من اصحابنا غير البصراوى على ما نقل.

و مضافا الى عدم كون معنى الكثير الكر لعدم كون مصطلح الاخبار التعبير من الكر بالكثير و انما التعبير بالقليل و

الكثير من القوم. فلا دليل على كون المراد من الكثير في الرواية الثانية من الروايتين هو الكر.

نقول بان الجمع بين رواية اسماعيل بن بزيع المتقدمة ذكرها المصرحة فيها بان منشأ عدم افساد ماء البئر بشي ء هو وجود المادة له و بين الرواية الدالة على ان منشأ عدم نجاسة ماء البئر هو الكرية غير ممكن لانه مع وجود المادة و هذه العلة لا فرق بين كرية الماء و عدمها. و إذا لم يمكن الجمع بينهما و صارتا متعارضتين فالترجيح مع رواية ابن بزيع مع انه لو كان البناء في مقام التعارض على حمل الظاهر على الاظهر فدلالة رواية ابن بزيع في عليّة المادة لعدم النجاسة اظهر من المفهوم المستفاد من هاتين الروايتين في كون القلة موجبة لنجاسة ماء البئر.

و اما ما دل على انفعال ماء القليل فيقيد او يخصص برواية ابن بزيع لانها نص في كون وجود المادة علّة لعدم تأثير النجاسة في ماء القليل فيقيد او يخصص و براية ابن بزيع لانها نص في كون وجود المادة علّة لعدم تأثير النجاسة في ماء البئر مع امكان دعوى انصراف ادلة انفعال الماء القليل عن ماء البئر لان مورد غالبها غير البئر فراجع إذا عرفت ما بيّناه لك يظهر لك امور.

الأمر الاول: ان ماء البئر بمنزلة الجارى و منشأ مطهريّة كل منهما وجود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 376

المادة و لا ينجس ماء البئر بملاقاة النجاسة الا بالتغيّر لدلالة بعض الروايات و منها رواية ابن بزيع على ذلك.

الامر الثاني: لا فرق الفرق في هذا الحكم اعنى عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة بين كون مائه قليلا او كثيرا كما عرفت وجهه.

الامر الثالث: إذا

تغيّر ثم زال تغييره من قبل نفسه.

هل يطهر بمجرد اتصاله بالمادة لان له مادة أو لا يكفى ذلك بل لا بدّ من خروج الماء من المادة و امتزاج ما في البئر من الماء بما يخرج من المادّة من الماء. وجه عدم اعتبار خروج الماء من المادة و امتزاجه به و كفاية اتصاله بالمادة الموجودة في عروق الارض بحيث إذا أخذ من ماء البئر مقدار يشغل موضعه ما يخرج من المادة لان هذا يقتضي ظاهر رواية ابن بزيع حيث ان مفادها علية وجود المادة لعدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و تطهيره بها بعد زوال التغير و آنها علة دفعا و رفعا و لا تقيد في الرواية العلة بخروجه و اتصاله او امتزاجها بما في البئر.

وجه اعتبار خروج الماء من المادة و امتزاجه بما في البئر ان المستفاد من الرواية كون المادة علّة لطهارة ما في البئر.

و اما كيفية تطهيره لا تعرض الرواية لها فكما نقول باعتبار الامتزاج في كيفية تطهير ما عدا ماء البئر من المياه كذلك نقول في المقام.

و بعبارة اخرى ما يستفاد من العلة كون المادة موجبا لحكمين عدم النجاسة بملاقاة النجاسة و طهارته بعد نجاسته.

و اما على اى كيفية تطهّر ماء البئر فلا تعرض للرواية لها فكما ان قوله في بعض روايات الحمام يطهّر بعضه بعضا او إذا كان له المادة لا يستفاد منه الا ان الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 377

الحمام مادّة تطهّر ما في الحياض و اما كيفية تطهيره فلا بدّ من استفادتها من الخارج كذلك في ما نحن فيه.

و لذا من يقول باعتبار الامتزاج في ماء الحمام و الجارى و ماء المطر لا بدّ

ان يقول هذا أيضا.

نعم لو استظهرنا من دليل او من حكم العرف عدم اعتبار الامتزاج في تطهير المياه نقول في المقام أيضا. و الحاصل انه لا يفهم من العلة المذكورة في رواية ابن بزيع خصوصية لمادة ماء البئر يكفى في تطهير مائه مجرد اتصاله بالمادة و ان كانت في عروق الارض بل حال ماء البئر حال ساير المياه فان اعتبرنا الامتزاج نقول هذا و الا فلا و حيث ان الاحوط الامتزاج.

نقول في المقام بان الاحوط انه لا بدّ فى تطهير ماء البئر من خروج الماء من المادة و امتزاجه بما فى البئر من الماء.

ثم ان ما لا يكون له مادة نابعة ليس موضوعا لبعض الاحكام المختصة بماء البئر لعدم شمول الادلة له بل يكون بحكم الماء المحقون فان كان كرا لا ينجس بملاقاة النجاسة و ان كان قليلا ينجس. بملاقاتها.

***

[مسئلة 1: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجّس بالتغيير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجّس بالتغيير فطهره بزواله و لو من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه او نزحه حتى يزول و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 378

(1)

أقول: اما عدم دخل خصوص النزح في زوال التغير فصحيح لعدم خصوصية للنزح بل باى سب يزول تغيره يحصل موضوع قابليته للتطهير.

و من قوله عليه السّلام في رواية ابن بزيع. «فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم» لا يستفاد خصوصية للنزح في زوال التغير و بيان ذلك يكون من باب ان الوضع الطبيعي غالبا مع الحاجة بالاستفادة عن ماء البئر يقتضي ان تنزح مائه حتى يزول تغيره و يمكن معه الاستفادة منه لا لخصوصية في النزح فلو حصل ذهاب التغير من

قبل نفسه كفى.

و اما طهارته بمجرد زوال التغير فليس بكاف بل لا بدّ من خروج الماء من المادة و امتزاجه بما في البئر من الماء على الاحوط كما عرفت.

***

[مسئلة 2: الماء الراكد النجس كرا كان او قليلا يطهر بالاتصال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الماء الراكد النجس كرا كان او قليلا يطهر بالاتصال بكرّ طاهر او بالجارى او النابع الغير الجارى و ان لم يحصل الامتزاج على الاقوى و كذا بنزول المطر.

(2)

أقول: هل المعتبر في تطهير المياه المتنجسة مجرد اتصاله بكر طاهر او بالماء الجارى او النابع الغير الجارى او ماء المطر كما اختار بعض و منهم المؤلف رحمه اللّه.

او لا يكفي مجرد الاتصال بل يعتبر مضافا الى ذلك امتزاجه مع احد المذكورات قولان.

وجه كفاية مجرد الاتصال. اما دعوى ظهور. ما ورد فى بعض الروايات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 379

الواردة فى ماء الحمام من قوله عليه السّلام الحمام «ماء الحمام بمنزلة الجارى يطهر بعضه بعضا» او في ماء المطر في مرسلة الكاهلى «كل شي ء يراه المطر فقد طهر».

او في مرسلة ارسلها العلامة رحمه اللّه في المختلف و فيها بعد اشارة المعصوم عليه السّلام الى غدير ماء قال عليه السّلام «ان هذا لا يصيب شيئا الا طهره» او في رواية ابن بزيع المتقدمة ذكرها في مقام بيان علة عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و طهارته بعد زوال تغيره من قوله عليه السّلام «لان له مادة» فان الظاهر من الرواية الاولى.

ان الاتصال بالمادة و هو البعض يطهّر بعضه الآخر.

و كذا في الثانية فان مفادها كفاية مجرد رؤية المطر لطهارة الماء المتنجس.

و كذا في الثالثة فمفادها مجرد اصابة ماء الغدير يعني الكر كاف في طهارة الماء المتنجس.

و كذا في الرابعة فان ظاهرها ان

مجرد وجود المادة في عروق الارض و اتصاله بماء البئر كاف لطهارته بعد زوال تغيره.

و اما بدعوى ان العرف لا يفهم في مقام تطهير الماء المتنجس الا مجرد اتصاله بالماء الطاهر.

خصوصا بعد كون المعلوم ان الماءين بالاتصال يصير ان ماء واحدا و لا بد من كونهما محكوما بحكم واحد كما ادعى عليه الاجماع.

و لا اشكال في انه لا يمكن دعوى كون كل من الماءين المتصلين حتى الماء العاصم منهما نجسا.

فلا بدّ من اختيار العكس و هو طهارة كل منهما هذا كله غاية ما يمكن ان يقال في وجه كفاية مجرد اتصال الماء المتنجس بالماء العاصم في طهارته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 380

أقول اما الروايات، فما ورد في ماء الحمام فلا يستفاد منه الا كون بعضه مطهّرا لبعضه الآخر و بعبارة اخرى جريان الماء من المادة الى ما في الحياض مطهر لما فيها و في هذا لو لم نقل بان مورده حصول الامتزاج قهرا من باب كون مادة الحمام غالبا اعلى بالنسبة الى الحياض و لهذا مع جريان المادة عليه يمتزج قهرا مع ماء الحمام.

نقول بان الرواية ليست متعرضة لكيفية تطهير بعض ماء الحمام لبعضه الآخر.

و كذا مرسلة المختلف لا يستفاد منها الا ان ماء الغدير لا يصيب شيئا الّا و قد طهّره.

و كذا مرسلة الكاهلى في ماء المطر من ان كل شي ء يراه المطر فقد طهر. و كذا في رواية ابن بزيع فان صدق الاصابة او الرؤية و كذا كيفية مطهرية المادة بيد العرف. فيرجع الدليل الاول الى الدليل الثاني و هو ان العرف يحكم بانه مع مجرد الاتصال يصدق انه اصابه او رآه المطر او مجرد الاتصال بالمادة يكفي في

مطهرة ماء الحمام او في مطهرية ماء البئر.

و نقول جوابا عن ذلك بان الاتصال لا يوجب الوحدة فمتى لم يحصل الامتزاج لا يعد الماءان ماء واحدا.

نعم إذا كان اختلاطهما بحيث يعدّ بالاشارة واحدا و يشير إليهما بالوحدة فيعد الماءان واحدا عند العرف و هذا ليس الا بعد امتزاج كل من الماءين بالآخر فمع الامتزاج و صدق وحدة الماء لا يمكن الالتزام بعدم طهارة الماء المتنجس. اما من باب الاتفاق المدعى على ان الماء الواحد محكوم بحكم واحد و حيث انه لا يمكن الالتزام بنجاسة الماءين الممتزجين لعدم امكان الالتزام بنجاسة الماء العاصم فلا بدّ من الالتزام بطهارة الماءين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 381

اما من باب انه بعد تسلّم قابلية طهارة الماء المتنجس كما يستفاد من الاخبار الواردة في ماء الحمام و غيره مما قدّمنا و عدم كفاية مجرد الاتصال في نظر العرف و كفايته بنظره مع الامتزاج و عدم وصول طريق من قبل الشارع في كيفيته التطهير فالمحكّم هو نظر العرف فلا مجال بعد حصول الامتزاج العرفي لاستصحاب نجاسة الماء المتنجس سابقا.

كما انه قبل حصول الامتزاج محكوم بالنجاسة لاستصحاب النجاسة لانا نشك في طهارته بمجرد رؤية الماء العاصم و عدم دليل على الفرض على طهارته.

بمجرد ذلك فيحكم ببقاء نجاسته ببركة الاستصحاب فتلخص من كل ما مر ان الاقوى اعتبار الامتزاج في تطهير المياه.

***

[مسئلة 3: لا فرق بين انحاء الاتصال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا فرق بين انحاء الاتصال في حصول التطهير فيطهر بمجرده و ان كان الكر المطهّر مثلا اعلى و النجس اسفل و على هذا فإذا القى الكر لا يلزم نزول جميعه فلو اتصل ثم انقطع كفى نعم إذا كان الكر الطاهر اسفل و الماء النجس

يجرى عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال.

(1)

أقول: مع تحقق الامتزاج كما عرفت في المسألة السابقة و فيما القى الكر لا يلزم نزول جميعه بل لا بدّ من نزول مقدار منه يتحقق معه الامتزاج و بقاء الماء الكر المطهر على كريته و لا يطهر الفوقاني باتصاله بالكر السافل لانه مع جريان الماء من الفوق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 382

و قوته يدفع السافل فلا يؤثر السافل فيه و لا يمتزج به كما هو نظر العرف.

***

[مسئلة 4: الكوز المملوّ من الماء النجس إذا غمس في الحوض]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الكوز المملوّ من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر و لا يلزم صبّ مائه و غسله.

(1)

أقول: بشرط تحقق الامتزاج و بناء على عدم اعتبار التثليث في الظروف و منها الكوز كما يأتي إن شاء اللّه في محله.

***

[مسئلة 5: الماء المتغير اذا القى عليه الكر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الماء المتغير اذا القى عليه الكر فزال تغيره به يطهر و لا حاجة الى القاء كرّ آخر بعد زواله لكن بشرط ان يبقى الكر الملقى على حاله من اتصال اجزائه و عدم تغيره فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس او تفرّق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله تنجس و لم يكف في التطهير و الاولى ازالة التغير أولا ثم القاء الكر او وصله به.

(2)

أقول: بعد ما يكون الكر المطلق مع بقاء اطلاقه مطهرا للماء المتنجس بالتغير بعد زوال تغيره ففي المقام يكون الماء مطهرا على الفرض لانه مع القائه في الماء المتغير يزول التغير مع بقائه على اطلاقه و اتصال اجرائه فهو كرّ يطهر الماء المتنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 383

بشرط الامتزاج و لا حاجة بعد ذلك الى القاء كر آخر. نعم هذا فرض بعيد تحققه في الخارج الا في صورة كون الماء المطهر أكثر من كرّ واحد او كان تغير الماء المتغير بمرتبة ضعيفة يزول بإلقاء الكر عليه.

***

[مسئلة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم و بالبينة و بالعدل الواحد على اشكال لا يترك فيه الاحتياط و بقول ذى اليد و ان لم يكن عادلا و لا تثبت بالظن المطلق على الاقوى.

(1)

أقول: اما ثبوتها بالعلم فمما لا اشكال فيه لان العلم طريق الى الواقع و به يكشف الواقع كما مر تفصيله في الاصول فهو حجة على الواقع و لا بدّ من الاخذ به بحكم العقل.

و اما ثبوتها بالبينة فيدلّ عليه مضافا الى دعوى التقاط عموم حجيتها من الموارد المختلفة الّتي وردت من الشرع كونها حجة لان اعتبارها في هذه

الموارد من المخاصمات و غيرها يكشف ان وجه حجيتها في هذه الموارد ما يوجب حجيتها مطلقا بل بعد حجيتها في المخاصمات مع كونها مخالف اليد فحجيتها في غيرها تكون بطريق الاولى.

بعض الاخبار الدالة على حجيتها على الاطلاق مثل ما رواها مسعدة «1» بن صدقة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم انه

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب ما يكتب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 384

حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب قد اشتريته و هو سرقة او المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه او خدع فبيع او قهر فبيع او امرأة تحتك و هي اختك او رضيعتك و الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة بدعوى دلالتها على اعتبار البينة في كل الاشياء.

اعلم ان هذه الرواية لا تدلّ على حجيّة قول البينة لان غاية ما يستفاد منها هو اعتبارها في الحرمة و كلّ ما يلازم الحرمة من باب انّ دليل اعتبار الامارة كما يدلّ على حجيّتها بالنسبة الى الملزوم كذلك يدل على حجيتها حجيّة بالنسبة الى اللوازم و إذا كانت البيّنة بمقتضى الرواية حجّة في اثبات الحرمة كذلك حجة فى اثبات لوازمها في فيثبت مثلا النجاسة الّذي من لوازم الحرمة و لكن مع ذلك اثبات حجيّتها في ما قامت البيّنة على غير الحرمة مثلا قامت على النجاسة كما نحن فيه محتاج الى دعوى القاء خصوصية حرمة الدالة على حجّيّتها الرواية المذكورة و انّه لا فرق بين قيام البينة على الحرمة او غيرها فعلى هذا ليست الرواية

دليلا مستقلا على حجيّة البيّنة فالعمدة ما قلنا من انّه بعد حجيّة البينة في موارد كثيرة نكشف كونها حجّة مطلقا للقطع بإلقاء خصوصية هذه الموارد و مثل هذه الرواية في دللتها على حجيّة البيّنة في الجملة الرواية 2 من الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة.

و هى ما رواها عبد اللّه بن سليمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الجبنّ قال «كلّ شي ء لك حال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة» و ان موردها و ان كان الجبن لكن نعلم بعدم خصوصية له.

ان قلت انّ هذه الرواية تدلّ على اثبات الحرمة بالبيّنة لا على النجاسة.

نقول أولا نعلم بعدم الخصوصيّة.

و ثانيا بعد كون البينة من الامارات فتثبت بها لوازمها فاذا ثبتت الحرمة من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 385

حيث اكلها تثبت نجاستها لان منشأ الشك في حرمتها ليس الّا من باب كون الجبن من الميتة كما يظهر من قوله عليه السّلام حتّى يجيئك ان فيه ميتة.

و اما التمسك باستقرار سيرة العقلاء على العمل بالبينة فلا يفيد لنا لانّ بنائهم كان من باب حصول الاطمينان بقولها كما لا يبعد ذلك في الخبر الواحد و الكلام و الإشكال يبقى في حجيتها في ما لم يحصل الاطمينان.

ان قلت بانه بعد كون سيرة العقلاء على الاخذ بالبينة بحصول الاطمينان فيحمل ما ورد في الشرع من اعتبار قولها على هذه الصورة قلت بان المتتبع في موارد الاخبار الدالة على حجيتها مثل موارد الخصومات حجيّتها و لو لم يحصل الاطمينان منها و اما ثبوتها بقول العدل الواحد فنقول انه و ان تمسك لذلك باستقرار طريق العقلاء و ببعض ما ورد من الروايات في حجية خبر الواحد و

ما ورد في عزل الوكيل باخبار الثقة و ما ورد من اعتبار أذان الثقة و من اعتباره في ثبوت الوصية و ما ورد في ثبوت استبراء الأمة بخبر الثقة.

و لكن بعد كون استقرار سيرة العقلاء على الاخذ بقول المخبر الواحد من باب حصول الاطمينان بل يحتمل قويا كون حجيته في لسان الشرع في تلك الموارد امضاء لطريقتهم و ليس حكما تأسيسيا فلا دليل على حجية قوله و لو لم يحصل الاطمينان فالاكتفاء بقوله في صورة عدم حصول الاطمينان مشكل و اما ثبوتها بقول ذى اليد. فاستدل عليه بوجهين:

الوجه الاول: استقرار طريقة العقلاء على الاخذ بقول ذى اليد في امورهم و لم يردع عنه الشارع و يكفى عدم ردعه لان هذا من الامور التي يكون المرجع فيها العقلاء و نذكر بعض موارده في الوجه الثاني إن شاء اللّه.

الوجه الثاني: ما نرى من حجية قوله عند الشرع في الموارد التي نذكرها لك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 386

إن شاء اللّه.

منها في قبول قوله في ذهاب الثلثين من العصير كالرواية 4، من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل و هي ما رواها معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا اعرف انه يشربه على النصف أفا شربه بقوله و هو يشربه على النصف فقالا تشربه. قلت فرجل من غير اهل المعرفة ممن لا نعرفه يشر به على الثلث و لا يستحله على النصف يخبران عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقى ثلثه يشرب منه قال نعم. و هذه الرواية كما ترى تدل

عل اعتبار قول ذى اليد و ان لم يكن عادلا بل و ان لم يكن من اهل الولاية غاية الامر يظهر منها اعتبار عدم كون ذى اليد متهما.

و ما في بعض الروايات المذكور في الباب المذكور من اعتبار العدالة او ان كونه عارفا «1» او كونه مسلما ورعا «2» يحمل على الاستحباب بقرينة الرواية المذكورة المصرفة فيها بقبول قول غير العارف العادل.

منها ما «3» ورد في قبول اقراره للغير و ليس هذا من باب كون الاقرار على نفس ذى اليد و ضررها نافذا لان اثر الاقرار هو عدم كون ما اقر لنفسه و اما كونه للغير ليس الا من باب نفوذ قول ذى اليد.

و اما ما ورد «4» في انه اعار الشخص ثوبا و صلى فيه ثم اخبر صاحب الثوب بنجاسته يعيد إذا اخبر فالمستفاد منه مع قطع النظر في بعض الاشكالات ليس كون

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 25 و 26 من الباب 16 من الوصايا من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 387

منشأ صحة الصلاة الاتكاء بقول ذى اليد بل لعل المنشأ هو الاتكاء في الصلاة فيه على اصالة الطهارة فلهذا لا يجب الاعادة بعد العلم بالنجاسة.

إذا عرفت ذلك كله نقول اما اعتبار قول ذى اليد فيما لا يكون متهما يستفاد من بعض الروايات و كون مورده خصوص البختج او الاقرار لا يكون مخصصا لعدم فرق بين الموارد خصوصا ما عرفت من تحقق سيرة العقلاء على الاستناد في امثال هذه الامور

من النجاسة و الطهارة و غيرها بقول ذى اليد بدون مراعات عدالته او كونه مسلما بل يترتّبون الاثر المترقب على ما في يد الشخص و لو كان كافرا.

نعم إذ كان متهما في اخباره يشكل الحكم بترتيب الاثر بقوله كما يستفاد من الرواية المتقدمة و عدم تحقّق السيرة في هذه الحال.

و امّا ثبوتها بمطلق الظنّ فلا وجه له لما مرّ من انّ الاصل عدم حجّيّته الّا ما خرج بالدليل و لا دليل يدلّ على اعتبار مطلق الظنّ في ثبوت النجاسة.

***

[مسئلة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته و قامت البينة على الطهارة قدمت البينة و إذا تعارض البينتان تساقطتا إذا كانت بينة الطهارة مستندة الى العلم و ان كانت مستندة الى الاصل تقدّم بينة النجاسة.

(1)

أقول: امّا وجه تقديم البينة على اخبار ذى اليد مضافا الى امكان دعوى قصور ادلّة اعتبار قول ذى اليد عن صورة تعارضه مع البينة لانّ الظاهر من دليله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 388

هو انّه لو خلى و طبعه يسمع قول ذى اليد عن خصوصيات ما في يده و اما في قبال البينة فلا لانه مع فرض كون كلّ منهما أمارة لو لم يقدم البينة على اليد يلزم تخصيص عموم الدليل البينة بمورد النادر اذ في اغلب مواردها تكون معارضة مع اليد كما ترى في الباب الخصومات بخلاف دليل حجيّة قول ذى اليد لانّه لو خصص بالبينة لا يوجب تخصيص الأكثر.

نعم لو كان مستند البينة في شهادتها الاصل ففيها كلام في انّه هل يقدّم البينة مع ذلك على قول ذى اليد او يقدّم قوله عليها.

وجه تقديم قول ذى اليد إذا كان مستند البينة الاصل هو انّ

التعارض في الحقيقة يكون بين الاصل و قول ذى اليد مثلا إذا شهد الشاهد ان بطهارة شي ء استنادا باصالة الطهارة او استصحابها و اخبر ذو اليد بنجاسته فيكون التعارض بين قوله و اصالة الطهارة او استصحابها و حيث انّ قول ذى اليد يكون أمارة يقدّم على الاصل لما مرّ في الاصول من تقديم الامارة على الاصل.

و اما إذا تعارض البيتان فهل تتساقطان مطلقا سواء كان كل من البينتين مستندا الى العلم او الاصل او تتساقطان في خصوص صورة كون مستند كلّ من البينتين واحدا و امّا مع كون مستند واحدة منهما العلم و مستند الاخرى الاصل يقدّم ما يكون مستنده العلم على ما يكون مسنده الاصل.

الاقوى تساقطهما في صورة كون مستندهما واحدا لانّه بعد كونهما طريقين فمقتضى القاعدة بعد التعارض تساقطهما عن الطريقيّة.

امّا مع كون مستند واحدة منهما العلم و الاخر منهما الاصل يؤخذ بما يكون مستنده العلم لانّه يكون التعارض في الحقيقة بين الامارة و الاصل إذا البينة المستندة الى لعلم يشهد على انّ الواقع هكذا و البينة المستندة الى الاصل لا يشهد الّا بمفاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 389

الاصل و على طبقه ففي مقام التعارض يؤخذ بالبينة المستندة الى العلم و يطرح البينة المستندة الى الاصل.

***

[مسئلة 8: إذا شهد اثنان باحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا شهد اثنان باحد الأمرين و شهد أربعة بالآخر يمكن بل لا يبعد تساقط الاثنين بالاثنين و بقاء الآخرين.

(1)

أقول: ان كان منشأ ما قال توهم ان الاثنين يعارض مع الاثنين من الاربعة فقط فتساقطا بالتعارض و يبقى الاثنان بلا معارض.

ففيه ان الاثنين يعارض مع كل من الاربعة في عرض واحد فتساقطا بالتعارض.

و ان كان النظر الى انه و

لو تعارض الاثنان مع الاربعة لكن في مقام التعارض يرجّح الاربعة على الاثنين بكثرة العدد ففيه ان اكثرية العدد لو فرض كونه مرجّحا في تعارض الخبرين المثبتين للحكم بالدليل الخاص لا يوجب اجرائه في تعارض البينات بل و ان قيل بذلك في الشهادة في مقام القضاء و دفع الخصومة لا وجه لاجرائه في غير ذلك الباب.

كما انه لا وجه للتفصيل بين صورة حصول الاطمينان و عدمه فيؤخذ بالاثنين من الاربعة لان هذا خلاف مفروض الكلام لان الكلام في تعارض البينتين لا في الاطمينان فان الاطمينان بناء على حجيّته حجة من أىّ سبب حصل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 390

[مسئلة 9: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه و ان كان لا يخلو عن اشكال كما ان في اخبار العدل الواحد أيضا اشكالا.

(1)

أقول: قد مر في المسألة 6 ثبوت مطلق الموضوعات بالعلم و بالبينة و بقول صاحب اليد «بشرط عدم كونه متهما و لا ادرى لم استشكل المؤلف رحمه اللّه في حجية قول ذى اليد في ثبوت الكرية.

نعم يظهر من بعض «1» الشارحين من ان وجه اشكاله هو ان العمدة في اعتبار قول ذى اليد السيرة و حيث ان الابتلاء بالسؤال باخذ قول ذي اليد في الكرية كان قليلا فلا يمكن دعوى السيرة عليه.

و فيه ان المراد من السيرة بعد كونها سيرة العقلاء على الاخذ بقول ذى اليد و ما ورد من اعتبار قوله في بعض الموارد مثل ما ورد في البختج هو امضاء تلك السيرة فهى كافية لنا في المقام و لا يلزم كون تحقق السيرة في خصوص الاخذ بقول ذى اليد في الكرية

من العقلاء بل يكفي في امثالها و نظائرها.

كما انه لو كان المراد من السيرة، السيرة المتشرعة على خلاف التحقيق يكون كذلك اى يكون السيرة في امثاله و نظائره كاف لحجّيتها في ما نحن فيه و يحتمل ان يكون نظره الشريف من الإشكال في ثبوت الكرية بقول ذى اليد من باب ان القدر المتيقن من السيرة العقلائية باخذ قوله في الأمور التي تكون طريق كشف مواقعه غالبا منه مثل نجاسة ما في يده او طهارته او نظائرها و اما ما يمكن كشف حاله بدون

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 202.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 391

التثبت الى قوله غالبا فلا و اكثر الوارد هكذا لان كشف كون هذا الماء كرا أو لا يمكن بسهولة و لا يكون طريق كشفه على الغالب من ذى اليد و مورد الرواية الواردة في البختج أيضا. لا يفيد ازيد من هذه الصورة فعلى هذا يكون ثبوت الكرية بقول ذى اليد محل اشكال.

و فيه ان السيرة على الاخذ بقول ذى اليد في خصوص ما هو تحت يده بلا فرق بين الصورتين فتأمّل. و اما ثبوته بخبر العدل الواحد فقد عرفت الإشكال فيه الا في صورة حصول الاطمينان من قوله.

***

[مسئلة 10: يحرم شرب الماء النجس الّا في الضرورة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: يحرم شرب الماء النجس الّا في الضرورة و يجوز سقيه للحيوانات بل و للاطفال أيضا و يجوز بيعه مع الاعلام.

(1)

أقول: اما حرمة شرب الماء النجس فالعمدة في وجهها الاجماع بل دعوى ضرورة المذهب عليه و اما نص دال عليها بالخصوص فلم اقف بعد عليه.

و اما جواز شربها في الضرورة فهى مما لا اشكال فيه لان الضرورات تبيح المخطورات و يدل عليه مضافا الى بعض النصوص ما

دل على نفي الضرر و ما فيه العسر و الحرج.

و اما جواز سقيه للحيوانات فيدل عليه.

ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البهيمة البقرة و غيرها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 392

تسمقى او تطعم ما لا يحلّ للمسلم اكله او شربه أ يكره ذلك قال نعم يكره ذلك «1» بناء على حمل الكراهة فيها على الكراهة المصطلحة بعد مفروضية كون شرب ماء النجس حرام على المسلم لان الرواية تدل على كراهة شرب البهيمة ما لا يحل للمسلم اكله و شربه.

لو اشكل في الرواية من حيث لفظ الكراهة فيكفينا اصالة الاباحة في جواز سقى البهيمة الماء المتنجس في صورة الشك في جواز و عدمه.

و اما جواز سقيه الاطفال فلم اجد وجها يقضى به في النصوص.

و غاية ما يمكن ان يقال انه بعد ما نعلم بانه ما اوجبه الشارع او حرّمه يكون من باب وجود المصلحة و المفسدة فيهما على الحق المختار عند العدلية و أدلّة التحريم عام لكل انسان غاية الامر وضع القلم عن الصبى صار مانعا من كونه مطلقا و اما المصلحة او المفسدة فموجود فيما يفعله الصبى من الواجبات او المحرمات و لذا قالوا بشرعيّة عبادات الصبىّ فعلى هذا يقال انه بعد ما يكون في شرب الماء النجس مفسدة تترتب على شرب الصبى فيكون سقى الصبى منه موجبا لإيقاعه في المفسدة و هو غير جائز.

و فيه أولا ان الاحكام بناء على كونها تابعة للمصالح و المفاسد في المأمور بها و المنهى عنها لكن يكشف تلك المصلحة او المفسدة من الأمر و النهى و إذا لم يكن امر و لا نهى في مورد لا يكشف

مصلحة او مفسدة كان الواجب حفظها او دفعها و بعد رفع القلم عن الصبى لا يكون مكلفا بامر و لا نهى فمن اين استكشفت المصلحة و المفسدة. و بدليل رفع القلم نكشف عدم عموم الادلة المثبتة للاحكام لمثل الصبى.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 10 من ابواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 393

و أما ثانيا: و لو فرض وجود المصلحة او المفسدة في موضوعات التكاليف المتعلقة بالبالغين حتّى بالنسبة الى غير البالغين فما الدليل على كون المصلحة او المفسدة مصلحة او مفسدة ملزمة حتّى يلزم حفظ الصبى عن الوقوع في هذه المفاسد لانه كما حققنا لا يحكم العقل الا بوجوب اطاعة أوامر المولى و نواهيه على المكلف و ليس عليه حفظ المصلحة و دفع المفسدة المترتبة على النّهى و الأمر و الا فلا بدّ من التزام بالاكثر في باب الاقل و الاكثر لانها ملزمة و كان اللازم النهى عنها و ان كان الأمر كذلك الواجب بعث الصبى الى الواجبات و زجره عن المحرمات مطلقا و لا يلزم ذلك لما نرى ان المستفاد من الأخبار هو تمرين الصبى من ستة او سبعة او تسعة على الصلاة و لا ينافي ذلك مشروعية عباداته لو قلنا بها لانه فيها المصلحة و لكن ليست بملزمة بل يمكن دعوى كون نفس التمرين فيها المصلحة فالمصلحة تكون في نفس الأمر و التمرين فلا وجه لعدم جواز سقى الصبى عن الماء النجس.

و لكن الاحتياط مطلوب و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه أيضا في طى المسألة 33 من المسائل المتعرضة في «فصل يشترط في صحة الصلاة واجبة كانت او مندوبة ازالة النجاسة عن البدن» فراجع.

و اما

جواز البيع فنقول اذا كان له منفعة محلّلة مقصودة يجوز بيعها بعد تجويز بيع اعيان المتنجّسة بل النجسة إذا كان لها منفعة محلله مقصودة غير الاكل و الشرب.

و اما وجوب الاعلام فلا يشترط في صحّة بيعه لان ما ورد من الاعلام في الدهن المتنجس لا يستفاد كونه شرطا في صحة البيع بل يمكن كون وجوبه نفسيّا فتأمل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 395

فصل: فى الماء المستعمل
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 397

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء المستعمل الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر من الحدث و الخبث.

و كذا المس تعمل في الاغسال المندوبة.

و اما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا اشكال في طهارته و رفعه للخبث. و الاقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا و ان كان الاحوط مع وجود غيره التجنّب عنه و اما المستعمل في الاستنجاء و لو من البول فمع الشروط الآتية طاهر و يرفع الخبث أيضا لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين.

امّا المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل و في طهارته و نجاسته خلاف و الاقوى انّ ماء الغسلة المزيلة للعين نجس و في الغسلة غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 398

المزيلة الاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام يقع فى امور

الامر الاول الماء المستعمل فى الوضوء طاهر

و مطهّر من الحدث و الخبث اما طهارته فلعموم ما دلّ على طهارة الماء و لو شك فرضا فى انّ استعماله فى الوضوء صار سببا لعدم بقاء طهارته فيكفى فى طهارته اصالة الطهارة و كذا لا ينبغى اشكال فى مطهريّته من الحدث و الخبث لانه ماء طاهر و هو» يطهّر لما دلّ على ذلك بالعموم و الاطلاق مضافا الى الاجماع و التسلم فيرتفع به الحدث و الخبث و الى بعض ما يدلّ عليه من الاخبار «1».

الامر الثاني: الماء المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر

و مطهّر من الحدث و الخبث لعين ما قلنا في الماء لمستعمل في الوضوء.

الأمر الثالث: الماء المستعمل في الحدث الأكبر

فمع طهارة البدن لا اشكال في طهارته و رفعه للخبث لما قدّمنا.

انما الكلام في جواز استعماله في رفع الحدث و عدمه اعلم انّ عمدة الأقوال في المسألة قولان عدم الجواز مطلقا كما هو مختار جلّ من القدماء رضوان اللّه عليهم كالصدوق رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و ابن حمزه و غيرهم.

و الجواز مطلقا و هو مختار جلّ المتأخرين و المنسوب الى السيد رحمه اللّه من القدماء.

اعلم ان مقتضى القاعدة هو الجواز لانه ماء طاهر و لا يشترط في الماء المستعمل في رفع الحدث الّا ذلك فلو ورد دليل على عدم الجواز نأخذ به و الّا

______________________________

(1) فارجع الباب 8 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 399

لا حاجة لنا الى دليل خاص يدل على الجواز.

إذا عرفت ذلك نقول بان منشأ عدم الجواز دعوى دلالة بعض الروايات عليه فنذكر الروايات إن شاء اللّه و مقدار دلالتها حتّى يكشف الحال فنقول بعونه تعالى منها ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بان يتوضأ بالماء المستعمل فقال الماء الّذي يغسّل به الثوب او يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز انّ يتوضأ منه و اشباهه و امّا الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

بدعوى انّها تدلّ على عدم جواز التوضى بالماء الّذي اغتسل منه للجنابة و اشباه الجنابة.

و قد يشكل في الرواية بضعف سندها باحمد بن هلال العبرتائي المرمى بالنصب كما حكى

عن بعض او بالغلوّ كما عن بعض.

و عن الكشى انّه ملعون مذموم و من شيخ الانصارى رحمه اللّه انّه يلوح مما ذكر في حقه عدم دين له و على كلّ حال هو ضعيف.

و يجاب عن ذلك، تارة بانّ الشهرة المحققة من قدماء اصحابنا على طبق الرواية تجبر ضعفها.

و تارة بانّ الراوى عنه هذه الرواية بواسطة الحسن بن علي هو سعد بن عبد اللّه الاشعرى القمى و هو احد الطاعنين عليه الذي رموه بالنصب و رواية سعد بن عبد اللّه هذه الرواية عنه لانه يروي عن الحسن بن علي عن احمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام شاهد على وجود ما

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 400

يوجب الوثوق بنقله هذه الرواية.

أقول اما الشهرة الجابرة لضعف السند فقدر المسلّم منها هو ما إذا كان مستند المشهور في فتواهم هو الرواية الضعيفة لا مجرد كون فتواهم مطابقا مع مفاد الرواية و في المقام كون استنادهم إليها في فتواهم على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر غير معلوم.

و امّا مجرد رواية سعد بالواسطة عنه لا يوجب الوثوق بالصدور و ان ذكر في الرجال انّ من احد طرق التوثيق رواية الثقات عن الشخص لان مجرد تحمّل الرواية من شخص لا يدلّ على كون المروى عنه معتمدا عند الراوى فتأمل هذا من حيث السند.

و امّا الدلالة فنقول بعونه تعالى انه ربما يتوهم من ينظر بالنظر البدوى في الخبر و يجمد بظاهره ان قوله عليه السّلام «الماء الذي يغسّل به

الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه».

يدل على عدم جواز التوضى من الماء المغتسل به من الجنابة تعبدا و لصرف كون الماء مستعملا في غسل الجنابة.

و لكن المتامل في الرواية لو خلّى و نفسه لا يأتي بنظره في وجه النهى عن الاغتسال الّا كون بدن الجنب غالبا مبتلا بالنجاسة كما يكون النهى عن التوضى بالماء الذي يغسّل به الثوب هذا و بعبارة اخرى ترى ان في هذا الفقرة نهى عليه السلام و قال لا يجوز التوضى بالماءين احدهما الماء الّذي يغسل به الثوب ثانيهما الماء الذي يغتسل به من الجنابة.

فكما انه لا يأتى بالنظر من النهى عن الاغتسال بالماء المغتسل منه الثوب ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 401

عدم الجواز يكون تعبديّا و لصرف كون الماء ماء اغتسل به الثوب و لازمه الالتزام بعدم الجواز و ان لم يكن الثوب المغتسل به نجسا و عدم صيرورة الماء نجسا بل يظهر بالظهور العرفي كون الوجه في عدم الجواز صيرورة الماء المغتسل به الثوب نجسا لكون الغالب نجاسة الثوب و لذا لو اغتسل به الثوب الطاهر لا يكون منع عن التوضى منه.

كذلك لا يأتى بالنظر من النهى عن التوضى بالماء المغتسل للجنابة الا كون منشأ النهى صيرورة الماء نجسا لكون الغالب نجاسة بدن الجنب.

و يؤيد هذا الاحتمال بل يدل عليه.

ان الظاهر من صدر الرواية و هو قوله عليه السّلام «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل» هو كونه عليه السّلام في مقام دفع توهم ان مجرد صيرورة الماء مستعملا لا يوجب عدم جواز التوضى ثم بعد ذلك بيّن وجه عدم جواز التوضى بالماء المستعمل لغسل الثوب او لرفع

الجنابة و ان وجه عدم الجواز فيهما هو صيرورة الماء نجسا لا صرف كون الماء مستعملا.

و الا لو كان النظر الى ان الماء المستعمل فيهما لا يجوز التوضى منه لمجرد صيرورته مستعملا فيوجب تخصيص الأكثر في كلامه فانه قال:

أولا: بجواز التوضى بالماء المستعمل بنحو العموم و بيّن للماء المستعمل افرادا ثلاثة:

احدها: ما يستعمل في غسل الثوب.

ثانيها: ما يستعمل في اغتساله من الجنابة.

ثالثها: ما يستعمل لغسل الوجه و اليد فان كان النهى من الماء المستعمل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 402

الاول و الثانى لمجرد صيرورة الماء مستعملا فيهما فيوجب تخصيص الأكثر المستهجن في الكلام الواحد لانه على هذا لا يبقي تحت عموم الصدر الّا صورة واحدة و هي المستعمل في غسل الوجه و اليد و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا: تدل الرواية على عدم جواز الوضوء من الماء المستعمل في الخبث و الحدث الأكبر و اما الغسل منه لا تدل على عدم جوازه الّا ان يدّعى عدم الفرق بين الوضوء و الغسل او يدعى انه بعد عدم جواز الوضوء منه عدم جواز الغسل بطريق الاولى.

منها ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال سألته عن ماء الحمام فقال ادخله بازار و لا تغتسل من ماء آخر الا ان يكون فيهم «فيه خ ل» جنب او يكثر اهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا «1» بدعوى دلالتها على عدم جواز الاغتسال بماء الحمام مع كون الجنب فيهم او مع الشك في وجود الجنب و عدمه.

و فيه اما أولا: فلان الظاهر من النهى عن الاغتسال في ماء آخر حيث يكون في مقام دفع توهم الوجوب ليس هو التحريم لعدم

حرمة الاغتسال من ماء آخر مع وجود ماء الحمام مسلّما بل يكون لدفع ما يتوهم الراوى من عدم جواز الاغتسال بماء الحمام من باب انه يغتسل منه الجنب و الناصب و غيرهما فيكون الامام عليه السّلام في مقام دفع توهم عدم وجوب الاغتسال بماء آخر و جواز الاغتسال بماء الحمام الا ان يكون في الحمام جنب او تشك في وجوده و صار ذلك سببا لابتلائك بالنجاسة او بالشك في نجاسة بدنك لملاقاتك مع الجنب عند الاغتسال لا من باب كون ماء الحمام في هذا الحال مستعملا في الجنابة فلا يجوز الاغتسال لان مجرد كون الجنب في الحمام مع عدم تعارف الاغتسال في الحياض الصغار لا يوجب كون الماء مستعملا

______________________________

(1) الرواية من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 403

في الجنابة.

و لو قطرت قطرات حال اغتسال الجنب و لم يكن نجسا لا يوجب عدم جواز الاغتسال لما يدل على عدم اشكال فيما ينتضح من ماء الغسل في الماء.

و بعبارة اخرى ماء الحمام الذي لا يجوز الاغتسال من مائه مع وجود الجنب ان كان هو الخزانة و المنبع فهو أكثر من الكر و يأتي إن شاء اللّه جواز الاغتسال في الماء المستعمل ان كان كرا و ان كان الماء الذي يجرى على وجه الارض من ابدان الاشخاص فلا يتعارف الاغتسال منه حتى ينهى عنه.

و ان كان ماء الحياض الصغّار فأيضا لا يكون المتعارف الاغتسال فيها بل خارجها لو ترشح قطرات من بدن الجنب في الحوض و لم يكن نجسا لا اشكال فيه لدلالة بعض الروايات عليه.

أما ثانيا: يعارض في المورد ما رواها محمد بن مسلم قال: قلت

لابي عبد اللّه عليه السّلام: الحمام يغتسل منه الجنب و غيره اغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «1» فلو كنا و الروايتين كان مقتضى الجمع حمل النهى في الاولى على الكراهة لو فرض وجود النهي.

و منها ما رواها ابن مسكان قال حدثنى صاحب لى ثقة انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينتهى الى الماء القليل في الطريق فيريد ان يغتسل و ليس معه اناء و الماء في وهدة فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه كفا عن شماله ثم يغتسل «2» بدعوى ان الامر بالنضح

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 404

بالكيفيّة المذكورة يكون من باب حيلة لعدم ورود ماء الغسل في الوهدة التي فيها الماء فيستفاد من الرواية كون المعهود في نظر الراوى عدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر و سئل العلاج و بيّن عليه السّلام علاجا بنحو الذي بيّنه.

أقول قد وقع الكلام في محتملات هذه الفقرة من الرواية اى قوله عليه السّلام «ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و شماله ثم يغتسل» حتّى عدّ بعض من الاعلام هذه الرواية من الروايات المشكلة.

اما الاحتمالات فنقول:

الاحتمال الاول: ان يكون النظر الى الأمر بالنضح لان يصير اطراف الوهدة رطبا فإذا

القى الماء على بدنه للاغتسال و وصل نداوته الى الارض يدخل في الارض و لا يسرى فيدخل في الماء و على هذا الاحتمال كون العلاج لعدم وقوع ماء الغسل في الماء و يبعد هذا الاحتمال كما حكى عن ابن ادريس رحمه اللّه ان جعل الارض مرطوبا بالماء لا يوجب ان تبلعه الارض بل مع رطوبة الارض يكون وصول الماء الى الوهدة ايسر.

الاحتمال الثاني: ان يكون الوجه في النضح كون الاطراف نجسا فامر بالنضح لان يصير الارض الواقعة اطراف الوهدة طاهرة فلا يرد الماء الملاقى مع محل النجس الذي صار نجسا على الماء الواقع في الوهدة.

و يبعد هذا الاحتمال ان سؤاله يكون من جهة ان الماء في الوهدة و ماء غسله يرد فيه فاشكاله يكون من حيث الماء الّذي يغتسل منه و يرد في الماء.

الاحتمال الثالث: ان يكون المراد من نضح الاطراف نضح اطراف البدن كى يصير البدن و محل الغسل رطبا فاذا اشتغل بالغسل يصل الماء بلا صعوبة على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 405

البدن قبل ان يصل نداوته الى الماء الواقع في الوهدة و على هذا الاحتمال يكون بيان العلاج لعدم وقوع ماء الغسل في ماء الواقع في الوهدة و يبعّد هذا الاحتمال ظاهر الرواية لانّ ظاهرها النضح الى الاطراف و ان كان النظر الى النضح الى اطراف البدن كان المناسب التعبير بغير هذه الكيفيّة.

الاحتمال الرابع: ان يكون الامر بالنضح تعبديّا كما يشهد به بعض اخبار اخر امر فيه بالنضح الى الاطراف قبل الوضوء و الغسل و هو من آداب الوضوء و الغسل بالماء القليل و هذا الاحتمال و ان كان بعيدا باعتبار ان السائل يسأل العلاج و اجاب الامام

عليه السّلام بجواب غير مربوط بسؤاله عن العلاج.

لكن بعد ما لا يمكن توجيه الرواية بنحو يكون علاجا لما كان السائل مبتلى به فهذا الاحتمال احتمال في الرواية و توجيه لها و يؤيده بعض الروايات الدالة على ذلك و هنا احتمال آخر.

و هو الاحتمال الخامس الذي ذكره الفيض رحمه اللّه في توجيه رواية من علي بن جعفر عليهما السّلام فيها هذا المضمون فقال ما حاصله هو ان السائل كان فرض كلامه الاغتسال و حيث ان الغالب في من يحتاج الى الاغتسال هو ابتلاء بدنه بالنجاسة الخبثيّة و حيث ان الماء على ما ذكره في و هذه و ليس معه اناء يغترف منه و يغتسل في نقطة اخرى بل لا بدّ له ان باخذ الماء مثلا بكفه و يغتسل به تدريجا و حيث انه واقع في حيال الوهدة ينضح حال الغسل من بدنه النجس ماء النجس و يقع في الماء الواقع في الوهدة و يصير ماء الوهدة لقلتها نجسة فما العلاج في عدم ابتلائه بنجاسة ماء الوهدة فقال عليه السّلام ينضح الخ لانه إذا فعل هذا فالماء الذي يرى انه يصل الى الوهدة لا يدري هل هو الماء الذي نضحه على الارض او هو من نداوة غسله و غسالة بدنه النجس فحيث يشك في ذلك فالماء الواقع في الوهدة محكوم بالطهارة ظاهرا فهو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 406

علاج لان لا يعلم بنجاسة ماء الوهدة و هذا الاحتمال احتمال قريب و يكون اقرب محتملات الرواية ثم على تقدير كون المراد من هذه الفقرة الاحتمال الاول او الثالث فغاية ما يستفاد منها كون بيان العلاج لعدم وقوع نداوة الغسل في الماء الواقع في الوهدة

و اما كون نظر المسائل من العلاج و جواب الامام عليه السّلام في عدم وقوع نداوة الغسل في الماء الى ان مجرد وقوع ماء الغسل يوجب صيرورة ماء الوهدة مستعملا في حدث الاكبر فلا يصح تتميم الغسل به او الى آنه حيث يكون جنبا و الغالب نجاسة بدن الجنب فيعالج بهذا النحو حتّى لا يصير الماء متنجسا فى حال الاغتسال فلا يمكن له الاخذ منه و ادامة غسله و الاحتمال الثاني لو لم يكن اقرب فلا اقل من مساواته مع احتمال الاول فلا يتم الاستدلال بها على عدم جواز ماء المستعمل في الحدث الاكبر فيرد الاحتمال الثاني ان نضح قطرات ماء الغسل ليس من الماء المستعمل في الحدث الاكبر حتّى بناء على القول بعدم جواز استعمال المستعمل فى الحدث الاكبر في رفع الحدث على ما يأتي إن شاء اللّه من ان نضح القطرات من الماء لا يجعل الماء مستعملا في الحدث الاكبر.

ثم لو لم نفهم المراد من هذه الفقرة من الرواية فنقول ان سؤال السائل كان من باب فهم علاج ان لا يقع ماء غسله في الماء و هذا يكون اما من باب كون المرتكز في ذهنه عدم جواز استعمال ماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر في رفع الحدث و اما من باب ابتلائه بنجاسة البدن و انه إذا اشتغل بالغسل ينضح ماء الملاقى مع النجس في الماء فينجس الماء و لا ظهور للرواية في الاحتمال الاول بل كل من الاحتمالين محتمل فلا يمكن التمسك بها لعدم الجواز. فتلخص من ذلك كله عدم وجود رواية تدل على عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الحدث الاكبر في رفع الحدث.

ثم انه قد يستدل على جواز الاستعمال ببعض

الروايات نذكره تتميما للفائدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 407

فنقول بعونه تعالى منها ما رواها محمد بن مسلم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل منه الجنب و غيره أغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه و جئت فغسلت رجلى و ما غسلتهما الا ما لزق بهما من التراب «1».

الانصاف عدم دلالتها على الجواز.

و اما أولا: فلانه كما مرّ في ماء الحمام على ما هو المختار المستفاد من ادلته ان الماء الواقع في الحياض طاهر و وجه طهارته و عدم نجاسته هو اتصاله بالمادة فهو بهذا الاعتبار بحكم الجارى لان مادته كرا فاذا اغتسل فيه الجنب فرضا او وقع ماء غسله فيه لا يكون من الماء المستعمل في الحدث الاكبر الذي أفتى بعض فقهائنا بعدم جواز استعماله في رفع الحدث لان مورد عدم الجواز صورة كون الماء قليلا.

و ثانيا: كما بينا في طى الرواية الثانية من ادلة المانعين كون الاغتسال في الحياض الصغار الواقعة في الحمام غير معلوم.

و لهذا اما ان يكون النظر من السؤال الى ان اغتسال الجنب و غيره يوجب تنجيس البدن لتنجيس الماء و الشاهد قوله يغتسل منه الجنب و غيره لان المراد من «غيره» كل من كان غير الجنب فمن يغسل نفسه في الحمام لاجل رفع القذارة و لو لم يكن يريد الغسل فماء غسله ليس مستعملا في رفع الحدث الاكبر حتى يحتمل كون السؤال من حيث صيرورة الماء مستعملا في رفع الحدث.

فالامام عليه السّلام بين ان مجرد اغتسال الجنب و غيره لا يوجب نجاسة الماء او البدن لان ماء الحمام بحكم الجارى باعتبار ان له المادة

و لهذا قال غسل رجله كان من باب ما لزق به من التراب.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 408

و اما ان كان نظر السائل الى ان نداوة ماء بدن الجنب حال اغتساله ينضح في ماء الحمام فلا يجوز الاغتسال منه و يستفاد من جوابه عليه السّلام عدم بأس بذلك.

و لكن هذا لا يدل على جواز استعمال ماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

لانه يأتي عليه السّلام ان نضح قطرات ماء الغسل في الماء لا يضرّ و لا يصير موجبا لصيرورة الماء الوارد عليه هذه القطرات مستعملا في رفع الحدث الاكبر حتّى لا يصح استعماله في رفع الحدث.

و اما ما قلنا في الجواب الثاني من الرواية الثانية من الروايات المانعين بان هذه الرواية تعارض الرواية الثانية يكون نظرنا الى انه لو استظهر من الرواية الثانية عدم جواز استعمال ماء الحمام لكونه مستعملا في رفع الحدث يستفاد من هذه الرواية الجواز و لكن الحق عدم استفادة عدم الجواز.

و الجواز من حيث كون الماء مستعملا في رفع الحدث الاكبر من كليهما.

و منها ما رواها علي بن جعفر عن ابي الحسن الاول عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية او مستنقع. أ يغتسل منه للجنابة او يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف ان يكون السباع قد شربت منه فقال ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا امامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فان

خشى ان لا يكفيه غسل راسه ثلث مرّات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و راسه و رجليه و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه و الّا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 409

قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه فانّ ذلك يجزيه «1».

وجه الاستدلال هو انه بعد ما جوّز في صورة عدم كفاية الماء للغسل ان يغتسل مع رجوع الماء الذي من نداوة غسله في الماء و اختلاط الماء بالماء المستعمل في الغسل و من اجزاء ذلك مع عدم وجدان ماء غيره يظهر الجواز حتّى في صورة الكفاية و وجود ماء غيره و عدم وجود الضرورة من حيث قلة الماء.

لانه في مورد التجويز يكون الماء بمقدار اقل الواجب من الغسل قهرا و الا لا معنى للأمر بالغسل في هذا الحال فإذا كان الماء بمقدار يمكن الاغتسال على وجه يرجع الماء في الماء فيكون كافيا لان يغتسل بهذا الماء بدون ان يرجع الماء الغسل في الماء بان يجعل يده في الماء مثلا و يمسّ بدنه بنحو التدهين لان هذا اقل ما يجزي من الغسل فعلى هذا لا يكون المورد مورد الاضطرار بوضع الماء المستعمل في الماء حتّى يقال ان غاية ما يدل عليه الرواية صورة الاضطرار فيكون على هذا المراد من عدم كفاية الماء لغسل الكفاية بمقدار المتعارف من صب الماء على البدن وافرا فتدل الرواية على عدم بأس بما يرد من الماء المستعمل في الغسل في الماء الذي يشتغل

بالغسل منه و لو كان استعمال الماء المستعمل ممنوعا كان اللازم الأمر بالغسل بنحو المسح و التدهين حتّى لا يرد نداوة في الماء مضافا الى ان التفصيل بين صورة الاضطرار و عدمه ضعيف لم ينقل الّا عن الصدوق رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه.

أقول ما يرجع في الماء من نداوة ما يستعمل في الغسل ان كان بمقدار يغتفر كما نذكر إن شاء اللّه من ان القطرات التي ينضح من ماء الغسل و يقع في الماء و يستهلك فيه لا يعدّ من الماء المستعمل فيكون مورد الرواية خارجا عن محلّ الكلام فعدم مانعيته لا يوجب عدم مانعة الماء المستعمل و مع كون الماء قليلا يأخذ منه ممّا ينضح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 410

من البدن يقطع على الارض مقدار منه قهرا فما يقع في الماء لا يكون الّا قطرات قليل يستهلك في الماء فتكون الرواية دالة على الجواز مشكل فتأمل ثمّ لو لم تكن دليل على جواز الاستعمال يكفى ما بيّنا من ان مقتضى القاعدة الجواز.

نعم باعتبار الشهرة عند القد ماء ينبغى مراعات الاحتياط بانه مع وجود ماء آخر يتجنب عنه و مع الانحصار يجمع بين الغسل او الوضوء به و بين التيمم.

الامر الرابع: في الماء المستعمل في الاستنجاء

اعلم انّ المشهور هو انّ الماء المستعمل في استنجاء الغاية بل البول طاهر و يرفع الخبث أيضا مع الشروط الآتية بل ادعى عليه الاجماع و عدم الخلاف فيه و لا يرى مخالف الّا ما ينقل من كلام السيّد رحمه اللّه و كلام المحقّق في المعتبر بعد نقل كلام السيد فراجع لكن لا يجوز استعماله في رفع

الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين على ما عرفت من المؤلف رحمه اللّه.

امّا الكلام في طهارته و رفع الخبث به فمع قطع النظر عن الشهرة و الاجماع المدعى.

يستدل عليه بروايات الاولى و هي ما رواها ابن اذينة عن الاحول يعني محمد بن النعمان قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اخرج من الخلاء فأستنجى بالماء فيقع ثوبى في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال لا بأس به «1».

الثانية: الرواية التي ذكرها في العلل في ذيل الرواية السابقة و هي ما رواها الصدوق في العلل عن ابيه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن يونس عبد الرحمن عن رجل عن الغير كما في الوسائل او العنز كما في جامع احاديث الشيعة او عن لأحوال انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 411

الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به قال لا بأس فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به؟ قال قلت. لا و اللّه فقال: انّ الماء أكثر من القذر «1».

و ذكر في جامع احاديث الشيعة الذي ألّف بامر زعيم الشيعة آيت اللّه العظمى البروجردي رحمه اللّه و اشرافه انه لم يوجد في هذه الطبقة من يسمّى بالعنز و لا بالعيزا في كتب الرجال نعم ذكروا عنزة و انه كان صحابيا. «2»

الثالثة: ما رواها علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن محمد بن النعمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت استنجى ثم يقع ثوبى فيه

و انا جنب فقال فقال لا بأس به «3».

الرابعة: و هي ما رواها عبد الكريم بن عتبة الهاشمى قال سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجّس ذلك ثوبه؟ قال: لا «4».

هذه الروايات التي يمكن التمسك بها للمسألة.

اعلم ان مقتضى القاعدة الاوليّة هو نجاسة ماء الاستنجاء لان مقتضى عموم ما دل على انفعال الماء القليل هو نجاسة ماء الاستنجاء إذا كان قليلا و كذا مقتضى القاعدة المستفادة من الادلة انّ كل نجس ينجّس فاذا لاقى الماء عين النجس من البول و الغائط فينجس الماء فلو كان لنا دليل نرفع اليد عن العموم و القاعدة بالدليل.

اما الدليل: ان كان هو الاجماع المدعى فيمكن الخدشة فيه لان وجود اجماع كاشف عن وجود نص غير ما بايدينا من الروايات غير معلوم فليس في البين الا الروايات المتمسكة بها فنقول بعونه تعالى.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 50.

(3) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 412

ان مفاد الرواية الاولى و الثانية و الثالثة عدم الباس بما لاقى من الثوب ماء الاستنجاء و مفاد الرابعة عدم تنجّس ماء الاستنجاء ثوبه. فهنا كلام. في المراد من ماء الاستنجاء. و انه هل هو خصوص الماء المستعمل في تطهير موضع الغائط بدعوى انّ الاستنجاء يكون غسل موضع النجو و هو الغائط فعلى هذا تكون الروايات دالة على عدم الباس و عدم نجاسة ملاقى

خصوص ماء المستعمل في تطهير موضوع الغائط و لا يشمل ماء المستعمل في تطهير موضع البول. او هو يعم كليهما اى الماء المستعمل في تطهير كل من موضع البول و الغائط.

الحق، الثاني، امّا أولا فكما ترى في اللغة كما نقل الاستنجاء يكون عبارة عن غسل موضع النجو كذلك نقل كما في اقرب الموارد انه يقال بالاستنجاء الاستنجاء لانه مأخوذ من النجو و هو الاستتار لان الشخص في هذا الحال يطلب موضعا يستتر نفسه عن الناظر.

و أما ثانيا: فلو فرض كون الاستنجاء لغة غسل موضع النجو اى الغائط.

و لكن بعد كون السؤال و الجواب مربوطا الى الاستنجاء الخارجى و هو غالبا لو لم نقل دائما لا ينفك عن الاستنجاء عن البول لان من يبتلى بدفع الغائط يبتلى غالبا في حال ابتلائه بدفعها بالابتلاء بدفع البول و لا ينفك الثاني عن الاول غالبا فمع هذه الخارجية و انّه إذا استنجى و يطهر موضع الغائط يطهر موضع البول و يقع قهرا ماء استنجائهما في موضع واحد فاذا قال لا بأس به يستفاد عدم الباس بماء استنجاء كل من البول و الغائط لانه مع هذه الخارجيّة ان كان نظر الشارع نجاسة ماء استنجاء البول كان عليه البيان بمقتضى الحكمة في جواب السائل فمن عدم بيانه نكشف اطلاق حكمه لكل من استنجاء البول و الغائط.

و هنا كلام آخر و هو ان المراد من قوله عليه السّلام في الروايات المتقدمة «لا بأس» او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 413

«لا» في جواب السائل «أ ينجّس ذلك ثوبه» هل المراد انه لا بأس به او لا ينجّسه لكون الماء طاهرا فلا ينجس الثوب الملاقى له فتدل الروايات على طهارة

ماء الاستنجاء و عدم صيرورته نجسا بملاقاته للبول و الغائط و بعبارة اخرى تكون الروايات مخصصة لعموم نجاسة ماء القليل بملاقاته للنجس كما عليه المشهور و ادعى عليه الاجماع او يكون المراد من عدم الباس بالثوب الملاقى لماء الاستنجاء او عدم تنجسه ان الثوب لا ينجس لا من باب طهارة ماء الاستنجاء بل من باب عدم تنجيسه الثوب فالماء مع نجاسته لا ينجس الثوب الملاقى له بمقتضى هذه الاخبار و بعبارة اخرى مقتضى القاعدة و ان كان تنجيس كل نجس ما يلاقيه و لكن نقول في ما نحن فيه بعدم تنجيس ماء الاستنجاء ملاقيه لاجل الدليل فعلى هذا تكون الروايات المتقدمة مخصصة لعموم قاعدة كل نجس ينجس و يحتمل كون هذا معنى العفو الذي ينسب الى السيد و المحقق رحمهما اللّه انهما قالا به لانه بعد دلالة الرواية الرابعة على عدم نجاسة الثوب فلا نفهم منه الّا العفو عن الحكم بنجاسة هذا الملاقى.

اعلم ان ما يمكن ان يقال فى المقام انّ الروايات تدل بالملازمة العرفية على الاحتمال الاول اعنى طهارة ماء غسالة الاستنجاء بدعوى ان مفهوم المطابقى من الروايات و ان كان عدم الباس او عدم نجاسة ثوب الملاقى له و لكن بعدم ما نرى كثيرا في الابواب المختلفة انهم عليهم السّلام في مقام التعبير عن طهارة شي ء او نجاسته يقولون مثلا لا تجتنب او اجتنب او لا تغسل او اغسل او لا بأس او فيه بأس مثلا في مقام نجاسة البول لا يقع تعبير بانه نجس بل نكشف ذلك من قولهم صبّ عليه الماء او اغسله او اغسله مرتين بل في نوع ما نلتزم بكونه من النجاسات لم نكشف ذلك الا بهذه الملازمة العرفية

اى من اثر المترتب عليه من اجتنب او اغسل او صب عليه الماء او لا تصلّ فيه و امثال هذه التعبيرات فتلخص ان بعد هذه المغروسية إذا قال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 414

الثوب الملاقى لماء غسالة الاستنجاء لا بأس به او لا ينجسه نفهم بالملازمة العرفية عدم كون الماء نجسا و ان الماء يكون طاهرا فعلى هذا نقول نكشف من هذه الروايات بضميمة هذه الملازمة العرفية ان عموم الدال على نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة صارت في مورد غسالة الاستنجاء مخصصة و كذلك عموم قاعدة كل نجس ينجس لان هذا الماء مع ملاقاته للبول و الغائط لم يصر نجسا و بعبارة اخرى يخصص بهذه الروايات كل من العمومين فتكون النتيجة طهارة غسالة ماء الاستنجاء. ثم انه لو لم نقل بذلك فرضا و قلنا بان غاية ما يستفاد من الروايات الواردة في الباب عدم بأس او عدم نجاسة ملاقى غسالة الاستنجاء و اما كون منشأ ذلك طهارة هذا الماء او كون منشأه «انّ الماء مع كونه متنجّسا» و لكن لا يكون منجسا لملاقيه فلا ندرى ذلك فيدور الامر بين كون الروايات مخصصة لعموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و بين كونها مخصصة لقاعدة كل نجس ينجس فهل يقال نعلم اجمالا بتخصيص احد العامين فمع هذا العلم الاجمالى لا يمكن التمسك بعموم كل منهما للمورد فلا يمكن القول بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء بعموم انفعال ماء القليل و لا بعموم كل نجس ينجس لنجاسة ملاقى الماء من الثوب و غيره «لان مورد الروايات و ان كان الثوب و لكن نعلم بعدم خصوصية للثوب».

او يقال بان الدوران يكون بين تخصيص كل من عموم

انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة و قاعدة كل نجس ينجس و بين تخصيص خصوص عموم القاعدة.

لانه بناء على طهارة ماء غسالة الاستنجاء يلزم تخصيص كل من العمومين.

اما عموم انفعال ماء القليل فلان هذا ماء قليل و على الفرض لم يصر نجسا بملاقاة النجاسة و اما عموم القاعدة فلان هذا الماء مع ملاقاته لعين النجس من البول او الغائط او كليهما لم يصر على الفرض منجسا للثوب و غيره فيخصّص في مورده

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 415

عموم القاعدة.

و اما بناء على النجاسة الماء و العفو عن نجاسة ملاقيه فلا يلزم الا تخصيص عموم خصوص قاعدة كل نجس ينجس و مع دوران الامر بين تخصيص عمومين و بين تخصيص عموم واحد فالالتزام بتخصيص واحد اهون و بعبارة اخرى تخصيص عموم القاعدة مسلم على كل حال سواء كان الماء طاهرا او نجسا امّا على النجاسة فلان الحكم بعدم نجاسة الثوب الملاقى للماء موجب لتخصيص عمومها و على فرض الحكم بطهارة الماء فالحكم بعدم نجاسة الماء مع ملاقاته لعين النجس يوجب تخصيص القاعدة أيضا. فتخصيص عموم القاعدة في المورد مسلّم و نشك في انه هل يخصص عموم انفعال الماء القليل أم لا فمع الشك يأخذ بعمومه و يحكم بكون هذا المورد اعنى هذا الماء القليل الملاقى للنجس محكوما بحكم عموم انفعال الماء القليل.

و بعبارة ثالثة نقول بان خروج المورد اعنى الثوب الملاقى لماء غسالة الاستنجاء عن تحت عموم قاعدة كل نجس ينجّس معلوم لان الماء ان كان واقعا طاهر فالمورد خارج عن تحت هذا العموم موضوعا اعنى يكون تخصصا فليس محكوما بحكم عموم القاعدة و ان كان الماء المفروض نجسا فيكون ما دل على

طهارة الثوب الملاقى له مخصصا لهذا العموم فنعلم بعدم شمول عموم القاعدة للمورد و يبقى الشك في انه هل خصص عموم انفعال ماء القليل بالنجاسة في المورد أم لا و هل المورد و هذا الفرد اعنى ماء الاستنجاء محكوم بحكم اصالة العموم أم لا فيتمسّك بالعموم لان في الشك في التخصيص يكون المرجع هو اصالة العموم فتكون النتيجة نجاسة ماء الغسالة و طهارة ما يلاقيه.

و مما قلنا يظهر لك ما في كلام الشيخ و العلامة الانصارى رحمه اللّه و كلام العلامة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 416

الهمداني رحمه اللّه و كلام بعض اعاظم المعاصرين في مستمسكه من النظر في هذا المقام.

اما في كلام الشيخ. فلانّ ما افاد في وجه بقاء عموم انفعال الماء القليل و تعيّن الحكم بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء بان قاعدة نجاسة ملاقى النجس ساقطة على كل حال للعلم الاجمالى بسقوطها اما في ملاقى ماء الاستنجاء بناء على نجاسة الماء و اما في نفس الماء بناء على طهارته لانه لاقى البول او الغائط فيتعين الاخذ بعموم انفعال الماء القليل.

وجه النظر هو ان المورد الذي صار محل الإشكال من حيث كونه تخصيصا لعموم انفعال الماء القليل او لقاعده كل نجس ينجّس هو ملاقى الاستنجاء ففي مورده لا بدّ اما من الالتزام بتخصيص العام الاول او الثاني او كليهما و في هذا المقام كما قلنا نعلم تفصيلا بعدم كون المورد محكوما بحكم عموم كل نجس ينجّس قطعا.

اما بناء على طهارة الماء فالملاقى له غير محكوم بحكمه تخصّصا. و اما بناء على نجاسته فأيضا ملاقيه غير محكوم بحكم عموم القاعدة تخصيصا فعدم شمول عموم القاعدة للمورد معلوم و نشك في انه هل

خرج المورد من تحت عموم انفعال الماء القليل فببركة اصالة العموم نحكم ببقائه تحت العموم فالنتيجة كما قال الشيخ رحمه اللّه أيضا الحكم بنجاسة الماء لكن لا حاجة في وجهه الى ما افاده رحمه اللّه.

و اما في الكلام العلامة الهمداني رحمه اللّه فلان ما افاده من انه يدور الامر في ما نحن فيه بين تخصيص عموم انفعال الماء القليل و تخصيص ما دل على عدم جواز استعمال النجاسات في الماكول و المشروب و مع ما نرى من جواز استعمال ماء الاستنجاء في المأكول و المشروب لا اجماع عليه و مع هذا الدوران يكون تخصيص عموم انفعال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 417

الماء القليل اهون. «1»

وجه النظر:

اما أولا: فلانه تارة يتمّ المطلب بالاجماع فيمكن ان يدّعى ان الاجماع قائم على طهارة ماء الاستنجاء من رأس فلا حاجة الى الورود في البحث عن مفاد الاخبار و بيان أنّه مع الشك في كون طهارة ملاقى ماء الاستنجاء يكون من باب تخصيص لعموم انفعال الماء القليل او لعموم قاعدة كل نجس ينجّس.

و ثانيا: انه لو دار الامر بين تخصيص عموم انفعال الماء القليل و بين عموم الدال على عدم جواز استعمال النجس في الماكول و المشروب فلم يكون تخصيص الاول اهون فتأمّل.

و اما في كلام صاحب المستمسك «2» مد ظله فلان ما قال في مقام الإشكال بكلام الشيخ رحمه اللّه من انّ وجه الالتزام بتخصيص عموم الانفعال ليس لتقديم قاعدة النجاسة عليه بل للدلالة الالتزامية العرفية كما نحن أيضا قلنا ففيه ان منشأ ان الشيخ رحمه اللّه يقول في صدر كلامه بان تخصيص عموم الانفعال يكون اولى هو ظاهرا هذه الملازمة العرفيّة.

و اما ما قال

من انه كما يكون التعارض بين عموم القاعدة بالنسبة الى ملاقى ماء الاستنجاء و بين هذا العموم بالنسبة الى نفس الماء الملاقى للبول او الغائط كذلك يكون التعارض بين عموم القاعدة بالنسبة الى ملاقى الماء و بين عموم انفعال الماء القليل بالنسبة الى نفس ماء الاستنجاء فيوجب ذلك سقوط العمومين عن الحجية.

فيه النظر كما مرّ لانه خروج المورد عن تحت عموم القاعدة تخصيصا او تخصصا

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 417

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 1، ص 328- 329.

(2) مستمسك، ج 1، ص 218.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 418

معلوم فلا يمكن الاخذ باصالة العموم فيه و نشك في وقوع التخصيص في عموم انفعال الماء القليل و المحكم فيه اصالة العموم فتكون النتيجة نجاسة ماء الاستنجاء فافهم فتلخص مما قلنا انه لو لم نقل بان الروايات الواردة في الباب تدل على طهارة ماء الاستنجاء و يقع الشك في ان الحكم بطهارة ملاقيه من باب تخصيص عموم انفعال الماء القليل او تخصيص عموم قاعدة كل نجس ينجّس لا بدّ من الالتزام بخروج المورد عن عموم القاعدة و كونه محكوما بحكم عموم الانفعال و اما لو قلنا بان قوله عليه السّلام في الروايات لا بأس او لا في جواب قول السائل ينجسه ذلك تدل بالالتزام العرفي على طهارة الماء كما هو المتعارف و المتفاهم

من ملازمة الباس و عدم الباس او الغسل و عدمه للطهارة او النجاسة كما هو الظاهر من الكلام فنقول بطهارة غسالة ماء الاستنجاء و مع طهارته يرفع الخبث

أيضا لانه ماء طاهر و هو يرفع الخبث هذا بالنسبة الى طهارته و رفع الخبث به.

و اما الكلام في انه هل يرفع الحدث و هل يجوز الوضوء و الغسل المندوبان به أم لا.

فنقول بعونه تعالى بانه لو التزمنا بنجاسة ماء غسالة الاستنجاء و ان غاية ما يستفاد من الاخبار المتقدمة هو طهارة خصوص ملاقيه فلا اشكال في ان ماء غسالة الاستنجاء لا يرفع الحدث بل لا يرفع الخبث أيضا و لا يجوز الوضوء و الغسل المندوبان به. و اما لو قلنا بطهارته كما لا يبعد ذلك فالالتزام بعدم كونه رافع الحدث لا يكون له وجه الا ما ادعى من الا اجماع على عدم كونه رافع الحدث و لا جواز استعماله فى الوضوء و الغسل المندوبين

و اما استفادة ذلك من رواية ابن سنان المتقدمة ذكرها في المسألة السابقة اى في الماء المستعمل في الحدث الاكبر بدعوى ان المستفاد منها هو ان الماء الذي يغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 419

به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه فنتعدى منه الى المورد و يقال كما لا يجوز استعمال الماء المستعمل في الخبث غير الاستنجاء كذلك غسالة الاستنجاء فلا وجه له.

اما أولا: فالرواية ضعيفة السند كما عرفت في الماء المستعمل في الحدث الاكبر

و أما ثانيا: فلان هذا قياس مع الفارق لاحتمال كون المستعمل في رفع حدث غير الاستنجاء له خصوصية لا تكون في المستعمل في الاستنجاء كما يكون للمستعمل في الاستنجاء بعض خصوصيات ليس في المستعمل في رفع حدث غير الاستنجاء.

و أما ثالثا: بعد حمل رواية ابن سنان على صورة كون الماء المستعمل في الجنابة

نجسا و كون منشأ النهى نجاسة الماء ففي المقام على الفرض يكون الماء المستعمل في الاستنجاء طاهرا.

و بعد كون الدليل منحصرا ببعض الاجماعات المنقولة فيمكن ان يخدش فيه الشخص و لا يقتضي بما حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّه لعدم وجود اجماع كاشف عن وجود نص آخر في المسألة غير ما بايدينا و لهذا نقول الاحوط عدم استعماله في رفع الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين.

الامر الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه و اما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء

فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل و في طهارته و نجاسته خلاف و الاقوى ان ماء الغسل المزيلة للعين نجس و في الغسلة لغير المزيلة الاحوط الاجتناب.

أقول اما الكلام في عدم جواز استعماله في الوضوء و الغسل.

فبناء على الالتزام بالنجاسة فلا ينبغى الإشكال فيه لان الماء النجس لا يجوز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 420

التوضى و الغسل منه و لو قلنا بالاحتياط الواجب فأيضا نحتاط في الوضوء و الغسل منه.

و اما لو التزمنا بالطهارة مطلقا او في خصوص الغسلة الغير المزيلة فليس وجه يعتنى به الا ما تقدم من رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة ذكرها في الماء المستعمل في الحدث الاكبر انه هل يصح الوضوء و الغسل منه أو لا. و قد عرفت ضعف سندها و موردها و ان كان الماء المستعمل في الخبث و المستعمل في الحدث الاكبر لانه قال عليه السّلام فيها. الماء الذي يغسل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه» لكن يحتمل كون الحكم بعدم جواز الوضوء من باب ابتلاء الماء بالنجاسة لا لكونه مستعملا في الخبث و انه على تقدير الدلالة يدل على عدم جواز الوضوء و اما الغسل فلا

يدل عليه الّا ان يقال نعلم عدم الفرق بينهما او انه بعد عدم جواز الوضوء لا يجوز الغسل بطريق الاولى. و ان ابى عن ذلك فنقول آنها ضعيفة السند لا يمكن التعويل عليها فيبقى الاجماع المدعى على عدم جواز رفع الحدث به و حيث ان الاجماع منقول لا يحصل اليقين منه بقول المعصوم عليه السّلام او نص مقبول لا يمكن الافتاء بعدم الجواز، نعم لا يترك الاحتياط بعدم استعماله في رفع الحدث.

و اما الكلام في نجاسته و طهارته فقد اختلف فيه كلام الاصحاب رضوان للّه عليهم.

فهم بين من يقول بالنجاسة مطلقا و هذا هو الاشهر او المشهور بل ادعى عليه الاجماع في بعض الكلمات و ان اشكل في ان الاجماع المدعى يكون بالنسبة الى بعض افراده لا مطلقا و بين من يقول بالطهارة مطلقا و هو قول نادر تقريبا.

و بين من يقول بالتفصيل و هم باعتبار اختلاف فى التفصيل بين أقوال التفصيل بين الغسلة المزيلة اللعين و غيره و بين غساله ولوغ الكلب و بين غيره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 421

و غيرهما من التفاصيل حتّى عدوا عشرة اقوال.

على كل حال ليست المسألة مع هذا الاختلاف مما يتم بالاجماع بل لا بدّ من عطف عنان الكلام الى ما يستفاد من الادلة و الآثار غير الاجماع فنقول بعونه تعالى.

يستدلّ على النجاسة بوجوه:

الوجه الاول: ما يدل على نجاسة ماء القليل بملاقات النجاسة و اعلم انه تارة يستدل في هذا المقام بمفهوم الاخبار الواردة الدالة على ان الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شي ء فكما عرفت في مبحث الماء الراكد اذا يمكن الإشكال فيه بعدم عموم المفهوم و انّ نقيض السابة الكليّة يكون

موجبة جزئية فلا يستفاد منها الا ان ماء القليل ينجس بالملاقات في الجملة و لهذا صار الشيخ الانصارى رحمه اللّه و بعض من تاخر عنه الى بيان كون العموم للمفهوم.

فيمكن للخصم دعوى عدم العموم للمفهوم و لكن كما قدمنا في محله ليس الدليل على نجاسة الماء القليل بملاقات النجاسة مجرد مفهوم هذه الطائفة من الاخبار بل يستفاد ذلك من بعض الاخبار الآخر قدّمنا ذكره.

و البحث هنا بعد المفروغية عن نجاسة الماء القليل بملاقات النجس كما هو مورد اعتراف القائلين بالطهارة و بعد دلالة بعض العمومات أوّلا الاطلاقات على ذلك و ان الماء القليل ينجس بالملاقات فالغسالة الخارجيّة من الخبث ماء قليل لاقى النجس فهو ينجس بملاقات النجس و لا يكون فرق بين الوارد على النجس او العكس لانه بناء على هذا العموم لكل فرد منه يكون له حكم العام بحكم اصالة العموم و يتبعه لكل فرد اطلاق الاحوالى في جميع حالاته فهذا الفرد من الماء القليل فرد للعام و إذا شككنا في ان هذا الحكم له في بعض حالاته مثل خصوص حال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 422

ورود النجس عليه او جميع حالاته حتى مثل حال وروده على النجس فاطلاقه الاحوالى يقتضي كون الحكم له في كلتا الحالتين.

و ان كان الدليل مطلقا لا عموما فتكون النتيجة كون الطبيعة مركز الحكم ففي كل فرد تحققت الطبيعة فالحكم له و في المورد يكون الفرد فردا لطبيعة القليل فيعرضه حكم الطبيعة و هو نجاسته بملاقات النجس.

و ما قيل من ان هذا العموم او الاطلاق معارض مع ما يستفاد من الادلة أيضا و هو ان المتنجس لا يطهّر فان صار الماء نجسا بملاقات الموضع المتنجس

لا يمكن ان يطهّر واضح الفساد كما ذكر بعض الاعاظم رحمه اللّه.

أولا: بالنقض بحجر الاستنجاء فانه مع صيرورته متنجّسا بملاقات الموضع يطهّر الموضع.

و ثانيا: بان هذا الحكم يكون للماء قبل الملاقات للنجس الذي يطهره و بعبارة اخرى يشترط في الماء الذي يستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال و مع قطع النظر عن الملاقات مع محل المتنجس او الشى المتنجس او الشى النجس و الدليل معتبر و ذلك لا يدل على ازيد من هذا بل لا يمكن ان يكون الدليل المتكفل لهذا الشرط ناظرا الى ما يطرى على الماء بعد استعماله في التطهير لان هذا من فروع الحكم فلا يمكن قيده في موضوع الحكم فالدليل الذي يعتبر طهارة المطهر لا يدل الا على كونه مطهرا مع قطع النظر عن الاستعمال و هو طاهر على الفرض قبل الاستعمال.

و اما صيرورة نفس التطهير سببا لتنجيس المطهّر من باب انتقال القذارة التي كانت في المتنجس الى لماء كما يكون كذلك في القذارات العرفية فلا يضر اصلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 423

الوجه الثاني: رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة ذكرها عند الكلام في الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر بدعوى ان قول ابي عبد اللّه عليه السّلام فيها «الماء الذي يغسّل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه» يدل على عدم جواز الوضوء من الماء الذي يغسّل به الثوب و ليس وجه عدم جواز التوضى به الّا صيرورته نجسا لانه غسالة الخارجة مما يغسّل به الثوب النجس و فيه.

أولا: عدم جواز التوضى اعم من نجاسته لانه يمكن ان يكون منشأ عدم جواز التوضى به صيرورته مستعملا في ازالة

الخبث لا نجاسته.

و لكن يمكن ردّ هذا الجواب بما قلنا عند التعرض للرواية بان عدم جواز الوضوء ملازم بالملازمة العرفية مع النجاسة كما ترى نظائره كثيرا في باب بيان النجاسات.

و أما ثانيا: بضعف سند الرواية باحمد بن هلال العبرتائي كما تقدم.

الوجه الثالث: هي ما رواها العيص بن القاسم قال سألته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء قال ان كان من بول او قذر فيغسل ما اصابه و زاد في بعض النسخ «و هذه الزيادة لم يذكرها صاحب الوسائل» و ان كان من وضوء الصلاة فلا يضرّ. «1»

اما دلالتها على ان غسالة البول او القذر نجس فلا اشكال فيه.

و الإشكال بان مورد الرواية لعله كان ماء يستعان به لإزالة العين فلا تدل على نجاسة ما يستعمل في التطهير.

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف قال روى الشهيد في الذكرى و غيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 424

ليس في محله لان الجواب بانّه ان كان من بول او قذر فيغسل ما اصابه، بدون استفصال ان الماء الواقع في الطشت من الماء الذي يستعان به لإزالة العين او كان مستعملا في التطهير يدل على نجاسة الماء مطلقا و لو كان مستعملا في التطهير.

و لكن الإشكال واقع في سند الرواية.

أولا: من باب كونها مرسلة.

و اجيب عنه بانّ الشيخ رحمه اللّه رواها في الخلاف و بعد عدم احتمال المشافهة يكون ظاهر النسبة الى العيص انه وجدها في كتابه و طريق الشيخ رحمه اللّه الى كتابه حسن جدا و استشكل بانه على فرض كون طريقه حسنا في بعض كتبه لا يدل على كون روايته في غيره بطريق حسن.

و ثانيا: من باب كونها مضمرة

لان العيص قال سألته و لم يذكر المروى عنه و اجيب بان المعلوم ان المروى عنه هو الامام عليه السّلام و الاضمار وقع من تقطيع الاخبار فلا اشكال من هذا الحيث.

أقول و الانصاف ان الاتكاء بهذه الرواية في نفسها بحيث لو لم يكن لنا دليل آخر يمكن الاعتماد عليه مشكل.

الوجه الرابع: دلالة الروايات الواردة في ماء الحمام بالنهى عن غسالة الحمام و فيه مع اجمال المراد من غسالة الحمام و انه الماء الذي في الحياض او الماء الذي يخرج من نداوة ما يستعمله الاشخاص حين الغسل او الغسل مضافا الى وجود ما يعارضه في مورده.

الوجه الخامس: و هي ما رواها عمار الساباطى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 425

مرّات يصيب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه.

ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر «1».

وجه الاستدلال انه لو لم تكن الغسالة نجسة لما كان التطهير متوقفا على فراغ الماء بعد صب كل مرة خصوصا في الدفعة الثالثة.

لانه لو امكن ان يقال بان الامر بالافراغ بعد المرة الاولى و الثانية كان لصدق الغسل عليه او لعدم جواز استعمال الماء المستعمل في التطهير.

فلا يمكن ان يقال بذلك في الامر بالافراغ بعد المرة الثالثة.

و ما قبل من ان الامر بالافراغ لعله كان من باب قضاء العادة عليه من استقذار النفس من الماء المستعمل عرفا.

مدفوع بان هذا خلاف ظاهر الرواية لان ظاهرها توقف التطهير عليه.

و اما كون

الامر بالافراغ حتّى في المرتبة الثالثة لاجل توقف نفس الغسل عليه لا تعدد الغسل يمكن دعواه.

و ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه من انه ان كان الافراغ دخيلا في صدق الغسل فلا بدّ ان تلتزم في الكثير و الجارى و المطر. «2»

يمكن دفعه بانه لا ملازمة بينهما كما انه ربما يلتزم الشخص باعتبار انفصال الغسالة في القليل لا في غيره- فتلخص مما مرّ ان العمدة في وجه النجاسة الوجه الاول نعم لا بأس بجعل سائر الوجوه مؤيدا للمطلب.

و اما ما يتمسك به لطهارة غسالة الخبث غير الاستنجاء امور:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 1، ص 308.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 426

الامر الاول: بعض الاخبار.

منها الرواية الثانية التي قد منا ذكرها في طى الكلام في ماء الاستنجاء المتمسكة بها لطهارتها و هي ما رواها الاحول انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به فقال لا بأس فسكت فقال او تدرى لم صار لا بأس به؟ قلت لا و اللّه فقال انّ الماء أكثر من القذر «1».

بدعوى ان النظر في طهارة ماء الاستنجاء و عدم الباس به هو كون الماء اكثر من القذر ففي كل مورد يكون الماء اكثر لا ينجّسه القذر فلا ينجّس غسالة الخبث بعد كونها أكثر من القذر.

و فيه أولا ان لخصم لا يأخذ بهذا النظر و الا تكون النتيجة عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة إذا كان أكثر من النجاسة.

و ثانيا: كما عرفت كانت الرواية ضعيفة السند.

منها ما ورد في غسالة الحمام من عدم الباس به مع

انها لا تنفك من ملاقاتها للنجاسة غالبا. مثل مرسلة ابي يحيى الواسطى عن بعض اصحابنا عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام. قال: سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس «2» و فيه.

اما أولا: فلان غسالة المجتمعة من ماء الحمام كما انها غالبا غير منفكة عن الماء المستعمل كذلك غير. منفكة من ملاقاتها لعين النجس لدخول اليهودى و النصراني و المجوسى غالبا حماماتهم فان تم دلالة الرواية يكون مفادها ما لا يلتزم به الخصم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 427

أيضا و هو عدم انفعال الماء القليل بالنجاسة و لهذا لا بدّ لنا و للخصم من توجيه الرواية على نحو لا ينافي مع ما اخترنا كما هي قابلة لذلك انصافا فيحمل اما على الغسالة التي لا يعلم نجاستها الواقع فيها الخلاف بين العلماء.

و اما ان يقال بان عدم الباس بها يكون من باب كونها متصلا بالمادة.

و يؤيد ذلك بل يمكن دعوى كونها شارحة للرواية المتقدمة ما رواها حنان قال: سمعت رجلا يقول لابي عبد اللّه عليه السّلام انى ادخل الحمام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فاقوم فاغتسل فينتضح عليّ بعد ما افرغ من مائهم قال أ ليس هو جار قلت بلى قال لا بأس به «1».

و ثانيا: ان الرواية مرسلة لان الواسطى يروي عن بعض اصحابنا و هو غير معلوم.

و منها ما رواها محمد بن النعمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبى فيه و

انا جنب فقال لا بأس «2» بدعوى انّ قول السائل «و انا جنب» يحتمل ان يكون لاجل كون الماء مستعملا في رفع خبث الجنابة اى المنى مضافا الى كونه مستعملا في الاستنجاء فترك استفصال الامام عليه السّلام مع الجواب بقوله لا بأس به. مع كون محتمل قوله و انا جنب كون بدنه نجسا بالخبث. فالماء صار مستعملا في الخبث و في الاستنجاء دليل على عدم الباس بهما فتدل على طهارة الماء المستعمل في الخبث و فيه مضافا الى احتمال كون مورد السؤال كونه جنبا لا ان يكون في بدنه قذارة المنى و الا كان الحري ان يعبّر بتعبير آخر.

غاية ما يستفاد منها طهارة ماء المستعمل في الاستنجاء و لو كان في موضع

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 428

الاستنجاء قذارة المنى.

و لا يستفاد طهارة غسالة الخبث غير الاستنجاء مطلقا حتى فيما لا يكون في موضع الاستنجاء و لا جزء لماء المستعمل في الاستنجاء- هذا حال الاخبار المستدلة بها على الطهارة.

الامر الثاني: ما قيل من ان الاجتناب من غسالة الخبث يوجب العسر و الحرج.

و فيه مضافا الى عدم عسر و حرج بان غايته الاقتصار بقدر رفع العسر و الحرج لا القول بعدم الباس مطلقا.

الامر الثالث: ما يستفاد من كلام سيد المرتضى رحمه اللّه في عدم نجاسة الماء الوارد و الفرق بينه و بين المورود بالالتزام بعدم نجاسته بملاقاة النجس إذا كان واردا ثم بعده شيّده و نقحه بنص من بعده و هو دعوى الملازمة بين تطهير المتنجس

كالثوب و غيره و بين طهارة الماء لانه لو لم نقل بطهارة الماء الوارد على الثوب النجس يلزم ان لا يكون الماء القليل مطهرا و هو مما لا يمكن الالتزام به لانه لو لم يبق الماء الوارد على طهارته فكيف يطهر المتنجس و هذا معنى ان المتنجس لا يكون مطهرا و هذا معنى ان المنجّس ينجّس لا انّه يطهر و هذا المراد من كلام من يقول بان الالتزام بنجاسة الماء المستعمل في ازالة الخبث يوجب التخصيص في قاعدة طهارة المطهر و هذا الوجه عمدة الوجوه في القول بالطهارة.

أقول قد عرفت ان الحق انفعال الماء القليل بالنجاسة سواء كانت النجاسة عينية او حكميّة لان الدليل يعمّ كل منهما فلا وجه للانحصار بالعينية.

كما لا وجه لدعوى انصراف عموم الدال على انفعال القليل بخصوص العينية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 429

كما ادعى في بعض الكلمات.

و يمكن كون التفصيل المذكور في كلام المؤلف رحمه اللّه من انّ الاقوى نجاسة ماء الغسلة المزيلة للعين و في الغسلة الغير المزيلة الاحوط الاجتناب.

بين الغسلة المزيلة للعين بان الاقوى نجاسته و بين الغير المزيلة بان الاحوط الاجتناب.

من باب كون الماء في الاول ملاقيا لعين النجس.

و في الثاني: ملاقيا للنجاسة الحكمية لانه لا وجه للانصراف مضافا الى ان لازمه عدم انفعال الماء القليل بالنجاسة الحكمية مطلقا في مقام التطهير و غيره.

و بعد عموم أدلّة الانفعال نقول ان الملازمة التى ادعى السيد رحمه اللّه كما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه ان كانت عقلية ممنوعة لانه يمكن التفكيك بان يصير المحل طاهرا و الماء المطهر يصير نجسا كما ان العرف مساعد له و موافق لاعتبار العقلى أيضا لان الماء بمروره على المتنجس

يريل قذارته و ما يزيل من القذارة الشرعية يقع في الماء كالقذارة العرفية. أ ما ترى ان يدل ان كانت قذرة فيصيبه الماء ترى رفع قذارته و لهذا لا يكون طبعك متنفّرا بعد الغسل من يدك و لكن ترى طبعك متنفرا من الغسالة التي خرجت من يدك و هذا ليس الا من باب انك ترى خروج القذارة من يدك وقوعها في الماء فكذلك في القذارة الشرعية و لهذا نقول لا ملازمة بين طهارة المحل و بقاء طهارة الماء المستعمل في التطهير بل يمكن ان يكون الماء رفع النجاسة و حمله الى نفسه و لا تنافي بين كون الماء مطهرا قبل الاستعمال و صيرورته نجسا بعده فهو مع نجاسته بمحل المتنجس يطّهره.

كما يكون كذلك في حجر الاستنجاء و في التراب المستعمل في تطهير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 430

ولوغ الكلب.

ان قلت ما تصنع مع القاعدة المسلمة و هو ان المطهر لا بدّ و ان يكون طاهرا إذا المتنجس ينجس و لا يطهّر

قلت كما اشرنا سابقا بان القدر المتيقن من طهارة الماء المطهر هو طهارته قبل الاستعمال و اما بقاء طهارته بعد الاستعمال لا دليل عليه بل يمكن دعوى استحالة اعتبار طهارته بعد الاستعمال بالدليل المشترط طهارته لان الدليل ناظر الى ما هو يكون مطهرا و هو قهرا ينظر الى ما قبل الاستعمال فتلخص مما ذكرنا ان الاحوط بل الاقوى نجاسة غسالة الخبث حتى الغسلة الغير المزيلة للعين و ان تتعقبها طهارة المحل.

***

[مسئلة 1: لا اشكال في القطرات التي تقع في الاناء عند الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا اشكال في القطرات التي تقع في الاناء عند الغسل و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الاكبر.

(1)

أقول: لدلالة بعض النصوص منها ما رواها

الفضيل قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الارض في الاناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» و منها هي ما رواها شهاب بن عبد ربه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الاناء فينتضح الماء من الارض فيصير في الاناء انه لا بأس بهذا كله «2» فان الظاهر منهما هو كون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابوال الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 431

النظر في السؤال و الجواب عن جواز الاغتسال من ماء الاناء مع ما ينتضح من الماء المستعمل في الغسل في الاناء؛

و احتمال كون السؤال في الروايتين عن طهارة الماء فى الاناء بعيد في الغاية و ان احتمل ذلك في بعض الروايات خصوصا مع ما ذكر في ذيل الرواية الاولى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ لانه لو كان البدن الجنب نجسا او الارض التي ينزح منها الماء في الاناء نجسا ما كان حرج في ان يغسل أولا بدنه ان كان بدنه نجسا او ان يغتسل في ارض غير نجسة حتّى لا ينزح الماء من موضع النجس في الاناء و ما يأتى بالنظر عاجلا و ان لم نر في كلماتهم هو ان يقال بان السؤال سواء كان عن حيث كون القطرات من الماء المستعمل أم لا و سواء كان عن حيث نجاسة القطرات باعتبار نجاسة البدن او الارض أم لا يدل على صحة استعمال غسالة الحدث

الاكبر في رفع الحدث لان سؤاله على كل حال يكون عن جواز الاغتسال بماء الاناء الواقع فيه قطرات من ماء غسله فان كان حيث سؤاله كونه مستعملا فقال لا بأس به فيدل على عدم البأس في الاغتسال من هذا الماء و ان كان اشكاله في اغتسال به من حيث صيرورته نجسا فأيضا جواب الامام عليه السّلام بعدم الباس يدل على جواز رفع الحدث به لانه مع فرض كون هذه القطرات المنتضحة في الاناء فيها جهتان من الإشكال جهه نجاستها وجهة كونها من الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر فان كان حيث كونها مستعملة مانعة عن الاغتسال به كان اللازم ان يقول الامام عليه السّلام بعدم الاشكال من حيث النجاسة و لكن فيه الإشكال من حيث كونه ماء مستعملا فمن عدم بيانه نكشف عدم الإشكال من كلتا الجهتين ثم أيضا انا أقول بانه قد مضى لك ان العمدة في عدم جواز استعمال الماء المستعمل في الحدث الاكبر في رفع الحدث ليس الا الشهرة لعدم تمامية الاخبار المتمسكة بها و الشهرة قدر متيقنها غير مورد المسألة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 432

لان القائلين بالاشكال لم يستشكلوا في القطرات المنتضحة حين الاغتسال عن بدن المغتسل مضافا الى امكان دعوى انصراف الماء المستعمل عن قطرة او قطرات ينتضح من البدن في الاناء و يستهلك فيه.

و عندى فيه التأمل و على كل حال يكون حكم المسألة من حيث الفتوى مورد الوفاق تقريبا.

***

[مسئلة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء امور:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء امور:

الاول عدم تغيّره في احد الاوصاف الثلاثة الثاني عدم وصول نجاسة إليه من خارج. الثالث عدم التعدى الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء الرابع

ان لا يخرج مع البول او الغائط نجاسة اخرى مثل الدم نعم الدم الّذي يعد جزءا من البول او الغائط لا بأس به الخامس ان لا يكون فيه الاجزاء من الغائط بحيث يتميز اما إذا كان معه دود او جزء غير منهضم من الغذاء او شي ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به.

(1)

أقول:

اما الكلام في الشرط الاول اعنى عدم تغيره في احد اوصافه

الثلاثة بالنجاسة الخارجة من المخرج لان ما دل بالعموم او الاطلاق على نجاسة الماء بالتغير في احد اوصافه الثلاثة يشمل المورد.

ان قلت بان اطلاق ادلة طهارة ماء الاستنجاء أيضا يشمل مورد التغير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 433

نقول: اما أولا فلانصراف ما دل على طهارة ماء غسالة الاستنجاء عن المورد لان الظاهر منه هو ان الملاقاة هذا الماء مع البول و الغائط لا يوجب نجاسة الماء فيكون النظر الى حيثية الملاقاة لا مطلقا حتّى في صورة التغيبر.

و ثانيا: لو فرض شمول اطلاقه للمفروض تكون النسبة بين هذه الاخبار و بين الاخبار الدالة على نجاسة الماء بالتغيّر عموما من وجه و شمول ادلة نجاسة الماء بالتغير موردنا و هو مورد الاجماع يكون اظهر فلا اشكال في المسألة مع عدم خلاف فيه بل ادعى عليه الاجماع.

و اما الكلام فى الشرط الثاني: اعنى اشتراط عدم وصول نجاسة إليه من خارج

فلعدم شمول الاخبار الواردة في الباب له لان الملحوظة في السؤال و الجواب حيثية ملاقاة الماء مع البول و الغائط لا غيرهما و مع الشك في الشمول يكون المرجع عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس.

و اما ما ورد في الرواية الثالثة المتقدمة ذكرها «استنجى ثم يقع ثوبى فيه و انا جنب فقال لا بأس» فكونها دالة على طهارة غسالة الاستنجاء حتّى مع وصول نجاسة من خارج لانه مع فرض كونه جنبا يكون موضع بوله متنجس بالمنى قال لا بأس غير معلوم لاحتمال كون نظره الى ابتلائه بحدث الجنابة لا ان بدنه نجس بسببها و ان كان نظره الى نجاسة بدنه بها كان المناسب التعبير بغير ذلك.

و اما الكلام فى الشرط الثالث: اعنى اشتراط عدم تعدى الفاحش

على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

لانه مع عدم صدق الاستنجاء خارج عن مورد الروايات فيبقى تحت عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 434

و أما الرابع: اعنى اشتراط عدم خروج نجاسة اخرى مع البول او الغائط

مثل الدم لان مع خروج نجاسة اخرى ليس الماء مستعملا في البول او الغائط بل مستعملا فيهما و فى نجاسة اخرى و هذا مما لا تشمله اخبار الباب.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه «نعم» الدم الذي يعدّ جزء من البول او الغائط لا بأس به.

ان كان نظره الى ان الخارج بول او غائط غاية الامر تغير لونهما و صار متلونين بلون الدم مثلا فهو بول او غائط فلا اشكال فيه.

و ان كان نظره الى انه غيرهما و لكن صار مخلوطا باحدهما او كليهما فهو كالصورة الاولى التي قال رحمه اللّه أيضا بعدم شمول الادلة «نعم» يفرض صورة يكون النجس الخارج غير البول و الغائط كالدم و لكن يكون قليلا بحيث يكون مستهلكا فيهما كما فرضه بعض المحشّين فهو مع استهلاكه لا يرى حتى يصير مورد الإشكال الا ان يقال انه يعلم بكون مقدار قليل من الدم مثلا في بوله و يستهلك فيه فمع ذلك شمول الاخبار الواردة في الباب له مشكل لانه مع فرض كون الخارج من عموم انفعال الماء القليل بالنجاسة خصوص الماء المستعمل في الاستنجاء و هو ليس الا البول و الغائط فلم تقول تشمل المورد.

و اما الكلام فى الشرط الخامس: اعنى اشتراط عدم كون غسالة الاستنجاء مخلوطا بعين الغائط

بحيث يكون متميزا في الماء فلان المغتفر بالأدّلة هو ماء المستعمل في الاستنجاء يعنى خصوص ما يزيل به موضع المخرجين و يطهر هما و هذا لا يشمل ما إذا دخل في الماء المستمل نجاسة من الخارج و ما فيه على الفرض من الغائط بمنزلة النجاسة الخارجيّة و مع الشك يكون مرجعنا عموم انفعال الماء القليل بالنجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 435

و اما إذا خرج مع الغائط مثلا دود او جزء غير منهضم

من الغذاء او شي ء آخر فهل هو مما لا بأس به كما قال المؤلف رحمه اللّه او لم يكن كذلك لا وجه لعدم البأس به بعد الالتزام بعدم اغتفار النجاسة الخارجية الّا كون ذلك متعارفا و لم يكن امرا نادرا فمع تعارفه خارجا و عدم اخراجه حين الحكم بطهارة غسالة الاستنجاء نكشف وجود الحكم مع هذا المتنجس الخارجى او قال بانّ الدود و نظائره بعد عدم كونه نجسا في نفسه بل لو صار نجسا ينجّس حين الخروج بالاطراف الّتي تكون نجسا او تبعا فيكون نجاسته بالتبع و متأثرا عنه فكيف يتأثر به المحل و لا يعدّ هذا نجاسة خارجيّة.

اما الوجه الاول: ففيه انّه لم يكن المتعارف خارجا خروج بعض الاشياء عن المخرج مع الغائط بل يكون نادرا.

و ما قاله العلامة الهمداني رحمه اللّه من عدم ملحوظية الاشياء الطاهرة بنظر العرف بحيث يرون لها آثارا مستقلّة قد صارت من الخصوصيات المصنّفة لماء الاستنجاء حتّى يدعى انه لا يفهم عرفا من الادلة طهارة بعض دون بعض ففيه انه بعد كون مقتضى الدليل طهارة غسالة الاستنجاء من البول و الغائط فلا وجه لطهارة غسالة نجس آخر و ليس وجه لاتباع مسامحة العرف في المقام.

اما الوجه الثاني: ففيه انّه بعد خروجها لا اشكال في نجاسته لبقاء الغائط فى المخرج فاذا صارت متنجّسه بقى الجزء المتمايز بتنجّسه لانها نجاسة خارجية فلهذا الاحوط الاجتناب في هذه الصورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 436

[مسئلة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد و ان كان احوط.

(1)

أقول: اما الاخبار فموردها السؤال عن ملاقى ماء الاستنجاء و ترك استفصال الامام عليه السّلام في الجواب شاهد

على عموم الحكم و ان كان لسبق الماء على اليد دخل كان عليه الاستفصال بمقتضى الحكمة.

و اما وجه الاحتياط الاستحبابى من المؤلف رحمه اللّه من باب احتمال كون المتعارف سبق الماء على اليد و حمل الاخبار على المتعارف و فيه ان هذا غير معلوم.

***

[مسئلة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثم اعرض ثم عاد لا بأس الا إذا اعاد بعد مدة ينتفى معها صدق التنجس بالاستنجاء فينتفى حينئذ حكمه.

(2)

أقول: وجهه خروج المورد عن موضوع الادلة لان مفادها طهارة المتنجس بالاستنجاء و هذا ليس كذلك.

***

[مسئلة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى و الثانية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 437

الاولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد.

(1)

أقول: لشمول اطلاق الادلّة فان الماء المستعمل في الغسلة الاولى و الثانية غسالة الاستنجاء بعد شمول غسالة الاستنجاء لغسالة المستعملة في البول كما قدّمنا.

***

[مسئلة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعى و مع عدمه حكمه حكم ساير النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته.

(2)

أقول: اسراء الحكم الى غير الطبيعي يتوقف على استفادة مناط من الادلة و يقال ان المناط موجود في غير الطبيعى و الا ان كان النظر الى شمول اطلاق الادلة له فمشكل في غير الطبيعى مطلقا حتّى مع الاعتياد لعدم اطلاق لها و ان قيل ان مورد الاسئلة هو وقوع الاستنجاء و الامام عليه السّلام اجاب بعدم البأس بملاقى غسالته بدون استفصال عن كون خروجه عن مخرج الطبيعي و عدمه و ترك الاستفصال يفيد عموم الحكم لكل من الطبيعى و غيره قلت مع كون المتعارف خروجه عن موضع المعتاد لا يكون ترك الاستفصال دليلا على عموم الحكم لاتكائه في الجواب على المتعارف فلا يشمل الدليل غير الطبيعى و ادعاء كون المراد من الاستنجاء هو موضع المعدّ للنجو و ان لم يكن طبيعيا فيقتضى عموم الحكم غير الطبيعى في صورة الاعتياد ففيه انه «لا فرق فى» الحكم بين الاعتياد و عدمه فاسراء الحكم الى غير الطبيعى يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 438

من باب وجود المناط في غيره. نعم لا يمكن كشف هذا المناط في غير الطبيعى مع عدم الاعتياد مثل وقوع ذلك مثلا مرّة من باب

الاتفاق فشمول الحكم له مشكل فالاحوط معاملة غسالة الخبث غير الاستنجاء مع غسالته.

***

[مسئلة 7: إذا شك في ماء انه غسالة الاستنجاء او غسالة ساير النجاسات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شك في ماء انه غسالة الاستنجاء او غسالة ساير النجاسات يحكم عليه بالطهارة و ان كان الاحوط الاجتناب.

(1)

أقول: يحكم عليه بالطهارة لاصالة الطهارة و لا تصل النوبة بما قال «في المستمسك» «1» بعض اعاظم معاصرينا من استصحاب الطهارة السابقة اعنى قبل استعمال الماء في ازالة الخبث و الاستنجاء لان نفس الشك يكفي في اجراء اصالة الطهارة و لا حاجة الى التوصل بالحالة السابقة.

و اما الاحوط في كلام المؤلف رحمه اللّه فهو استحبابى و وجهه كون المورد من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لانا لا نعلم ان المورد يكون مورد حكم العام اعنى عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس او مورد حكم الخاص اعنى عموم ما دل على طهارة غسالة ماء الاستنجاء المخصص للعموم الاول فلهذا قال بالاحتياط الاستحبابى.

***

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 226.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 439

[مسئلة 8: إذا اغتسل في كر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا اغتسل في كر كخزانة الحمام او استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الاكبر او غسالة الاستنجاء او الخبث.

(1)

أقول: قد يدّعى عدم شمول الاخبار المتقدمة ذكرها المستدلة بها على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر لما إذا كان الماء كرّا.

ففيه انه على تقدير تماميّة دالة الاخبار.

تشمل بظاهرها «غير رواية واحدة كانت موردها الماء القليل» الماء القليل و الكثير.

و قد يستدل على عدم شمول الحكم للكثير ببعض الروايات.

الاولى و هي ما رواها صفوان بن مهران الجمال قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض التي ما بين مكة الى المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الحمير و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها قال و كم

قدر الماء قال الى نصف الساق و الى الركبة فقال توضأ منه «1» يدل على جواز الوضوء مع اغتسال الجنب فى الماء و موردها اما خصوص الماء الكر بقرينة سؤاله عليه السّلام عن قدر الماء و جواب السائل بانه الى نصف الساق او الى الركبة» او يكون مطلقا من هذا الحيث و يشمل اطلاقه الكثير و القليل فلا بدّ من تقيدها بما ما دل على التفصيل في الانفعال و عدم انفعال الماء بملاقاة النجس بين القليل و الكثير لان مقتضيها عدم الانفعال بولوغ الكلب فيقيد بما دل على انفعال القليل فتدل الرواية على عدم صدق الغسالة على ما إذا اغتسل

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 440

الجنب في الماء الكثير ان قلت انه لعل كان وجه السؤال عن صيرورة الماء نجسا لاجل ملاقاته مع ولوغ الكلب و مع بدن الجنب المبتلى بالنجاسة غالبا لا من حيث مجرد الغسالة.

اقول انه و لو كان السؤال من هذا الحيث أيضا الّا انّ اطلاق الجواب بانه توضأ منه» دليل على عدم الباس من حيث الغسالة أيضا لان الامر بالوضوء مع كون الماء مستعملا في الغسل على الفرض دليل على عدم اشكال شرعا من هذا الحيث و الا كان على المعصوم عليه السّلام البيان و انه لا بأس به من حيث النجاسة و لكن فيه الباس من حيث كونه مستعملا في الحدث الأكبر.

فالرواية تدل على عدم صدق غسالة الحدث الاكبر على غسل الجنب في الماء الكثير.

الثانية و هي ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع قال كتبت الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء

و يستقى فيه من بئر فيستنجى فيه الانسان من بول او يغتسل فيه الجنب ما حدّه الذي لا يجوز فكتب لا توضأ من مثل هذا الا من ضرورة إليه «1».

فيقال بان موردها و ان كان صورة الضرورة لكن بعد عدم القول بالتفصيل بين الضرورة و غيرها يحمل النهى على الكراهة فتأمل اقول و الوجه الآخر لعدم شمول الحكم لصورة كون الماء لمستعمل كرّا هو انه قد عرفت عند البحث عن اصل المسألة بعد عدم دلالة الاخبار المستدلة بها على عدم جواز استعمال المستعمل في الحدث الأكبر في رفع الحدث.

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 9 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 441

ان العمدة في عدم الجواز هو الشهرة و الشهرة موردها او متيقّنها صورة يكون الماء المستعمل قليلا.

و بهذا الوجه نقول في وجه عدم صدق غسالة الاستنجاء لما اذا استنجى في الكر لانه بعد دلالة الادلة المتقدمة على طهارة ماء الاستنجاء فلو كنّا نحن و هذه الادلّة الدالّة على طهارته لقلنا في الوضوء و الغسل به.

لكن الاجماع المدعى منعنا عن ذلك و إذا كان الدليل منحصرا بالشهرة او الاجماع فقدر المتقين منه ليس الا ما كان الاستنجاء بالماء القليل.

و اما في غسالة الخبث غير الاستنجاء فبناء على نجاستها فلا اشكال في انه لا ترفع خبثا و لا حدثا و اما بناء على طهارتها مطلقا او في خصوص الغسلة الغير المزيلة للعين او في خصوص ما تتعقبها الطهارة فأيضا بعد عدم دليل على عدم جواز رفع الحدث بها الا الشهرة او الاجماع فليست الشهرة و الاجماع فيما إذا كان تطهير الخبث في الكثير.

و اما راية عبد اللّه بن سنان

المتقدمة ذكرها و فيها «الماء الذي يغسل به الثوب و يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه و اشباهه» فمن حيث الدلالة الإشكال فيها و ان منشأ عدم جواز التوضى هو كون الثوب نجسا و لكن الإشكال في سندها و ان ادعى جبر ضعفها بالشهرة و لكن اشكلنا فيه أيضا فلا يمكن التعويل عليها و ان عوّلنا عليها كان اللازم الالتزام بنجاسة الماء و لو كرا أيضا لانا قلنا ان منشأ النهى عن التوضّي كان نجاسة الثوب.

و كيف يمكن الالتزام بنجاسة الكر بملاقاة النجاسة بهذه الرواية الضعيفة في قبال الروايات الكثيرة الدالة على عدم نجاسة الكر بملاقاة النجاسة الا ان يحمل على الماء القليل جمعا بينها و بين ما دل على عدم انفعال الكثير بالنجاسة مثل انفعال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 442

القليل بالنجاسة.

***

[مسئلة 9: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج او مع الغائط يبنى على العدم.

(1)

أقول: لان الاصل عدمه.

***

[مسئلة 10: سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر او الخبث استنجاء او غيره انما يجرى في الماء القليل دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام و نحوها.

(2)

أقول: قد مضى وجهه و الكلام، فيه في المسألة الثامنة فراجع.

***

[مسئلة 11: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو اخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة و كذا ما يبقى في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 443

الاناء بعد اهراق ماء غسالته.

(1)

. أقول: وجهه سيأتي إن شاء اللّه في المسألة السادسة عشر من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء و هو ارتكاز العرفي على ذلك.

***

[مسئلة 12: تطهر اليد تبعا بعد التطهير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: تطهر اليد تبعا بعد التطهير فلا حاجة الى غسلها و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه.

(2)

أقول: اما اليد لانها تطهر كما يطهر ما يغتسل بمعيّتها فلا اشكال في طهارتها و كذا ما تغسل فيه مثل ما إذا جعل الثوب في المركن و غسله بالماء حين غسل الثوب بيده فيقال بطهارتها بالتبع و يأتي الكلام فيه و في طهارتهما مع ما يكون وجهه في طى المسألة 41 من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء إن شاء اللّه تعالى.

***

[مسئلة 13: لو اجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو اجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر و ان عدّ تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة و لكن مراعاة الاحتياط اولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 444

(1)

أقول: بناء على نجاسة غسالة الخبث فهى ليست الا الماء المنفصل عن المحل النجس بمقدار يتوقف تطهير المحل عليه و اما ما زاد على ذلك فهو خارج عن الغسالة فهو طاهر و ان كان متصلا بما ينفصل بعنوان الغسالة.

***

[مسئلة 14: غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول مثلا إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد و ان كان احوط.

(2)

. أقول: قد يقال بان ملاقي غسالة ما يحتاج الى التعدد حكمه حكم المحل النجس قبل الغسل و ان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الثانية لانه بعد غسله مرّة يشك في طهارة الملاقى فيستصحب نجاسته فلا يحكم بطهارته الا بعد الغسل مرّة اخرى.

قد يقال بكون حكم الملاقى حكمه حكم المحل بعد الغسالة في هذا الحيث بمعنى انه ان لاقى الغسالة المرّة الاولى يجب غسله مرة واحدة لان المحل لا يجب غسله بعد هذا الغسل إلا مرة واحدة.

قد يقال بكون حكم الملاقى تابعا للمحل قبل الغسالة و لازمه وجوب غسل الملاقى مرّتين فيما لاقى غسالة ما يجب فيه التعدد و ان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الثانية. قد يقال بان الاخبار الدالة على وجوب التعدد من حيث الغسل في بعض النجسات كالبول متعينها بل ظاهرها ليس الا وجوب التعدد فيه في المتنجس بنفس البول مثلا و اما المتنجس بملاقيه فلا تشمله الادلّة و لا يبعد ذلك.

و بعد هذا ان امكن. ان

يقال بانه في المتنجسات التي لم يرد من الشارع حكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 445

في كيفيّة تطهيرها لا بدّ من ان يرجع الى العرف لانه بعد عدم حكمه مع الابتلاء بها نكشف ان الشارع او كل الأمر الى العرف و العرف بعد ازالة العين عن المتنجس لا يعتبر في تطهيره ازيد من مرة واحده.

فنقول بعدم وجوب الازيد من مرة في ملاقى غسالة ما يعتبر فيه التعدد.

او يقال بعد ما كان الغسل بنظر العرف موجبا لإزالة القذارة التي كانت في المحل و نقلها الى الغسالة فكل مرتبة من القذارة تكون موجودة في الغسالة يجب ازالته بالتطهير و الغسل فان كان الملاقى ملاقيا للغسلة الاولى فالغسالة حيث تكون حاملا للقذارة التي لا ترفع الا بالغسل مرّتين فيجب في ملاقيها الغسل مرّتين.

و ان كان الملاقى للغسلة الثانية فهو و ان لاقى غسالة ما يجب فيه التعدد لكن الغسالة المرّة الثانية على الفرض لا تحمل الّا مرتبة من القذارة ارتفعت على الفرض بهذه المرة فالملاقى لا يلاقى الا مع هذه القذارة فيكفى في غسله مرة واحدة.

فعلى الاول يجب غسل الملاقى مرة و ان كان ملاقيا للمسلة الاولى.

و على الثاني يجب مرّتين ان كان ملاقيا لغسالة المرة الاولى و مرة ان كان ملاقيا لغسالة الغسلة الثانية فان امكن الالتزام بالاول او الثاني كما انه لا يبعد الاحتمال الاول و الاكتفاء بالمرة فهو و الا فمقتضى استصحاب نجاسة الملاقى بعد الغسلة الاولى وجوب الغسلة الثانية كى يتيقن بطهارة ملاقى الغسالة.

***

[مسئلة 15: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 446

(1)

أقول: لاشتراك الملاك لان وجه الاحتياط استحبابا

حسنه لاحتمال النجاسة مع الحجة على خلافه و كذا في غسالته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 447

فصل: فى الماء المشكوك
اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 449

قوله رحمه اللّه

فصل فى الماء المشكوك الماء المشكوك نجاسته طاهر الا مع العلم بنجاسته سابقا و المشكوك اطلاقه لا يجرى عليه حكم المطلق الا مع سبق اطلاقه و المشكوك اباحته محكوم بالإباحة الا مع سبق ملكية الغير او كونه في يد الغير المحتمل كونه له.

(1)

أقول: يقع الكلام في امور:

الامر الاول: في ان الماء المشكوك نجاسته طاهر

الا مع العلم بنجاسته سابقا لاصالة الطهارة في صورة الشك و عدم كون حالته السابقة النجاسة و مع كون حالته السابقة النجاسة يستصحب نجاسته.

الامر الثاني: الماء المشكوك إطلاقه لا يجرى عليه حكم المطلق

لعدم دليل و لا اصل يقتضي ذلك فلا يترتب عليه كل اثر يكون مترتبا على وصف الاطلاق كما لا يحكم عليه بالإضافة لعدم دليل او اصل يدل عليه فلا يترتب عليه كل اثر يترتب على وصف الاضافة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 450

و اما مع سبق اطلاقه فيحكم عليه بالإطلاق للاستصحاب يترتب عليه كل اثر شرعى يكون له.

الامر الثالث: الماء المشكوك اباحته محكوم بالإباحة

لان المرجع في مقام الشك في الاباحة في الموضوعات الخارجية هو اصالة الاباحة كما قرّر في محله الاعلى قول من لا يجرى اصالة الاباحة في الاموال لدلالة الرواية الواردة في الانفال و ما يختص بالامام و هى ما رواها الكلينى عن محمد بن الحسن و عن علي بن محمد جميعا عن سهل عن احمد بن المثنى عن محمد بن يزيد الطبرى قال كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالى ابى الحسن الرضا عليه السّلام و فيها قال «لا يحل مال الا من وجه احل اللّه الخ» «1» فهى ضعيفة السند و ليست شهرة قائمة على أصالة الحرمة في الاموال حتى يقال آنها تجبر ضعفها.

نعم مع كونه في السابق ملكا للغير يستصحب ملكيته كما انه مع كونه تحت يد الغير يحكم بملكية ذى اليد ما لم يثبت خلافه.

***

[مسئلة 1: إذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور كاناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع و ان اشتبه في غير المحصور كواحد في الف مثلا لا يجب الاجتناب عن شي ء منه.

(1)

أقول: اما فيما كان اطراف العلم محصورا كما اشتبه نجس او مغصوب في عشرة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الانفال من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 451

اناء فمقتضى القاعدة المبنية عليها في العلم الاجمالى هو الاجتناب.

و ان كان مشتبها بين اطراف غير محصورة لا يجب الاجتناب للفرق بين الشبهة المحصورة و غيرها.

و اما كون مثال المؤلف رحمه اللّه و هو الواحد بين الف من صغريات الشبهة الغير المحصورة فقابل للمناقشة لعدم كون المثال مطلقا من صغريات الغير المحصورة حتّى على الضابط الذي يذكره المؤلف رحمه اللّه في

المسألة الآتية من كون المعيار ان لا يعد العلم الاجمالى علما و يجعل المشتبه بحكم العدم لعدم كون الاطراف في المثال مطلقا كذلك.

و كذلك على بعض الضوابط الآخر في الغير المحصورة مثل ان يكون الضابط عسر الاجتناب عن الاطراف.

او عدم الابتلاء ببعض الاطراف.

او عدم اعتناء العقلاء بالعلم و ارتكاب الاطراف.

او كون الضرر المحتمل موهوما حيث لا يعتنى به.

***

[مسئلة 2: لو اشتبه مضاف في محصور]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لو اشتبه مضاف في محصور يجوز ان يكرّر الوضوء او الغسل الى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما و ان كانت ثلاثة او ازيد يكفي التوضى باثنين إذا كان المضاف واحدا و ان كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل و ان كان اثنين في أربعة تكفى الثلاثة و المعيار ان يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد و ان اشتبه في غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 452

المحصور جاز استمال كل منها كما إذا كان المضاف واحدا في الف و المعيار ان لا يعد العلم الاجمالى علما و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم فلا يجرى عليه حكم الشبهة البدوية أيضا و لكن الاحتياط اولى.

(1)

أقول: اما في ما كان المشتبه في الاطراف المحصورة فهو كما افاده رحمه اللّه إذا زاد على عدد المضاف المعلوم واحدا و توضأ او اغتسل بالعدد يعلم اجمالا مع هذه الزيادة بانه توضأ او اغتسل بالماء المطلق و لا اشكال.

و اما في الغير المحصورة فالاشكال في المثال كما مضى في المسألة السابقة لان عدّ الواحد في الألف من الغير المحصورة مطلقا قابل المناقشة لما عرفت.

***

[مسئلة 3: إذا لم يكن عنده الّا ماء مشكوك اطلاقه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا لم يكن عنده الّا ماء مشكوك اطلاقه و اضافته و لم يتيقن انه كان في السابق مطلقا يتيمم للصلاة و نحوها و الاولى الجمع بين التيمم و الوضوء به.

(2)

أقول: في المقام و ان علم اجمالا بان المكلف به اما الوضوء و اما التيمم لانه ان كان المشكوك ماء فهو واجد الماء و تكليفه الوضوء و ان لم يكن ماء فهو غير واجد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 453

الماء و قال اللّه «1» تعالى و ان لم تجدوا ماء فتيمّموا فبعد الشك في اطلاق المشكوك و اضافته يعلم اجمالا بوجوب الوضوء عليه او التيمم و يتوهم ان مقتضاه الجمع بين الوضوء و التيمم و لكن بعد كون منشأ الشك كونه واجد الماء و ما يستفاد من الآية الشريفة و بعض الروايات كون وجوب التيمم مشروط بعدم وجدان الماء لا ان يكون وجوب الوضوء مشروطا بوجدانه بل هو مطلق من هذا الحيث فالقدرة الماخوذة في وجوب الوضوء ليست القدرة الشرعية بل القدرة العقلية خلافا لما قاله سيدنا الاستاد آية اللّه الحجة رحمه اللّه و كتبنا بيانه في تقريرات درسه في مبحث التيمم حيث قال في التيمم بان الشرط اى شرط الوجدان يكون شرعيا و بعبارة اخرى القدرة المعتبرة في الوضوء هي القدرة الشرعية لا العقلية ففي حال الشك يكون الشك في الحقيقة في التكليف و انه هل هو مكلف بالوضوء أم لا. فبمقتضى البراءة يحكم بعدم كونه مكلفا بالوضوء» و بعد كون القدرة المأخوذة عقليّة ففي مقام الشك يكون المرجع اصالة الاشتغال لكون التكليف على الفرض فعليا غير مشروط فعليّته بشي ء غاية الامر يشك في انه هل يقدر على امتثال التكليف او لا فبمقتضى العلم الاجمالى لا بدّ عليه من الجمع بين الوضوء و التيمم او الغسل و التيمم.

و اما ما ذكر في وجه كون المورد مورد التيمم فقط باستصحاب عدم وجدان الماء فلا يثبت به الّا كون المورد مورد التيمم لاثبات موضوعه و هو عدم وجدان الماء بهذا الاستصحاب لكن بعد كون وجوب الوضوء مطلقا غير مشروط بالوجدان بل هو مطلق بناء على كون القدرة المأخوذة في ناحية وجوب الوضوء قدرة

عقلية فالاستصحاب لا يرفع وجوب الوضوء فتكون النتيجة مع ذلك الاصل هو الجمع بين الوضوء و التيمم و لكن حيث يكون لدعوى كون القدرة المأخوذة

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 454

شرعيّا مجال نقول بان الاحوط هو الجمع بين الوضوء و التيمم.

***

[مسئلة 4: إذا علم اجمالا ان هذا الماء اما نجس او مضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا علم اجمالا ان هذا الماء اما نجس او مضاف يجوز شربه و لكن لا يجوز التوضؤ به و كذا إذا علم انه اما مضاف او مغصوب و إذا علم انه اما نجس او مغصوب فلا يجوز شربه أيضا كما لا يجوز التوضؤ به و القول بانه يجوز التوضى به ضعيف جدا.

(1)

أقول: اما فيما يعلم اجمالا بكون الماء اما نجسا او مضافا فيجوز شربه لاصالة الطهارة و لا يجوز التوضؤ به لان الشرط في ماء الوضوء هو كونه طاهرا و مطلقا و هو مع هذا العلم الاجمالى يعلم بفقد احد الشرطين تفصيلا.

و كذا فيما علم اجمالا بان الماء اما مغصوب او مضاف فيجوز شربه لاصالة الاباحة و لا يجوز التوضؤ به لان الماء فاقد قطعا لاحد الشرطين المعتبرين في ماء الوضوء و هو الاطلاق و الاباحة.

اما إذا علم اجمالا بان الماء اما نجس او مغصوب لا يجوز شربه لحرمة شرب النجس و المغصوب و هو قطعا مصداق احدهما.

و لا يجوز التوضؤ به لاشتراط ماء الوضوء بالطهارة و الاباحة و هذا الماء على الفرض فاقد لاحدهما.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 455

[مسئلة 5: لو أريق أحد الإناءين المشتبهين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة او الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر و ان زال العلم الاجمالى و لو أريق احد المشتبهين من حيث الاضافة لا يكفى الوضوء بالآخر بلى الاحوط الجمع بينه و بين التيمم.

(1)

أقول: لانه بعد تعلق العلم و ان كان إجمالا تنجز و لازمه حكم العقل بالاجتناب عن الاطراف و فقد بعض الاطراف لا يوجب صرف حكم العقل عن طرف الآخر لان بمجرد العلم جاء حكم العقل و

هو باق فعلى هذا لا يجوز التوضى بالآخر.

و ما قاله المؤلف رحمه اللّه من قوله «و ان زال العلم الاجمالى» فهو مسامحة لانه مع فقد بعض الاطراف بعد تنجز العلم ما زال العلم بل هو باق بحاله و يحكم العقل حكما تعليقيّا بانه ان كان المعلوم في هذا الطرف الباقى و ارتكبت تصحّ عقوبتك.

و ان اريق احد المشتبهين من حيث الاضافة لا يكفى الوضوء بالآخر بعين ما قلنا في الفرض السابق و على هذا حيث انه لا يعلم انه واجد الماء او غير واجد الماء.

فكما بيّنا وجهه في المسألة الخامسة يكون الاحوط الجمع بين الوضوء و التيمم في هذا المورد.

ان قلت انه بعد كونه واجد الماء قبل اراقة احدهما لان المفروض عدم العلم بحالة السابقة في الإناءين و لانه يتنجز العلم الاجمالى فيستصحب كونه واجد الماء بعد اراقة احدهما لانه ان كان ما اريق هو الماء فقد ارتفع الماء و ان كان ما اريق هو المضاف فالماء باق فيشك في بقاء الماء الكلى فيستصحب فيكون من قبيل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 456

استصحاب القسم الثاني من الكلّى الذي يكون الحق فيه جواز استصحاب الكلى و ترتيب اثره.

اقول ان هذا الاستصحاب لا يثبت كون المائع الباقى ماء حتى يكفى التوضؤ به فالاحوط الجمع بين الوضوء به و بين ضم التيمم.

***

[مسئلة 6: ملاقى الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: ملاقى الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة لكن الاحوط الاجتناب.

(1)

. أقول: الظاهر كون مفروض كلامه صورة وقوع الملاقاة بعد العلم.

فنقول إذا علم اجمالا بكون احد الإناءين مثلا نجسا فتنجّز التكليف الواقع في البين و يجب بحكم العقل الاجتناب عن الاطراف اى عن كل من الإناءين و مع العلم

لا مجال لاجراء الاصل في الاطراف لاستلزامه المناقضة فمنشأ عدم اجراء الاصل في الاطراف ليس من جهة التعارض بين الاصل في طرف و بين الاصل الطرف الآخر كما اختاره الشيخ الانصاري رحمه اللّه.

بل من جهة ان نفس العلم يمنع عن اجراء الاصل.

و بعد تعلق العلم و تنجّز الواقع في البين يجب بحكم العقل الاجتناب عن الاطراف.

فاذا لاقى شي ء مع بعض الاطراف بعد تعلق العلم و تنجّزه لا يحكم بنجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 457

الملاقى بالكسر لان الشك بالنسبة إليه بدويّا.

ان قلت بانه بعد الملاقاة يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقى بالفتح و ملاقيه و اما بنجاسة الطرف الآخر فمقتضى هذا العلم هو الاجتناب عن كل من الملاقى بالفتح و الملاقى بالكسر و طرفه قلت اما العلم الاجمالى الاوّل فلا يكون اثره الّا الاجتناب عن الملاقى «بالفتح» و طرفه.

و اما العلم الاجمالى الثاني فلا تنجّز لان شرط تنجز العلم الاجمالى كما بيّنا و حققنا في محله و هو ان يجي ء باعتباره اثر زائد في كل طرف من الاطراف بمعنى وجود الاثر الزائد له على كل حال و اما لو لم يكن كذلك فلا يتنجز و في المقام بعد كون الطرف واجب الاجتناب بحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالى الاول فبعد ملاقاة الملاقى لاحد الطرفين و العلم الجمالى الثاني بان النجس اما في الملاقي و الملاقى و اما في الطرف فان كان النجس في الطرف فلا يؤثر العلم الثاني فليس للعلم الثاني التنجّز على كل حال فلا اشكال في اجراء الاصل بالنسبة الى الملاقى بالكسر فان كان حالته السابقة الطهارة يستصحب طهارته و ان لم يعلم حالته السابقة يحكم عليه بالطهارة لاصالة الطهارة.

هذا كله

بناء على كون المانع من اجراء الاصول في الاطراف نفس العلم الاجمالى.

و اما بناء على كون المانع تعارض الاصلين الجارين في الطرفين فلا بدّ من الالتزام بالتفصيل.

بين ما كانت الحالة السابقة في الاطراف النجاسة ثم علم طهارة بعضها اجمالا فيقال بوجوب الاجتناب عن الملاقى و لو كان الملاقاة بعد العلم لانه بعد ما لم يكن اجراء استصحاب النجاسة في الاطراف موجبا للمخالفة العمليّة لان الاصل لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 458

يجرى في الاطراف فيما يوجب اجرائه مخالفة عملية للعلم الاجمالى في البين و على الفرض لا يكون استصحاب نجاسة الاطراف موجبا لذلك فيجرى الاصل و اثر استصحاب نجاسة الملاقى بالفتح نجاسة ملاقيه على هذا للعلم الاجمالى بطهارة بعض الاطراف.

و بين ما إذا لم يكن الحالة السابقة في الاطراف النجاسة فلا يحكم بنجاسة الملاقى لبعض الاطراف لان اجراء الاصل في الاطراف يوجب المخالفة العمليّة للعلم الاجمالى فالاصلان في الطرفين يسقطان بالتعارض فيكون الاصل في الملاقى «باكسر» بلا معارض فلا يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر. و هذا هو السر في التفصيل بين الصورة الاولى و الثانية من بعض المحشّين على العروة. و نحن حيث اخترنا كون نفس العلم الاجمالى مانعا لعدم امكان اجراء الاصل في اطرافه نقول بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر إذا كان الملاقاة بعد العلم.

و اما إذا كان الملاقاة قبل العلم فيجب الاجتناب عن كل من الملاقى بالفتح و الملاقى بالكسر و الطرف لانه بعد العلم يعلم اجمالا اما بنجاستهما او بنجاسة الطرف فمقتضى العلم الاجتناب عن كلها.

***

[مسئلة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم و هل يجب اراقتهما أوّلا، الاحوط ذلك و ان كان

الاقوى العدم.

(1)

أقول: امّا تعيّن التيمم لما رواها سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 459

معه اناء ان فيهما ماء وقع في احد هما قذر لا يدرى ايّهما هو و ليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا و يتمّم «1».

و لما رواها عمار الساباطى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال سئل عن رجل معه اناء ان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدرى ايّهما هو و حضرت الصلاة و ليس يقدر على ماء غيرهما قال: يهريقهما جميعا و يتمّم «2» المعمول بهما عند الاصحاب بدعوى ان المستفاد منهما تعيّن التيمّم مع انحصار الماء بهما.

و اما اراقتهما حيث يكون المحتمل بل الظاهر من الامر بالاراقة الارشاد الى عدم الاستفادة و الانتفاع بهما او حمل الامر على مجرّد الجواز لوقوعه في مقام توهم الحضر فيقال بجواز الاراقة و التيمّم فلا يدل الامر على الوجوب التكليفي.

و المؤلف رحمه اللّه تعرض للمسألة في المسألة العاشرة أيضا فتمام الكلام و ما ينبغى ان يقال يأتي إن شاء اللّه في المسألة الآتية فراجع.

***

[مسئلة 8: إذا كان إناءان احدهما المعين نجس]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا كان إناءان احدهما المعين نجس و الآخر طاهر فاريق احدهما و لم يعلم انه ايّهما فالباقى محكم بالطهارة و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين و اريق احدهما فانه يجب الاجتناب عن الباقى و الفرق ان الشبهة في هذه الصورة بالنسبة الى الباقى بدوّية بخلاف الصورة الثانية فانّ الماء الباقى كان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 14 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 1، ص: 460

طرفا للشبهة من الاول و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب.

(1)

أقول: اما وجه كون الباقى محكوما بالطهارة لكون الشبهة بالنسبة إليه بدوية كما افاد رحمه اللّه لان العلم الاجمالى بعد اراقة احدهما و ان كان قائما على ان النجس اما هذا الموجود و اما ما اريق و لكن هذا العلم لا ينجّز فيشك في نجاسة الموجود و عدمه فيحكم بطهارته لاصالة الطهار.

و اما الوجه في وجوب الاجتناب عن الباقى في الصورة الثانية لكونه طرفا للشبهة من الاول لتعلق العلم بنجاسة احدهما ثم اريق احدهما فيجب الاجتناب عن الباقى للعلم الاجمالى المنجّز قبل اراقة احدهما.

و اما ما ذكر بعض «1» المحشين «آيت اللّه خوئى» في الصورة الاولى لا يجب الاجتناب عن الباقى إذا لم يكن للماء المراق ملاق له اثر شرعى و الا لم يحكم بطهارة الباقى حيث انه إذا كان له ملاق فيعلم اجمالا اما بنجاسة ملاقى المراق او نجاسة الباقى فيجب الاجتناب عن كل من الملاق بالكسر و الطرف و لكن هذا خلاف فرض المؤلف رحمه اللّه.

***

[مسئلة 9: إذا كان هناك اناء لا يعلم انه لزيد او لعمرو]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا كان هناك اناء لا يعلم انه لزيد او لعمرو و المفروض انه مأذون من قبل زيد فقط في التصرف في ماله لا يجوز له استعماله و كذا إذا علم انه لزيد مثلا لكن لا يعلم انه

______________________________

(1) التنقيح، ج 1، ص 430.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 461

مأذون من قبله او من قبل عمرو.

(1)

أقول: لاستصحاب حرمة التصرف فيه.

***

[مسئلة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضأ باحدهما]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضأ باحدهما او اغتسل و غسل بدنه من الآخر ثم توضأ به او اغتسل صحّ وضوئه او غسله على الاقوى لكن الاحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة و مع الانحصار الاحوط ضمّ التيمم أيضا.

(2)

أقول: ما ذكر في المسألة من جواز الوضوء و الغسل بالماءين المشتبهين حتى مع الانحصار و ما ذكر في آخر المسألة من ان الاحوط ضم التيمم مع الانحصار مناف مع ما ذكر في المسألة السابعة من تعيين التيمم في صورة انحصار الماء بالمشتبهين.

و نحن نقول بان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الرواية امكان الوضوء او الغسل باحد الماءين ثم الصلاة بعده ثم الوضوء او الغسل بالآخر و الصلاة بعده و قد صلى مع الطهارة المائية و نقول توضيحا للمطلب. بان للمسألة صورتين.

الصورة الاولى: ان يكون الماءان المشتبهان بالنجاسة كليهما

قليلين او كان ما يتوضأ أو يغتسل به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 462

ثانيا: قليلا ففي هذه الصورة إذا توضأ أو اغتسل بكليهما بان يتوضأ باحدهما ثم يغسل بدنه بالآخر و يتوضأ به او اغتسل باحدهما ثم يغسل بدنه بالآخر ثم اغتسل ثانيا فيقطع بامتثال الامر المتعلق بالوضوء او الغسل غاية الامر بعد ذلك يكون مواضع الوضوء و الغسل من بدنه محكوما بالنجاسة بحكم الاستصحاب لانه في اوّل آن يقع جزء من الماء الواقع في الاناء الثاني الذي يجرى على بدنه لأن يغسل بدنه به ثم يتوضأ به قبل ان ينفصل الماء عن البدن و يخرج الغسالة و ما يعتبر في التطهير بالقليل يقطع بنجاسة بدنه اما للماء الاول الذي توضأ او اغتسل به كان نجسا و اما لان هذا الماء الثاني يكون نجسا ثم

بعد غسله بذا الماء الثاني و الوضوء يشك في انه هل طهر بدنه أم لا، فيستصحب النجاسة المتيقنة و لهذا و ان صح وضوئه او غسله لكن بدنه الملاقى للمائين محكوم بالنجاسة.

الصورة الثانية: ما إذا كان الماء الذي يتوضأ او يغتسل به ثانيا من المشتبهين

يكون كثيرا فحيث انه بمجرد ملاقاة الماء الكر مع الموضع المتنجس يطهره بدون حاجة الى انفصال الغسالة و غيره مما يعتبر في القليل فلا يكون زمان يقطع الشخص بنجاسة بدنه كى يستصحب ففي هذه الصورة يصح وضوئه و غسله بالماءين المشتبهين و لا يبتلى بنجاسة البدن.

ان قلت انه يعلم بنجاسة بدنه لان بدنه لاقى مع النجس قطعا لكون احد الماءين نجسا فيستصحب أقول انه كما يقطع بنجاسته كذلك يقطع بطهارته و يكون الشك في المتقدم منهما و متأخرهما و حيث يكون كل من الطهارة و النجاسة مجهول التاريخ فلا مجال لاستصحابهما.

اما لعدم اجرائه راسا لكونه شبة مصداقية لقوله عليه السّلام لا تنقض.

و اما للتعارض على اختلاف في ذلك مضى في الاستصحاب و بعد سقوط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 463

الاستصحابين يشك في نجاسة بدنه و طهارته فيحكم بطهارته لقوله كل شي ء طاهر حتّى يعلم انه قذر.

على كل حال في الصورة الاولى.

لو صلى بعد الوضوء او الغسل بكل من المشتبهين صحت صلاته أيضا.

و في الصورة الثانية: لا حاجة الى تكرار الصلاة بل يكفي صلاة واحدة بعد الوضوء او الغسل بهما بالنحو المذكور هذا هو مقتضى القاعدة و العمدة في المقام هو الروايتان المتقدمتان ذكرهما في المسألة السابقة الدالتان بطاهرهما على وجوب اراقة المشتبهين بالنجاسة و التيمم فما نقول في المقام.

اعلم انه تارة يقال بان الظاهر من الامر بالاراقة هو الوجوب التكليفي فقط و كذلك الامر بالتيمم فاذا لو عصى و

توضأ او أغتسل في الفرض مع المشتبهين فقط صح وضوئه و غسله و ان كان مأمورا بالاراقة و التيمم و قد عصى امرهما و استحق لاجله العقوبة لان الامر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

و تارة يقال بان الامر بالاراقة و التيمم حيث يكون مورد توهم الحظر لان ما يأتى بالنظر هو الوضوء و عدم جواز التيمم مع التمكن من الوضوء و تحصيل الطهارة المائية و لكن حيث يكون تحصيل الطهارة المائية بهذه الكيفية مشقة و عسرا غالبا جوّز الشارع اراقتهما و التيمم فلا يستفاد من الامر الا مجرّد الجواز و على هذا فلا يستفاد من الخبرين الا جواز التيمم و اما لو توضأ او اغتسل بالكيفية المتقدمة بالمشتبهين لا اشكال في وقوعهما صحيحا.

و تارة يقال بان الأمر بالاراقة لا للارشاد الى عدم استعمال المشتبهين و الانتفاع بهما و لا الى وجوب الاراقة تكليفا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 464

و يقال بان الامر بالتيمم لا يستفاد منه الا الجواز كما ذكر في الاحتمال الثاني فعلى هذا يصح الاكتفاء بالطهارة المائية.

أقول ان الاقرب بالنظر هو الاحتمال الثاني و على هذا يصح الاكتفاء بالطهارة المائية حتّى مع الانحصار لكن حيث يكون المفتى به عند المشهور بل ادعى الاجماع على اراقة الماء و تعين التيمم كما هو ظاهر الخبرين لان الظاهر من الامر بالتيمم هو كونه على وجه العزيمة و تعينه مع قطع النظر عن وجود القرينة على ان الامر في المقام لا يفيد الا الجواز نقول بان الاحوط الاقتصار على التيمم فافهم.

***

[مسئلة 11: اذا كان هناك ماءان توضأ باحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: اذا كان هناك ماءان توضأ باحدهما او اغتسل و بعد الفراغ حصل له العلم بان احدهما كان نجسا

و لا يدري انه هو الذي توضأ به او غيره ففي صحة وضوئه او غسله اشكال اذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل اشكال و اما إذا علم بنجاسة احدهما المعيّن و طهارة الآخر فتوضّأ و بعد الفراغ شك في انه توضأ من الطاهر او من النجس فالظاهر صحة وضوئه لقاعدة الفراغ نعم لو علم انه كان حين التوضى غافلا عن نجاسة احدهما يشكل جريانها.

(1)

أقول: لعدم كون الصورة الاولى مورد قاعدة الفراغ بناء على اعتبار كون مورد جريانها صورة احتمال كونه متذكرا حال العمل للتعليل الوارد في بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 465

رواياتها او لانّ موردها بحسب ادلّتها ما إذا كان منشأ الترك احتمال الغفلة و الذهول مع احتماله الالتفات حين العمل و ما قال في المستمسك «1» في المقام باجراء قاعدة الفراغ في المورد من باب ان بعض الاخبار الدالة عليها مطلقة و ارتكاز العقلاء يؤيّد اطلاقها مضافا الى دلالة ما رواها الحسين بن ابي العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال حوّل من مكانه و قال في الوضوء: تدره فان نسيت حتّى تقوم في الصلاة فلا امرك ان تعيد الصلاة «2» مثل قوله عليه السّلام فلا آمرك ان تعيد الصلاة على عدم وجوب الاعادة و لا جلها لا بدّ من حمل ما في رواية بكير بن اعين على الحكمة للعلّة.

ففيه أولا ان وجود سيرة و ارتكاز من العقلاء على شمول قاعدة الفراغ لمثل هذا المورد غير معلم و على فرض وجود سيرة ردعها الشارع لما في رواية بكير بن اعين من قوله عليه السّلام «هو حين ما يتوضأ اذكر الخ» و ثانيا نص

ساير الروايات الواردة في قاعدة الفراغ هو خصوص صورة كان منشأ الترك هو الذهول و الغفلة بعد كون بنائه على العمل بالوظيفة فهو لو ترك لا يترك الا للنسيان او الغفلة فلا تشمل المورد الذي يعلم بعدم التفاته و احتمال فعل ما هو وظيفته اتفاقا.

و اما ما قال من التمسك بحسنة الحسين بن ابي العلاء فنقول انّ ظاهرها صورة ترك الادارة و التحريك الواجبة عليه بمقتضى الامر نسيانا فهو غير مربوط بالمقام لانّ مورد القاعدة الشك في العمل بالوظيفة فلو صحت الرواية لا بدّ من ان يقال بعدم ترك ايصال الماء تحت الخاتم نسيانا في الغسل و الوضوء و كيف يمكن القول به.

و ثانيا: لو فرض كون موردها الشك في وصول الماء و عدمه فتارة يكون

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 252.

(2) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 466

الماء الاخر الذي يكون طرفا للماء الذي توضأ به باقيا فحيث يعلم اجمالا بنجاسة هذا الماء لكونه طرفا للعلم الاجمالى او وجوب الوضوء فلا مجال لقاعدة الفراغ لعدم جريان الاصل مع العلم الاجمالى فلا يمكن الاخذ بالرواية في هذه الصورة الّا ان يدّعى انّ الشارع رخّص جريان الاصل في المورد في اطراف العلم الاجمالى و هذا بعيد. و تارة فقد الماء الاخر الّذي كان طرفا للعلم الاجمالى المفروض في المسألة ففي هذه الصورة يمكن اجراء قاعده الفراغ لجريان الاصل في بعض اطراف العلم الاجمالى مع فقد بعض الاطراف فتحمل الرواية على خصوص هذه الصورة و هو بعيد أيضا.

فلا يمكن التمسّك بهذه الرواية في قبال الروايات الواردة في قاعدة الفراغ التي موردها ما قلنا فلا يمكن

رفع اليد عن ظهور هذه الاخبار بهذه الرواية فتأمّل.

***

[مسئلة 12: إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة لا يحكم عليه بالضمان الا بعد تبين ان المستعمل هو المغصوب.

(1)

أقول: لان الضمان متفرع على تفويت مال الغير و هو لا يثبت الا بعد تبيّن كون المستعمل هو المغصوب و لا فرق في ذلك بين كون العلم بكون احد المشتبهين غصبا قبل التصرف او بعد التصرف و ما قيل «1» «القائل آية اللّه الحكيم رحمه اللّه» من انه إذا كان العلم بعد التصرف يعلم اجمالا امّا بالضمان او بعدم جواز التصرف في الآخر

______________________________

(1) مستمسك، ج 1، ص 253.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 467

و بعبارة اخرى يكون الحال من هذا الحيث حال الملاقى فكما انّه إذا كان الملاقاة قبل العلم يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر كذلك إذا كان التصرف قبل العلم يعلم اجمالا امّا بالضمان للتصرّف في احدهما او عدم جواز التصرف في الاخر فيجب بحكم العقل الخروج عن عهدة ما ضمنه و عدم جواز التصرف في الآخر لاجل وجوب موافقة العلم الاجمالى.

و امّا إذا كان العلم قبل التصرف فليس كذلك لعين ما قال في الملاقى بالكسر إذا كان الملاقات بعد العلم و ان كان في محلّه.

لكن مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه هو صورة كون التصرف بعد العلم للتصريح «1» بانه إذا استعمل احد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان فالعبارة صريحة في انّ الاستعمال بعد العلم فما في حاشية بعض آخر من انّ كلام السيد رحمه اللّه يصحّ إذا كان التصرّف بعد العلم و اما إذا كان قبله فلا و ذكر العلم الاجمالي المذكور.

فهو و ان كان في محلّه في حدّ ذاته

لكن حيث يكون مورد كلام المؤلف رحمه اللّه خصوص صورة كون التصرّف بعد العلم الاجمالى لا يناسب التحشى بذلك لان كلام السيد رحمه اللّه ليس له صورتان.

______________________________

(1) لما أ يستفاد ذلك من هذه المسألة 12.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 469

الفهرس

مقدمة من المؤلف 5

جامعية نظر الاسلام 10

العلوم الاسلامية 11

موقعيّة علم الفقه و شرافته 12

ميزة تمتاز بها الاسلام من ساير الاديان 14

امتياز الشيعة 15

امتياز الشيعة، الجهة الاولى 16

الجهة الثانية 18

الجهة الثالثة: فتح باب الاجتهاد عند الشيعة 20

خدمة الشيعة و علمائهم 22

توفيق الشيعة بحفظ الآثار 23

وضع الفقه من الغيبة الى الآن 27

تمركز الروحانية في الشيعة 29

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 470

النّازلة المنكرة الواردة على الحوزة العلميّة في النجف 31

تأسيس الحوزة العلمية في قم المشرّفة 32

تجديد الحوزة بل تأسيسها 34

و اما بعد ارتحاله 37

خطبة الكتاب 39

فى الاجتهاد و التقليد 41

يجب على كل مكلّف أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا 43

يجوز الاحتياط للمجتهد و المقلّد 47

قد يكون الاحتياط في الفعل أو التّرك 52

الاقوى جواز الاحتياط و لو استلزم التّكرار 53

يجب التّقليد أو الاجتهاد في حكم الاحتياط 54

في الضروريات لا حاجة الى التّقليد 54

عمل العامي بلا تقليد و الاحتياط باطل 55

في معنى و مفهوم التّقليد 61

في جواز البقاء على تقليد الميّت 66

اذا عدل عن الميّت الى الحيّ لا يجوز له الرجوع الى الميّت 83

لا يجوز العدول من الحيّ الى الحيّ الّا اذا كان الثّاني أعلم 84

الكلام في وجوب تقليد الأعلم 88

هل يجب تقليد الاورع؟ 98

اذا لم يك للاعلم فتوى في المسألة جاز الرّجوع الى غير الاعلم و لا يجب الاحتياط 99

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 471

اذا قلّد مجتهدا يجوز البقاء على تقليد الميّت ذلك المجتهد 100

حكم عمل الجاهل المقصر او القاصر اذا كان مطابقا للواقع او لرأي من يقلّده حين الالتفات 103

المراد من الاعلم و المرجع في تعيينه 105

حكم تقليد المفضول اذا وافق الافضل في الفتوى 106

لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من أهل العلم كما يجب عليه التقليد 107

طرق ثبوت اجتهاد المجتهد أو أعلميّته مع تحقيق حاله خبر الثّقة في المقام 107

اذا تردّد الأعلم بين مجتهدين 115

شروط مرجع التقليد و تحقيق أدلّتها 119

طرق ثبوت العدالة 132

اذا فقد المرجع بعض الشرائط وجب العدول عنه 150

اذا قلّد غير الجامع للشّرائط كان كمن لم يقلّد 150

اذا قلّد مجتهدا يحرم البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد 151

يجب العلم باحكام العبادات و يكفي العلم الاجمالي 152

يجب تعلّم مسائل الشّك و السّهو بالمقدار الّذي هو محلّ الابتلاء 153

وجوب التّقليد في الاحكام غير الالزامية 154

الكلام في الاحتياط او تردّد الحكم بين حكمين أو أكثر 155

اذا تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد العمل على رأيه الاوّل 156

اذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقّف و التّردد 156

اذا تساوى المجتهدان في العلم تخيّر بينهما مع الكلام في التّبعيض في تقليد كلّ منهما 156

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 472

اذا قلّد مجتهدا يقول بحرمة العدول حتّى الى الاعلم فصار غيره أعلم منه 159

اذا

قلّد مجتهدا بتخيّل انّه زيد فبان عمروا 160

طرق معرفة فتوى المجتهد 161

اذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوى وجب العدول عنه 164

اذا تردّد الأعلم بين شخصين 165

اذا شكّ في موت المجتهد أو تبدّل رأيه أو سقوطه عن اهليّة التقليد يجوز له البقاء حتّى يتبيّن الحال 165

يشترط في المفتي و القاضي العدالة 181

اذا شكّ في أنّ اعماله السّابقة كانت عن تقليد أم لا؟ 183

اذا كان أحد المجتهدين أعلم في بعض المسائل و الآخر في بعض آخر 185

اذا اخطأ المجتهد أو النّافل في بيان الفتوى وجب الاعلام عليه، مع التّعرض لمفاد أدلّة وجوب الاعلام 185

اذا ابتلى في اثناء الصّلاة بمسألة لا يعلم حكمها 189

حكم العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم هو الاحتياط 190

وكيل المجتهد أو المأذون من قبله في التّصرفات العامة ينعزل بموت المجتهد بخلاف المنصوب من قبله قيما أو وليّا 191

إذا بقى على تقليد الميّت من دون تقليد في هذا المسألة كان كمن لم يقلّد 194

من قلّد شخصا ثمّ قلّد غيره ممّن يخالفه في الفتوى هل يجب عليه اعادة أعماله السابقة أم لا؟ و كذا لو عدل عن رأيه الاوّل 195

في ما يمكن أن يستدلّ به على الاجزاء فهي وجوه: الاوّل و الثانى و الثالث 198

الوجه الرّابع 199

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 473

الوجه الخامس 200

الوجه السّادس 201

الوكيل و الوصيّ هل يعملان على طبق تقليدهما أو على طبق تقليد الموكل و الموصي؟ 204

إذا اختلف المتعاملان في التقليد 207

المدار في تعيين من يترافع إليه بين المجتهدين 207

لا يجوز ردّ حكم الحكام

مع تفصيل الكلام في صور العلم بمخالفته للواقع او بخطإ المستند أو الاستناد 217

اذا تبدّل رأى المجتهد فهل يجب الاعلام به على ناقل الفتوى الاولى؟ 219

حكم تعارض بعض الطّرق الّتي يعرف بها رأي المجتهد 220

حكم من عرضت له مسألة لا يعلم حكمها و لا يمكنه الرّجوع فيها إلى الأعلم 223

حكم من مات مقلّده فقلّد غيره ثمّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميّت 226

ما يتحقّق به التّقليد بنحو يجوز مع البقاء عليه بعد موت المجتهد 228

كيفيّة العمل في موارد احتياطات الاعلم 229

في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء كما يجوز له التّبعيض 230

يعسر على العاميّ تشخيص موارد الاحتياط 231

لا يجوز التقليد في أصول الدّين و لا في مسائل اصول الفقه، أو مبادي الاستنباط، أو موضوعات الاحكام على تفصيل 232

تحقيق ما يعتبر فيه الاعلميّة من وظائف المجتهد 234

هل يجب على المجتهد إعلام مقلّديه لو تبدّل رأيه 236

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 474

يجوز للعامي اجراء الاصول في الشّبهات الموضوعيّة دون الحكميّة 236

المجتهد غير العادل لا تثبت له وظائف المجتهد و ان كان ثقة 237

الظنّ برأي المجتهد ليس حجّة إلّا أن يستند إلى ظواهر 238

كتاب الطهارة- فصل في المياه 239

تقسيم الماء المطلق و مضاف و بيان اقسام المطلق و ان ماء المطلق باقسامه طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث 239

الماء المضاف مع طهارة أصله طاهر غير مطهّر من الحدث و الخبث 243

الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه 248

المضاف المصعّد مضاف 248

المطلق و المضاف النّجس يطهر بالتّصعيد 249

اذا

شكّ في مائع انّه ماء مطلق او مضاف 251

المضاف النّجس يطهر بالاستهلاك في الكرّ و الجاري 251

إذا القى المضاف النّجس في الكرّ فخرج عن اطلاق 251

اذا انحصر الماء في المخلوط بالطّين ينحو يخرج عن الاطلاق 252

الماء المطلق و ان كان كثيرا ينجس بتغيّر أحد أوصافه الثّلاثة- الطّعم و اللّون و الرّائحة- بملاقات النّجاسة دون ما لو تغيّر بالمجاورة لها 253

لو لاقى الماء النّجاسة فتغيّر احد اوصافه الثّلاثة بغير وصف النّجاسة 260

لا يعتبر في تنجّسه ان يكون التغيّر بوصف النّجس بعينه 261

لو تغيّر الماء بالنّجاسة عن وصفه العرضى لا الذّاتي 262

لو تغيّر بعض الماء الواحد بملاقات النّجاسة، نجس الباقى ان كان دون كرّ و ان كان الباقى كرّا بقى على الطهارة و طهر به المتغيّر بعد زوال تغيّره 263

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 475

اذا لاقى الماء النّجس و لم يتغيّر ثمّ تغيّر و شكّ في استندا تغيّره الى الملاقات 264

اذا لاقى الماء بعض النّجاسة و تغيّر بسبب المجموع من الملاقى و غيره 264

اذا شكّ في التغيّر او في استناده الى الملاقات او في نجاسة الملاقى، بنى على الطّهارة 267

اذا استند التغيّر الى ملاقات الطّاهر و النّجس معا 267

اذا زال تغيّر الماء من قبل نفسه 269

فصل فى الماء الجارى 275

اعتصام الجارى و لو كان دون الكرّ مع تحقيق ادلّة اعتصام ذى المادّة مطلقا 277

الجارى اذا لم يكن له مادّة، بحكم الرّاكد لا يعتصم الّا بالكريّة 278

حكم الشكّ في انّ للماء مادّة أم لا؟ 286

يعتبر في اعتصام الماء من اتّصاله بالمادة و لا يكفى تقاطرها عليه

287

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 1، ص: 475

تفصيل الكلام في اعتبار دوام المادّة 287

حكم ما اذا انقطع الاتّصال بالمادّة 288

الرّاكد المتّصل بالجارى كالجارى 289

حكم العيون الّتي تنبع في الشّتاء و تنقطع بالصّف 289

اذا تغيّر بعض الجارى دون بعض 289

فصل في الرّاكد بلا مادّة 294

تنجّس الماء القليل بملاقاة النّجس او المتنجّس لا فرق في تنجّس الماء بين كونه واردا على النّجاسة و كونه موردا لها 302

الكر بحسب الوزن 303

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 476

تحديد الكرّ بحقّه الاسلامبول 316

لا بدّ من تحقّق الكرّ دقّة و لا يكفى ما دونه و لو بنصف مثقال 317

ملاقات القليل للنّجاسة مع اختلاف سطوحه او تدافعه 317

الماء الجامد لا يعصم و لا يتمّم الكرّ 319

اذا شك في كرّية الماء 319

اذا شكّ في انّ حدوث الكرّية او ارتفاعها قبل ملاقات النّجاسة او بعدها 324321

اذا وجد نجاسة في الكرّ و لم يعلم انّها وقعت قبل الكريّة او بعدها 324

اذا حدثت الكرّية و الملاقاة في آن واحد 325

اذا لاقت النّجاسة أحد الماءين المعلوم، كرّية احدهما المعيّن 327

اذا لاقت النّجاسة أحد ماءين يعلم بنجاسة احدهما المعيّن 327

اذا لاقت النّجاسة كرّا لا يعلم انّه ماء مطلق او مضاف، او احد كرّين احدهما مطلق و الآخر مضاف 328

القليل النّجس المتمّم كرّا بطاهر أو نجس، نجس 328

فصل فى ماء المطر 330

ماء المطر معتصم بنفسه و ان كان قليلا ما دام تقاطره مستمرّا

من السماء 333

كيفيّة تطهير الثّوب او الفراش بالمطر 343

المطر عاصم للماء القليل و مطهّر له 344

فروع التّطهير بماء المطر 347

الحوض النّجس تحت السّماء يطهر بالمطر 348

تقاطر المطر من السّقف لا يكون مطهّرا 379

اذا ترشّح من موضع النّجاسة على شي ء لم ينجّسه ما دام المطر متّصلا 350

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 477

اذا كان السّطح نجسا فوقع عليه المطر 350

اذا تقاطر المطر من السّقف النّجس 351

التّراب النّجس يطهر بنزول المطر عليه 351

الحصير و الفراش يطهر بالمطر 352

كيفيّة تطهير الاناء المتنجّس بالولوغ او بغيره بالمطر 352

فصل فى ماء الحمّام 359

ماء الحمّام بمنزلة الجارى مع اتّصاله بالخزانة اذا كانت باقى الخزانة وحده او مع ما فى الحياض بقدر الكرّ 359

فصل فى ماء البئر 367

البئر النّابع بمنزلة الجارى معتصم بالمادّة مع الكلام في أخبار النّزح 369

اذا تغيّر ماء البئر بالنّجاسة ثمّ زال تغيّره بنفسه طهر 377

بطهر الرّاكد النّجس باتّصاله بالكرّ و ان لم يمتزج به و كذا اتّصاله بالجارى و كذا بماء المطر 378

لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التّطهير 381

الكوز المملوّ من الماء النّجس اذا غمس في الحوض يطهر 382

الكلام في الماء المتنجّس بالتغيّر اذا زال تغيّره بإلقاء الكرّ عليه 382

طرق ثبوت النّجاسة و تحقيق ادلّة عموم البيّنة و الكلام في حجّية خبر العدل الواحد و حجيّة قول ذى اليد 383

اذا تعارض خبر ذى اليد مع البيّنة و الكلام في تعارض البيّنتان 387

اذا تعارض شهادة الاثنين مع شهادة الاربعة 389

طرق ثبوت الكرّيّة 390

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1،

ص: 478

يحرم شرب الماء النّجس و يجوز سقيه للحيوانات و الاطفال و يجوز بيعه مع الاعلام 391

فصل فى الماء المستعمل 395

الماء المستعمل في الوضوء و الاغسال المندوبة طاهر و مطهّر من الحدث 397

القطرات الّتي تقع على الاناء عند الغسل لا تمنع من الغسل بمائه 430

شروط طهارة ماء الاستنجاء و بعض فروعها 432

اذا خرج الغائط من غير مخرج الطّبيعى 437

اذا تردّد الماء بين ان يكون غسالة الاستنجاء و غسالة غيره 438

الاغتسال او الاستنجاء بالماء الكثير لا يستوجبان لحوق حكمهما له 439

اذا شكّ في وصول النّجاسة من الخارج او مع الغائط يبنى على العدم 441

الكلام في بعض ما يطهر تبعا 443

ما يجرى على المحلّ زائدا على المقدار المعتبر في التّطهير، طاهر لا يلحقه حكم الغسالة 443

غسالة ما يحتاج الى التعدّد هل يعتبر في التّطهير منها التعدّد أو لا؟ 444

غسالة الغسلة الاحتياطيّة 445

فصل فى الماء المشكوك 447

الماء المشكوك طهارته مع عدم سبق النّجاسة طاهر 449

اذا اشتبه نجس او مغصوب في محصور اجتنب الجميع و لو كان في غير محصور لم يجتنب 450

اذا اشتبه المضاف فى محصور أو غيره 451

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص: 479

اذا انحصر الماء بما يشكّ في اطلاقه 452

اذا علم اجمالا بنجاسة الماء او اضافته أو باضافته او غصبيّته او بنجاسة او غصبيّته 454

اذا اريق أحد المشتبهين بالنّجاسة او الاضافة 455

ملاقى احد أطراف الشبهة المحصورة 456

إذا انحصر الماء بالمشتبهين بالنّجس 458

اذا كان احد الإناءين المعيّن نجسا و الآخر طاهرا فاريق احدهما و لم يعلم انّه ايّهما 459

اذا تردّد

الماء بين شخصين قد أذن احدهما او علم انّه لشخص معيّن و تردّد الاذن بينه و بين غيره 460

اذا علم بنجاسة احد الماءين الّذين قد توضّأ من احدهما 464

اذا استعمل احد المشتبهين بالغصبيّة فهل يحكم عليه بالضّمان 466

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.